الآن يمكنكم الاستماع إلى الكتاب عبر الرابط
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿1﴾ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴿2﴾ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿3﴾ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿4﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يُحْسِنون مُعامَلة أزواجهم ويحرصون علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم ، فإنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن أسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا (برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿1﴾ " أيْ بالتأكيد لقد عَلِمَ الله تعالي واسْتَمَعَ لقول التي تُحاوِرك يا رسولنا الكريم في شأن زوجها حيث كان بينهما خلاف زوجيّ وكانت تَرفع مشكلتها إلي الله طالِبَة الحل العادل عنده وهو الذي حتما يسمع ويعلم الحوار بينكما وشكواها وذلك لأنَّ له كلّ صفات الكمال الحُسني والتي منها أنه سميعٌ يسمع بتمام السمع والإدراك كلّ شيءٍ عن أيّ شيءٍ وبصيرٌ يَرَيَ بكامِل الرؤية كل شيءٍ وبالتالي فهو بلا أيّ شَكّ يُعطيكم أيها الناس التشريع المناسب الذي يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
ومعني " الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴿2﴾ " أيْ الذين يُظاهِرون منكم أيها المسلمون من نسائهم بأن يقولوا لهنَّ أنْتُنَّ علينا كظَهْر أمهاتنا أيْ مُحَرَّمات علينا إلي الأبد كظهرِ أمّهاتنا أيْ كجسد أمهاتنا أيْ لا نُجَامِعْكُنَّ ، فتُصبح الزوجة كأنها مُطَلَّقة لكنها لا تُطَلّق من زوجها لتتزوج غيره ، فالذين يفعلون ذلك حتما مُخطِئون ظالمون فيما يقولون لأنَّ زوجاتهم قطعا لسْنَ بأمهاتهم فأمهاتهم هنَّ النساء اللاتي ولدنهم وأرضعنهم وقُمْنَ برعايتهم حتي كبروا !! .. " .. وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا .. " أيْ وأمثال هؤلاء بالتأكيد يقولون قولا منكرا يُنكره أيْ يرفضه شرع الإسلام وأيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ لأنه منكر أيْ قبيح فظيع فاسد شَرِّيّ مُضِرّ مُتْعِس ، وزُورا أي كذبا شديدا مُخالفا تماما للحقيقة ، لأنَّ الله تعالى لم يُحَرِّم الزوجة على زوجها كما حَرَّمَ عليه أمه .. وفي هذا ذمّ شديد لمَن يقول ذلك ، فلا يفعله إذَن أحد .. " .. وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴿2﴾ " أيْ ومع ذلك فهو سبحانه حتما وبكل تأكيد عَفُوّ أيْ كثير العفو عن كل السيئات السابقة أيْ الشرور والمَفاسد مهما كبرت وعظمت أيْ يُسقطها ويزيلها ويمحوها كأن لم تكن ولا يُعَاقِب عليها ويُسامح فاعلها بل ويَدفع عنه آثارها السيئة المُتْعِسَة ويُوفّقه لكل خيرٍ فيسعد تمام السعادة في الداريْن بفِعْله الخير بعد توبته واستمراره عليه وإنْ عاد لأيِّ شرٍّ تاب منه سريعا أوَّلاً بأوّل فيَستره ويُعينه ويُسعده ، وهو غفور أيْ كثير المغفرة يعفو أيضا عن الذنوب ، وهذا مزيدٌ من التأكيد علي العفو ، وذلك لكلّ مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، فهو الرحيم كثير الرحمة الذي رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
ومعني " وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿3﴾ " أيْ والذين يُظاهِرون منكم أيها المسلمون من نسائهم ثم يَنْدَمون على ما فعلوا ويعودون عمَّا قالوا ويريدون أن يرجعوا إلى مُعَاشَرَة زوجاتهم واستمرار الحياة الزوجية ، فعليهم في هذه الحالة تحرير عَبْد من العبيد – إنْ كان يوجد عبيد – من قبل أن يتماسَّا أيْ يتقابَلَا في الجماع الجِنْسِيّ بينهما ، كتأديبٍ لهم على هذا القول والفعل المُنْكَر فلا يعودون إليه مستقبلا حيث قد وجدوا تكلفته الدنيوية عالية إضافة لإثمه في الآخرة .. " .. ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ .. " أيْ ذلك الذي نُشَرِّعه لكم ونُوصِيكم به أيها المسلمون هو من أجل أن تَتَّعِظوا به وتتدبَّروا فيه وتستفيدوا بدروسه فلا تفعلوا شراً يضرّكم ويُتعسكم بل كلَّ خيرٍ فتَصْلُحوا وتَكْمُلوا وتَسعدوا في دنياكم وأخراكم .. " .. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿3﴾ " أيْ وهو حتما سبحانه دوْمَاً خبير أيْ عليم بتمام الخِبْرة وبكلّ دِقّة بما تعملونه وتقولونه سواء في سِرِّكم أو علانيتكم وسيُحاسبكم عليه في الداريْن بالخير خيراً وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. وما دام الأمر كذلك فتمسّكوا واعملوا إذَن بكل أخلاق إسلامكم
ومعني " فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿4﴾ " أيْ هذه بعض مَظاهِر تيسير الإسلام حتي في العقاب علي المُستَحِقّين له ، أيْ فمَن لم يجد منكم أيها المسلمون عبدا لتحريره أو لم يجد المال الذي يشتريه به أو ما شابه هذا من عقبات ، فعليه في هذه الحالة أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسَّا أيْ يتقابَلَا في الجماع الجِنْسِيّ بينهما ، فمن لم يستطع الصوم لسبب من الأسباب كمرض أو غيره فعليه حينها أن يطعم ستين مسكينا بأن يُقَدِّم لهم ما في إمكاناته من طعام مُعْتَدِل يُناسبهم ويَكفيهم ويُشبعهم ما استطاع .. " .. ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ .. " أيْ شَرَعْنا ذلك وأوصيناكم به لتكونوا مُطيعين لله ورسوله بتَرْك كلّ شَرٍّ وفِعْل كل خيرٍ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام المُسْعِدَة تمام السعادة في الداريْن ورفض كل ما هو من أفعال غير المسلمين كالظّهار الذي سَبَقَ ذِكْره وغيره التي تضرّكم وتتعسكم فيهما ، فالطاعة هي الإيمان ، هي الدليل علي الإيمان أي التصديق بالله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره .. لقد شرعناه لتُعِيدوا تجديد إيمانكم بالله ورسوله وتُدَاوِموا عليه ويزداد ويكتمل عملكم بكل أخلاق إسلامكم المُسعدة تماما لكم حيث فِعْل مثل هذه الشرور يُبعدكم عن ربكم وإسلامكم ويُتعسكم في دنياكم وأخراكم بقَدْر قيمة الشرّ والفساد والضَرَر الذي تفعلونه فلمّا تتوبوا وتَغْرَموا شيئا ما يُناسب خطأكم تستفيقون وتَقْوَيَ إرادة عقولكم وتعودون للخير وللسعادة التامّة ولا تفعلونه أبدا مستقبلا كلّما تذكّرتم أضراره الدنيوية والأخروية .. " .. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ .. " أيْ وهذه التشريعات والأخلاقيات والنّظُم والوصايا التي نوصيكم بها هي حدود الله تعالي أيْ الحواجز التي علي الناس ألا يَتَخَطّوها لأنَّ تَعَدِّيَها وتجاوزها يُوقعهم فيما هو مُحَرَّم عليهم أيْ في الشرور والمَفاسد والأضرار التي تضرّهم وتتعسهم في دنياهم وأخراهم .. " .. وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿4﴾ " أيْ وللذين لا يُصَدِّقون بوجود الله وبرسله وبآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، وبتشريعاته وبأهميتها ولا يعملون بها بل يُخالِفونها ويَتَعَدّونها ويفعلون السوء لهم حتما عذاب مؤلم مُوجِع في دنياهم بدرجةٍ من الدرجات بما يُناسب فِعْلهم كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة ما فيه ألم وكآبة وتعاسة ، ثم في أخراهم ينالون ما هو أعظم وأتمّ وأشدّ عذابا وتعاسة
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿5﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ متمسّكا عاملا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مُوقِنَاً أيْ متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ أنّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿5﴾ " أيْ إنَّ الذين يُخالِفون ويُعانِدون دين الله ورسوله ويُعادونه ويُحاربونه هو والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، كُبِتُوا أيْ سيُذَلّون ويُهانون ويُهزَمون ويُعَذّبون ويُهْلَكون كما كُبِتَ السابقين أمثالهم الذين فعلوا ذلك .. " .. وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ .. " أيْ وهؤلاء ومَن يُشبههم ليس لهم أيّ حجَّة في مُحَادَّتهم هذه حيث قد أنزلنا آيات بينات أيْ دلالاتٍ واضِحات قاطِعات دامِغات تُثبت صِدْق رسلنا وأنهم من عندنا وأننا وحدنا المُسْتَحِقّين للعبادة أي الطاعة وأنَّ ديننا الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها ، سواء أكانت هذه الآيات مُعجزات تُؤَيِّد صِدْق الرسل الكرام أم آيات في الكوْن حولهم أرشدوهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في كتبنا وآخرها القرآن العظيم تُتْلَيَ وتُقْرَأ عليهم فيها أخلاقيّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وَجْه .. وفي هذا تحذيرٌ شديدٌ لهم لعلهم يستيقظون ويعودون لربهم وإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ، كما أنه طمْأَنَة للمسلمين أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة .. " .. وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿5﴾ " أيْ بالقطع سيكون لهم في دنياهم كلّ عذاب يُهينهم ويحطّ مِن شأنهم ليكون مُقابِلا لمُعاداتهم وتكذيبهم وعِنادهم لله ورسله وقرآنه وإسلامه والمسلمين واستكبارهم عليهم وإيذائهم لهم ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُعَذّبا مُهينا لهم ، ثم قطعا سيكون لهم في أخراهم من العذاب ما هو أشدّ إهانة وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿6﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿7﴾ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿8﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿9﴾ إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿10﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ علي الدوام (برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، وذلك من خلال التمسّك بكل أخلاق الإسلام (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، وسيَدْفعه أيضا لأنْ يُحْسِن طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿6﴾ " أيْ اذْكُر وذَكِّر مَن حولك يا كل عاقل لكي تَتَّعِظوا وتُحسنوا الاستعداد ، اذكروا يوم القيامة ، يوم يبعث الله تعالي الخَلْق جميعا – بمَن فيهم قطعا الكافرين الذين ذُكِرُوا في الآية السابقة – بأجسادهم وأرواحهم مِن قبورهم بعد كوْنهم ترابا ويُخبرهم بكل ما عملوا وقالوا ليُحاسبهم عليه بتمام العدل بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة حيث قد حَصَره وجَمَعه وحَفِظه سبحانه تمام الإحصاء والحفظ وسَجَّله في كتبٍ خاصة بكل واحد منهم بكل دِقّةٍ بينما نَسُوه هم لكثرته وتنوّعه حيث لا يمكن للإنسان أن يتذكّره كله بتفاصيله في كل حياته ، فيُذَكِّرهم تعالي به ، لأنه علي كل شيء شهيد أيْ كثير الشهود أيْ شاهِد علي الدوام لكلّ شيءٍ مِن أقوالهم وأفعالهم مِن خيرٍ أو شرٍّ سواء أكان ظاهرا أم خَفِيَّاً ، يراه بتمام الرؤية ويسمعه بتمام السمع ولا ينسَيَ شيئا .. فانتبهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
ومعني " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿7﴾ " أيْ هذا دليلٌ علي كمال علمه تعالي وأنه علي كل شهيد ، أيْ ألم تُشاهِد يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم تشاهدوا وتتدبّروا وتعلموا أيها الناس ، والاستفهام للتقرير أي لكي يُقِرّوا ويَعترفوا بذلك ، أي لقد رأيتم وتأكّدتم أنَّ الله تعالي مِن تمام قُدْرته وعلمه يعلم كلّ شيءٍ ظاهِرٍ أو خَفِيٍّ عن كل مخلوقاته في كل كوْنه في أيِّ زمانٍ ومكانٍ وأنَّ ما يَحدث من تَنَاجِى ثلاثة أفراد فيما بينهم إلا وهو يعلمه كأنه حاضر معهم ومشاهد لهم كما يعلمه فردٌ رابع حين يكون معهم في هذا التَّنَاجِي ، والنَّجْوَيَ هي الكلام الخافِت في السِّرّ ، ولا يكون التناجي بين خمسة إلا وهو معهم يعلم ما يتناجون به كما يعلم ذلك سادسهم فيما لو كان التناجي بين ستة أفراد ، ولا يقع التناجي بين ما هو أقل من ذلك العدد أو أكثر – كالاثنين وكالسِّتَّة وأكثر – إلا وهو سبحانه يعلم علما تاما ما يجرى بينهم في أىِّ مكانٍ وعلي أيِّ حالٍ كانوا .. " .. ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿7﴾ " أيْ ثم يُخْبِرهم تعالي يوم القيامة بكل ما عملوه وقالوه في دنياهم صَغُرَ أم كَبُرَ ظَهَرَ أم خَفِيَ ويُحاسبهم عليه بالخير خيرا وسعادة ويزيد وبالشرِّ شرَّاً وتعاسة أو يعفو بكل عدل دون أيّ ذرّة ظلم لأنه حتما بكل شيء عليم أي كثير العلم أي يعلم بعلمٍ ليس بعده علم أكثر منه كلّ شيءٍ تُظهرونه أو تُخفونه فلا تَخْفَيَ عليه خَافِيَة في الكوْن كله .. فانتبهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
ومعني " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿8﴾ " أيْ ألم تُشاهِد يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم تشاهدوا وتتدبّروا وتعلموا أيها الناس ، هؤلاء الذين مُنِعُوا من التَّحَدُّث في الشرِّ من خلال أخلاق الإسلام لأنَّ ذلك يَضُرّ ويُتْعِس ، سواء أكانوا منافقين يُظْهِرون الخير ويُخفون الشرَّ أم مسلمين تاركين لإسلامهم كله أو بعضه ، ثم بعد ذلك يعودون للتحدّث فيه بعدما مُنِعُوا منه رغم علمهم بالمنع وفوائده مُخَالِفين للإسلام فيتحدثون بكل شرٍّ وعدوانٍ علي الآخرين وعصيانٍ لله ورسوله ﷺ ويفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار والتي منها سوء الأدب حتي عند التَّحِيَّة حيث يُحَيُّون غيرهم بتَحِيَّةٍ ساخرةٍ أو فاحشةٍ أو مُضِرَّةٍ بضَرَرٍ مَا بما لم يُوصِ به الله تعالي من تحياتٍ تُفيد نشر الأمن والحب والتعاون والسعادة بين الناس .. " .. وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ .. " أيْ ومن شِدَّة سُوئهم وعدم مُبَالاتهم وإصرارهم علي الشرّ ونسيانهم أو تكذيبهم لحساب الآخرة ولعقاب الدنيا قبلها بصورةٍ ما من صور العقاب يقولون في دواخل عقولهم أو فيما بين بعضهم استهزاءً واستخفافا واسْتِبْعادا لأيِّ عقاب وإساءةً لاستخدام رحمته تعالي حيث يُمهلهم ولا يُهملهم لكي يستفيقوا ويعودوا لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ، يقولون لو كان ما يقوله الإسلام ومنه عذابنا في دنيانا وآخرتنا صادقا لكان الله عذّبنا في الدنيا أولا التي نراها ونعيشها بما نقوله ونفعله قبل عذاب الآخرة هذا الذي يُقالُ عنه !! .. " .. حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿8﴾ " أيْ يَرُدّ تعالي علي أمثال هؤلاء ومَن يَتَشَبَّه بهم بما يُخيفهم ويُذِلّهم ويُهينهم وبما يُسَلّي المسلمين حتي لا يحزنوا لإساءاتهم فيُخبرهم أنه يكفيهم عذاب جهنم حيث يَحترقون وتُشْوَيَ أجسادهم بنارها ، فما أسوأ هذا المَرْجِع والمستقبل والمصير الذي يصيرون إليه وهو النار يُعاقَبون فيها علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ، إضافة حتما إلي بعض عذابٍ دنيويٍّ بصورةٍ من الصور بما يناسب أفعالهم كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة ما فيه ألم وكآبة وتعاسة .. وفي هذا تسلية وطَمْأَنَة وتَبشير وإسعاد للمسلمين المُحسنين المتوكّلين علي ربهم المُستعينين دوْما به ، كما أنه تهديد وتحذير للمُسيئين لعلهم يَستفيقون ويَعودون لربهم ولإسلامهم ليَسعدوا في الداريْن
ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿9﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره إذا تَحَدَّثتم فيما بينكم ومع غيركم سِرَّاً أو جَهْرَاً بأيِّ حديثٍ فلا تتحدَّثوا بالشرّ والظلم والاعتداء علي الآخرين بالقول أو بالفعل وبمُخالَفَة الرسول ﷺ والتي هي مُخَالَفَة لأخلاق الإسلام ولكن تحدّثوا دائما بالخير المُفيد المُسْعِد لكم ولغيركم وبما فيه وقاية لكم من كل شرٍّ وسوءٍ وتعاسةٍ في دنياكم وأخراكم .. " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿9﴾ " أيْ وكونوا دوْما من المُتَّقين لله أيْ الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، لأنكم حتما ستُجْمَعون إليه سبحانه لا إلي غيره يوم القيامة وسيُحاسبكم علي الخير خيراً وسعادة وعلي الشرِّ شرَّاً وتعاسة فأحسنوا إذَن الاستعداد لذلك بفِعْل كل خيرٍ وترك أيّ شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم
ومعني " إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿10﴾ " أيْ ليس الحديث بين أهل الشرّ سِرَّاً أو عَلَنَاً بكلّ شرٍّ وعدوانٍ علي الآخرين وظلمٍ لهم وعصيانٍ لله ورسوله ﷺ أيْ بما يُخالِف أخلاق الإسلام والذي يؤدّي إلي فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار ، إلا من الشيطان ، والشيطان في لغة العرب هو كل مُتَمَرّد علي كل خيرٍ مُفْسِدٍ بعيدٍ عن الحقِّ وعن رحمات ربه ، وهو رمز لكل تفكير شرّيّ يخطر بالعقل ، وقد سَمَحَ سبحانه بهذا التفكير الشرّيّ وجَعَله صفة من صفات عقول البَشَر ليُقارِنوا بين الخير ومنافعه وسعاداته والشرّ وأضراره وتعاساته إذ بالضِدّ تتميّز الأشياء فيحرصون علي الأول وهو الخير أشد الحرص ويتمسكون به دوْما لمصلحتهم ولسعادتهم وينبذون الثاني وهو الشرّ ويلفظونه ، وبه أيضا تتحقق حرية اختيار الإنسان لاتجاهاته في حياته ويتحقق العدل في جزاء الآخرة لمن اختار خيرا فله كل الخير ومن اختار شرَّاً فليس له إلا الشرّ بما يناسب أفعاله (برجاء أيضا مراجعة الآيات ﴿27﴾ حتي ﴿30﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا حينما يتّخذ الشيطان دائما عدوا له﴾ .. " .. لِيَحْزُنَ الَّذينَ آمَنُوا .. " أيْ وهذا الذي يقولونه ويفعلونه هو لكي ينشروا الحُزْن والألم والتعاسة بين أهل الخير بل بين عموم الناس فيتعسوا في دنياهم وأخراهم ، لأنهم قد عَطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها بسبب شِدَّة حرصهم علي تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوماً ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. فلْيَتَجَنّبه إذَن كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ يريد أن يَسعد وغيره في الداريْن .. " .. وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿10﴾ " أيْ فلْيَطْمَئِنّ ويَستبشر أهل الخير أنهم لن يضرّهم هذا السوء ضَرَرَاً مَا إلا بأمر الله وإرادته وما كَتَبَه لهم ليَخرجوا منه مُستفيدين استفاداتٍ كثيرة في دنياهم وأخراهم (برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ من سورة التوبة " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .. ثم مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن فوائد الصبر وسعاداته في الدنيا والآخرة لمن يصبر علي اختبارٍ أو ضَرَرٍ ما أصابه .. ثم مراجعة الآية ﴿111﴾ من سورة آل عمران " لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى .. " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، ولْيَتركوا ولْيَتَرَفّعوا عن إيذائهم ومُقابَلتهم بالإساءة كما يفعلون معهم فإنَّ ذلك هو خُلُق الإسلام كما أنه قد يؤثر فيهم ويستفيقون ، كذلك ليتركوا جانبا ولا يهتمّوا ولا يتأثّروا أبدا بإيذائهم ولْيَصبروا عليه وليستمرّوا في تمسّكهم بإسلامهم ودعوتهم له بكل قُدْوةٍ وحِكْمة وموعظة حَسَنة .. ويكفي المؤمنون كفاية تامّة ولن يحتاجوا قطعا غير ذلك أو أفضل منه أنَّ الله تعالي خالقهم القوي المتين القادر علي كل شيء الودود المُحِبّ لهم الرحيم بهم هو وكيلهم ، أيْ الحافظ لهم المُدافِع عنهم ، فهل يحتاجون وكيلا آخر بعد ذلك ؟!! فليكونوا دائما من المتوكّلين أيْ المُعتمدين عليه سبحانه مع إحسان اتِّخاذ الأسباب المُمْكِنَة ، وليطمئنوا اطمئنانا كاملا وليستبشروا ولينتظروا دائما كل خير ونصر وسعادة في دنياهم ثم أخراهم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿11﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا اجتهدتَ ما استطعتَ أن تكون في تمام الرحمة والشفَقَة والرأفة والرِّفق واللين والسهولة واليُسْر والقُرْب والمَحَبَّة والوُدّ والبَشَاشَة والنصح والتعاون والخدمة ، مع جميع الخَلْق – غير المُعتدين قطعا – خاصة المسلمين فإنَّ هذا مِمَّا يُسعدك أنت ومَن حولك إذا بادَلوك هم أيضا بهذه الأخلاقيات الإسلامية المُسْعِدَة في الدنيا والآخرة .. وإذا كنتَ مُتَعَلّما لا جاهلا ومُتَخَصِّصَاً في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة المختلفة لأنه بانتشار العلم والعلوم والعلماء يَرْقَيَ الناس في معاملاتهم ويتطوّرون ويسعدون في دنياهم وأخراهم بينما بانتشار الجهل والجهلاء يتخلّفون ويتعسون فيهما
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿11﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره حينما يُطْلَب منكم – أو تستشعرون ذلك – أن تَتَوَسَّعوا في مجالسكم ، مجالس الخير سواء في بيوتكم أو أعمالكم أو مساجدكم أو نواديكم أو غيرها ، لكي تَتَّسِعَ لأكبر عددٍ من إخوانكم ، فاستجيبوا ، مع مراعاة ألاَّ يتأذّيَ أحدٌ ، لأنَّ فِعْلكم هذا يؤدّى إلى أن يَفْسَح الله تعالى لكم في كل شيء تحبونه في دنياكم وأخراكم من خيرات وأرزاق ورحمات ومَكَانات عاليات وسعادات غامِرات حيث لم يُحَدِّد سبحانه ما الذي سيَفْسَحُ لكم فيه في الداريْن ، وذلك بسبب أنَّ هذا التَّوَسُّع يؤدى إلى ازدياد الحب والتراحم والتآخِي والتعاون والترابط والسعادة بينكم وهو مِمَّا يطلبه الله والإسلام منكم ويحبه لكم ويجازيكم عليه من كرمه وفضله أعظم الجزاء حيث يُجازِي علي العمل حتي ولو ظهر قليلا أعظم الجزاء لأنَّ له أثره العظيم بين الناس .. " .. وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا .. " أيْ ولو طُلِبَ منكم – أو استشعرتم – أن تَنْهَضُوا لأداء خيرٍ مَا فانهضوا بهِمَّة وقوة ما استطعتم استجابة لتلبية هذا الطلب الخيريّ المُسْعِد لكم ولغيركم في دنياكم وأخراكم .. " .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .. " أيْ إنْ تفعلوا ذلك ، وتَتَّبِعوا هذه الوصايا وغيرها من أخلاق الإسلام ، وهو مِمَّا يدلّ علي إيمانكم وعلمكم ، ففي مقابله وكعطاءٍ كريمٍ منه سيَرفع الله المؤمنين المُخلصين المُحسنين منكم درجات ومَقامات ويعطيهم خيرات ورحمات وتيسيرات عظيمات في الدنيا والآخرة (برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل) ، وسيَرفع المتعلمين لا الجاهلين المُتَخَصِّصين منكم في أيِّ مجالٍ من مجالات الحياة المختلفة درجات أعظم وأكبر فيهما بسبب ما تَعَلَّموه وتَخَصَّصوا فيه ونَفَعوا به ولم يضرّوا أنفسهم وغيرهم ، لأنه بانتشار العلم والعلوم والعلماء يَرْقَيَ الناس في معاملاتهم ويتطوّرون ويسعدون في دنياهم وأخراهم بينما بانتشار الجهل والجهلاء يتخلّفون ويتعسون فيهما .. وفي هذا تكريمٌ للعلم والتَّخَصُّص وتشجيع عليه لفضله العظيم ومكسبه الكبير في الدنيا والآخرة ، فالله تعالي يرفع قيمة الإنسان ومكانته فيهما بإيمانه وحُسن قوله وعمله وفكره وعلمه وتخصّصه ونحو هذا .. " .. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿11﴾ " أيْ وتذكّروا دوْماً أنَّ الله عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بما تعملونه وتقولونه كله سواء في سِرِّكم أو علانيتكم لا يَخْفَيَ عليه شيء وسيُحاسبكم علي ذلك بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة في الداريْن بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فأحْسِنوا إذن العمل دائما وافعلوا كلَّ خيرٍ واتركوا كلّ شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿13﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِمَّن يَحترمون المسئولين في أيِّ عملٍ من مجالات الحياة المختلفة ويُقَدِّرون مَشاغلهم ويحرصون علي المحافظة علي أوقاتهم فلا يتحدثون معهم إلا فيما يَهمّ وليس في كل شيء ولا كل وقت ولا فيما يمكن لغيرهم القيام به وذلك توفيرا لأوقاتهم ليتمكنوا من أداء مسئولياتهم ونفع الناس وإسعادهم .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحسنون استقبال القرآن العظيم وسُنَّة الرسول الكريم ﷺ بدوام فِعْل أيِّ خيرٍ من صدقة وصلاة وزكاة وعلم وعمل نافع للنفس وللغير ونحو هذا مِمَّا يُجَهِّز العقل بتحريك مشاعر الخير والإحسان فيه فيُحْسِن بذلك فهم معاني القرآن والسُّنَّة وسرعة تطبيقها للانتفاع والسعادة بها في الدنيا والآخرة
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ " أيْ هذا خُلُقٌ من أخلاق الإسلام المُفيدة المُسْعِدَة للجميع وهو تقدير مشاغل المسئولين في أيِّ عملٍ من أعمال مجالات الحياة المتعددة والحرص علي أوقاتهم فلا يُتَحَدَّث معهم إلا فيما هو هامّ ولا يمكن لغيرهم فعله وفي أوقاتٍ مناسبة وذلك توفيرا لأوقاتهم ليتمكنوا من أداء مسئولياتهم ونفع الناس وإسعادهم ، حيث قد وَصَّيَ الله تعالي الصحابة الكرام أن يُقَدِّموا بين يَدَيْ نجواهم صدقة لمَن يَقْدِر عليها أي يقوموا قبل أن يبدأوا الحديث معه ﷺ حديثا خاصا منفردا بإخراج صدقة بما يستطيعون ولا يُكَلِّفهم كثيرا في أيِّ وجهٍ من وجوه الخير لمَن يحتاج إليها وليس له ﷺ ، وذلك لتمييز وإثبات جدِّيَّة مَن يحتاج الحديث معه ﷺ لأمرٍ هامٍّ مِن غيره ، وأيضا لنشر فِعْل الخير عموما ، حرصا علي وقته وجهده ﷺ ليقوم بمهمته في توصيل الإسلام للعالمين .. إنَّ دوام فِعْل أيِّ خيرٍ مِن صدقةٍ وصلاة وزكاة وعلم وعمل نافع للنفس وللغير ونحو هذا يجعل العقل جاهزا باستمرار من خلال تحريك مشاعر الخير والإحسان فيه لحُسن التعامُل مع آيات القرآن العظيم وأحاديث وأفعال الرسول الكريم ﷺ وسرعة تطبيقها للانتفاع والسعادة بها في الداريْن بفِعْل مزيدٍ ومزيدٍ من الخير ، وكذلك يُجَهِّزه لحُسن الحديث في كل خيرٍ بلا أيِّ شرٍّ عند التّحَدُّث مع الآخرين مسئولين أم غيرهم فيزداد خيرا علي خير وسعادة علي سعادة في دنياه وأخراه ، وهذا هو معني " .. ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ .. " أي ذلك الفِعْل لكل خير ومنه الاحترام والتقدير للمسئولين يزيدكم دوْماً أيها المؤمنين خيرا علي خيركم في دنياكم وثوابا في أخراكم وينشر الخير والتعاون بين الناس ويجعلكم أكثر طهارة ونظافة من كل شرٍّ كبُخْلٍ مثلا بالمال والجهد والوقت وغيره وكقسوةٍ علي المحتاج وكتضييع أوقات المسئولين وما شابه هذا من شرور مُضِرَّة مُتْعِسَة للذات وللآخرين .. " .. فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ " أيْ فمَن لم يجد فِعْل خيرٍ مَا لعدم تَيَسُّره فليفعل خيرا غيره فإنَّ صور الخير كثيرة متنوعة لا تنقطع ، كالذي لا يجد مثلا ما يَتَصَدّق به أو هو ضعيف الجهد لمرض أو نحو ذلك ، فإنَّ الله تعالي سيُعطيه العطاء العظيم في الداريْن علي ما يستطيع تقديمه من خيرٍ مهما قلّ وحتي علي نواياه الحَسَنَة إنْ لم يفعل ولكنه صادقٌ في أنه لو تَمَكَّنَ لَفَعَل لأنه هو الكريم الوهاب سبحانه ، وحتي مَن كان يستطيع فِعْل خيرٍ ما ولم يفعله تقصيرا أو حتي فَعَلَ شرَّاً مَا فإنَّ الله تعالي دوْما بالتأكيد بلا أيّ شكّ غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
ومعني " أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿13﴾ " أيْ هذا توجيهٌ للثبات علي أسُس الإسلام التي لا يُمكن تركها لأنها إنْ تُرِكَت يَحدث الضرر والتعاسة ، أمّا مَا يُمكن فِعْله أو تَرْكه دون ضَرَرٍ حسب الاستطاعة فهذا يَفعل منه المسلم ما استطاع وكلما فَعَلَ خيراً مَا كلما ازدادَ سعادةً حتما في دنياه قبل أخراه علي قَدْر خيره وأثره .. أيْ هل خِفْتم بعض فقرٍ لو تُقَدِّموا صدقات ؟! والاستفهام يُفيد ضِمْنَاً اللّوْم والعِتاب ، لِتَخَلّف البعض عنها .. أيْ إذا كان بعضكم قد خاف ذلك ، فإذا لم تفعلوا لأنها قد تَصعب أحيانا وقد تاب الله عليكم وسامحكم وخفَّفَ عنكم ويَسَّرَ عليكم برحمته وكرمه بأنْ أَذِنَ لكم في ألاّ تفعلوا ما لا تستطيعون فِعْله ولا يَضُرّ وبأنْ سامَحَ التائب الذي يتوب عن شرٍّ يفعله ، فيَكفيكم الثبات والدوام والحفاظ على إقامة الصلاة وعلى إعطاء الزكاة لمُسْتَحِقِّيها إن كنتم من أصحاب الأموال وعلي طاعة الله ورسوله في كل ما أوصاكم به من فِعْل خيرٍ أو ترك شَرّ ، فهذه أمور كما تعلمون لا تَسَامُحَ فيها لأنها هي حتما التي تُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿13﴾ " أيْ واعلموا أثناء ذلك كله وتذكّروا دوْماً أنَّ الله عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بما تعملونه وتقولونه كله سواء في سِرِّكم أو علانيتكم لا يَخْفَيَ عليه شيء وسيُحاسبكم علي ذلك بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة في الداريْن بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فأحْسِنوا إذن العمل دائما وافعلوا كلَّ خيرٍ واتركوا كلّ شرٍّ من خلال التمسّك بكل أخلاق إسلامكم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿14﴾ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿15﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿16﴾ لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿17﴾ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿18﴾ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿19﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تكن منافقا تُظهر الخير وتُخفي الشر (برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿14﴾ " أيْ هذه بعض صفات المنافقين – والتي علي كل مسلم حتما ألاّ يتشبّه أبدا بها – أيْ الذين يُظهرون الخير ويُخفون الشرّ ، فإن كان الشرّ الذي يخفونه هو كفر بالله أيْ عدم تصديق بوجوده وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، فهم كفار مُخلّدون في النار ، أمَّا غير ذلك من شرور فهم مسلمون يُعامَلون في الدنيا معاملة المسلمين ويُحاسَبون يوم القيامة علي قَدْر شرورهم ومفاسدهم وأضرارهم التي يرتكبونها إن لم يتوبوا منها لكن لا يُخلّدون في جهنم .. أيْ ألم تُشاهِد يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم يَصِل إلي عِلْمك ، وألم تشاهدوا وتتدبّروا وتعلموا أيها الناس ، هؤلاء المنافقين الذين من صفاتهم أنهم يَتَوَلّون أقواما ، أيْ يُحبونهم ويَنصرونهم ويُطيعونهم ويَنقلون أسرار المسلمين إليهم ، غَضِبَ الله عليهم ، أيْ لا يحبهم ولا يعينهم ولا يُوفّقهم ويُيَسِّر حياتهم ولا ينصرهم ولا يُؤَمِّنهم ولا يُسعدهم في الداريْن ، فهم لا يَتَوَلّون مَن رضي عنهم كما يطلب الله من الناس لكي يسعدوا ولا يتعسوا فيهما ، وسبب غضبه سبحانه منهم مخالفتهم للإسلام سواء أكانوا كافرين أي يُكَذّبون بوجود الله أصلا أم مُشركين أي يعبدون غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم منافقين أي يُظهرون الخير ويخفون الشرّ أم ظالمين أي يعتدون علي الآخرين ولا يعدلون بينهم أم فاسدين ينشرون الفساد والشرّ أم مَن يشبههم ، وهم يتولونهم من أجل تحقيق ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ .. " أيْ وهذه أيضا صفة من صفاتهم السيئة أنهم ليسوا مستقرّين علي حالٍ إذ لا مبدأ ثابت لهم فهم ليسوا مسلمين حقيقة ولكنهم فقط يُظهرون الإسلام أحيانا وليسوا مستمرّين عليه ، كما أنهم ليسوا من هؤلاء الذين يَتَوَلّونهم وغضب الله عليهم أيْ ليسوا مستقرّين أيضا معهم فهم يُخالفونهم في كثير من أفكارهم وتصرّفاتهم وإنما يجتمعون فقط علي مُعاداة الله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، وذلك يدلّ علي تمام السَّفَه والتَّرَدّد والتألّم ! فهم لا ينتفعون من معيشتهم وسط المسلمين فيسعدون بحُسن أخلاقهم ويكونون مِثْلهم ليسعدوا هم أيضا ، ولا هم من الطرف الآخر تماما بحيث تَحدث الثقة بينهم ولا يكونوا أعداءً فيما بينهم يوما ما ! فهم لا يَأمنون الطرفين !! فهم إذن مُعَذّبون ! وهذا دائما هو حال المنافقين تراهم مُذَبْذَبين مُتَقَلّبين يتواجدون كثيرا مع الشرّ وأهله وقليلا مع الخير وأهله حسبما يظنون مُتَوَهِّمين تحقيق مصلحة ما ، إنهم دوْماً في اضطرابٍ وقَلَقٍ وتَوَتّر وخوف من انكشاف أمرهم ، إنَّ النفاق هو من أهم أسباب التعاسة لأنه من أكبر علامات الضعف والخِسَّة والتّلَوُّن وعدم القدرة علي المواجهة ، فيعيش المنافق حياته خَسيساً مُنْحَطّاً وضيعا ذليلا كذوبا تابعا مُتشكّكا في كل ما حوله ومَن معه مُتَوَهِّما أنه يخدعهم ولا يشعر أنهم كاشفوه بعقولهم ومِن تصرّفاته ، فهو إذَن مَخدوع لا خادع !! وبالجملة هو مريض مُعَذّب تعيس لم ينتفع بنعم ربه عليه وأهمها العقل والإسلام فازداد أمراضا علي أمراضه وازداد ضلالا وبُعْدَاً عن طريق الله طريق القرآن والإسلام المُسْعِد في دنياه وأخراه بسبب ما حصده بيديه من سوء أفعاله واختاره هو بكامل حرية إرادة عقله من أجل تحصيل أثمان الدنيا الرخيصة .. " .. وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿14﴾ " أيْ وهذه صفة أخري من صفاتهم شديدة السوء ، أيْ مِن شِدَّة خوفهم من اكتشاف أمورهم تراهم دوْما يتجرّأون علي الحلف بالله علي كل ما هو كذب كأنْ يحلفوا مثلا أنهم من المسلمين وأنهم ما فعلوا وما قالوا كذا وكذا ، وهم يعلمون تماما أنهم منافقون وأنهم كاذبون كذبا خالصا ليس فيه أيّ صدق ، وذلك حتي يظلوا دائما بين المسلمين ينتفعون بحُسن معاملاتهم معهم وفي الوقت ذاته يمكنهم الاستمرار في الوقيعة بينهم والكَيْد لهم ! .. فانْتَبِهوا إذَن لهم واحذروا منهم تمام الحَذَر أيها المسلمون وتعامَلوا معهم بحُسن أخلاق الإسلام مع الانتباه لمكائدهم
ومعني " أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿15﴾ " أيْ جَهَّزَ الله لأمثال هؤلاء عذابا مُؤلما مُوجِعا مُذِلَّاً مُهينا مُتْعِسَاً لا يُوصَف في الآخرة ، إضافة إلي ما كانوا فيه في الدنيا من عذابٍ بدرجة من الدرجات وصورةٍ من الصور كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة ما فيه ألم وكآبة وتعاسة ، وذلك بسبب سوء أعمالهم التي كانوا يعملونها في دنياهم حيث يفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار
ومعني " اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿16﴾ " أيْ هذه صِفَة سَيِّئَة أخري من صفات المنافقين ، إضافة إلي ما سَبَقَ ذِكْره في الآيتين السابقتين (برجاء مراجعتهما لتكتمل المعاني﴾ ، أنهم يجعلون أيْمانهم الكاذبة التي يَحلفونها بالله وقاية يَسْتَتِرون بها ويفعلون من ورائها الشَّرَّ حيث كلما تمَّ كشف شرّهم سارَعوا بالقَسَم بالنفي فساعدهم ذلك علي الصَّدِّ عن سبيل الله أيْ مَنْع بعض الناس الذين انخدعوا بكذبهم وبمظهرهم لفترةٍ قبل أن يكتشفوا زيفهم عن طريق الله أيْ عن اتِّباع الإسلام بتشويه صورته وبنشر الفساد ونحو هذا وبالتالي فلهم حتما في دنياهم وأخراهم عذاب يُهينهم ويذلّهم في مُقابِل صَدِّهم هذا واستكبارهم وعِنادهم وتكذيبهم واستهزائهم وخِسَّتهم وحقارتهم وامتهانهم قيمة القَسَم بالله تعالي
ومعني " لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿17﴾ " أيْ يوم يريد الله تعالي أن ينزل بهم أيّ عذابٍ بأيّ درجةٍ من الدرجات وصورةٍ من الصور ، سواء في الدنيا أو الآخرة ، حينها لن تنفعهم حتما وتمنع عنهم أموالهم بكل أنواعها ولا أولادهم بكل إمكاناتهم ولا أيّ ناصرٍ مُعين لهم من عذاب الله أيّ شيء ، فكل هذه الإمكانات وغيرها ليست لها أيّ قيمة أمام عذابه تعالي ، لأنّ أحدا من الخَلْق لا يملك من الأمر شيئا فالأمور كلها بيَدِ خالقها سبحانه مالِك المُلك كله والمُتصرّف فيه وصاحب السلطان عليه ، وكل إنسان سيتحمّل تماما نتيجة كلّ أقواله وأفعاله ما هو خير منها وما هو شرّ ، فهذا هو تمام العدل .. " .. أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿17﴾ " أيْ أمثال هؤلاء حتما هم الذين يمتلكون فيها مُسْتَقَرَّاً لعذابٍ شديدٍ مُلازِم لهم دائمٍ بلا نهايةٍ إلي ما شاء الله علي قدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. فليُحْسِن العاقل إذَن الاستعداد لمِثْل ذلك اليوم بفِعْل كل خير وترك كل شرّ من خلال التمسّك بكل أخلاق الإسلام ، ليَنجو ويَسعد ولا يَتعس في دنياه وأخراه
ومعني " يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿18﴾ " أيْ اذْكُر وذَكِّر مَن حولك يا كل عاقل لكي تَتَّعِظوا وتُحسنوا الاستعداد ، اذكروا يوم القيامة ، يوم يبعث الله تعالي الخَلْق جميعا – بمَن فيهم قطعا المنافقين الذين ذُكِرُوا في الآيات السابقة – بأجسادهم وأرواحهم مِن قبورهم بعد كوْنهم ترابا ويُخبرهم بكل ما عملوا وقالوا ليُحاسبهم عليه بتمام العدل بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة ، فيقوم هؤلاء المنافقون يومها بالحَلِف بالله كذبا له سبحانه وهو العالِم بكلّ شيءٍ ظَهَرَ أم خَفِي !! يَحلفون له كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا بالكذب أنهم مسلمون وما فعلوا أيّ سوء !! مِن شِدَّة اعتيادهم علي ذلك وممارستهم له باحترافٍ طوال حياتهم وموتهم عليه !! .. " .. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ .. " أيْ ويَتَوَهَّمون بسبب عظيم سَفَههم أنهم بهذه الأيْمَان الكاذبة علي شيءٍ نافع يَنفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس بالعفو عنهم أو بتخفيف شيءٍ من عذابهم أو نحو هذا .. " .. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿18﴾ " أيْ حتما بكل تأكيدٍ هؤلاء هم الذين بَلَغُوا أعلي درجات الكذب والتي ليس بعدها كذب أشدّ وأقبح منه ولم يَبْلُغها أحدٌ غيرهم ، حيث تَجَرَّأوا علي الحَلِف بالكذب أمام علّام الغيوب سبحانه .. هذا ، ولفظ " ألَاَ " يُفيد جذبَ الانتباه ومزيداً من الاهتمام بما سيُقَال
ومعني " اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿19﴾ " أيْ هؤلاء المنافقون ومَن يَتَشَبَّهَ بهم قد استولي عليهم الشيطان استيلاءً تامَّاً بحيث اتَّبعوه في حياتهم تمام الاتِّباع ، والشيطان في لغة العرب هو كل مُتَمَرِّد علي كل خيرٍ مُفْسِدٍ بعيدٍ عن الحقِّ وعن رحمات ربه ، وهو رمز لكل تفكير شرّيّ يخطر بالعقل (برجاء أيضا مراجعة الآيات ﴿27﴾ حتي ﴿30﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا حينما يتّخذ الشيطان دائما عدوا له﴾ ، حتي وَصَلَ بهم إلي درجة أن أنساهم وجَعَلَهم يَتركون كُلِّيَّاً أو جُزْئيَّاً ذِكْر الله تعالي أيْ طاعته واتِّباع إسلامه ونَسوا آخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره فعاشوا كل دنياهم لا يفعلون خيرا بل كل شرّ !! (برجاء لاكتمال المعاني مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن صور الذكر وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿19﴾ " أيْ هؤلاء المَوْصُوفون بتلك الصفات السَّيِّئة هم حتما تَجَمُّع الشيطان وأتْباعه وأنصاره الذين يخسرون في الداريْن خسارةً ما بعدها خسارة ولم يخسرها أحدٌ مثلهم ، حيث في الدنيا سيكون لهم درجة ما مِن درجات العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أوضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة سيكون لهم كل ألمٍ وكآبة وتعاسة ، بسبب أفعالهم السَّيِّئَة إذ مَن يَزرع سوءا لابُدَّ أن يحصد سوءا كما نَبَّه لذلك تعالي بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿الإسراء : 7﴾ ، ثم في الآخرة سيكون لهم حتما ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. هذا ، ولفظ " ألَاَ " يُفيد جذبَ الانتباه ومزيداً من الاهتمام بما سيُقَال
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴿20﴾ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿21﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ متمسّكا عاملا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مُوقِنَاً أيْ متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ أنّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴿20﴾ " أيْ إنَّ الذين يُخالِفون ويُعانِدون دين الله ورسوله ويُعادونه ويُحاربونه هو والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، هؤلاء المَوْصُوفون بهذه الصفات السَّيِّئة ومَن يَتَشَبَّهَ بهم هم حتما الذين في الأذلين أيْ في عِدَادِ أذَلّ وأحْقَر وأخَسّ خَلْق الله تعالي لا أذَلّ منهم المَهزومين التُّعَسَاء في الدنيا والآخرة ، لأنَّ الغَلَبَة مع الوقت قطعا بلا أيِّ شَكٍّ لله القويّ القاهِر القادر علي كل شيءٍ ولرسوله ﷺ وللإسلام والمسلمين
ومعني " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿21﴾ " أيْ قَضَيَ الله تعالي ، خالق الخَلْق كامل الصفات الحُسنيَ القادر علي كل شيء الذي بمجرد أن يقول لأيّ شيءٍ كُن فيكون كما يريد ، قَضَيَ وحَكَمَ وانتهيَ الأمر وُفرِغَ منه وتَأَكَّدَ وثَبتَ يقينا بلا أيّ شكّ ولا أيّ تغيير ، منذ القِدَم قبل خَلْق الخَلْق في علمه وتدبيره وتقديره ووَعْده – ولفظ " كَتَبَ " يُفيد المُبَالَغَة في حتمية الحدوث ويُعْتَبَر كالقَسَم – أنَّ النتائج والنهايات الحَسَنة الطيِّبة المُسْعِدَة مِن نَصْرٍ وغَلَبٍ وفوزٍ ونجاح ونحوه في الدنيا والآخرة هي دائما وحتما لدينه الإسلام ولرسله ولمَن يؤمنون بهم ويَتَّبِعونهم .. فهل هناك مثلا رسول أرسله تعالي وتَرَكَه وخَذَلَه وانهزم نهائيا هو ومَن معه مِن جُنْدِ الله في الأرض الذين يَنشرون دينه ويتمسّكون به ويُدافعون عنه وقُضِيَ علي الإسلام ؟!! هل حَدَثَ مِثْل هذا أبدا ؟!! .. إنَّ في الآية الكريمة بشارة عظيمة للمسلمين المتمسّكين بكلّ أخلاق إسلامهم بتمام السعادة والمَكَانَة في دنياهم ثم في أخراهم حيث يَنصرهم بالقطع بما هو أعظم وأروع نصرا إذ يُدخلهم أعلي درجات جناته فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي عقل بَشَر .. " .. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿21﴾ " أيْ وهو يَفعل كلّ ذلك لأنه حتما له كل صفات الكمال الحُسني والتي منها أنه قويّ أي عظيم كامل القوة والتي لا تُقارنها أيّ قوة وما من قوة لأحدٍ أو لشيءٍ إلا مِن قوّته تعالي ، كما أنه عزيز أي غالِب قاهِر لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ، وهو حتما يُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿22﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تَتَّخِذ كافرا أيْ مُكَذّبا بوجود الله أو مُشْرِكَاً أيْ عابدا لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أو مُنافقا أيْ مُظْهِرَاً للخير مُخْفِيَاً للشرّ أو مُعتديا ظالما غير عادل أو فاسدا ناشرا للشرّ أو مَن يُشبه هؤلاء ، لم تَتَّخِذهم أولياء مُحَبَّبين إليك أيْ أولياء لأمورك يُديرونها لك ويُوَجِّهونك فيها وتودّهم ويودّونك وتُحبهم ويُحبونك وتنصرهم وينصرونك وتخبرهم بأسرار المسلمين ونحو هذا ، مهما كانت درجة قرابتهم لك ، لأنهم غالبا أو مؤكدا سيأخذونك لكل شرّ وفساد وظلم وحتي كفر ، فالواقع يثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَلتَ هذا فقد قَطَعْتَ الصلات بينك وبين ربك والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سداد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الشقاء والكآبة والتعاسة في الدنيا والآخرة
هذا ، ومعني " لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿22﴾ أيْ ليس من المُمْكِن أبداً ولا يَحدث مُطلقا أنْ تَرَيَ أنَاسَاً يؤمنون بالله واليوم الآخر أيْ يُصَدِّقون بوجوده سبحانه وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ويُتَرْجِمون هذا الإيمان بالعمل بكل أخلاق الإسلام ، يُوَادّون أيْ يُحبون ويُوَالُون أيْ يَنصرون ويُطيعون ويُسِرّون أسرارهم إلي الذين يُحَادّون الله ورسوله ، أيْ الذين يُخالِفون ويُعانِدون دين الله ورسوله ويُعادونه ويُحاربونه هو والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، حتي ولو كانوا أقرب الناس إليهم كآبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أيْ مَن يُعاشِرونهم ويُصاحبونهم كالأزواج والأصحاب والأقارب والجيران والزملاء ونحوهم ، لأنَّ فِعْلَ هذا هو عكس الإيمان وأخلاق الإسلام ومَن يفعله كيف يكون مسلما بحقّ ؟! إنَّ هذا لا يَجتمع مُطلقا مع ذاك !! لكنْ إنْ كانوا لا يُعادُون الله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير وهم غير مسلمين فلهم كل المعامَلة الحسنة كما يطلب الإسلام ذلك حيث لعلهم بهذا التعامُل الطيّب يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ولا يتعسوا فيهما .. " .. أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ .. " أيْ هؤلاء حتما هم الذين ثَبَّتَ الله في عقولهم الإيمان وثَبَّتَ لهم السعادة فيها وفي كل حياتهم بسبب إيمانهم حيث قد أحسنوا استخدام هذه العقول واستجابوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا فآمنوا وتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم فعاوَنهم سبحانه علي ذلك وثَبَّتهم عليه وزادهم فيه (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) .. " .. وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا .. " أيْ وأيضا أعطاهم التأييد والدعم منه وهو أقوي الأقوياء مالك الملك كله فعاشوا كل حياتهم في تمام رحمته ورضاه ورعايته وأمنه ورزقه وبركته ونصره وقوّته وتوفيقه وعوْنه وبالجملة هم في كل خيرٍ وسعادة ، ثم في آخرتهم يُدخلهم جنات من أفضاله ورحماته وعطاءاته وبركاته أيْ بساتين تجري من تحتها الأنهار أيْ تطلّ علي كل أنواع الأنهار مِن ماءٍ ولبنٍ وعسلٍ وغيره لمزيدٍ من الحُسْن والسرور والتمتّع ، وبالجملة هي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر ، خالدين فيها أي يقيمون في درجةٍ منها علي حسب درجات أعمالهم إقامة دائمة بلا أيّ نهاية ولا أيّ نقصان أو تغيير أو تحوّل عنها أو تَرْكٍ لها .. " .. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .. " أي هذا مدحٌ وتكريمٌ وتشريفٌ لتشجيع ولدَفْع كلّ المسلمين ليكونوا كلهم كذلك ليسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، أيْ بكلِّ تأكيدٍ لقد أحبهم الله وقَبِلَ أعمالهم ورَعَاهم وأمَّنهم ووَفّقهم وقَوَّاهم ونَصَرهم ورزقهم وبالجملة أرضاهم وأسعدهم في الداريْن .. " .. وَرَضُوا عَنْهُ .. " أيْ وهم في المُقابِل في تمام الرضا والارتياح بسبب كل هذا الخير والسرور الذي أرضاهم تعالي به في الدنيا ثم ما يستبشرون بانتظاره في الآخرة ، فهم راضون عن ربهم الكريم الرحيم المُعين الوَهَّاب وراضون عن كل عطائه الذي لا يُوصَف ولا يُحْصَيَ ، وكيف لا يَرضون وهم في هذه الحالة التامَّة السعادة والاستقرار والأمان ؟! .. " .. أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿22﴾ " أيْ هؤلاء المَوْصُوفون بتلك الصفات الحَسَنَة هم حتما تَجَمُّع الله تعالي وأتْباعه وأنصاره وأحِبَّاؤه ، وما أعظمه وأشرفه وأقواه مِن تَجَمُّع يَنتسب إلي مالِك المُلك سبحانه وهو معه ويؤيده ويُرْشِده ، فهم الذين قطعا يُفلحون وينجحون ويربحون ويفوزون وينتصرون في دنياهم وأخراهم فلاحا ونجاحا وربحا وفوزا ونصرا عظيما لا يُقارَن بشيء .. هذا ، ولفظ " ألَاَ " يُفيد جذبَ الانتباه ومزيداً من الاهتمام بما سيُقَال
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾ " أيْ أنَّ جميع مَن في السماوات والأرض وما في الكوْن كله يُسَبِّح لله تعالي ، أيْ هو يَنْقَاد ويَخضع لإرادته ، أيْ يُؤدّي مهمّته التي خَلَقه من أجلها لنفع الإنسان ولسعادته ، وكل المخلوقات بما فيها مِن عجائب خالِقها تَدْفَع كلّ عاقلٍ لتسبيحه سبحانه حين يُحْسِن التدبّر فيها وتَدْفَعه لأنْ يعبده بالقطع وحده دون غيره ، كما أنها في ذاتها تُسَبِّحه وتحمده علي نِعَمه عليها ، بطريقتها الخاصَّة التي خَلَقها عليها والتي حَوَاسّ البَشَر غير مُؤَهَّلَة لإدراكها كما قال تعالي " .. وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .. " ﴿الإسراء : 44﴾ .. " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾ " أيْ هو تعالي الغالِب القاهر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث .. هذا ، وأحيانا يأتي لفظ التسبيح في بعض الآيات بصيغة الماضي مثل " سَبَّحَ " وأحيانا بالمضارع مثل " يُسَبِّحُ " لتأكيد أنه في كل وقتٍ ولحظةٍ مِن كل مخلوقٍ حيث قد حَدَثَ ويَحدث وسيَحدث دوْما
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴿2﴾ وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ﴿3﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿4﴾ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿6﴾ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿7﴾ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8﴾ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿10﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنَاً أيْ متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ أنّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴿2﴾ " أيْ ومِن بعض دلائل أنه تعالي هو العزيز الحكيم وأنَّ جميع الخَلْق يُسبحونه خاضعون له ولسلطانه ونفوذه كما ذُكِرَ في الآية السابقة ، أنه هو وحده لا غيره الذي يهزم المعتدين علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، سواء أكانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصاري أم من غيرهم من الكفار أيْ الذين يُكَذّبون بوجود الله أم مِمَّن يشبههم ، ويُخرجهم أذِلّة من بيوتهم وحصونهم ، يخرجهم لأول الحَشْر أيْ عند الحشر الأول – وهو الذي يكون في الدنيا ويَتكرّر لأهداف كثيرة متنوعة قبل آخر الحشر وهو الحشر الأخير الخاتم الجامع للخَلْق جميعا والذي سيكون في الآخرة يوم القيامة حيث العذاب التامّ للمُكَذّبين المُعتدين – أيْ عند الجَمْع الذي سيَجتمعون فيه في دنياهم للاعتداء فيَهزمهم سبحانه ويُجبرهم علي الخروج من أماكنهم والهروب مَخذولين ويَنصر المسلمين عليهم .. " .. مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا .. " أيْ ومِن شِدَّة قوّتهم واستعداداتهم ما تَوَقّعتم ولا خَطَر بفِكْركم أيها المسلمون أن يخرجوا من حصونهم ومُعِدَّاتهم وينهزموا .. " .. وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ .. " أيْ وهم كذلك كانوا مُتَوَهِّمين مُنْخَدِعِين واثقين تماما مُتَخَيِّلين أنَّ حصونهم وقِلاعهم وأجهزتهم وجيوشهم وغيرها ستَمنعهم من قوة وقُدْرة الله التامّة علي هزيمتهم وسَحْقِهم !! .. " .. فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ .. " أيْ فخَابَت كل هذه الظنون فجاءهم الله بأمره وعذابه وعقابه ونَسْفِه لهم من حيث لم يخطر ببَالِهم أبدا ولم يحسبوا له أيّ حساب حيث جاءت الهزيمة بأهْوَن الأسباب وفي مكانٍ وزمانٍ وبأسلوبٍ لم يكن يتوقعونه لتزداد بذلك صَدْمتهم وحَسْرتهم ويزداد المؤمنون إيمانا بقُدْرة ربهم وذلك بأنْ قَذَفَ أيْ ألْقَيَ بقوةٍ وسرعة في عقولهم الخوف الشديد ومَلَأَهَا به فاستسلموا وخرجوا وهربوا أذِلّاء خائبين مُشَتَّتِين إذ لا قيمة للأعداد الكثيرة وللحصون والمُعِدَّات ونحوها إذا كان الذي يستخدمها جبان يَفِرّ ويتركها ! .. " .. يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ .. " أيْ ومِن شِدَّة هزيمتهم وتأكّدهم التامّ أنهم خارجون راحِلون أَخَذوا بكل غَيْظٍ وكَيْدٍ مع حَسْرَةٍ علي ما أنفقوا يُفْسِدون ويُدَمِّرون بيوتهم بأيديهم ليأخذوا ما يمكن أخذه منها وحتي لا ينتفع بها المسلمون ، وكذلك دُمِّرَت بأيدي المؤمنين حينما كانوا يَرُدّون اعتداءاهم .. " .. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴿2﴾ " أيْ إذا كان الأمر كما ذُكِرَ لكم أيها الناس فاتَّعِظُوا به وخُذوا منه العِبَر والدروس إذَن يا أصحاب الأبصار جمْع بَصَر بمعني بَصِيرَة في هذا الموضع أيْ إدراك العقل أيْ يا مَن يتبَصَّرون أيْ يَرون ويُدركون ويَتدبَّرون بعقولهم ، اعْتَبِروا بأنّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
ومعني " وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ﴿3﴾ " أيْ هذا بعض حِكَم الله تعالي في تدبير كوْنه وتقديراته فيه لمصلحة ولسعادة خَلْقه ، أيْ ولولا أن قَضَيَ وحَكَمَ وانتهيَ الأمر وُفرِغَ منه وتَأَكَّدَ وثَبتَ يقينا بلا أيّ شكّ ولا أيّ تغيير ، منذ القِدَم قبل خَلْق الخَلْق في علمه وتدبيره وتقديره ووَعْده – ولفظ " كَتَبَ " يُفيد المُبَالَغَة في حتمية الحدوث ويُعْتَبَر كالقَسَم – علي بعض المعتدين علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير الجلاء وليس القتل ، أي كتب عليهم في بعض الظروف والأحوال حسبما يراه المسلمون مِن مصلحة الخروج من أراضيهم كاتفاقٍ مع المسلمين المنتصرين عليهم علي ألاَّ يقتلهم المسلمون ، وذلك من أجل مصالح كثيرة منها مثلا الاستفادة بخيرات بلادهم مع حفظ دماء المسلمين ومنها بقاؤهم هم أحياء لفترةٍ لعلهم يستفيقون ويتوبون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ولا يتعسوا فيهما ومنها أنه قد يأتي مِن ذرِّيَّاتهم مَن يَنفع الإسلام والمسلمين ونحو ذلك من المصالح والسعادات التي تتغير من زمانٍ ومكان لآخر ، لولا هذا ، لكان الله تعالي عذّبهم في الدنيا بالقتل ، لأنهم يستحِقّونه بسبب اعتدائهم علي الآخرين وقتلهم ، لكنه عذّبهم فقط بعذابِ وذِلّة وفقر الجلاء عن الأراضي والبيوت والممتلكات والأعمال وما شابه هذا .. " .. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ﴿3﴾ " أيْ وإنْ كان قد نَجَا بعضهم من القتل والإهلاك في الدنيا بسبب صُلْحٍ ما بينهم وبين المسلمين للحِكَم التي سَبَقَ ذِكْر بعضها فلن يَنجوا حتما في الآخرة مِن عذابِ النار الذي يُؤلمهم ويُذِلّهم ويُهينهم
ومعني " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿4﴾ " أيْ ذلك العذاب الذي ينزل بهم بصوره وبدرجاته المختلفة في دنياهم وأخراهم بسبب أنهم شاقّوا الله ورسوله أيْ كانوا في شِقٍّ أيْ جانبٍ وهما في شِقٍّ مُقَابِل ، أيْ خالَفوهما وعانَدوهما وتكبَّروا عليهما وآذوهما وعادوهما وحاربوهما والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، ومَن يَفعل ذلك وغيره من الشرور والمَفاسد والأضرار فإنَّ الله تعالي حتما يعاقبه ويعذبه علي قَدْر شروره ومَفاسده وأضراره بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم لأنه شديد العقاب لأمثال هؤلاء وهذه هي دائما طريقته معهم .. فلْيَحْذَر المُخالِفون إذَن وليستفيقوا وليعودوا لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ولا يتعسوا فيهما
أمَّا معني " مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ " أيْ عند قتال المعتدين عليكم أيها المسلمون افعلوا كل ما يحقق لكم النصر عليهم والمصلحة لكم وللناس عموما ولا تَضُرّوا أحداً غير الذي يَعتدي ما استطعتم .. أيْ أيّ شيءٍ قطعتم من لِينَة أيْ نخلة ، والمقصود قطع أيّ أشجارٍ أو هَدْم أيّ أبنيةٍ أو ما شابه هذا مِمَّا يحتمي به العدو أو يمنع هزيمته ، أو تركتموها هذه الأشياء قائمة علي أصلها كما هي دون قطع أو هَدْمٍ أو نحوه ، فقد أذِنَ الله وسَمَحَ لكم في شرعه الإسلام بالحالتين وبما يشبههما من أحوالٍ ولا إثم عليكم ، حسبما تتفقون عليه فيما بينكم وترونه الأصلح ، من أجل أن تحققوا الأنفع ، ولكي ينصر ويعزّ المسلمين بنصره وقُدْرته سبحانه ويذلّ ويُهين ويهزم الفاسقين أيْ الخارجين عن طاعته وإسلامه الذين يَفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار
ومعني " وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿6﴾ " ، " مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿7﴾ " أيْ وإذا أفاءَ الله تعالي عليكم أيها المسلمون منهم أيْ من أعدائكم فَيْئَاً ما ، أيْ أعطاكم إيّاه وبَسَطَه لكم ، والفَيْء هو الأموال والممتلكات ونحوها التي يحصل عليها المسلمون من عدوهم مِمَّن قد يعتدون عليهم من أهل البلاد التي حولهم من غير قتالٍ وبلا جهد يُذْكَر كأن يكون مثلا من خلال صلحٍ أو استسلامٍ وهروبٍ لهم أو ما شابه هذا – أمَّا ما يَحصلون عليه من خلال قتالٍ لعدوهم فيُسَمَّيَ الأنفال ويُقَسِّمها الإسلام كما في سورة الأنفال الآية ﴿41﴾ فبرجاء مراجعتها لتكتمل المعاني – وهذا هو معني " .. فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿6﴾ " أيْ فإنكم لم تُوجِفُوا عليه أي لم تُسْرِعوا إلي هذا الفَيْءِ بجهودكم من خلال استخدامِ خيلٍ مثلا ولا ركوبِ ركُوبَةٍ ما تُرْكَب ولا استعمالِ معداتٍ ونحو ذلك مِمَّا يُسْتَخْدَم في القتال ويختلف من زمانٍ ومكان لآخر ولكنه جاء لكم كعطاءٍ سهل من فضل الله وكرمه بتسليط رسله أيْ جنوده علي مَن يريد مِن أعدائكم كتسليط وتوجيه مثلا الرعب في عقولهم والذي هو مِن رسله وجنده تعالي التي لا يعلمها إلا هو سبحانه كي يستسلموا ويهربوا أو يطلبوا الصلح أو ما شابه هذا فهو علي كل شيء قدير بتمام القُدْرة والعلم لا يقف أمام قدرته حتما أيّ عائق .. فمِثْل هذا الفَيْء يكون لمصالح المسلمين عموما ويقوم المسئولون بتوزيعه حسب الحاجة ليشمل كل المجالات الاجتماعية والخدمية والتعليمية والصحية والاقتصادية والعسكرية وغيرها بما يحقق الرفاهية والتطور والتقدم والسعادة لجميع المواطنين مسلمين وغيرهم ، وهذا هو معني " .. فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. " والمسكين هو الذي لا يكفيه ما معه ، وابن السبيل هو الغريب المسافر وكأنه ابن الطريق الذي لا مأوي له ولا مال حتي ولو كان غنيا في بلده لأنه في هذه الحالة ليس معه ما يكفيه .. " .. كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ .. " أيْ حِكْمة وسبب هذا التوزيع بهذه الطريقة هو لكي لا يكون المال بكل أنواعه وأشكاله مُتَدَاوَلَاً مُتَبَادَلَاً فقط بين الأغنياء منكم أيها الناس بينما الفقراء لا يتداولونه بينهم فيزداد الأغنياء غِنَيً ويزداد الفقراء فقراً وإنما لكي يَغْتَنِي ويَرْتَقِي ويسعد الجميع .. " .. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا .. " أيْ وكل ما أعطاكم الرسول ﷺ من أخلاق الإسلام وتشريعاته وقوانينه وأنظمته فخذوه أيها البَشَر وتمسّكوا واعملوا به بكل قوة وهِمَّة وعزم لأنه خير مُفيد مُسْعِد لكم جميعا ، وكل ما منعكم عنه فامتنعوا لأنه شرّ مُضِرّ مُتْعِس ، وبذلك تسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿7﴾ " أيْ وكونوا دوْما من المُتَّقين لله أيْ الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. واجعلوا دائما بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية بفِعْل كلّ خيرٍ وتَرْك كل شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم لأنه شديد العقاب لمَن يستحِقّه الذي يَفعل الشرَّ ويترك الخير فيُعاقبه بما يناسبه في دنياه قبل أخراه
ومعني " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8﴾ " أيْ وبعض الفَيْءِ الذي ذُكِرَ في الآية السابقة يكون أيضا للفقراء من المهاجرين الذين أجْبِرُوا علي تَرْك أوطانهم وديارهم وأموالهم وممتلكاتهم والخروج منها بسبب ظلمٍ أو حفاظاً علي إسلامهم حيث لا يستطيعون التمسّك والعمل بأخلاقه فيه أو ما شابه هذا ، فهؤلاء قد أصبحوا فقراء محتاجين بسبب هذه الهجرة حتي ولو كانوا أغنياء أصلا في بلادهم ، فهم يخرجون إلي مكانٍ آخر غير وطنهم طَلَبَاً لحفظ دينهم ولتحصيل فضل الله ورزقه وبركته وزيادته عليهم ورضاه عنهم في دنياهم وأخراهم ، وهم حيثما وُجِدُوا ودائما نواياهم بعقولهم يَنصرون دين الله ورسوله بالتمسّك والعمل التامّ بكل أخلاقه وبنشره بالدعوة له بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وبالدفاع عنه بكل وسيلةٍ مُمْكِنَةٍ ضدّ مَن يعتدي عليه حتي بالقتال وبذل الدماء إذا كان الاعتداء عسكريا (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن صور الهجرة والجهاد في سبيل الله وفوائدهما وسعاداتهما في الداريْن﴾ .. " .. أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8﴾ " أيْ هؤلاء المذكورون الموصوفون بهذه الصفات الحَسَنة هم حتما بكل تأكيد الصادقون أيْ الذين صَدَّقوا تماما قولهم بأنهم مسلمون بفِعْلهم بالعمل التامّ بكل أخلاق إسلامهم ما استطاعوا .. وهذا مدحٌ عظيم لكل مُهاجِر مُضطر للهجرة وتبشيرٌ له بما ينتظره من كل خير وسعادة في دنياه وأخراه
ومعني " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ " أيْ هذا مدحٌ وتشجيعٌ للذين يُقيمون ويَستقرّون في الأوطان التي يهاجر إليها المُهاجرون من قَبْل مَجيئهم ومُهاجَرَتهم إليهم ويُحسنون استقبالهم ويعاملونهم كأنهم منهم وهم أصلا من الذين أخلصوا وأحسنوا الإيمان بربهم والتمسك والعمل بكل أخلاق إسلامهم (برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، وذلك لكي يستمروا علي خيرهم ويزدادوا فيه لينالوا أعظم الأجر والفضل والكرم من ربهم في دنياهم وأخراهم ، فهم يحبون إخوانهم الذين هاجروا إليهم حبا شديدا لأنَّ الإيمان رَبَطَ قلوبهم برباط المحبّة وأخلاق الإسلام تحثهم علي ذلك ، وحبهم هذا هو بسبب محبتهم الشديدة لله ولرسوله ولإسلامه حيث أحبوا كثيرا مَن يحبونهم ، لكي ينالوا خيريّ وسعادتيّ الداريْن بهذا الحب والعمل بما يتطلّبه .. " .. وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا .. " أيْ ولا يُحِسُّون مطلقا في عقولهم ومشاعرهم بداخلها شيئا كغيظٍ أو حَسَدٍ أو نحوه تجاههم بسبب ما أعْطُوا من الفَيْءِ أو غيره من الخير ، بل يسعدون به تماما ويحرصون علي توصيله لهم كاملا ، لأنَّ المَوَدَّة التي ربطتهم بهم جعلتهم يترفّعون عن النظر إلي مثل هذه الأشياء ، ثم يكفي أنهم قد تركوا أموالهم وأعمالهم وعلاقاتهم ونحوها وجاءوا محتاجين إليهم وإلي ما يُعْطَيَ لهم ، فهم سليمي الصدر تماما نحوهم ونحو غيرهم لا يحملون غِلَّاً لأحدٍ إلا لأعداء الله والإسلام والمسلمين ، فعاشوا آمنين مطمئنين سعداء بسلامة الصدر هذه .. " .. وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .. " أيْ ويُقَدِّمون احتياجاتهم علي احتياجات ذواتهم حتي ولو كان بهم اختصاص واحتياج لهذا الذي يُقَدِّمونه لهم وهو مُخْتَصّ بهم مُحتاجون إليه ، لأنهم يحبونهم كما يحبون أنفسهم ويرونهم أكثر احتياجا منهم في هذه الحالة .. " .. وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ " أيْ ومَن يَحفظ نفسه من الشُّحّ – وهو البُخْل الشديد أيْ عدم الإنفاق من كل أرزاق الله التي لا تُحْصَيَ كالمال والجهد والفكر والوقت وغيره في أيّ خير – بأنْ يُحسن استخدام عقله ويَتَّبع خُلُقَاً من أخلاق الإسلام وهو الكرم فيُنفق بتَوَسُّطٍ واعتدال في كل وجوه الخير المُمْكِنَة المُتعدِّدة التي تُسعد النفس والآخرين ، فإنْ فَعَلَ ذلك فسيساعده ربه حتما ويوفّقه ويُيَسِّر له مزيدا منه ويَقِيه الشّحّ تماما ويصبح كريما .. فهؤلاء حتما هم الذين يُفلحون وينجحون ويربحون ويفوزون وينتصرون في دنياهم وأخراهم فلاحا ونجاحا وربحا وفوزا ونصرا عظيما لا يُقارَن بشيء
ومعني " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿10﴾ " أيْ هذا دعوة لكل المؤمنين بربهم المتمسكين العاملين بكل أخلاق إسلامهم ليَتَشَبَّهوا جميعا بالمؤمنين الأوائل في الحب وسلامة الصدور والتعاون والكرم والعدل فيما بينهم ودعاء بعضهم لبعض بالخير ونحو هذا من الأخلاقيات الإسلامية الحسنة التي تسعدهم تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. أيْ وكل الذين جاءوا من بعد المؤمنين السابقين ، وحتي يوم القيامة ، مِن حبّهم لكلّ مَن يحب الله ورسوله وإسلامه ومِن صفاتهم الحسنة أنهم يدعون ربهم بالمغفرة وبكل خيرٍ لأنفسهم ولإخوانهم المؤمنين الذين كانوا سابقين لهم في العصور السابقة ، اعترافا بفضلهم لأنهم تمسّكوا بالإسلام وعملوا به وحافظوا عليه ودافعوا عنه بكل ما يملكونه وبما يحتاجه ونشروه ودعوا إليه بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وحملوه للناس جميعا جيلاً بعد جيلٍ حتي وَصَلَ إليهم ، ويدعونه تعالي كذلك بأن يكونوا دائما سَلِيمِي الصدر نحو كل مؤمنٍ وكل البَشَر فيما عدا المعتدين لا يحملون لأحدٍ غِلَّاً أيْ عداوةً وحقداً وكُرْهَاً أو غيره بل كل خير ، فيحيا الجميع بهذه الأخلاقيات في كل أمنٍ وسلام وخير وسعادة في الداريْن ، فكل الأمة الإسلامية من أولها لآخرها مترابطة قوية عزيزة متطورة سعيدة يجمعها رابط الإيمان والحب متجاوزا أيَّ حدودٍ مكانية أو زمانية أو بيئية أو عرقية أو قبلية أو عائلية أو غيرها إلي قيام الساعة ويَحسب فيها السابقون حساب اللاحقين ويسير هؤلاء علي الآثار الحسنة لسابقيهم صفا واحدا على مدار العصور واختلاف الأماكن تحت راية الله ورسله ودينه الإسلام .. إنهم يسألونه تعالي كل ذلك وهم متأكّدون من إجابته لدعائهم لأنه الأحقّ بذلك حتما والقادر عليه لأنه رؤوف رحيم بجميع خَلْقه أيْ كثير الرأفة والرحمة ، فهو أرحم بهم من أنفسهم ومن الوالدة بولدها .. والرأفة هي كراهية إصابة الغير بأيّ شرٍّ أو ضَرَرٍ بما يُتعسه ، والرحمة هي حب إيصال الخير والنفع له بما يُسعده .. إنه سبحانه كثير الرحمة الذي رحمته وَسِعَت كل شيء والتي هي أوسع مِن أيّ ذنبٍ ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿11﴾ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴿12﴾ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴿13﴾ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴿14﴾ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿15﴾ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿16﴾ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿17﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تكن منافقا تُظهر الخير وتُخفي الشر (برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿11﴾ " أيْ ألم تُشاهِد يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم يَصِل إلي عِلْمك ، وألم تشاهدوا وتتدبّروا وتعلموا أيها الناس ، هؤلاء الذين ينافقون أيْ يُظْهِرون الخير ويُخفون الشرّ الذين يقولون دوْمَاً وبتكرارٍ لإخوانهم في الكفر – أيْ في عدم التصديق بوجود الله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره – وفي فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار ، من أهل الكتاب أيْ من اليهود والنصاري ومِمَّن يتشبَّه بهم ، يقولون لهم علي سبيل التقوية والدعم لهم ضد المسلمين إنْ أخرجكم المسلمون من دياركم – لأنهم يستحقون ذلك لغدرهم بهم أو اعتدائهم عليهم أو قتالهم لهم أو ما شابه هذا من أسباب – فبكل تأكيدٍ سنكون معكم تماما نؤيدكم ونُعينكم وسنُشارككم في خروجكم وسنُصاحبكم حيثما ذهبتم لن نتركم ولا نطيع في شأنكم وعدم نصركم ومساعدتكم أحدا مهما كان أبدا مهما طال الزمان مِمَّن يريد العدوان عليكم أو مَنْعنا من الخروج معكم وعوْنكم ويطلب مِنَّا ذلك أو يُفاوضنا عليه أو يَسألنا معاداتكم أو نحو هذا وإن قاتلوكم فسنقف بجواركم وسنُقَدِّم لكم كل عوْنٍ يؤدي إلي نصركم وهزيمتهم .. " .. وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿11﴾ " أي وهو تعالي يُخبركم ويُعلمكم خَبَرَ الشاهِد الحقّ الصدق كامل الصفات الحُسْنَيَ العالِم بكلّ شيءٍ أنَّ هؤلاء المنافقين بكل تأكيد كاذبون فيما يقولونه لهم ويَعِدُونهم به .. وقد سَمَّى الله هذا الخَبَر عنهم شهادة لأنه خبر مؤكَّد حيث هو منه سبحانه فهو بمنزلة الشهادة الثابتة المؤكَّدة تماما ، وكفي بها أعظم وأضمن شهادة موثوقة من خالِق الخَلْق العليم الخبير بهم وبكل ما هو ماضيّ ومستقبليّ لا يَخْفَيَ عليه شيء .. وفي ذلك طَمْأَنة للمسلمين وتبشير لهم أنَّ هؤلاء لن يُنَفّذوا ما وَعدوا به أحدا فكلامهم ووعدهم كاذب لا يتحقق غالبا لأنهم منافقون حتي مع أمثالهم وليس معكم فقط أيها المسلمون !!
ومعني " لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴿12﴾ " أيْ هذا بيانٌ لكذبهم وإخلافهم لوعودهم ولبعض صفاتهم السيئة بصورةٍ أكثر تفصيلا ، أيْ لو أَخْرَجَ المسلمون أعداءهم الذين يَستحقّون الخروج من أماكن تواجدهم لا يَخرج هؤلاء المنافقون معهم لمحبتهم الشديدة لأموالهم وعدم وفائهم بوعودهم ، ولو قاتلهم المسلمون فإنهم لا يُقاتِلون معهم ولا يَدومون علي نصرهم وعلي سبيل الافتراض والتقدير لو حاولوا ولو مُكْرَهِين أحيانا نصرهم وقاتَلوا معهم فبالتأكيد سيُوَلّون الأدبار أيْ سيُعْطُون الظهور لمَن يُقاتلهم أيْ سيَهربون مُنْهَزِمين من شدّة جُبنهم وسوف لا يُنْصَرون من الله قطعا لا هم ولا مَن قاموا بنصرهم لأنَّ الفريقين اشتركا في الجُبْن والحرص علي الحياة واتَّحَدوا علي الشرّ وهو تعالي القوي المتين مالِك المُلك ينصر دوْمَاً وحتما أهل الحقّ والخير عليهم في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدَاً للمسلمين مُتْعِسَاً مُهِينا لهم
ومعني " لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴿13﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من الطمْأَنَة والتبشير للمسلمين ، إضافة إلي ما ذُكِرَ في الآيتين السابقتين ، أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرِمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة ، حيث هؤلاء المنافقين وإخوانهم في الكفر ومن يُشبههم ويُؤيدهم كلهم يخافونهم خوفا شديدا .. أيْ إنكم أنتم أيها المسلمون أشدّ إخافة لهم في عقولهم حتي مِن ربهم الذي خلقهم ورزقهم ورعاهم مالك الملك كله وأسباب الأرزاق كلها والقادر حتما علي العطاء والمنع والنفع والضرّ وعلي عذابهم وهزيمتهم وسحقهم وإهلاكهم !! .. هذا ، ومن معاني " .. رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم .. " أنَّ الخوف فيهم داخليّ وشديدٌ لا يعلمه إلا هو سبحانه مهما حاولوا أنْ يَتَمَاسَكوا ويُخفوه ويَظهروا أمام المسلمين بمَظهر القوة والاطمئنان !! .. " .. ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴿13﴾ " أيْ والسبب في ذلك الخَلَل والسَّفَه الذي هم فيه أنهم يخافونكم ويخافون الناس جميعا أن يكشفوا نفاقهم وأنتم بَشَر مثلهم أكثر من خوفهم من الله هو لأنهم لا يعلمون شيئا عن عظمته وكمال صفاته الحُسْنَيَ وقُدْرته وعلمه وعن الحقّ والعدل والخير وعن فوائد أخلاقيّات الإسلام وسعاداتها في دنياهم وأخراهم وعن عقابه للمُخَالِفين الذين يفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار ، إنهم لا يُدْركون كل هذا ، ولا يعقلونه ولا يتدبّرون فيه ، تماما كالجَهَلة الذين ليس عندهم أيّ عِلْم أو فهم ، والسبب الأساسي أنهم قد عطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وفي هذا تنبيه لهم ولأمثالهم لعلهم يستفيقون ويعودون للخير ليسعدوا في الداريْن
ومعني " لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴿14﴾ " أي هذا مزيدٌ من الطمْأَنَة والتبشير للمسلمين ، إضافة إلي ما ذُكِرَ في الآيات السابقة ، أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرِمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة ، حيث هؤلاء المنافقين وإخوانهم في الكفر ومَن يُشبههم ويُؤيدهم كلهم يخافونهم خوفا شديدا والذي مِن مَظاهره أنهم لا يمكن أبدا أن يقاتلوهم في زمنٍ أو مكانٍ ما إلا وهم مُجتمعين بعضهم لبعض ما أمكن وإلا في مدن مُحَصَّنَة تحصينات شديدة بالحصون والقِلاع والخنادق وغيرها وإلا مِن وراء جدران وحوائط ومُعِدَّات وأجهزة ونحوها ، فهم لا يواجهونهم مُطلقا وَجْهَاً لوجه ، وذلك مِن شِدَّة خوفهم وجُبْنهم .. " .. بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ .. " أيْ وأيضا هذا مِمَّا يُبَشِّر المسلمين أنهم سيَهزمونهم حتما حيث عداوتهم فيما بينهم عداوة شديدة تَصِل إلي أن تُضْعِف بالقطع تلاحُمهم وتعاونهم وقوّتهم عموما بصورةٍ من الصور وبدرجةٍ من الدرجات ولو حَدَث وقاتَل بعضهم بعضا وهو الأمر الذي يَحدث واقعيا بكثرة علي الثروات المتعدِّدة لَظَهَرت هذه العداوة والقوة الشديدة فيما بينهم حتي ولو كان الناظر إليهم يَتَوَهَّمهم مُجتمعين ولكنَّ عقولهم وأهدافهم ومصالحهم مُشَتَّتَة مختلفة مُتَضَارِبَة مُتَطَاحِنَة مُتَبَاغِضَة كما يُثبت الواقع ذلك كثيرا بسبب هذا العداء والصراع والاقتتال الشديد بينهم علي المصالح إذ لم يَجمعهم فقط إلا عداؤهم للإسلام والمسلمين وليس أيّ واحدٍ منهم مع الآخر بل يتمني أحدهم أن يقضي علي غيره ويَتخلّص منه ويَغتصب ما يملكه في أقرب فُرْصَة !! فقاتِلوا إذَن أيها المسلمون هؤلاء المُعتدين المُشَتَّتين الجُبناء فإنكم حتما مُنتصرون عليهم بإذْن الله .. " .. ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴿14﴾ " أيْ ذلك الذي ذُكِرَ لكم والذي هم فيه من التَّشَتُّت والكفر والجُبْن وشدّة عدائهم لبعضهم ومُخَالَفة دواخلهم لظواهرهم سببه أنهم قوم لا يعقلون الإسلام وما فيه من الحقّ والعدل والرشاد والخير والسعادة ولا يُمَيِّزون بين ما ينفعهم وما يضرّهم فيندفعون وراء الشرور والمَفاسد والأضرار بدون إدراكٍ لنتائج الأمور .. إنهم لا يُدْركون كل هذا ، ولا يعقلونه ولا يتدبّرون فيه ، تماما كالجَهَلة الذين ليس عندهم أيّ عِلْم أو فهم ، والسبب الأساسي أنهم قد عطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
أمَّا معني " كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿15﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من الطمْأَنَة والتبشير للمسلمين ، إضافة إلي ما ذُكِرَ في الآيات السابقة ، أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرِمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة .. أيْ شَبَه هؤلاء الذين ذُكِرُوا في الآية السابقة كشَبَهِ الذين مِن قبلهم في الأزمنة القريبة منهم – وحتي البعيدة نسبيا كزمن نوح ومَن بعده مِن الرسل الكرام الذين قصص هلاك المُكَذّبين مِن أقوامهم معروفة يتناقلها الكثيرون – حيث تَذَوَّقوا وتَجَرَّعُوا وَبَالَ أيْ شِدَّة حالهم السَّيِّء إذ كفروا وأشركوا ونافَقوا وفَعَلوا الشرور والمَفاسد والأضرار واعتدوا علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، تَذَوَّقوا عذاباً في الدنيا بدرجةٍ من الدرجات وصورةٍ من الصور ، إمَّا مُبَاشِرَاً مِن الله تعالي بفيضانات أو زلازل أو صواعق أو أوْبِئَة أو نحوها (برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ ، وإمَّا بهزيمتهم علي أيدي المسلمين بعوْنه وفضله وقوّته ونصره .. " .. وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿15﴾ " أيْ ولهم حتما في الآخرة – إضافة إلي ما نالوه من عذابات الدنيا المتنوّعة – عذاب مُوجِع مُهِين مُتْعِس لا يُوصَف ، علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم
ومعني " كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿16﴾ " أيْ هذا مَثَلٌ وتشبيه لحال المنافقين الذين يَتَبَرَّؤن من عَوْن إخوانهم الذين كفروا حينما يحتاجون إليهم ويَخْلفون وعودهم معهم كما ذُكِرَ في الآيات السابقة ، فحالهم دائما نحوهم كحال الشيطان تماما نحو الإنسان الكافر حين قال له في الدنيا اكفر بالله تعالى أيْ لا تُصَدِّق بوجوده ولا بكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، وَوَعَده كذبا وخِدَاعاً ألاّ شيء عليه إذا فَعَلَ الشرور والمَفاسد والأضرار وأنه بذلك سيَسعد وهو معه وبجواره وسيُساعده لو حَدَثَ له ضَرَرٌ ما – والشيطان في لغة العرب هو كل مُتَمَرِّد علي كل خيرٍ مُفْسِدٍ بعيدٍ عن الحقِّ وعن رحمات ربه ، وهو رمزٌ لكل تفكيرٍ شرّيّ يخطر بالعقل (برجاء أيضا مراجعة الآيات ﴿27﴾ حتي ﴿30﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا حينما يتّخذ الشيطان دائما عدوا له﴾ – فلمّا كَفَرَ ذلك الإنسان استجابة لتفكيره الشَّرِّيّ وعاشَ حياته كافرا وماتَ على الكفر وبُعِثَ يوم القيامة وَوَجَدَ مصيره السيئ التعيس ، بعد تعاسته الدنيوية ، نَدِمَ وألقىَ اللوْم والسبب على الشيطان الذي يقول له حينها أنى برىء منك ومن كفرك فأنا أخاف الله رب العالمين وليس لي أيّ قُدْرة على منع أيّ عذابٍ عنك أو علي إعطائك أيّ خير ، فلا تلوم إلا نفسك فأنت السبب حيث أسَأْتَ استخدام عقلك ولم تستجب لنداء الفطرة بداخله (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) .. وفي الآية الكريمة مزيدٌ من الطمْأَنَة والتبشير للمسلمين ، إضافة إلي ما ذُكِرَ في الآيات السابقة ، أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرِمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة ، حيث يجعل أعداءهم يَخْذل بعضهم بعضا ويَتَخَلّي عنه بل ويُعادِيه ويُضعفه وقد يؤذيه ويقتله ، فيَخيب تدبيرهم ويخسرون وينهزمون
ومعني " فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿17﴾ " أيْ فكان نهاية أمرهما ونتيجة أعمالهما السيئة ، نتيجة الفريقين ، فريق المنافقين الذين يُظهرون الإسلام ويُخفون الكفر وفريق إخوانهم الذين كفروا عَلَنَاً ويُعين كلٌّ منهما الآخر علي السوء ، وكذلك نتيجة كل داعي إلي الكفر وكل مُستجيب له كافر ، كانت النتيجة الحَتْمِيَّة لكفرهما أنهما في عذاب النار المُوجِع المُهِين المُتنوِّع المُتَزَايِد الذي لا يُوصَف مُقيمين فيه بلا نهايةٍ إلي ما شاء الله .. " .. وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿17﴾ " أيْ وهذا هو دائما مصير وأجر وعطاء كل مَن ظَلَمَ بصورةٍ ما من صور الظلم حيث يأخذ نصيبه ووقته من العذاب علي قَدْر شروره ومَفاسده وأضراره بكلّ عدل ، سواء أكان هذا الظلم كفرا أيْ تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا .. إضافة قطعا إلي ما كان فيه من عذابٍ وتعاسةٍ دنيوية بسبب سوئه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿18﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿19﴾ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿20﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَّقين أي الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من الذين يُحَاسِبون ويُقَيِّمُون ويُصَوِّبُون أنفسهم أولا بأوَّل قبل أن يُحَاسَبوا يوم القيامة فإنْ رأيتَ خيراً مُسْعِدَاً حمدتَ الله وازددتَ منه وإنْ رأيت شرَّاً مُتْعِسَاً اجتهدتَ في التخلّص منه في أسرع وقتٍ مُمْكِنٍ وتَجَنّبه تماما بعد ذلك .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون التخطيط لِغَدِهم ومستقبلهم ، الدنيويّ وحتما الأخرويّ ، حيث التخطيط مُسْعِد بينما العشوائية مُتْعِسَة ، فهو جزء أساسي من الإسلام وأحد أهم أخلاقه إذ يوفر الأوقات وينظم الجهود ويستخرج الطاقات ويحدد الأهداف البعيدة المدي والقريبة ومراحل وتوقيتات تحقيقها ونحو ذلك مِمَّا يحقق سعادة الناس في دنياهم وأخراهم ، أمّا العشوائية فهي علي العكس تماما حيث تضيع الأوقات وتُشَتّت المجهودات وتَكْبِت المهارات ولا تُحَقّق إلا القليل الضعيف من النتائج والطموحات
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿18﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، كونوا دوْمَاً من المتقين أيْ المُتَجَنِّبِين لكلّ شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. " .. وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ .. " أيْ وعلي كل إنسان سليم العقل أن يُحَاسِب نفسه قبل أن يُحَاسَب يوم القيامة فيَنظر ويَتَدَبَّر في أحواله وما قَدَّمَه واسْتَعَدَّ به وعَمِلَه لِغَدِهِ ، فيُقَيِّم ذاته ويُصَوِّبها أولا بأوَّل فإنْ رأيَ خيراً مُسْعِدَاً حَمِدَ الله وازداد منه وإنْ رأي شرَّاً مُتْعِسَاً اجتهدَ في التخلّص منه في أسرع وقتٍ مُمْكِنٍ وتَجَنَّبه تماما بعد ذلك ، وعليه أن يَنظر لمستقبله ، لحياته المُقْبِلَة ، الدنيوية ثم حتما الأخروية ، فيُحْسِن طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ثم الآية ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) ، وذلك من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. هذا ، ولفظ " غَد " يُفيد شدّة القُرْب كما يأتي اليوم التالي وأنه آتٍ بلا أيِّ شكّ وكل ما هو آتٍ فهو قريب حتي ولو تَوَهَّمَ أحدٌ أنه بعيد ، ثم لحظة موت الإنسان والتي تأتي فجأة هي تُمَثّل غَدَه .. " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ .. " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي التقوي لمزيدٍ من الاهتمام بها والحرص والدوام عليها في كل وقتٍ ومكان .. " .. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿18﴾ " أيْ وتذكّروا دوْماً أنَّ الله عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بما تعملونه وتقولونه كله سواء في سِرِّكم أو علانيتكم لا يَخْفَيَ عليه شيء وسيُحاسبكم علي ذلك بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة في الداريْن بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فأحْسِنوا إذن العمل دائما وافعلوا كلَّ خيرٍ واتركوا كلّ شرٍّ من خلال العمل بكل أخلاق إسلامكم
ومعني " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿19﴾ " أيْ واحذروا تماما وإيّاكم ثم إياكم أن تَتَشَبَّهوا مطلقا بالذين نَسُوا الله أيْ تَرَكوا وأهملوا دين الله وهو الإسلام ، كُلّيَّاً أو جُزْئِيَّاً ، لأنه بسبب ذلك ، بسبب أنهم اختاروا بكامل حرية إرادة عقولهم هذا النسيان والترك والإهمال والضلال أيْ الضياع أيْ الشرّ والفساد والضَرَر فإنَّ الله لا يَمنعهم منه ويشاءه لهم أي يَتركهم فيه دون عوْنٍ لَمَّا يَرَاهُم مُصِرّين تمام الإصرار حريصين تمام الحرص عليه دون أيّ بادِرَةٍ منهم ولو بخطوةٍ واحدةٍ نحو الخير حتي يُعينهم علي بقية الخطوات وهو الذي يقول : " .. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿الرعد : 11﴾ ، بل مِن شِدّة غضبه عليهم بسبب شدة إصرارهم يُيَسِّر لهم هذا النسيان والشرّ الذي هم فيه فكأنه هو تعالي الذي يُنسيهم فِعْل الخير لأنفسهم ولغيرهم والذي يُسعدهم في الداريْن لكنَّ الواقع أنَّ هؤلاء الناسِين الضَّالّين هم الذين اختاروا بكامل حرية إرادة عقولهم هذا النسيان الذي هم فيه (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) .. إنهم قد وَصَلوا إلي مرحلة الطبْع والخَتْم علي العقول ، أيْ مِن شِدَّة عِنادهم واستكبارهم وإصرارهم علي فِعْل الشرّ ، واعتيادهم علي فِعْله لفتراتٍ طويلة دون أيّ استجابةٍ لأيّ خير ، قد وَصَلوا لمرحلة مُزْمِنَة مِن الشرّ بحيث لم يَعُد في عقولهم أيّ مساحةٍ لأيّ خير !! بل بعضهم لم يعد حتي يستطيع أن يُفَرِّق بين الخير والشرّ وأين هذا مِن ذاك !! وما كل ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وذلك بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. لقد نَسُوا أنفسهم حقا !! لقد تاهُوا وذابُوا في كل شرّ !! .. ثم يوم القيامة يُنسيهم سبحانه أنفسهم بحقٍّ حيث يُعذّبهم عذابا مناسبا لشرورهم لا يُوصَف ، يُذْهِلهم !! .. " .. أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿19﴾ " أيْ هؤلاء حتما هم الخارجون بالكامل عن طاعة الله وإسلامه الذين يتعسون قطعا في دنياهم وأخراهم علي قَدْر ما تركوه من أخلاق الإسلام وما فَعلوه مِن سُوء .. فلا يَتَشَبَّه إذَن أحدٌ بهم أبداً حتي لا يَتعس مثلهم
ومعني " لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿20﴾ " أيْ لا يُمكن أبداً وهو أمرٌ مُستحيلٌ حتما أن يُساوي الله تعالي بينهما وهو الخالِق العادل الحكيم الرحيم ، إنه بلا أيّ شكّ وبكلّ تأكيد هناك فرق شاسِع بين الفريقين في الدنيا والآخرة ، فالفريق الأول ، أصحاب النار ، أي الذين يمتلكون فيها مُسْتَقَرَّاً لعذابٍ شديدٍ مُلازِم لهم دائمٍ بلا نهايةٍ إلي ما شاء الله علي قدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، وهم المُسِيئُون في دنياهم بكل أنواع الإساءة سواء أكانت كفرا أيْ تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، فهم بالقطع في الدنيا في تمام الشرّ والتعاسة والظلام والخطأ والضياع والعُسْر والقلَق والتوتّر والاضطراب والصراع والاقتتال مع الآخرين ثم سيَنتظرهم قطعا في الآخرة ما هو أشدّ تعاسة وأتمّ وأعظم ، لأنهم لم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلهم وهي المسلمة أصلا وعانَدوها (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) ولم يُحْسِنوا استخدام عقولهم ولم يُبْصِروا الخير ولم يَستمعوا له ويَتَّبعوه بل عادوه ومَنَعوه ، وما كلّ ذلك إلا بسبب الأغشية التي وضعوها علي العقل وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. أمَّا الفريق الثاني ، أصحاب الجنة ، أي مُلّاكُها بكل ما فيها مِن نعيمٍ لا يُمكن تَخَيّله المُصاحِبين المُلازِمين لها والذين يُقيمون فيها خالدين أي لا يُخْرَجون منها أبدا بلا نهايةٍ ولا تغييرٍ ولا تناقص بل في تزايُدٍ وتَنَوّع وإبْهارٍ في درجاتها علي حسب أعمالهم كجزاءٍ وأجرٍ وعطاءٍ وفي مُقابِل ما كانوا يعملونه من أعمالٍ حَسَنةٍ في حياتهم الدنيا ، وهم المُصَدِّقون بوجود ربهم وبكتبه وخاتمها القرآن العظيم وبرسله وخاتمهم الرسول الكريم محمد ﷺ وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره المتمسّكون العاملون بكلّ أخلاق إسلامهم في كلّ أقوالهم وأعمالهم ، فهؤلاء في تمام الخير والسعادة والنور والصواب واليُسْر والأمن في دنياهم ثم لهم حتما في أخراهم ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد ، لأنهم قد أحسنوا استخدام عقولهم واستجابوا لفطرتهم وأبْصَرَوا كلَّ خيرٍ وحقٍّ وعدلٍ واستمَعَوا إليه وتَفَهَّموه واتَّبَعوه وتمسَّكوا به ونَشَروه لغيرهم .. " .. أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿20﴾ " أيْ حتما كذلك ! لا يحتاج الأمر لكثير فهْمٍ للمقارَنَة بينهما لأيِّ صاحبِ عقلٍ سليم ! هم الفائزون أيْ الذين يفلحون وينجحون ويربحون وينتصرون ويسعدون في دنياهم وأخراهم فلاحا ونجاحا وربحا ونصرا وسرورا عظيما لا يُقارَن بشيء
لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مرجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البَيَان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ " أيْ هذا مَثَلٌ يُمَثّله الله تعالي لبيان عُلُوّ شأن القرآن العظيم وقوة تأثيره علي العقول المُنْصِفَة العادِلَة بما فيه من العِظات والعِبَر والدروس والتوجيهات والتشريعات والأنظمة المُتكاملة التي تُصلح الجميع إذا عملوا بكل ما فيه وتُكملهم وتُسعدهم تمام الصلاح والكمال والسعادة في دنياهم وأخراهم .. إنَّ الآية الكريمة حثّ ودَفْعٌ وتشجيعٌ للناس لكل صاحب عقل سليم منهم للتَّأَثّر به والتَّعَمُّق والتَّدَبُّر والتَّعَقّل في كل معانيه عند قراءته وسماعه والاجتهاد بكل هِمَّة وقوة في العمل بها كلها لكي تتحقق سعادة الداريْن ، كما أنها ذمّ شديدٌ لكل مَن كان قاسيَ مُغْلَقَ العقل والفكر لا يتأثّر به ولا يعمل بما فيه حيث بتَرْكِه سيَتعس فيهما علي قَدْر ما تَرَكَ منه .. أيْ لو علي سبيل الافتراض والتقدير أننا جعلنا في جبلٍ مَا عقلا وإدراكاً وتمييزاً وأنزلنا عليه هذا القرآن العظيم فتَدَبَّره ، لَرَآهُ الناظِر إليه حينها وفوريا – وهو الذي يُضرب به المَثَل في القسوة والصلابة والشدّة – خاشعا أيْ لَيِّنَاً ساكنا هادئا مستقرا مطمئنا مُنْقادا مستجيبا عندما يسمع خُلُقَاً وموعظة وتشريعا قد طَلَبَ منه فِعْله وسيُعطيه عليه كل خير ورحمة في الداريْن ، ورآه مُتَصَدِّعَاً أيْ مُنْفَعِلَاً انفعالا شديدا متأثرا مُرْتَجِفَاً متزلزلا مُشْفِقَاً من خوف الله تعالي عند سماعه تحذيرا للمُخالفين فيَخشي أن يقع في مُخالَفةٍ مَا فيُعاقبه بعذابٍ وتعاسةٍ فيهما .. " .. وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ " أيْ وهذه الأمثلة والتشبيهات الكثيرة والباهرة التي اشتمل عليها هذا القرآن العظيم نذكرها لجميع الناس لكي يتفكروا أيْ يُحسنوا استخدام عقولهم ويَتدبَّروا ويَتعمَّقوا في الأمور فيَصِلوا حتماً إلي عبادة الله وحده والتمسّك والعمل بكل أخلاق قرآنهم وإسلامهم فيَسعدوا بذلك تماما في دنياهم وأخراهم .. بينما الذين لا يتفكّرون أي الذين يُعَطّلون عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، لا يَصِلُون لهذا حتما ويعيشون قطعا الدنيا والآخرة في تمام التعاسة .. هذا ، ولفظ " لعلّ " يُفيد الاحتماليّة مع الأمل في التحَقّق ليكون ذلك دافعا وتشجيعا لكل البَشَر ليكونوا كذلك مُتَدَبِّرين له عامِلين به
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴿22﴾ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23﴾ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿24﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون التعامُل مع أسماء الله تعالي وصفاته ، فكلها الحُسْنَيَ ، بمعني الكمال وتمام الحُسن ، فإنْ كان الله تعالي قادرا فهذا يعني تمام القُدْرَة علي كل شيء ، وإنْ كان حكيما فمعناه تمام الحكمة بوَضْع كلّ أمرٍ في موضعه دون أيّ عَبَث ، وهكذا .. ولذا ، فعندما تدعوه تأتي بما أمكن بما يُناسِب دعاءك ، فلعلّ هذا قد يكون أقرب للإجابة ، وإنْ كان أيّ دعاءٍ مِن أيِّ محتاج له سبحانه الكريم الودود سيكون مُجَابَاً بإذنه تعالي (برجاء مراجعة الآية ﴿186﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الدعاء ، وكيفية اتَّخاذ أسباب الإجابة ، وسعاداته في الداريْن﴾ ، فمثلا إنْ كنتَ تريد رزقا تقول ارزقني يا رزَّاق وإن أذنبتَ ذَنْبا فاستغفر الغفور الرحيم ، وهكذا .. كذلك تَتَعَبَّد له ، أيْ تُطيعه ، بهذه الأسماء والصفات الحسني ، في كل أقوالك وأفعالك في كل مواقف حياتك ، بمعني أنه إذا كان سبحانه سميعا بصيرا فلا تَقُلْ ولا تفعل إلا خيرا لأنه يَسمعك ويُبْصِرك ، وإذا كان مُنتقما من كلّ ظالمٍ فكن عادلا لا تظلم أحدا بأيِّ ظلم حتي لا ينتقم منك له ، وهكذا .. هذا ، ويُرَاعَيَ أنه بأيِّ اسمٍ تَدعوه وتتعامَل معه به سبحانه فقد حَصَلَ المقصود من حُسْنِ تواصُلك معه وحبك له وحبه لك واعتمادك عليه وعوْنه وإسعاده لك ، فكلها أسماؤه تعالي وصفاته ، وكلها حَسَنَة ، وليس له اسم أو وَصْف غير حَسَنٍ !
هذا ، ومعني " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴿22﴾ " أيْ هو وحده الله الذي لا مَعْبُودَ يَستحِقّ العبادة والطاعة لنظامه وهو الإسلام إلا هو سبحانه (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) فكيف تَنصرفون وتَبتعدون أيها الناس عن عبادته إلى عبادة غيره وعن نظامه إلي نظامٍ غيره مُخالِفٍ له مُضِرٍّ مُتْعِسٍ لكم في الداريْن ؟! أين العقول المُنْصِفَة العادلة ؟! ولكنه التعطيل لهذه العقول من البعض منكم بسبب الأغشية التي وضعوها عليها بسبب الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .. " أيْ وهو وحده سبحانه عالمٌ بتمام العلم بكل ما غابَ عن إدراك الخَلْق وحَوَاسِّهم ، سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا يعلمونه أم من المستقبل ، وبالقطع يعلم الشهادة أي ما هو مُشَاهَد مُدْرَك للحَوَاسّ ، وهو أمر مَنْطِقِيّ ولكن ذَكَرَه تعالي حتي لا يتَوَهَّمَ أحد أنه يعلم الغيب فقط ! .. " .. هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴿22﴾ " أيْ وهو وحده تعالي الرحمن أيْ الكثير العظيم الواسع الرحمة ، الرحيم أيْ الكثير الدائم الرحمة .. وبالجملة هو الكثير العظيم الدائم الرحمة الذي بَلَغَ الغاية فيها والذي رحمته وَسِعَت كل شيء ، العَطُوف على خَلْقه بإيجادهم ورزقهم ورعايتهم وتيسير أمورهم وبإسعادهم بتشريعه الإسلام الذي يُرْشِدهم لكلّ أمنٍ وخيرٍ وسعادةٍ في دنياهم ثم بإسعادهم السعادة التامَّة الخالدة في أخراهم بإدخالهم درجات جناته حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر ، وهو دوْماً الرقيق الرفيق معهم العَفُوّ عنهم المُشْفِق عليهم المُحِبّ لهم .. إنَّ رحمته هي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسْبِق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
ومعني " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23﴾ " أيْ هذا تأكيدٌ لما سَبَقَ ذِكْره في الآية السابقة من أنَّ الله تعالي هو المُسْتَحِقّ وحده للعبادة وذلك لعظيم أهمية هذا الأمر لمزيدٍ من الاهتمام والعمل به ، ثم ذِكْرٌ لبعض صفات الكمال الحسني له سبحانه لكي يتدبّرها الناس ويُحسنوا استخدامها عند التعامُل مع خالقهم مثل " .. المَلِكُ .. " أيْ المالِك لجميع الأشياء والمُتَحَكِّم في جميع المخلوقات المُتَصَرِّف فيها تَصَرُّف المالك في مُلْكِه بلا أيّ مانع علي أكمل وجه بما يُصلح شئونها ويُسعدها فهو المالك الحقيقي ولا يزول ملكه أبدا وما يَمْلكه البَشَر ما هو إلا مِمَّا مَلَّكه هو لهم .. " .. الْقُدُّوسُ .. " أيْ الطاهر البالغ أقصى درجات الطهارة والكمال في كل الصفات والبُعْد عن النقائص والعيوب وعن كل ما لا يليق ، المُعَظّم المُمَجَّد .. " .. السَّلَامُ .. " أيْ الذي سَلِمَ من كل عَيْبٍ ونقصٍ والذي يفيض الأمن والأمان والهدوء والاطمئنان والاستقرار والارتياح والرضا والسرور علي كل مخلوقاته ، وما يحدث من فقدان ذلك أحيانا فيكون من سوء تصرّف بعض الناس في الكوْن رغم أنَّ الإنسان هو صاحب العقل وكلّ الخَلْق مُسَخَّر له ومن المُفْتَرَض أن يحافظ هو علي هذا السلام .. " .. الْمُؤْمِنُ .. " أيْ واهِب الإيمان في فطرة كل إنسان (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) ، وواهب الأمن لكل مخلوق ولكل إنسان مؤمن به عامل بأخلاق إسلامه ، وهو سبحانه كذلك مُصَدِّق لرسله بما يُؤَيِّدهم به من معجزاتٍ مُبْهِراتٍ حاسِماتٍ ليُؤْمِنَ بهم الناس ليسعدوا بالإسلام الذي جاؤوهم به .. " .. الْمُهَيْمِنُ .. " أيْ المُراقِب علي كل شيء في كوْنه وعلي كل خَلْقه في كل ما يقولونه ويفعلونه ، والحافِظ لكل شيءٍ المُسَيْطِر تمام السيطرة عليه ، لأنه كامل العلم والقُدْرة .. " .. الْعَزِيزُ .. " أيْ الغالِب القاهِر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، ولا يَمنعه أحدٌ مِمَّا يريده في إدارة شئون كوْنه وخَلْقه علي أكمل وأسعد وجه .. " .. الْجَبَّارُ .. " أيْ العظيم القُدْرة والقوة والسلطان والنفوذ الذي يُجْبِر كلّ كوْنه وخَلْقه على ما يريد حينما يريده وقد أجْبَرَ كلّ مخلوقٍ علي شكل مُحَدَّدٍ وهيئة ومهمّة محدَّدَة وهو أيضا يُجْبِر أحوالهم أيْ يُصلحها فهو يُجبر المَكسورين ويُعطي السائلين ويغني الفقراء ويشفي المرضي بعوْنه وأرزاقه .. " .. الْمُتَكَبِّرُ .. " أيْ الذي تَكَبَّرَ وتعالَيَ وتعاظَمَ عن كل ما يؤدي إلي نقصٍ وسوءٍ ما ، والذي بَلَغَ أعلي درجات الكِبْرياء أي العَظَمَة والجلال والسُّلْطان والقُدْرة والكمال فهو أكبر مِن أيّ كبير وكلّ شيءٍ في كوْنه مُنْقَاد له مُحتاج إليه تحت نفوذه وحُكْمه وتَصَرّفه وتَدبيره وسلطانه المَبْنِيّ علي كلّ عِزَّة وحِكْمَة وعلم وعدل حيث هو العزيز الحكيم العليم العادل .. " .. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23﴾ " أيْ بعد التدبُّر والتعَمُّق في كل هذا الذي ذُكِرَ من بعض صفات كماله تعالي الحسني والتي لا يمكن أن يُشَارَك فيها أصلا فسبحان الله إذَن حتما مِن كل صاحبِ عقلٍ مُنْصِفٍ عادل ، وهو ذِكْرٌ يعني تنزيه الله أيْ إبعاده عن كل صفةٍ لا تليق به ، وتعاليَ أي تَعَاظَم وارتفع وابتعد أيضا عنها وعمَّا يُشركون به هؤلاء السفهاء الذين يعبدون معه آلهة أخري كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو غيره مِمَّا هو أضعف منهم ! أين العقول التي تعبد معبودا هو أضعف من عابده !! فالإنسان ولا شكّ أقوي كثيرا من هذه الآلهة التي يدَّعون كذبا وزورا أنها تنفعهم أو يخافون ضررها !! ولكنه التعطيل للعقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها من أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿24﴾ " أيْ هو وحده الإله المُسْتَحِقّ للعبادة أي الطاعة المُوجِد المُبْدِع لكلّ المخلوقات من عدمٍ علي غير مثالٍ سابق .. " .. الْبَارِيءُ .. " أيْ الذي جعلها بريئة من أيِّ خَلَلٍ وعَيْبٍ عند تنفيذ خَلْقِها .. " .. المُصَوِّرُ .. " أيْ الذي جعلها علي صورها وأشكالها وهيئاتها كما أراد لتؤدّي مهامّها التي خَلَقها لها .. " .. لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ .. " أيْ بأيِّ اسمٍ تَدعونه أيها الناس وتتعامَلون معه به سبحانه فقد حَصَلَ المقصود من حُسْنِ تواصُلكم معه وحبكم له وحبه لكم واعتمادكم عليه وعوْنه وإسعاده لكم ، فكلها أسماؤه تعالي وصفاته ، وكلها حَسَنَة ، وليس له اسم أو وَصْف غير حَسَنٍ ! .. " .. يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. " أي أنَّ جميع مَن في السماوات والأرض وما في الكوْن كله يُسَبِّح لله تعالي ، أيْ هو يَنْقَاد ويَخضع لإرادته ، أيْ يُؤدّي مهمّته التي خَلَقه من أجلها لنفع الإنسان ولسعادته ، وكل المخلوقات بما فيها مِن عجائب خالِقها تَدْفَع كلّ عاقلٍ لتسبيحه سبحانه حين يُحْسِن التدبّر فيها وتَدْفَعه لأنْ يعبده بالقطع وحده دون غيره ، كما أنها في ذاتها تُسَبِّحه وتحمده علي نِعَمه عليها ، بطريقتها الخاصَّة التي خَلَقها عليها والتي حَوَاسّ البَشَر غير مُؤَهَّلَة لإدراكها كما قال تعالي " .. وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .. " ﴿الإسراء : 44﴾ .. " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿24﴾ " أي هو تعالي الغالِب القاهر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿1﴾ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴿2﴾ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿3﴾ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿4﴾ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿5﴾ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿6﴾ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿7﴾ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿9﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تَتَّخِذ أعداء الله وأعداءك أي الذين يُعادون ويُقاومون ويُحاولون منع دين الله الإسلام وانتشاره بين الناس ليظلوا مُسْتَعْبِدين لهم ناهِبين لجهودهم وثرواتهم سواء أكانوا كافرين أيْ مُكَذّبين بوجود الله أم مُشْرِكين أيْ عابدين لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم مُنافقين أيْ مُظْهِرين للخير مُخْفِين للشرّ أم مُعتدين ظالمين غير عادلين أم فاسدين ناشرين للشرّ أم مَن يُشبه هؤلاء ، لم تَتَّخِذهم أولياء مُحَبَّبين إليك أيْ أولياء لأمورك يُديرونها لك ويُوَجِّهونك فيها وتودّهم ويودّونك وتُحبهم ويُحبونك وتنصرهم وينصرونك وتخبرهم بأسرار المسلمين ونحو هذا ، مهما كانت درجة قرابتهم لك ، لأنهم غالبا أو مؤكدا سيأخذونك لكل شرّ وفساد وظلم وحتي كفر ، فالواقع يثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَلتَ هذا فقد قَطَعْتَ الصلات بينك وبين ربك والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سداد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الشقاء والكآبة والتعاسة في الدنيا والآخرة
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿1﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعملوا بإيمانكم فاحذروا وامتنعوا تماما أن تَتَّخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء أيْ أصدقاء وحُلَفاء ونُصَراء مهما كانت درجة قرابتهم لكم أيْ الذين يُعادون ويُقاوِمون ويُحاولون منع دين الله الإسلام وانتشاره بين الناس ليَظلوا مُسْتَعْبِدين لهم ناهِبين لجهودهم وثرواتهم سواء أكانوا كافرين أيْ مُكَذّبين بوجود الله أم مُشْرِكين أيْ عابدين لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم مُنافقين أيْ مُظْهِرين للخير مُخْفِين للشرّ أم مُعتدين ظالمين غير عادلين أم فاسدين ناشرين للشرّ أم مَن يُشبه هؤلاء ، تُعطونهم المَحَبَّة وما قد يَتْبَع ذلك من طاعتهم في الشرّ ونصرتهم ضد الحقّ والعدل وإفشاء أسرار المسلمين إليهم ونحو هذا من شرور ومَفاسِد وأضرار وتعاسات في الداريْن ، وكيف تفعلون ذلك وهم الذين قد كفروا بما أوصله إليكم رسولكم الكريم ﷺ من الحقّ وهو القرآن العظيم الذي فيه أخلاق الإسلام المُسْعِدَة لكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، ولم يكتفوا بذلك بل أيضا قد أخرجوا الرسول ﷺ سابقا من بلده محاولين إيذاءه ومَنْعه من الدعوة للإسلام وكذلك يحاولون دوْمَاً معكم بسبب أنكم تؤمنون بالله ربكم وبدينكم الإسلام ، وفي هذا أيضا إلهاب للمشاعر لعوْنهم ولدفعهم لسرعة الاستجابة .. " .. إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي .. " أيْ هذا مزيدٌ من إشعال مشاعرهم حتي لا يبقي بداخلهم أيّ شيءٍ من المَوَدَّة نحوهم ، أيْ إنْ كنتم أيها المؤمنون تَخرجون من بيوتكم وبلادكم ونواياكم بداخل عقولكم بَذْل الجهد في سبيلي أيْ في طريقي أي في إطار أخلاق القرآن والإسلام التي هي طريق كل خيرٍ وحق وصدق وعدل ، بكل أنواع الجهود المختلفة في كل شئون حياتكم المتنوعة ، تَطلبون بذلك رضاي عنكم وحبي وعوْني وتوفيقي ونصري ورزقي وإسعادي لكم ، فاعملوا إذَن بما يَتَطَلّبه هذا ووَالُوا وأحِبّوا أوليائي المسلمين في دنياكم واتركوا اتِّخاذ عدوِّى وعدوَّكم أولياء واتركوا مودتهم التي هي مُخَالِفَة للإسلام ومانِعَة لرضاي عنكم في الداريْن ومُنَاقِضَة للعقل السليم الذي يُوجِب الحذر كل الحذر من العدو الذي لا يترك شيئا يحاول به مُعاداتكم وإيذاءكم إلا فَعَله (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الجهاد في سبيل الله وصوره وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. " .. تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ .. " أيْ هذا ذمّ شديدٌ وتَعَجُّبٌ لمَن كان في عقله بداخل مشاعره أيّ مَوَدَّة لأعداء الله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، أيْ بعضكم يودّهم في السِّرِّ والحال أنى حتما أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم فأنا العليم بكل شيء سواء أسررتم المَحَبَّة والنّصْرَة وإفشاء الأسرار وغير ذلك أم أظهرتموها ، أيْ كيف يُسِرّ البعض منكم المودَّة لهم ويُخفيها مع علمه التامّ أنَّ الله عالمٌ تماما بما يُخْفِي وما يُعْلِن ؟! فهذا وإنْ خَفِيَ على المؤمنين فلا يَخْفَىَ على الله تعالى وسيُجَازِيه علي سوء فِعْله بما يُناسب من عقابٍ في الدنيا ثم الآخرة ، فأىّ فائدة إذَن لكم فى الإسرار يا مَن تفعلون ذلك ؟! فامتنعوا بالتالي عن هذا السوء ولا تكونوا منافقين تُظهرون الخير وتُخفون الشرّ !! .. " .. وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿1﴾ " أيْ ومَن يَفعل ذلك الاتِّخاذ لعَدُوِّى وعَدُوِّكم أولياء ويُلْقِى إليهم بالمَوَدَّة فقد أخطأ طريق الصواب والحقّ والعدل والخير والسعادة في دنياه وأخراه ، لأنهم غالبا أو مؤكَّدا سيأخذونه لكل شرّ وفساد وظلم وحتي كُفْر ، فالواقع يُثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَل هذا فقد قَطَع الصلات بينه وبين ربه والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سداد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الشقاء والكآبة والتعاسة له في الداريْن
ومعني " إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴿2﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من إشعال مَشَاعِر المسلمين حتي لا يبقي بداخلهم أيّ شيءٍ من المَوَدَّة نحو أعدائهم ، أيْ حالهم دائما إنْ يُلاقوكم ويَنتصروا عليكم ويَتَمَكَّنوا منكم في موقفٍ مَا يُظْهِروا لكم ما يُخْفُونه مِن عداوةٍ وكراهية دائمة خَفِيَّةٍ عميقة نحوكم ولا يهتمون بمَوَدَّتكم إيّاهم ويحتقرونها ولا يَكتفون بذلك بل إذا سَمَحَت لهم الظروف وجاءتهم الفُرْصَة يَمُدّون إليكم أيديهم كثيرا بالضرب أو حتي القتل ويَستخدمون ألسنتهم بكثرة بالشتم والاستهزاء ونحو هذا علي حسب الحال بما يُسِيئ إليكم ويُؤذيكم ويَضرّكم ويُتعسكم قولا وفعلا ، ثم هم بعد كل ذلك ومعه وقبله ودوْمَاً يتمنّون لو تصبحون كفارا مثلهم لأنهم لا يربحون إلا بانتشار كلّ شرٍّ وفسادٍ وضرر ! ولأنهم أعداؤكم والعدو دائما يحب أخذ أفضل شيء منكم ليكِيدكم وهو إيمانكم ! إنهم يفعلون كل ذلك وغيره لأنهم قد عَطَّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. فلا تَتَّخِذوهم إذَن أولياء وتُلْقُون إليهم بالمَوَدَّة !!
ومعني " لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿3﴾ " أيْ يوم يريد الله تعالي أن ينزل بكم أيّ عقابٍ بأيّ درجةٍ من الدرجات وصورةٍ من الصور بسبب مُخَالَفتكم للإسلام ومُوَالاتكم لأعداء الله وفِعْلكم الشرور والمَفاسد والأضرار ، سواء في الدنيا أو الآخرة ، حينها لن ينفعكم حتما ويمنع عنكم أقاربكم ولا أولادكم بكل إمكاناتهم ولا أحبّ وأقرب الناس إليكم ولا أيّ ناصرٍ مُعين لكم من عذاب الله أيّ شيء ، فكل هذه الإمكانات وغيرها ليست لها أيّ قيمة أمام عذابه تعالي ، لأنّ أحدا من الخَلْق لا يملك من الأمر شيئا فالأمور كلها بيَدِ خالقها سبحانه مالِك المُلك كله والمُتصرّف فيه وصاحب السلطان عليه ، وكل إنسان سيتحمّل تماما نتيجة كلّ أقواله وأفعاله ما هو خير منها وما هو شرّ ، فهذا هو تمام العدل .. " .. يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ .. " أي يُفَرِّق بينكم وبينهم حيث يُحَاسَب كلّ منكم بمفرده وينال جزاءه ولا ينفع أحدٌ أحداً حينما يَفصل أيْ يَحكم الله بعدله بين جميع الناس فيكون أهل الخير في نعيم الجنة مَفْصُولين عن أهل الشرّ الذين هم في عذاب النار .. " .. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿3﴾ " أيْ والله سبحانه بصيرٌ علي الدوام بكلّ أعمالكم وأقوالكم أيْ يراها ويعلمها بتمام الرؤية والعلم ، وبالتالي سيُجازِي حتما بكل علمٍ وبكل عدلٍ ودون أيّ ذرّة ظلمٍ أهل الخير بكل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم وأهل الشرّ بكل ما يستحقّونه فيهما مِن كل شرٍّ وتعاسة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم .. فأحْسِنوا بالتالي كلّ كلامكم وتَصَرّفاتكم وليُحْسِن العاقل إذَن الاستعداد لمِثْل ذلك اليوم بفِعْل كل خير وترك كل شرّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام ليَنجو ويَسعد ولا يَتعس في دنياه وأخراه
ومعني " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿4﴾ " أيْ هذا مَثَلٌ يَذْكُره الله تعالي لِمَا سَبَقَ ذِكْره وللتأكيد عليه ، من المسلمين السابقين الذين امتنعوا تماما عن مُوَالاة أعداء الله أيْ مَحبتهم ونُصْرتهم وطاعتهم فيما يُخالِف الإسلام مهما كانت درجة قرابتهم لهم ، وذلك حتي يَقتدي ويَتَشَبَّهَ بهم مَن أراد الاقتداء ليسعد تماما كسعادتهم في دنياهم وأخراهم .. أيْ لقد كان لكم قُدْوة صالحة تَتَّبعونها في إبراهيم ﷺ والمسلمين معه حين قالوا لقومهم الذين لا يعبدون الله حولهم وصَدَّقوا قولهم بحُسْن عملهم بعبادته أي طاعته وحده وباتِّباعهم إسلامهم مُنَبِّهين لهم بقولهم وبفِعْلهم بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة أنهم بُرَآء – جمع بَريء – أيْ مُتَبَرِّئين من أفعالهم وأقوالهم ومِمَّا يعبدونه غير الله تعالي من آلهةٍ كصنمٍ أو حجرٍ أو نجم أو نار أو غيره رافضين لها غير معترفين بها ولا راضين عنها ولا صِلَة بينهم وبينها وهم ضِدَّها ويُعادونها .. " .. كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .. " أيْ وقد كذّبناكم فيما تقولون وتعملون ورفضناه ولم نستجب له فأنتم لستم علي أيِّ حقٍّ وصِدْقٍ وظَهَرَ بكل وضوح بيننا وبينكم العداء والكُرْه دائما بسبب ذلك فلا حبّ ولا تَنَاصُر ولا نحو هذا وهو مستمرّ إلي أن تستفيقوا وتُصَدِّقوا بالله وتعبدوه أيْ تطيعوه وحده مثلنا حينها نصبح إخوة أحِبَّاء متعاونين متكاتفين نَسعد جميعا بهذا في دنيانا وأخرانا .. " .. إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ .. " أيْ اجعلوا أقوالهم وأفعالهم هذه قُدْوَة لكم إلا قول إبراهيم ﷺ لأبيه سأستغفر لك فلا تقتدوا به ، أيْ لا تستغفروا لموتاكم الذين ماتوا علي عبادة غير الله تعالي – أمَّا أثناء حياتهم فادعوا لهم بالإسلام فهذا من باب البِرِّ بهم والإشفاق عليهم وحُسن التعامُل معهم ودعوتهم للخير الذي يُوصِي به الإسلام لعلهم يُسلمون ويَسعدون مثلكم – فإنَّ إبراهيم قد استغفر له ثم ترك الاستغفار بعد موته لمَّا تَأَكَّدَ أنه قد مات علي كفره .. " .. وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ .. " أيْ ليس لي أيّ قُدْرَة علي أن أمنع عنك من عذاب الله أيّ شيءٍ حين يريده بسبب كفرك به ، وليس عندي لك مِن هدايةٍ له وللإسلام ومِن مغفرةٍ وتوفيقٍ وتيسيرٍ وعونٍ ورزقٍ ونحو هذا فأنا لا أستطيع لك إلا الاستغفار ولا أملك لك من أمر قبوله ومن هذه الأمور شيئا ، وذلك إظهاراً للعجز وتفويضاً للأمر كله لله تعالي مالِك الأمور كلها يُعين مَن يريد الهداية ويُيَسِّر له أسبابها وأمَّا مَن لا يريدها فلا يُيَسِّرها له .. " .. رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿4﴾ " أيْ وأيضا اقتدوا بهم أيها المسلمون وقولوا مثلهم واعملوا دوْماً بهذا القول لتسعدوا في الداريْن ، ربنا عليك وحدك اعتمدنا (برجاء مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل) ، وإليك وحدك لا إلي غيرك نكون دائما في كل أحوالنا في كل شئون حياتنا مُنيبين إليك أيْ راجعين إليكْ أي سنَجعل دوْما مَرْجِعِيَّتنا هي أنت ورسولك الكريم ﷺ وقرآنك العظيم وإسلامك الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل لنسعد تمام السعادة في دنيانا وأخرانا (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) وسنكون دائما تائبين عائدين إليك وإلي إسلامك أوّلا بأوّل عند أيّ خطأٍ لنُزيل سريعا أيّ تعكيرٍ لسعادتنا بتعاسة هذا الخطأ ، وإليك لا إلي غيرك المصير أيْ المَرْجِع في الآخرة فتُجازينا علي الخير خيرا وسعادة وعلي الشرّ شرَّاً وتعاسة وبالتالي سنجتهد في فِعْل كل خيرٍ وتَرْك كل شرّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامنا لنسعد في الداريْن
ومعني " رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿5﴾ " أيْ هذا أحد الأدعية التي يُعَلِّمها الإسلام للمسلمين ليَجتهدوا في الدعاء والعمل واقعيا به ، أيْ ربنا لا تجعلنا فاتِنِين للذين كفروا – أيْ الذين لم يُصَدِّقوا بوجودك ولا بكتبك ولا رسلك ولا آخرتك وحسابك وعقابك وجنتك ونارك – أيْ مُوقِعِين لهم في الشرّ ، والمقصود ألاّ تَنصرهم علينا فيُفْتَنون بذلك أي يَغْتَرّون ويَنْخَدِعون ويَتَوَهَّمون أنهم هم الذين علي الصواب ونحن الذين علي الخطأ فيستمرّون ويزدادون فيما هم فيه لأنه لو كنا نحن الذين علي الصواب لَمَا انتصروا علينا ونكون بضعفنا وتقصيرنا وعدم إحسان استعدادنا سَبَبَاً في وقوعهم في هذا الشرّ فنَأثم ونُعَاقَب منك في الدرايْن .. كذلك المقصود ألاّ تَجعلهم فاتِنين لنا فيُفسدوننا بشرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم فسَنتمسّك ونعمل بأخلاق إسلامنا كلها ما استطعنا فيَسِّر لنا ذلك ولا تترك عوْننا فنقع في الشرور فتُعَاقِبنا فيَتَوَهَّمون أيضا أنهم هم الذين علي الصواب بل وسيترتّب علي تَرْكنا للإسلام وفِعْلنا الشَّرَّ أن يسوء حالنا ونَتَخَلّف ونَتعس بذلك فيؤدي هذا أيضا إلي أن نكون السبب في وقوعهم في الشرِّ كذلك بإبعادهم عن ديننا وكراهيتهم له وعدم الثقة فيه بحجّة أنه لو كان هذا الدين هو الحقّ لَظَهَرَ أثره على أتباعه فتَطَوَّروا وازدهروا وسَعِدوا فنزداد بذلك إثماً علي إثمٍ وعقاباً علي عقاب .. " .. وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا .. " أيْ فاغفر لنا ما قد نَقَع فيه من تقصيرٍ حيث أنت سبحانك حتما وبكل تأكيد عَفُوّ غفور أيْ كثير العَفْو عن كل السيئات أيْ الشرور والمَفاسد مهما كبرت وعظمت أيْ تُسقطها وتُزيلها وتُمحوها كأن لم تكن ولا تُعَاقِب عليها وتُسامح فاعلها بل وتَدْفع عنه آثارها السيئة المُتْعِسَة وتُوفّقه لكل خيرٍ فيسعد تمام السعادة في الداريْن بفِعْله الخير بعد توبته واستمراره عليه وإنْ عاد لأيِّ شرٍّ تاب منه سريعا أوَّلاً بأوّل فتَستره وتُعينه وتُسعده ، وأنت غفور أيْ كثير المغفرة – وهذا مزيدٌ من التأكيد علي العفو – وذلك لكلّ مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، فأنت الرحيم كثير الرحمة الذي رحمته وَسِعَت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ .. " .. إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿5﴾ " أيْ فأنت حتما الغالِب القاهِر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، ولا يَمنعه أحدٌ مِمَّا يريده في إدارة شئون كوْنه وخَلْقه علي أكمل وأسعد وجه ، وأنت في كلّ أمورك الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث .. هذا ، وتكرار لفظ " ربنا " يُفيد المُبَالَغَة من المسلمين في سؤال ربهم واللجوء إليه والاعتماد عليه والحب له ، فهو مُرَبِّيهم وخالقهم ورازقهم وراعيهم ومُرْشِدهم لكل خير وسعادة في دنياهم وأخراهم ، ولن يَخِيب بكلّ تأكيدٍ مَن يَفعل ذلك بل له كل الربح والسعادة في الداريْن
ومعني " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿6﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي المعاني التي ذُكِرَت في الآيتين السابقتين (برجاء مراجعتهما لتكتمل المعاني﴾ وباستخدام ذات الكلمتين " أسْوَة حَسَنة " لمزيدٍ من الاهتمام والتذكير بها والتنبيه لها وتثبيتها وعدم نسيانها للانتفاع بذلك في مزيدٍ من حُسن عبادته تعالي بتمام طاعته والعمل بكلّ أخلاق إسلامه وشكره والتوكّل عليه لتَتِمّ السعادة في الدنيا والآخرة .. " .. لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ .. " أيْ الذي يريد الله واليوم الآخر ، أيْ يريد حبه وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جناته في الآخرة ، وبالجملة الذي يريد كلّ هذا ويريد أن يَصْلُح ويَكْمُل ويَسْعَد تمام السعادة في دنياه وأخراه ، فعليه أن يتَّخِذَ ما قالوه وفعلوه قدوة يَقتدِي به حيث هذا الاقتداء سيَضمن له بكل تأكيد تحقيق ما يرجوه من الله واليوم الآخر .. إنَّ الذين سيَنتفعون بالقطع بهذه القدوة هم فقط المؤمنون بربهم الذين يجتهدون في التمسّك بكل أخلاق إسلامهم الذين يرجون الله واليوم الآخر ويبحثون دوْمَاً عن كل خيرٍ يَقتدون به ويفعلونه ، وسيَسعدون حتما بها تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، بينما غيرهم لن ينتفعوا بها بكل تأكيد ، بل قد لا يشعرون بها أصلا ! ولذا فهم مُؤَكَّداً سيكونون في تمام التعاسة فيهما ! حتي يَستفيقوا ويعودوا لربهم ولإسلامهم .. " .. وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿6﴾ " أي وكلّ مَن يُدِرْ ظهره لأخلاق الإسلام ويَتركها كلها أو بعضها ويهملها ويُخالِفها ولا يُنَفّذها ويفعل الشرور والمَفاسد والأضرار ، فإنَّ النتيجة الحَتْمِيَّة المُتَوَقّعَة لذلك هو أن يَتعس بقَدْر ما تَرَكَ منها وما فَعَل مِن سوء ، فهو تعالي يُعَذّبه عذابا مُوجِعَاً هو السبب فيه بأفعاله السيئة ، في دنياه أولا لعله به يستفيق ويعود للخير ليسعد ، يُعذّبه بما يُناسبه ويُحَقّق مصلحته ، كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراع أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة كلّ ما فيه ألم وكآبة وتعاسة ، ثم في أخراه إن استمَرّ علي ما هو فيه دون عَوْدة عنه وتوبة منه بما هو أشدّ ألما وأتمّ وأعظم .. " .. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿6﴾ " أيْ مَن يَفعل ذلك فإنه حتما يَضُرّ أول ما يَضُرّ نفسه ثم مَن حوله إذا لم يجتهدوا في إصلاحه ودعوته بالقدوة والحكمة والموعظة الحسنة ، ولن يَضُرَّ بالقطع الله تعالي بأيِّ شيء !! فإنه سبحانه هو الغنيّ أيْ هو وحده كامل الغِنَيَ لا يحتاج لأيّ شيءٍ بل له كل السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وهو الذي يُغْنِي كلّ خَلْقه ، ولن يتأثّر مُلكه بأيّ شيءٍ حتي ولو كفر الناس جميعا ! وهو الحَمِيد أي المحمود المُسْتَحِقّ للحمد دوْما مِن كل خَلْقه علي كل نِعَمه ورحماته وتيسيراته وتشريعاته حتي ولو لم يحمده أحدٌ من البَشَر وسواء حَمَدَه الحامدون أم كفره الكافرون منهم ، وهو أيضا كثير الحمد والشكر للمُحسنين فيزيدهم في مُقابِل إحسانهم القليل إحسانا وخيرا كثيرا ، فتكون أمور دنياهم كلها محمودة مشكورة حَسَنَة النتائج سعيدة النهايات ، ثم يكون لهم في أخراهم ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد
أمَّا معني " عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿7﴾ " أيْ هذه بُشْرَيَ وطَمْأَنَة عظيمة للمسلمين من الله تعالي القادر علي كل شيءٍ الغفور الرحيم بخَلْقه أنَّ دعوتهم لغيرهم لله وللإسلام بالقدوة والحكمة والموعظة الحسنة لابُدَّ ستُؤْتِي نتائجها يوماً مَا مع مَن يَدعونهم حتي مع الأعداء منهم الذين كانوا يُعادُونهم سابقا بسبب اعتدائهم عليهم حيث سيَجعل سبحانه بينهم كل المَحَبَّة والأخُوَّة والتَّصَافِي والتعاون والتناصُر (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، وفي هذا تشجيعٌ لهم علي الاستمرار فيما هم فيه من التمسك والعمل بكل أخلاق إسلامهم وحُسن دعوة غيرهم له والصبر علي أذاهم وستتحقّق النتائج المُسْعِدَة بفضل الله ثم بجهودهم تدريجيا ويَنتشر الإسلام ويَسعد الجميع به في دنياهم وأخراهم .. هذا ، ولفظ " عسي " حينما يأتي في القرآن الكريم فإنه يعني حَتْمِيَّة التحقق لأنه صَدَرَ من الخالق الكريم العظيم مالك الملك الذي لا يُمكن أن يُعطِي أملا لأحد بشيء ثم لا يُعطيه إياه فهذا ليس من صفات الكُرماء ! وإذا كان كثيرٌ مِن كُرَمَاء الدنيا يفعلون ذلك فالأوْليَ بالله الذي له الكرَم كله أن يفعله !! لكنَّ اللفظ في ذات الوقت يُفيد الاحتمالية والأمل في التحقق من البَشَر من أجل التشجيع والدفع لهم ليكونوا كلهم دوما كذلك حريصين علي دوام التوبة ودوام التواصُل مع ربهم وإسلامهم ودعوة الجميع لهما ليسعدوا تمام السعادة في الداريْن .. " .. وَاللَّهُ قَدِيرٌ .. " أيْ شديد عظيم القُدْرَة قادر تماما علي كل شيء بتمام قُدْرته وعلمه لا يَمْتَنِع عليه شيء ومنه هذا التَّحَوُّل من الكفر للإسلام ومن الشرِّ للخير ومن العداوة للمَحَبَّة بتيسير أسباب الهداية لمَن يريدها (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، والواقع يُثبت حُدُوث ذلك كثيرا .. " .. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿7﴾ " أيْ والله دوْما بالتأكيد بلا أيّ شكّ غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
ومعني " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ " أيْ هذا أصلٌ من أصول الإسلام وهو حُسْن التعامُل مع الجميع لما في ذلك من الخير والتطوّر والسعادة للبشرية كلها وللتأثير عليها ودعوتها لربها ولدينه الإسلام بالقُدْوة والحكمة والموعظة الحَسَنَة لعلها تستجيب فتَسعد في الداريْن ، إلا الذين يُقاتلون المسلمين أو يُهَجِّرونهم من ديارهم وممتلكاتهم أو يساعدون علي ذلك أو ما شابه هذا فهؤلاء تُتَّخَذ معهم كافة الوسائل المُمْكِنَة لِرَدّ اعتدائهم بما يُناسب ولتأديبهم حتي لا يتجاوزوا حدودهم ويستفيقوا ويعودوا لربهم ولإسلامهم .. أيْ لا يَمنعكم الله تعالي أيها المسلمون عن الذين لم يقاتلوكم بسبب الدين ليُبعدوكم عنه ولم يُهَجِّروكم من دياركم وممتلكاتكم مِن أنْ تَبَرّوهم أيْ تفعلوا لهم كلَّ بِرّ أيْ خير وخُلُق حَسَن وأن تُقْسِطوا إليهم أيْ تَعْدِلوا معهم في كل أقوالكم وأفعالكم في كل شئون حياتكم .. " .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ " أيْ إنَّ الله حتما يحب العادِلين في كلّ تصرّفاتهم وأحكامهم وأقوالهم وأفعالهم وكل شئون حياتهم المختلفة ومع جميع الناس علي اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وأفكارهم وعلومهم ، ومَن أَحَبَّه كان سَمْعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يتصرّف بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سأله أيَّ مسألةٍ أعطاه إيّاها أو ما هو أفضل منها ولئن استعاذه من أيّ شرٍّ أعاذه أيْ حفظه منه وأعانه عليه وبالجملة سيكون في تمام الخير واليُسْر والأمن والسعادة في دنياه قبل أخراه .. وكَفَيَ بذلك جزاء عظيما للمُقسطين
ومعني " إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿9﴾ " أيْ ليس المَنْع مِن البِرِّ عن الذين ذُكِرُوا في الآية السابقة إنما يَمنعكم الله عن الذين قاتَلوكم أيها المسلمين بسبب الدين ليُبعدوكم عنه أو هَجِّروكم من دياركم وممتلكاتكم أو ساعدوا علي ذلك أو ما شابه هذا أنْ تَوَلّوْهم أيْ تُحِبّوهم وتُطيعوهم فيما يُخالِف الإسلام وتَنصروهم عليه وتفشوا أسراركم إليهم أو نحو هذا من شرور ومَفاسِد وأضرار ، فإنه مَن يفعل ذلك فهو ظالم حتما قد ظَلَمَ نفسه وغيره من المسلمين فأتعسها وأتعسهم في الدنيا والآخرة حيث قد خَالَفَ طاعة الله ونصائحه وإرشاداته في الإسلام ، لأنهم غالبا أو مؤكَّدا سيأخذونه لكل شرّ وفساد وظلم وحتي كفر ، فالواقع يثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَلَ هذا فقد قَطَع الصلات بينه وبين ربه والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سداد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الشقاء والكآبة والتعاسة في الداريْن
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴿11﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تتزوج بكافِرَة ولا مُشْرِكَة بل بمسلمة صالحة ، والكافرة هي التي لا تُصَدِّق بوجود الله ولا بكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، والمشركة هي التي تُشْرِك معه غيره سبحانه في العبادة أي الطاعة فتعبد صَنَمَاً أو حجرا أو كوكبا أو نحوه ، أمَّا الكتابِيَّات وهُنَّ نساء اليهود والنصاري وإنْ كُنَّ غير مسلمات لكنهنَّ غير كافراتٍ بوجود الله ولا مشركاتٍ ولذلك لا يمنع الإسلام الزواج منهنّ لأنهنّ قابلات للإسلام مع الوقت من حُسن معاملتهنّ من أزواجهنّ .. فإنْ فَعَلتَ ذلك فقد سعدت في الداريْن حيث حرصت علي الزواج من مسلمة صالحة وكنتَ من الذين يُحْسِنون مُعامَلة أزواجهم ويحرصون علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم لأنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن أسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا (برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وعملوا بأخلاق إسلامهم ، إذا حَضَر إليكم مؤمنات من بلادٍ غيرِ مسلمةٍ كُنَّ كافراتٍ وأسْلَمْنَ فاختبروا إيمانهنَّ بأنْ يشهدنَ أمام بعضكم بألاّ إله إلا الله محمد رسول الله مع ملاحظة تصرّفاتهنّ المُعْلَنَة أمامكم في حياتهنّ من العمل بأخلاق الإسلام الأساسية التي يعرفونها تدريجيا وهي التي سَيَرِد بعضها في الآية بعد القادمة ، فهذا هو ما يمكنكم فِعْله للتأكّد من إيمانهنّ لأنَّ الله وحده هو الذي يعلم حقيقة الإيمان أيْ التصديق وصِدْقه مِن كذبه بدواخل عقولهنّ حيث من المُحْتَمَل أن يكون إيمانهنّ غير صادقٍ لسببٍ من الأسباب كجمع معلومات مثلا عن المسلمين أو لمجرد خلافات في بلدهن أو نحو هذا ، فإذا اطمأننتم لإيمانهنّ وغَلَبَ علي ظنكم أنهنّ مؤمنات فلا تُعيدوهنّ إذَن لبلادهن ولا إلي أزواجهن الكافرين إنْ كنّ متزوجات حيث منذ إسلامهن لا هُنَّ يَكُنَّ حلال لهم ولا أزواجهنّ قطعا يكونوا حلال لهنّ لضَرَر ذلك الشديد عليهن حيث قد يُجْبِرهن علي العودة للكفر ، وهذا تأكيدٌ لما سَبَقَ التنبيه عليه من عدم إرجاعهنّ للكفار ، وأعطوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المَهْر وتوابعه الذي كانوا دفعوه لهنّ من مال الدولة من خلال مؤسساتها فهذا هو العدل ، ولا إثم عليكم في أن تتزوجوهن حيث قد أصبحن مُطَلّقات من أزواجهنّ الكافرين بمجرد إسلامهنّ بشرط أن تعطوهن مَهْرَهنّ بما يناسب ولا تعتبروا وتَتَوَهَّموا مثلا أنَّ المهر قد أخذوه من خلال ما تَمَّ رَدّه لأزواجهنّ الكفار السابقين ، وبشرط كذلك أن تنتهي فترة عِدَّتهن كأيِّ مُطَلّقة وهي ثلاثة حيضات تَحيضهنّ لضمان عدم وجود أبناء في أرحامهن ، أمّا مَن جاءكم منهنّ مؤمنات وهُنَّ غير متزوجات فيتمّ الزواج مباشرة دون فترة عِدَّة قطعا .. " .. وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ .. " أيْ ولا تَتَمَسّكوا بعقودِ زوجيةِ الكافرات والمشركات بل طَلّقوهن ، ولا تتزوّجوا من كافرة أو مشركة أصلا ، والعِصَم جمع عِصْمَة وهو عقد الزواج ، والكَوافِر جمع كافرة ، والكافرة هي التي لا تُصَدِّق بوجود الله ولا بكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، والمُشْرِكَة هي التي تُشْرِك معه غيره سبحانه في العبادة أيْ الطاعة فتعبد صَنَمَاً أو حجرا أو كوكبا أو نحوه ، أمَّا الكتابِيَّات وهُنَّ نساء اليهود والنصاري فإنهنّ وإنْ كُنَّ غير مسلماتٍ لكنهنَّ غير كافراتٍ بوجود الله ولا مشركاتٍ ولذلك لا يَمنع الإسلام الزواج منهنّ لأنهنّ قابِلات للإسلام مع الوقت من حُسْن معاملتهنّ من أزواجهنّ .. " .. وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا .. " أيْ ولكم أن تطلبوا ما أنفقتم من مُهُور علي نسائكم الكافرات أو المشركات اللائي انفصلتم عنهنّ وطَلّقتموهنّ لكفرهنّ ولإشراكهنّ ، وللكافرين والمشركين أن يطلبوا كذلك منكم المهور التي أنفقوها لنسائهم اللائي أسْلَمْنَ وانْفَصْلَنَ عنهم وهاجرنَ إليكم ، وهذا مزيدٌ من التأكيد علي حفظ الحقوق .. " .. ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ " أيْ هذا كله الذي ذَكَرْناه لكم من تشريعاتٍ وأخلاقيات هي حُكْم من أحكام الله تعالى يَفْصِل به بينكم فاتَّبعوا أحكامه كلها لتسعدوا ولا تُخالفوها فتتعسوا فهو وحده لا غيره صاحب الحُكْم المُطْلَق بينكم لأنه وحده عليم أيْ يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه بكل شيءٍ في كوْنه وبكل ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم في الداريْن ، وهو حكيم في كل تصرّفاته يضع كل أمرٍ في موضعه الصحيح بكل حِكمةٍ ودِقّةٍ دون أيّ عَبَث
ومعني " وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴿11﴾ " أيْ وإنْ أفْلَتَ وفَرَّ منكم وابتعدَ عنكم بعض زوجاتكم إلى الكفار ، أيْ كَفَرَت زوجة من زوجاتكم أيها المسلمون – ولفظ فاتكم ولفظ شيء يُفيد حَقَارَة التي تكفر بعد إسلامها حيث ذَكَرَها تعالي بلفظ شيء أيْ لا قيمة لها تُذْكَر ! – وأفلتَ شيء منكم من مُهُور أزواجكم ، ولم تتمكّنوا من تحصيل حقكم وهو المَهْر الذي أنفقتموه لهن بسببٍ من الأسباب وهو الحقّ الذي أعطاه لكم الإسلام كما في الآية السابقة باسترداده بسبب الانفصال بينكم بسبب كفرهن ، فأعطوا هذا المسلم الذي ذَهَبَت زوجته للكفر وللكفار ما يعادل ما أنفقه عليها من مَهْر ، وذلك من مال المسلمين ، من باب التكافل والتعاون معه ، وهذا هو معني " فعاقبتم " أيْ من التعاقُب والتتالِي والتبادُل أيْ فتَعَاقَبْتم أيْ فتَتَالَيْتم وتبادلتم أنتم والكفار علي هذا الموقف أيْ فأنتم أحيانا تُعطونهم ما أنفقوه حينما تأتيكم زوجاتهم مؤمنات وهم أحيانا عليهم أن يعطوكم ما أنفقتموه إذا كَفَرَت زوجاتكم وذَهَبَت إليهم .. كذلك من معاني " فعاقبتم " أيْ من العقوبة أي فحَدَثَ أن عاقبتموهم بأن دَفَعوا للدولة المسلمة مالا لسببٍ ما فأعطوا منه مَن له مَهْر عند زوجته الكافرة التي طَلّقها ولم يتمكّن مِن الحصول عليه وذلك قبل إدخال هذا المال مع أموال المسلمين العامة .. " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴿11﴾ " أيْ وكونوا دائما مِن المُتَّقِين لله في كل أقوالكم وأفعالكم في كل شئون حياتكم أي المُتَجَنِّبِين لكلّ شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، فأنتم مؤمنون به أيْ مُصَدِّقون بوجوده وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، والإيمان يَتَطَلّب منكم ذلك ، وفي هذا التذكير بإيمانهم تشجيع لهم علي القيام بالتقوي بكل حبٍّ ويُسْرٍ وهِمَّةٍ وقوة واستمرارية لما فيها من سعادتهم التامّة في الداريْن
ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ " أيْ هذه صورة من صور الامتحان الذي يُمْتَحَن به المؤمنات اللائي ذُكِرْنَ في الآية قبل السابقة (برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني﴾ إذ بعد النطق بالشهادتين يُعَلِّمهنّ المسلمون هذا الذي في هذه الآية الكريمة والذي هو من أصول الإسلام ويَلْتَزِمْنَ به ويُتَابَعْنَ في تطبيقه في حياتهنّ ، كما أنَّ الآية تذكرةٌ عامة لكل المسلمين والمسلمات وحديثي الإسلام ببيعتهم أيْ عهدهم مع ربهم ورسولهم الكريم ﷺ ليتذكّروه دائما ليسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ولا يَنسوه أبدا وإلاّ تعسوا تماما فيهما ، وهو ألاّ يشركوا بالله شيئا أيْ لا يشاركوه في العبادة أيْ الطاعة أيّ شيءٍ آخر فيعبدوا مثلا صنما أو حجرا أو كوكبا أو غيره ، ولا يأخذوا ممتلكات غيرهم بسرقة أو غيرها بل يحفظوا لكلٍّ حقَّه المادِّيّ والمعنويّ ، ولا يزنون بارتكاب الفاحشة بين رجال ونساء من غير زواج حتي لا ينتشر الفساد ، ولا يقتلوا أولادهم بسبب فقر أو غيره ، ولا يأتوا ببُهْتانٍ أي بكذبٍ شنيع يفترونه بين أيديهم وأرجلهم أيْ يختلقونه وهو لا أصل له ولكنه من عند أنفسهم حيث اليد والرجل تُفيد معني الذات لأنَّ معظم الأفعال بهما ويشمل هذا الافتراء بين اليدين والرجلين أيضا أنْ تَدَّعِيَ زوجة مثلا علي زوجها ولدا ليس ابنه بل هو من خلال زنا ارتكبته بيديها ورجليها فتحمل ولد الزنا في بطنها وتضعه من فَرْجِها والبطن والفَرْج هما بين يديها ورجليها .. ولا يَعصوا أيْ لا يُخالِفوا أيّ معروفٍ وهو كل ما هو معروف عند العقل المُنْصِف العادل وعند الصالحين أنه خير مُسْعِد في الدنيا والآخرة وهو كلّ أخلاق الإسلام ويتركوا مُطلقا كل ما هو معروف عند العقل الصالح أنه شرّ أي مُضِرّ مُتْعِس فيهما فهم دوْمَاً يُطَبِّقون أصلا من أصول إسلامهم وهو ألاّ طاعة لمخلوقٍ مهما كان في معصية الخالِق .. وأن يستغفروا الله تعالي مِن أيِّ شرٍّ قد يقعوا فيه أوّلا بأوَّل بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لتعود لهم سعادتهم التامّة بإسلامهم وخيره من غير أيّ تعكيرٍ بأيّ تعاسةٍ بسبب أيّ شرّ ، فهو سبحانه غفور رحيم أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴿13﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تَتَّخِذ مَن غَضِبَ الله عليهم الذين لا يُسعدهم في الداريْن سواء أكانوا كافرين أيْ مُكَذّبين بوجود الله أم مُشْرِكين أيْ عابدين لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم مُنافقين أيْ مُظْهِرين للخير مُخْفِين للشرّ أم مُعتدين ظالمين غير عادلين أم فاسدين ناشرين للشرّ أم مَن يُشبه هؤلاء ، لم تَتَّخِذهم أولياء مُحَبَّبين إليك أيْ أولياء لأمورك يُديرونها لك ويُوَجِّهونك فيها وتودّهم ويودّونك وتُحبهم ويُحبونك وتنصرهم وينصرونك وتخبرهم بأسرار المسلمين ونحو هذا ، مهما كانت درجة قرابتهم لك ، لأنهم غالبا أو مؤكَّدا سيأخذونك لكل شرّ وفساد وظلم وحتي كفر ، فالواقع يثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَلتَ هذا فقد قَطَعْتَ الصلات بينك وبين ربك والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سداد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الشقاء والكآبة والتعاسة في الدنيا والآخرة
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴿13﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي بعض ما ذُكِرَ في الآية الأولي من هذه السورة الكريمة (برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني﴾ لمزيدٍ من الاهتمام بما جاء فيها من إرشادات ، أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعملوا بإيمانكم فاحذروا وامتنعوا تماما أن تَتَّخذوا أناسا قد غَضِبَ الله عليهم أيْ لا يُحبّهم ولا يُعِينهم ولا يُوفّقهم ويُيَسِّر حياتهم ولا يَنصرهم ولا يُؤَمِّنهم ولا يُسعدهم في الداريْن سواء أكانوا كافرين أيْ مُكَذّبين بوجود الله أم مُشْرِكين أيْ عابدين لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم مُنافقين أيْ مُظْهِرين للخير مُخْفِين للشرّ أم مُعتدين ظالمين غير عادلين أم فاسدين ناشرين للشرّ أم مَن يُشبه هؤلاء ، أنْ تَتَّخِذوهم أولياء أيْ أصدقاء وحُلَفاء ونُصَرَاء مُحَبَّبين إليكم أولياء لأموركم يُديرونها لكم ويُوَجِّهونكم فيها وتودّوهم ويودّونكم وتُحبوهم ويُحبونكم وتنصروهم ويَنصرونكم وتُخبروهم بأسرار المسلمين ونحو هذا ، مهما كانت درجة قرابتهم لكم .. " .. قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴿13﴾ " أيْ هذا بيانٌ لسبب المَنْع من مُوَالاتهم والتنفير منهم ومِن هذه المُوَالاة ، أيْ كيف تَتَّخِذونهم أولياء وهم سَيِّئِين هكذا حيث قد فقدوا الأمل في حدوث الآخرة وحسابها وعقابها وجنتها ونارها ففَعَلوا الشرور والمَفاسد والأضرار وبالتالي قد حُرِمُوا من خيراتها إذ بعضهم لا يُصَدِّقون بها أصلا وبعضهم يَنسونها ولا يعملون لها بفِعْل كلّ خير بسبب انغماسهم في شرورهم تماما كما فَقَدَ الكفارُ الذين ماتوا وأصبحوا هم أصحاب القبور وعايَنوا بدايات عذابهم في قبورهم أيَّ أملٍ في النجاة منه ، وأيضا تماما كما فَقَدَ الكفار الذين لا زالوا أحياء الأمل في أن يجتمعوا بالكفار الذين ماتوا قبلهم وأصبحوا أصحاب القبور لأنهم لا يُصَدِّقون بالبَعْث الذي سيَجمع جميع البَشَر يوم القيامة .. إنكم إنْ اتَّخَذتوهم أولياء فغالبا ستكونون مثلهم يائسين ناسِين للآخرة وثوابها فتتعسون مثل تعاساتهم في دنياكم وأخراكم !! لأنهم غالبا أو مؤكَّدا سيأخذونكم لكل شرّ وفسادٍ وظلمٍ وحتي كفر ، فالواقع يثبت ذلك كثيرا ، فإنْ فَعَلتم هذا فقد قَطَعْتم الصلات بينكم وبين ربكم والإسلام والمسلمين ، وبالتالي فلا حب منه تعالي ولا تَوَاصُل معه ولا رعاية منه ولا أمن ولا عوْن ولا توفيق ولا سَدَاد ولا رزق ولا بركة ولا تيسير وبالجملة لا سعادة بل كل الغضب عليكم وما يَتْبَعه حتما مِن كلِّ شقاءٍ وكآبة وتعاسة في الدنيا والآخرة
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾ " أيْ أنَّ جميع مَن في السماوات والأرض وما في الكوْن كله يُسَبِّح لله تعالي ، أيْ هو يَنْقَاد ويَخضع لإرادته ، أيْ يُؤدّي مهمّته التي خَلَقه من أجلها لنفع الإنسان ولسعادته ، وكل المخلوقات بما فيها مِن عجائب خالِقها تَدْفَع كلّ عاقلٍ لتسبيحه سبحانه حين يُحْسِن التدبّر فيها وتَدْفَعه لأنْ يعبده بالقطع وحده دون غيره ، كما أنها في ذاتها تُسَبِّحه وتحمده علي نِعَمه عليها ، بطريقتها الخاصَّة التي خَلَقها عليها والتي حَوَاسّ البَشَر غير مُؤَهَّلَة لإدراكها كما قال تعالي " .. وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .. " ﴿الإسراء : 44﴾ .. " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾ " أيْ هو تعالي الغالِب القاهر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث .. هذا ، وأحيانا يأتي لفظ التسبيح في بعض الآيات بصيغة الماضي مثل " سَبَّحَ " وأحيانا بالمضارع مثل " يُسَبِّحُ " لتأكيد أنه في كل وقتٍ ولحظةٍ مِن كل مخلوقٍ حيث قد حَدَثَ ويَحدث وسيَحدث دوْما
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿3﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ دَوْمَاً متمسّكا عامِلا بكلّ أخلاق إسلامك ولا تُخالِف أبدا بعملك قولك فتقول خيراً وتعمل شرَّاً .. وإذا كنتَ دوْما مِن المُوفِين بالعهود والمواثيق والمعاهدات والوعود والمواعيد وما شابه هذا ، مع الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ بالوفاء معهما بالتمسّك بكل أخلاق الإسلام ، ثم مع جميع الخَلْق علي اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وعلومهم وبيئاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وتظلّ مستمرّا علي ذلك دون أيّ تبديلٍ حتي الموت أو الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، لأنه بانتشار هذه الأنواع من الوفاء ينتشر الأمن بين الناس فيَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم ، بينما بانتشار الخيانة يفقدون أمانهم ويَتنازعون ويَتعسون فيهما
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ " ، " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿3﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعملوا بإيمانكم فاحذروا وامتنعوا تماما أنْ تُخَالِف أفعالكم أقوالكم .. أيْ لماذا تقولون القول بألسنتكم الذي لا تُصَدِّقونه بأفعالكم ؟! لماذا جعلتم أعمالكم تُخَالِف أقوالكم حيث تقولون خيراً ولا تفعلونه وتَعِدُون وَعْدَاً مَا في خيرٍ مَا ولا تُوفون به أو تَمنعون عن شَرٍّ وتفعلونه أو ما شابه هذا ؟! (برجاء لاكتمال المعاني مراجعة الآية ﴿44﴾ من سورة البقرة " أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "﴾ .. والاستفهام والسؤال هو للذّمّ ولِلّوْم الشديد وللرفض التامّ وللتّعَجُّب من الحال السَّيِّء لمَن كان كذلك ولإيقاظه ليعود لربه ولأخلاق إسلامه ليَسعد في الداريْن .. إنكم إنْ فعلتم هذا فسيكون إمَّا كذبا أو إخلافا للوعود أو نحوه مِمَّا هو مُخَالِف للإسلام مَمْقُوت أكبر المَقْت عند الله تعالي أيْ مَكروه أشدّ الكُرْه عنده مَغضوب مُعَاقَب عليه منه غَضَبَاً وعِقابَاً كبيرا يُناسبه ، لأنه بانتشار الصدق والوفاء بالعهود والمواثيق والمعاهدات والوعود والمواعيد وما شابه هذا ينتشر الأمن بين الناس فيَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم بينما بانتشار الكذب وإخلاف الوَعْد والغَدْر ونحوه يَفقدون أمانهم ويَتنازعون ويَتعسون فيهما
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴿4﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يتمسّكون بخُلُق الاتّحاد وخُلُق الأخوَّة في الله وفي الإسلام بل وفي الإنسانية كلها (برجاء مراجعة الآيات ﴿103﴾ حتي ﴿110﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴿4﴾ " أيْ إنَّ الله تعالي بكل تأكيد يحب الذين يعملون ويبذلون الجهود في سبيله أيْ في طريقه أيْ في إطار أخلاق القرآن والإسلام التي هي طريق كل خيرٍ وحقٍّ وصدقٍ وعدلٍ وسعادةٍ في الداريْن ، يبذلونها في سبيله أيْ من أجله أيْ من أجل نَيْل حبه ورضاه ورعايته وأمنه وعوْنه وتوفيقه وتيسيره وقوّته ورزقه وإسعاده في الدنيا ثم أعلي درجات جناته في الآخرة ، يبذلون كل أنواع الجهود المختلفة في كل شئون حياتهم المتنوعة ، خاصة عند مُلاقاة أعداء الله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير لرَدّ اعتداءاتهم في كل الميادين العسكرية والفكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية وغيرها ، يحبهم أن يكونوا دائما صفا واحدا مثل البناء الذي تَرَاصَّت واصْطَفّت وتَلاَصَقَت وتَمَاسَكَت أحجاره فأصبح كأنه قطعة واحدة فلا يستطيع شيءٌ أن ينفذ من خلاله ، والمقصود أنهم شديدوا الثبات والتَّماسُك والتَّلاحُم والتعاون والتَّحابَّ والتفاهُم والتآخِي والتصافِي والتسامُح والصدق والإحسان فيما بينهم ، لأنهم بهذه الصفات يَقوون ويَرْقون ويزدهرون ويتطورون ويسعدون في دنياهم وأخراهم ، بينما لو تركوها بعضها أو كلها ضعفوا وتَخَلّفوا وانْحَطّوا وذلّوا وتعسوا فيهما .. هذا ، ومَن أَحَبَّه الله تعالي كان سَمْعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يتصرّف بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سأله أيَّ مسألةٍ أعطاه إيّاها أو ما هو أفضل منها ولئن استعاذه من أيّ شرٍّ أعاذه أيْ حفظه منه وأعانه عليه وبالجملة سيكون في تمام الخير واليُسْر والأمن والسعادة في دنياه قبل أخراه ، وكَفَيَ بذلك جزاء عظيما .. هذا ، وتَعَدُّد الآراء بما لا يُخالِف الإسلام من أجل الأخذ بالأنْسَب والأصْلَح منها لإسعاد جميع الخَلْق لا يُعَدُّ قطعا من التفرُّق الذي يُحذّر تعالي منه بل هو المطلوب (برجاء لاكتمال المعاني مراجعة الآية ﴿10﴾ من سورة الشوري " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "﴾
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿6﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿7﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا تَشَبَّهْتَ بالرسل الكرام في حُسن دعوتهم للآخرين وصبرهم علي أذاهم (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ " أيْ اذْكُر يا رسولنا الكريم ويا كلّ مسلم ويا كلّ قاريءٍ للقرآن ويا كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، اذكر وذَكِّر الآخرين ليَتَّعِظ مَن أراد الاتِّعاظ ليَسعد في دنياه وأخراه ، حين قال موسي ﷺ لقومه مُتَعَجِّبَاً من سوء حالهم مُؤَنِّبَاً لهم لماذا تؤذونني بصورٍ مختلفة مِن صورِ الإيذاء القوليّ والفِعْلِيّ وأنتم تعلمون وتتأكّدون بما أتَيْتُكم به من دلالاتٍ واضحاتٍ قاطعاتٍ – كانقلاب العَصَيَ إلي ثعبانٍ حقيقي مثلا – أني صادق في أني مَبْعُوث من الله لكم لأرشدكم لكل خير وسعادة في دنياكم وأخراكم .. فعِلْمهم بهذا من المُفْتَرَض أن يُوجِب تعظيمهم له ويمنع أذاهم عنه لأنه مَن عرف الله تعالى وعظمته عليه أن يُعظّم رسوله ويحبه ويحميه لأنه يحمل له كل الخير والسعادة في الداريْن وهو أخلاق الإسلام وأنْ يتمسك ويعمل بها كلها ليسعد فيهما لا أن يؤذيه ويتركها فيتعس !! .. " .. فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ .. " أيْ فلمّا مَالُوا وانحرَفوا وابتعدوا عن الحقّ مع علمهم به وأصرّوا واستمرّوا على فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار دون أن يحسنوا استخدام العقل ويستجيبوا للخير أَمَالَ الله تعالى عقولهم عن قبوله ، أيْ فلما تَرَكوا وأهملوا الإسلام ، واختاروا بكامل حرية إرادة عقولهم هذا الزَّوَغَان والانحراف والتَّرْك والإهمال والضلال أيْ الضياع أيْ الشرّ والفساد والضَرَر فإنَّ الله لا يَمنعهم منه ويشاءه لهم أيْ يَتركهم فيه دون عوْنٍ لَمَّا يَرَاهُم مُصِرّين تمام الإصرار حريصين تمام الحرص عليه دون أيّ بادِرَةٍ منهم ولو بخطوةٍ واحدةٍ نحو الخير حتي يُعينهم علي بقية الخطوات وهو الذي يقول : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿الرعد : 11﴾ ، بل مِن شِدّة غضبه عليهم بسبب شدة إصرارهم يُيَسِّر لهم هذا الزَّيْغ والشرّ الذي هم فيه فكأنه هو تعالي الذي يُزيغهم عن فِعْل الخير لأنفسهم ولغيرهم والذي يُسعدهم في الداريْن لكنَّ الواقع أنَّ هؤلاء الزائغين هم الذين اختاروا بكامل حرية إرادة عقولهم هذا الزَّوَغَان الذي هم فيه (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) .. إنَّ البعض منهم قد وَصَلوا إلي مرحلة الطبْع والخَتْم علي العقول ، أيْ مِن شِدَّة عِنادهم واستكبارهم وإصرارهم علي فِعْل الشرّ ، واعتيادهم علي فِعْله لفتراتٍ طويلة دون أيّ استجابةٍ لأيّ خير ، قد وَصَلوا لمرحلةٍ مُزْمِنَةٍ مِن الشرّ بحيث لم يَعُد في عقولهم أيّ مساحةٍ لأيّ خير !! بل بعضهم لم يَعُد حتي يستطيع أن يُفَرِّق بين الخير والشرّ وأين هذا مِن ذاك !! وما كل ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) ، وذلك بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. لقد نَسُوا أنفسهم حقا !! لقد زاغُوا وتاهُوا وذابُوا في كل شرّ !! .. ثم يوم القيامة يُعَذّبهم سبحانه حتما عذابا مناسبا لشرورهم بكل عدل دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ " أيْ والله تعالي لا يُمكن أبداً أن يُعِين ويُوَفّق ويُيَسِّر للهداية له وللإسلام مَن أغْلَقَ عقله تماما هكذا ولم يستجب لنداء الفطرة بداخله مِن أمثال هؤلاء الفاسقين أيْ الخارجين عن طاعة الله والإسلام ، وعدم العوْن علي الهداية هو بسبب أنهم مُصِرّون تمام الإصرار علي ما هم فيه من فِسْق – سواء أكان هذا الفسق كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنم أو حجر أو نار أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا – دون أيّ خطوة منهم نحو أيّ خير حتي يساعدهم سبحانه علي بقية الخطوات .. وهذه هي دائما طريقته تعالي في التعامُل مع أمثالهم .. هذا ، وفي الآية الكريمة تحذيرٌ ولوْمٌ شديدٌ لهم لعلهم بهذا يستفيقون ويعودون لربهم ولقرآنه ولإسلامه ليسعدوا في دنياهم وأخراهم
ومعني " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿6﴾ " أيْ وكذلك اذْكُر يا رسولنا الكريم ويا كلّ مسلم ويا كلّ قاريءٍ للقرآن ويا كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، اذكر وذَكِّر الآخرين ليَتَّعِظ مَن أراد الاتِّعاظ ليَسعد في دنياه وأخراه ، حين قال عيسي ابن مريم ﷺ لبني إسرائيل عندما بَعَثَه الله تعالي لهم ليُذَكِّرهم بما تَرَكَهم لهم رسولهم موسي ﷺ قبله من الإسلام في التوراة والذي نسوه وتركوه وأهملوه تدريجيا فتعسوا فأراد الله بهم خيرا ليَتَذَكَّروه فيسعدوا في الداريْن ، فقال لهم أنه مَبْعُوث من الله إليهم يُرْشِدهم لكل خير وسعادة في دنياهم وأخراهم وهو ليس إلاهاً ولا ابن إلهٍ حتي لا يَدَّعِي البعض ذلك وقد جاءهم ومعه الإسلام في الإنجيل بما يُناسب عصرهم ، ومِمَّا يَدلّ علي تمام صِدْقه وإنجيله كوْنه مُصَدِّقا أيْ مُؤَيِّدا ومُؤَكِّدا ومُبَيِّنا ومُتَمِّما لِمَا بين يديه أي لمَا قبْله من التوراة التي أوحاها الله لهم مِن قَبْل من خلال رسوله موسي ﷺ وليس مُخَالِفَاً لأيِّ شيءٍ فيها ، وذلك حتي يَثق به مَن كانوا مُتَّبِعِين للتوراة سابقا مؤمنين بموسي ﷺ فيؤمنوا به هو أيضا ويَتَّبِعُوه علي الإنجيل الذي هو مُتَطَابِق تماما مع ما فيها من أصولٍ بلا أيِّ مُخَالَفَة إذ لو كان كاذبا لَخَالَفَها بعضها أو كلها .. كما بَشَّرهم بخبرٍ سَارٍّ للناس جميعا يحمل خيرا كثيرا قادما وهو رسول مثله من الله سيأتيهم مِن بَعده بَعد فترةٍ اسمه أحمد خاتم الرسل وهو الرسول الكريم محمد ﷺ والذي بَشَّرَت به أيضا التوراة التي معهم وهو يَشهد بصِدْقه ويَدعو كل مَن سيكون موجودا حينها للإيمان به لأنَّ معه أيضا كتاب فيه الإسلام هو القرآن العظيم سيكون خاتما لكل الكتب وصالِحا مُناسِبا مُسْعِدَاً لكلّ البَشَريّة في كل الأزمنة والأمكنة بكل مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة حيث كل الرسل من الله تعالي وكل الكتب معهم مصدرها واحد إذ هي منه وكلها يُصَدِّق بعضها بعضا ولا يُكَذّبه بل يُؤَيِّده ويُؤَكِّده ويُبَيِّنه ويُتَمِّمه بما يُناسِب عصره لأنها كلها تُرْشِد إلي الحقّ وهو عبادته أيْ طاعته سبحانه وحده بلا أيّ شريك وإلي طريقٍ مستقيم وهو الإسلام بما يُناسب كلّ عصر ، كلها تُرْشِد إلي طريق الله ، طريق تمام الاستقامة والعدل والخير والسعادة في الدنيا والآخرة بلا أيّ انحرافٍ عن ذلك .. " .. فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿6﴾ " أيْ حينما وَصَلَ إليهم – مثل كلّ الرسل – بآيات الله البينات أيْ الواضحات تماما الدالّات علي صِدْق ما يقول وما يَدْعوهم إليه من عبادة الله وحده واتِّباع الإسلام ليسعدوا في الداريْن ، سواء أكانت آياته في الكوْن في كل مخلوقاته المُعْجِزَة المُبْهِرَة حولهم أم آياته في كتبٍ تُتْلَيَ عليهم – وآخرها القرآن العظيم الذي أوحِيَ إلي خاتَم المُرْسَلِين محمد ﷺ – والتي فيها أخلاقيَّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وجهٍ أم مُعجزاتٍ علي يدِ رسلهم لتأكيد صِدْقهم ، مثلما حَدَثَ مثلا مع عيسي ﷺ كإحياء الموتي وإشفاء المرضي بإذن الله ونحو هذا ، رَدَّ عليه بعضهم رَدَّاً يُفيد بأنهم مُكَذّبون مُعانِدون مُستكبرون مُستهزؤن مُرَاوِغُون ، حيث قالوا له أنَّ هذه الآيات سحرٌ مُبينٌ أيْ واضح !! أيْ ليست وَحْيَاً مِن الله تعالي ليُسْعِد البشرية في الداريْن ، وإنما هي سحر يَسحر العقول بأوهام وتخيُّلات ليست حقيقية كما يَفعل السحر بالعقل ! وأنَّ الرسل ما هم إلا سَحَرة ولا يُوحَيَ إليهم أيّ شيء ! .. إنه إذا كان القرآن وكل كتب الله السابقة والإسلام سحراً والرسل الكرام سَحَرَة كما يَدَّعون كذباً وزُورَاً فلماذا لم يَسحرهم هم أيضا ليُسْلِموا مثلما أسلمَ آخرون ؟! فهم إذن كاذبون أشدّ الكذب بكلّ تأكيد !! ولكنه التكذيب والعِناد من أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿7﴾ " أيْ لا أحد أشدّ ظلما وأعظم عقوبة من الذي يَفْتَري علي الله الكذب أي يَختلق كذبا ليس له أيّ أصل والذي هو أعظم من الكذب في أمرٍ له أصل ما ، كمَن يَدّعِيَ مثلا كذبا وزورا وتخريفا أنَّ لله تعالي شركاء يُعْبَدون غيره كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها ! أو له ولد ! أو يُوحَيَ إليه ! أو أتَيَ بكتابٍ غير القرآن الكريم ! أو ما شابه هذا من افتراءات وادِّعاءات وتخاريف ، وذلك حينما يُدْعَيَ مِن المسلمين إلي الله والإسلام والعمل بأخلاقه ليَسعد في الداريْن .. " .. وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿7﴾ " أيْ والله تعالي لا يُمكن أبداً أن يُعِين ويُوَفّق ويُيَسِّر للهداية له وللإسلام مَن أغْلَقَ عقله تماما هكذا ولم يستجب لنداء الفطرة بداخله والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) مِن أمثال هؤلاء الظالمين ، وعدم العوْن علي الهداية هو بسبب أنهم مُصِرّون تمام الإصرار علي ما هم فيه من ظلم – سواء أكان هذا الظلم كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نار أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا – دون أيّ خطوة منهم نحو أيّ خير حتي يساعدهم سبحانه علي بقية الخطوات وهو الذي نَبَّهَ لهذا بقوله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿الرعد : 11﴾ .. وهذه هي دائما طريقته تعالي في التعامُل مع أمثالهم .. هذا ، وفي الآية الكريمة تحذيرٌ ولوْمٌ شديدٌ لهم لعلهم بهذا يستفيقون ويعودون لربهم ولقرآنه ولإسلامه ليسعدوا في دنياهم وأخراهم
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿8﴾ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿9﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنَاً أيْ متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ أنّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مرجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البَيَان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿8﴾ " ، " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿9﴾ " أيْ يَتَمَنَّيَ أعداء الله والإسلام والمسلمين والحق والعدل والخير ، الظالمون بكل أنواع الظلم سواء أكان هذا الظلم كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نار أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا ، يَتمنّون ويَتَوَهَّمون مِن سَفَهِهِم وخَلَل عقولهم وضعفها وتعطيلها أنهم يمكنهم إطفاء نور الله أيْ منع انتشار الإسلام ! بأفواههم أيْ بأقاويلهم التافهة الفاسدة التي لا قيمة ولا وزن لها لأنها بلا دليلٍ بل هي تزيد كلّ عاقلٍ تأكّداً بما هم عليه من شرٍّ وسَفَاهَةٍ وما هو عليه من خيرٍ وصواب ، وذلك من خلال استخدامهم لكل الوسائل المُمْكِنَة من تزييفٍ للحقائق وتشويهٍ وإساءةٍ وإيذاءٍ ونحو هذا وقد يَصِل الأمر لحَدّ الاقتتال مع المسلمين كما يُثبت الواقع ذلك كثيرا .. إنَّ حالهم يشبه حال مَن يحاول إطفاء نور الشمس بفَمِه !! فما أعظم سفههم وخَبَلهم أن يحاولوا فِعْل هذا المستحيل تحقيقه حتي ولو اجتمعوا جميعا عليه واستمرّوا فيه إلي يوم القيامة !! إنَّ الله تعالي خالِق الخَلْق ومالِك المُلك القويّ المَتِين في المُقابِل حتما بلا أيِّ شكٍّ مُتِمّ نوره بتمام قُدْرته وعلمه ، أيْ يُتِمّ ويُكْمِل نشر الإسلام ، القرآن ، الهُدَيَ ، دين الحقّ ، هذا الدين أي النظام الذي يُنير للبشرية كلها وللخَلْق كلهم وللكوْن كله حياتهم ويسعدها تمام السعادة في الداريْن والذي أرسل به الرسل الكرام وخاتمهم رسولنا الكريم محمد ﷺ لكي يُظْهِره علي كل الأديان والأنظمة والأخلاقيَّات الأخري المُخَالِفَة له والمُضِرَّة والمُتْعِسَة لهم فيهما أيْ يُعْلِيه عليها جميعا وتكون كلمته هي العليا أيْ يَرْجِع الجميع إليه ليسعدوا , رغم أنف وكراهية وعِناد وكِبْر ومُحاربة الكافرين والمشركين والمنافقين والظالمين والفاسدين وأشباههم – والذين يَكرهون الإسلام لأنه يَمنعهم مِن نَشْر شرورهم التي يحصلون منها علي أثمان الدنيا الرخيصة كمنصبٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو غيره – فإنَّ كراهيتهم وما يتسبب عنها من أقوالٍ وأفعالٍ سيئة مهما بلغت شِدّتها فليست لها أيّ تأثيرٍ أمام قُدْرة الله وإرادته في إتمام نوره والنتيجة الحتمية أنهم مغلوبون ، وذلك بجنوده سبحانه والتي لا يعلمها إلا هو ، ثم بجهود المسلمين المتمسّكين العامِلين بكل أخلاق إسلامهم والذين يُحسنون دعوة جميع الناس له علي اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وأفكارهم وعلومهم (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، والذين يُدافعون عنه ويُضَحُّون ويُجاهدون في سبيله بكل ما يملكون بل ويقاتلون من أجله إن احتاج الأمر لذلك (برجاء مراجعة الآيات ﴿190﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿218﴾ منها ، للشرح والتفصيل عن القتال والجهاد في سبيل الله وفوائدهما وسعاداتهما في الداريْن﴾ ، ويَصبرون علي كل ذلك (برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. هذا ، وفي الآيتين الكريمتين تبشير وطمْأَنَة للمسلمين أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة ليزدادوا بذلك ثباتا على ثباتهم وقوة على قوّتهم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿10﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿11﴾ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿12﴾ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿13﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿14﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ متمسّكا عامِلا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المجاهدين في سبيل الله ، والجهاد عموما هو بذل الجهد ، وفي سبيل الله يعني في كل خير ، والجهاد صور ودرجات ، فكل ما فيه بذل جهدٍ مع استصحاب نوايا خيرٍ بالعقل أثناءه فهو صورة من صور الجهاد ودرجة من درجاته ، حتي يَصِلَ الأمر إلي أعلي درجة وهو الجهاد بالقتال وبذل الدماء والأرواح ضدّ مَن يَعتدي علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، لمزيد من الشرح والتفصيل عن الجهاد وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿10﴾ " ، " تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿11﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، هل تريدون أن أرشدكم إلي تجارة عظيمة مضمونة الربح إذا قمتم بها تسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم وتُنْجيكم وتَقيكم من عذاب مُوجِع ومن كل سوءٍ وتعاسةٍ فيهما ؟ إنْ كنتم تريدون فسأدلكم عليها .. والاستفهام هو للتشويق والتشجيع .. هذه التجارة ورؤوس أموالها التي ستدفعونها سهلة مَيْسُورَة لتَرْبَحوا في مقابلها ربحا لا يُوصَف بلا أيّ خسارة هي أن تُدَاوِموا مُدَاوَمَة تامَّة وتَثبتوا علي إيمانكم بالله ورسوله وعملكم بكل أخلاق إسلامكم وأن تجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، والجهاد عموما هو بذل الجهد ، وفي سبيل الله يعني في كل خير ، والجهاد صور ودرجات ، فكل ما فيه بذل جهدٍ مع استصحاب نوايا خيرٍ بالعقل أثناءه فهو صورة من صور الجهاد ودرجة من درجاته ، حتي يَصِلَ الأمر إلي أعلي درجةٍ وهو الجهاد بالقتال وبذل الدماء والأرواح ضدّ مَن يَعتدي علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن الجهاد وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿11﴾ " أيْ إنْ فَعَلْتم ذلك فسيكون لكم حتما تمام كلّ خيرٍ وسعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿11﴾ " أيْ إنْ كنتم تعقلون أيْ إنْ كنتم من الذين يُحسنون استخدام عقولهم وكنتم من أصحاب العلم والفهم فتتعمَّقون وتتدبَّرون فيما تسمعون فتنتفعون وتَسعدون به
ومعني " يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿12﴾ " أيْ إنْ استجبتم لِمَا دَلَلْتكم عليه وأرشدتكم إليه فالنتيجة الحَتْمِيَّة المُسْعِدَة هي تمام السعادة في الدنيا والآخرة حيث في دنياكم تعيشون أسعد حياة بسبب إيمانكم بربكم وعملكم بكل أخلاق إسلامكم بأن تكونوا في نور الإيمان ، نور القرآن ، نور الإسلام ، حيث كلّ صوابٍ منه تعالي ورعايةٍ وأمنٍ وحب ورضا ورزق وعوْن وتوفيق وقوة ونصر وسعادة ، وكل ذلك سيكون في إطار رحمته التي وَسِعَت كلّ شيءٍ مُتَمَثّلة في كلّ خير وسرورٍ دنيويٍّ ثمّ كلّ غفران وعطاءٍ أخرويّ حيث سيَغفر لكم ذنوبكم بتوبتكم إليه بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لأنه تعالي غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ .. " .. وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ .. " أيْ وكذلك يُكرمكم بكرمه وفضله بأنْ يدخلكم في الآخرة جنات من بساتين وقصور فخمة تجري أسفل منها كلّ الأنهار المُبْهِجَة من الماء العذب واللبن وكل المشروبات اللذيذة المُسْعِدَة تَعيشون في نعيمها الذي لا يُوصَف مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر وهذا كله في جنات عدنٍ أيْ جناتِ إقامةٍ دائمةٍ خالدةٍ بلا أيّ نهايةٍ ولا يَطلب مَن بها بديلا عنها مِن كمالها وتمام نعيمها ولن يَخرج منها أبدا ولن يُخرجه أحد ، وتكونون في درجةٍ منها علي حسب درجات أعمالكم .. " .. ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿12﴾ " أيْ ذلك كله الذي أعطيناكم إيَّاه هو بكلّ تأكيدٍ أعظم فوزٍ يُمكن تحقيقه والذي لا يُقَارِبه أيّ فوزٍ آخر وليس بعده أيّ فوزٍ أعظم وأكبر منه حيث هو تمام الخَلاَص مِن كل شرٍّ وتعاسةٍ والتحصيل لكلّ خيرٍ وسعادة .. وكل ذلك بالقطع هو إضافة لأسعد حياة دنيوية عِشْتم إيَّاها بسبب إيمانكم بربكم وعملكم بكل أخلاق إسلامكم
ومعني " وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿13﴾ " أيْ ولكم كذلك أيها المؤمنون المجاهدون العاملون بكل أخلاق إسلامكم نعمة أخري عظيمة دنيوية تحبونها قطعا وترغبون فيها وتريدونها دائما ، إضافة إلي كل ما سَبَقَ ذِكْره مِن نِعَمٍ عُظْمَيَ لا تُحْصَيَ في الداريْن ، هي نصر حاليّ وفتح أيْ نصر أيضا لكنه شامل مستقبليّ قريب عاجل عظيم حاصل حتما من الله تعالي تنالون خيره الدنيويّ والأخرويّ وتسعدون به فيهما ، وهذا هو معني " .. نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿13﴾ " أيْ هذا تَبْشِيرٌ وطَمْأَنَة وتثبيتٌ وتشجيعٌ للمسلمين أنّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ قطعا ودوْمَاً وباستمرار سيَفتح الله لهم فتحا قريبا ظاهرا واضحا عظيما ، والفتح هو النصر والإنجاز والغنيمة وتوسيع الأرزاق والحُكْم والسلطة والنفوذ والعلم والهُدَي والرشاد وانشراح العقل للخير وتيسير أسبابه والتنبيه والتحذير من الشرِّ والعَوْن علي عدم اتِّباعه ، أيْ بالجملة سيَنصرهم في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وسيُساعدهم وسيُيَسِّر لهم نشر دعوة الإسلام وسيَفتح لهم العقول وسيُقَوِّي حجَجَهم وبَراهِينهم وسيُنصرها علي غيرها من الدعوات والأنظمة المُخالِفة لها المُضِرَّة المُتْعِسَة ليسعدوا ويسعد الجميع ويَطْمَئِنّ بانتشارها ما داموا أحسنوا الدعوة لها بالحِكمة والموعظة الحَسَنة وصَبَروا علي أذَيَ المَدْعُوين (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، وسيُمَكِّن لهم إدارة وحُكْم الأرض بنظام الإسلام وسيَفتحها عليهم وسيَنصرهم علي مَن يُعادِيهم بأيِّ شكلٍ مِن أشكال الاعتداء وسيُوَفّر لهم كلّ الأرزاق وسيَفتح عليهم بالعلوم والأفكار والإلهامات المُتَعدِّدة المُتطوِّرة إذا أحسنوا اتِّخاذ أسباب ذلك (برجاء مراجعة أيضا الآية ﴿55﴾ من سورة النور " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) .. وفي المُقابِل سيَهزم أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿14﴾ " أيْ هذه دعوة للمسلمين للتَّشَبُّه بكل الصالحين الصادقين الذين يُوافِق فِعْلهم قولهم المُخلصين المُحسنين في كل شئون حياتهم (برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعْمَلُوا بإيمانكم فدَاوِمُوا مُدَاوَمَة تامَّة ووَاظِبُوا واستَمِرُّوا واثْبُتوا على أن تكونوا أنصارا لله في كل حالٍ ووقتٍ وزمانٍ ومكانٍ أيْ تَنصروا دين الله ورسوله بالتمسّك والعمل التامّ بكل أخلاقه وبنشره بالدعوة له بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وبالدفاع عنه بكل وسيلةٍ مُمْكِنَةٍ ضدّ مَن يعتدي عليه حتي بالقتال وبذل الدماء إذا كان الاعتداء عسكريا (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن صور الهجرة والجهاد في سبيل الله وفوائدهما وسعاداتهما في الداريْن﴾ ، وذلك كما كان الحوارِيّون دَوْمَاً – والحواريون هم أصحاب وأنصار ومؤيدوا بكل إخلاصٍ وصفاءٍ الرسل الكرام – عندما دعاهم عيسى ابن مريم ﷺ إلى نُصْرته والوقوف بجانبه حينما قال لهم " .. مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ .. " أيْ مَن أنصاري مع الله ناصِري ؟ ومَن يكون معي إلي جانب نصر الله لي ؟ أيْ مَن يقوم منكم بنصري وإعانتي فيما يُقرِّب إلى الله ؟ أيْ مَن الناصرون المُخلصون الذين أعتمد عليهم بعد الله تعالى ويُنصرونني ونحن مُتَّجِهِين إلي الله لعبادته أيْ طاعته والدعوة إليه وإلي دينه الإسلام ونصرته والدفاع عنه ؟ والسؤال هو للحَثَّ والتهييج من أجل الاستجابة ، فسَارَعوا لإجابته بقولهم " .. نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ .. " أيْ نحن أنصار دين الله ونحن الذين بكل تأكيدٍ على استعداد تامٍّ أن نبذل نفوسنا وأموالنا في سبيل تبليغ دعوته ونصر دينه الإسلام .. " .. فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿14﴾ " أيْ فكانت هناك مجموعة من بني إسرائيل صَدَّقَت بعيسي ﷺ وبما جاء به من إسلامٍ واتَّبَعته وأخري كَذّبَت ، فكانت النتيجة الحَتْمِيَّة كما هي طريقة الله تعالي دائما أنْ أيَّدَ وأعَانَ وقَوَّيَ بتمام قُدْرته وعلمه وفضله وكرمه الذين آمنوا علي أعدائهم الذين يُعادونهم بكل صور العَدَاء فأصبحوا بهذا التأييد حتما ظاهرين أيْ عالِين غالبين مُنتصرين سعداء في الداريْن بينما عدوهم مُنْهَزِم تعيس فيهما .. وفي هذا تبشير وطمْأَنَة للمسلمين أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة ليزدادوا بذلك ثَبَاتَاً على ثباتهم وقوة على قوّتهم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿1﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿1﴾ " أي أنَّ جميع مَن في السماوات والأرض وما في الكوْن كله يُسَبِّح لله تعالي ، أيْ هو يَنْقَاد ويَخضع لإرادته ، أيْ يُؤدّي مهمّته التي خَلَقه من أجلها لنفع الإنسان ولسعادته ، وكل المخلوقات بما فيها مِن عجائب خالِقها تَدْفَع كلّ عاقلٍ لتسبيحه سبحانه حين يُحْسِن التدبّر فيها وتَدْفَعه لأنْ يعبده بالقطع وحده دون غيره ، كما أنها في ذاتها تُسَبِّحه وتحمده علي نِعَمه عليها ، بطريقتها الخاصَّة التي خَلَقها عليها والتي حَوَاسّ البَشَر غير مُؤَهَّلَة لإدراكها كما قال تعالي " .. وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .. " ﴿الإسراء : 44﴾ .. هذا ، وأحيانا يأتي لفظ التسبيح في بعض الآيات بصيغة الماضي مثل " سَبَّحَ " وأحيانا بالمضارع مثل " يُسَبِّحُ " لتأكيد أنه في كل وقتٍ ولحظةٍ مِن كل مخلوقٍ حيث قد حَدَثَ ويَحدث وسيَحدث دوْما .. " .. الْمَلِكِ .. " أي المالِك لجميع الأشياء والمُتَحَكِّم في جميع المخلوقات المُتَصَرِّف فيها تَصَرُّف المالك في مُلْكِه بلا أيّ مانع علي أكمل وجه بما يُصلح شئونها ويُسعدها فهو المالك الحقيقي ولا يزول ملكه أبدا وما يَمْلكه البَشَر ما هو إلا مِمَّا مَلَّكه هو لهم .. " .. الْقُدُّوسِ .. " أيْ الطاهر البالغ أقصى درجات الطهارة والكمال في كل الصفات والبُعْد عن النقائص والعيوب وعن كل ما لا يليق ، المُعَظّم المُمَجَّد .. " .. الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿1﴾ " أي الغالِب القاهر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿2﴾ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿3﴾ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿4﴾ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿5﴾ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿6﴾ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿7﴾ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مرجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البَيَان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿2﴾ " أيْ هذا تذكيرٌ للناس بأعظم نعمةٍ عليهم من نِعَم الله تعالي التي لا تُحْصَيَ وهي نِعْمة الإسلام الذي جاءتهم به رسلهم الكرام وخاتمهم الرسول الكريم محمد ﷺ ومعه آخر الكتب وهو القرآن العظيم والذي لو عملوا بكل أخلاقه لَصَلحوا وكَملوا وسَعدوا تمام السعادة في الدنيا والآخرة ، حيث يَجدون فيه البَيَان كله أيْ التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة سيجدون السعادة كلها في دنياهم وأخراهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل) .. أيْ هو وحده لا غيره الذي أرسل في الأمِّيِّين أيْ الذين يَغْلِب عليهم الأمِّيَّة أيْ عدم معرفة القراءة والكتابة وفيهم الجهل ولا تمييز لهم للصواب من الخطأ والخير من الشرّ والسعادة من التعاسة – والأميين تعني أيضا المَنْسُوبِين إلي أيِّ أمَّةٍ من الأمم – بَعَثَ فيهم مَبْعُوثاً منهم هو من رحمته تعالي بهم وبالبَشَرِيَّة كلها حيث كوْنه من بينهم فهم يعرفونه فيَثقون به وبحُسن خُلُقه ويُطَبِّق الإسلام أمامهم عمليا فيَسهل عليهم هم أيضا تطبيقه .. " .. يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ .. " أيْ يَقرأ عليهم آيات الله تعالي ويُذَكِّرهم دوْمَاً بها ، وآياته هي دلالاته الواضِحات القاطِعات الدامِغات التي تُثبت صِدْقه وأنه من عنده وأنه سبحانه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة أي الطاعة وأنَّ دينه الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها ، سواء أكانت هذه الآيات مُعجزات تُؤَيِّد صدق رسوله ﷺ أم آيات في الكوْن حولهم أرشدهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في القرآن الكريم تُتْلَيَ وتُقْرَأ عليهم فيها أخلاقيّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وَجْه .. " .. وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .. " أيْ ويُطَهِّرهم من كل المُعتقدات والأخلاق الفاسدة المُضِرَّة المُتْعِسَة في الداريْن ، ومن كل ما يَضُرّ أجسادهم ويُؤذيها ويُتعسها ، وذلك من خلال تعليمهم الكتاب أي القرآن العظيم بأخلاقه الكاملة الحَسَنَة ، والحكمة أي السُّنَّة المبارَكة وكلّ تصرّفٍ حكيم يَضع كلّ أمرٍ في موضعه الصحيح بكل حكمةٍ ودِقّةٍ دون أيّ عَبَثٍ بما يحقق الإصابة والسَّدَاد والسعادة في كل شئون حياتهم المختلفة .. " .. وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿2﴾ " أيْ وإنَّ الناس كانوا قبل هذا البَعْث للرسل بكل تأكيدٍ في ضياع واضح حيث نَسوا مع الوقت ما تَرَكهم عليه أبوهم آدم من عبادة الله وحده ففَعَلوا الشرور والمَفاسد والأضرار التي تُتعسهم تمام التعاسة في دنياهم وأخراهم سواء أكانت كفراً أيْ تكذيباً بوجود الله أم شِرْكَاً أيْ عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقاً أيْ إظهاراً للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فساداً ونَشْراً للشرّ أم ما شابه هذا .. إنَّ في الآية الكريمة أعظم دليل علي عظمة الإسلام وقُدْرته التامَّة علي تحويل مَن يعمل بكل أخلاقه مِن أمِّيّ يَجهل الصواب والخير والسعادة لذاته ولغيره إلي عالِمٍ بكل خيرٍ وسعادةٍ للجميع في الداريْن
ومعني " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿3﴾ " أيْ وبَعَثَ سبحانه رسوله إلي آخرين مِن الناس مِن كلِّ الأمم ومِن الأمِّيِّين أيضا لم يَأتوا بَعْد وسيَأتون وسيُتْلَيَ عليهم كذلك آياته وسيُزَكّون وسيُعَلّمون الكتاب والحكمة وسيَنجون مِن أيِّ ضلال ، وهم الذين لم يَحضروا حياة الرسول الذي بُعِثَ فيهم وجاءوا بَعْده فأحْسَنوا استخدام عقولهم فآمَنوا وعَمِلوا بما تَرَكَه لهم من إسلامٍ مع المؤمنين به فسعدوا في الداريْن ، ويَشملون أيضا بالقطع مَن لم يَحضر حياة خاتم الرسل رسولنا الكريم محمد ﷺ وصحابته الكرام وآمَنوا كالتابعين الذين جاءوا بَعْدهم والتابعين لهم مِن عموم الناس إلي يوم القيامة .. والآية الكريمة تُفيد ضِمْنَاً أنَّ فضل الله تعالي ورحمته وكرمه علي البَشَر وإسعادهم بإسلامه مستمرّ معهم لا يَنقطع عنهم أبدا حتي نهاية الحياة الدنيا وأنَّ الإسلام سيَنتشر ليَعرفه جميع أهل الأرض ليؤمن به مَن أراد أن يَسعد في دنياه وأخراه .. " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿3﴾ " أيْ وهو وحده لا غيره الغالِب القاهِر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو لا يُمَانَع فلن يَمنعه عمّا يريد فِعْله أيّ مانِع ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كلّ أمرٍ في مَوْضِعه الصحيح تماما دون أيّ عَبَث
ومعني " ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿4﴾ " أيْ هذا الذي ذَكَرَهُ الله تعالى في الآيتين السابقتين (برجاء مراجعتهما لتكتمل المعاني﴾ مِن بَعْثه للرسل الكرام للناس جميعا لكي يَتلوا عليهم آياته ويُزَكّيهم ويُعَلّمهم الكتاب والحكمة ويُنجيهم من الضلال ويُسعدهم تمام السعادة في دنياهم إلي يوم القيامة بدينه الإسلام ثم في أخراهم ، هو حتما فضل الله عليهم أيْ عطاؤه وكَرَمه الزائد ورحمته الغامِرَة لهم .. " .. يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ .. " أي مَن يشاء أيْ يُريد من الناس الهداية لله وللإسلام والنّيْل لهذا الفضل العظيم أيْ العطاء الهائل الذي لا يُقَدَّر بأيِّ قَدْرٍ يَشاء الله له ذلك حتما بأنْ يُيَسِّره ويُوَفّقه ويُعطيه له ويتفضَّل به عليه بواسِع كَرَمه فيَدخل بذلك في تمام رحمته في دنياه حيث كل خيرٍ وسعادة ورضا ورعاية وأمن ورزق ونصر وتوفيق وعوْن ثم في أخراه حيث أعلي درجات الجنات وخيراتها .. بينما مَن لم يَشَأ الهداية ، وهم الظالمون ، أيْ كلّ مَن ظلم نفسه ومَن حوله فأتعسها وأتعسهم في الداريْن ، بأيّ نوع من أنواع الظلم ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنم أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشر أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، فهؤلاء قطعا لا ينالون فضل الله هذا إذ قد حَرَموا هم أنفسهم منه ، إضافة بالقطع إلي درجةٍ ما مِن درجات العذاب في دنياهم علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم يَتَمَثّل في قَلَقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة لهم صورةٍ ما مِن صور الألم والكآبة والتعاسة بسبب بعدهم عن ربهم وإسلامهم ولا ينقذهم من ذلك أيّ ناصرٍ لهم ، غير الله خالقهم ، إذا عادوا إليه ودَخَلوا في رحمته بالإيمان به واتِّباع إسلامه (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) .. " .. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿4﴾ " أيْ هذا الذي تَفَضَّلَ به عليهم هو لأنه تعالي وحده وليس أيّ أحدٍ غيره صاحب الفضل العظيم الهائل الكامل الذي لا يُقارَن فلا يُسْتَبْعَد أبداً منه ذلك .. إنه حتما ذو الفضل العظيم بما هَدَاهم إليه وأعطاهم إيَّاه من خيراتٍ وسعاداتٍ لا تُحْصَيَ في دنياهم وبما سيُعطيهم في أخراهم من نعيمٍ تامٍّ لا يُوصَف
أمَّا معني " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿5﴾ " أيْ هذا مَثَلٌ وتشبيه لحال بعض اليهود الذين حُمِّلُوا أمانة التوراة التي جاءهم بها موسي ﷺ وتَرَكَها لهم وفيها الإسلام الذي يُناسب عصرهم والذي يُسعدهم تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ثم فَرَّطوا في حملها حيث تركوها وحَرَّفوها وأهملوا العمل بها كلها أو بعضها فتعسوا بذلك تمام التعاسة فيهما ، فحالهم وشَبَههم كحال وشَبَه الحمار الذي يحمل علي ظهره كتبا نافعة لا يعرف ما فيها ولا ينتفع ويسعد بمنافعها لأنه لا يقرأ ولا يفهم ، وذلك لأنهم قد عَطَّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ .. " أيْ ما أسْوَأَ وأقْبَحَ هذا الشَّبَه لأمثال هؤلاء الذين لم يُصَدِّقوا بآيات الله أيْ دلالاته الواضِحات القاطِعات الدامِغات التي تُثبت صِدْق رسله وأنهم من عنده وأنه سبحانه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة أي الطاعة وأنَّ دينه الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها ، سواء أكانت هذه الآيات مُعجزات تُؤَيِّد صدق رسوله ﷺ أم آيات في الكوْن حولهم أرشدهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في كتبه وآخرها القرآن الكريم تُتْلَيَ وتُقْرَأ عليهم فيها أخلاقيّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وَجْه .. " .. وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿5﴾ " أيْ والله تعالي لا يُمكن أبداً أن يُعِين ويُوَفّق ويُيَسِّر للهداية له وللإسلام مَن أغْلَقَ عقله تماما هكذا ولم يستجب لنداء الفطرة بداخله والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) مِن أمثال هؤلاء الظالمين ، وعدم العوْن علي الهداية هو بسبب أنهم مُصِرّون تمام الإصرار علي ما هم فيه من ظلم – سواء أكان هذا الظلم كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نار أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا – دون أيّ خطوة منهم نحو أيّ خير حتي يساعدهم سبحانه علي بقية الخطوات وهو الذي نَبَّهَ لهذا بقوله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿الرعد : 11﴾ .. وهذه هي دائما طريقته تعالي في التعامُل مع أمثالهم .. هذا ، وفي الآية الكريمة تحذيرٌ شديدٌ للمسلمين ألاّ يَتَشَبَّهوا أبداً بأمثال هؤلاء وأن يحفظوا الأمانة التي معهم تمام الحفظ وهي القرآن والإسلام والذي هو مصدر كل سعاداتهم في الداريْن بالتمسّك والعمل التامّ بكل أخلاقه وبنشره بالدعوة له بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وبالدفاع عنه بكل وسيلةٍ مُمْكِنَةٍ ضدّ مَن يعتدي
ومعني " قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿6﴾ " ، " وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿7﴾ " أيْ هذا رَدّ علي بعض ادِّعاءات اليهود الذين لم يُؤمنوا بالرسول الكريم محمد ﷺ ولم يُسْلِموا ، بما يكشف أكاذيبهم ويفضحهم ويُخْرِس ألسنتهم فهم ليسوا كما يَدَّعون أنهم هم الذين علي الحقّ وهم الأفضل وأنَّ المسلمين علي الباطل وهم الأدني .. أيْ قل يا رسولنا الكريم ويا كل مسلم مِن بعده علي سبيل التَّحَدِّي والتَّعْجِيز لهؤلاء اليهود إن ادَّعَيْتُم أنكم أحِبَّاءُ لله وحدكم فقط من غير الناس جميعا لأنكم علي الحقّ وكنتم واثقين تماما من ذلك الادِّعاء وصادقين فيه أنه يحبكم أنتم وفقط فاثْبُتوه إذَن عمليا بأن تسألوه الموت وتَذْكُروا أمام الناس – لأنَّ الدواخل لا يعلمها إلا الله – لفظا صادقا بألسنتكم يدلّ علي أنكم تتمنونه بصدقٍ وترغبون فيه وأن يَبعثكم سريعا إليه وذلك حتي تُلاقوه ونَعِيمه عند جنته التي أعَدَّها لأحَبِّائه حيث المُحِبّ الصادق في حبه لحبيبه يَتمنَّي ويَرغب مُلاقاته في أقرب وقت !! فإنْ لم تفعلوا ، ولم يَثبت أنَّ أحدا منهم قد فَعَلَ ذلك بصدقٍ كما يُثبت الواقع هذا ، فأنتم إذَن بكل تأكيدٍ كاذبون فيما تَدَّعون .. فلعلهم بذلك يَستفيقون ويَعودون لربهم ويُسْلِمون ليسعدوا في الداريْن .. " وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿7﴾ " أيْ ولا يَتَمَنَّيَ الموت مطلقا أمثال هؤلاء اليهود ومَن يَتَشَبَّهَ بهم بسبب خوفهم الشديد من عقابهم إذا ماتوا ولقوا ربهم بسبب ما فعلوه ويُصِرّون علي فِعْله في حياتهم الدنيا من شرور ومَفاسد وأضرار وتعاسات والتي يعلمها الله كلها حتما لأنه تعالي عليم أيْ يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه بكل شيءٍ في كوْنه وبكل الظالمين وهم كلّ مَن ظَلَمَ نفسه ومَن حوله فأتعسها وأتعسهم في الداريْن ، بأيّ نوع من أنواع الظلم ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنم أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشر أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، يعلم كل ما يعملونه ويقولونه سواء في سِرِّهم أو علانيتهم ولا يَخْفَيَ عليه أيّ شيءٍ منه وسيُحاسبهم ويُعَاقِبهم حتما بما يُناسبهم في دنياهم وأخراهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. وفي هذا تهديدٌ شديدٌ لهم لعله يُوقِظ بعضهم فيعود لربه ولإسلامه ليسعد في دنياه وأخراه
ومعني " قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿8﴾ " أيْ قل يا رسولنا الكريم ويا كل مسلم مِن بعده علي سبيل الذّمِّ الشديد لأمثال هؤلاء لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن إنَّ الموت الذي تَهربون منه هو حتما سيَلْتَقِي بكم أينما تكونوا ويُنْهِي حياتكم في أيِّ لحظة عند انتهاء آجالكم كما ترونه واقعيا حولكم حيث لا يَفِرّ منه أحدٌ وخوفكم وحرصكم علي الهروب منه مهما اشتدّ فلن ينفعكم بأيِّ شيءٍ ثم ستُرْجَعون بالقطع إلي خالقكم سبحانه حين يَبعثكم يوم القيامة من قبوركم بعد كوْنكم ترابا بأجسادكم وأرواحكم فتُحْشَرون إلي عالِمِ الغيب والشهادة أي العالِم بكلّ شيءٍ بما فيه الغَيْب أيْ بكل ما غابَ عن إدراك الخَلْق وحَوَاسِّهم سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا يعلمونه أم من المستقبل ، وبالقطع يعلم الشهادة أيْ ما هو مُشَاهَد مُدْرَك للحَوَاسّ ، وهو أمر مَنْطِقِيّ ولكنْ ذَكَرَه تعالي حتي لا يتَوَهَّمَ أحد أنه يعلم الغيب فقط ! والمقصود أنه سبحانه يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه بكلّ شيءٍ في كوْنه وبكل ما يعملونه ويقولونه من شرور ومَفاسد وأضرار سواء في سِرِّهم أو علانيتهم ولا يَخْفَيَ عليه أيّ شيءٍ منها وسيُخبرهم بها بكل تفصيلٍ وإحصاءٍ ودِقّةٍ وسيُحاسبهم ويُعاقبهم حتما عليها بما يُناسبها بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. وفي هذا تهديدٌ وتحذيرٌ شديدٌ لهم لعله يُوقِظ بعضهم فيعود لربه ولإسلامه ليسعد في دنياه وأخراه قبل فوات الأوان
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿9﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿10﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالك طوال يومك (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكاً عامِلاً بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿9﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – إذا نادَيَ المُؤَذّن لصلاة الجمعة فامشوا واذهبوا إلي سَمَاع الخطبة ولذِكْر الله تعالي في الصلاة وقبلها وبعدها باهتمامٍ وحرصٍ علي عدم التأخير وعلي حُسْن المَظْهر وطِيِب الرائحة والانتفاع بكل ما تسمعونه وتطبيقه في حياتكم والاستفادة من اجتماعكم وتَآلُفِكم وتَحَابّكم وتعاونكم بكل الفوائد المُمْكِنَة .. " .. وَذَرُوا الْبَيْعَ .. " أيْ واتركوا كل مَشاغلكم ومُعاملاتكم المختلفة من بيع وشراءٍ وعملٍ وعلمٍ وغيره .. " .. ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ .. " أيْ ذلك كله الذي ذَكَرْنَاه لكم ونُوصِيكم به إنْ فَعَلْتموه فسيكون لكم حتما تمام كلّ خيرٍ وسعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿9﴾ " أيْ إنْ كنتم تعقلون أيْ إنْ كنتم من الذين يُحسنون استخدام عقولهم وكنتم من أصحاب العلم والفهم فتتعمَّقون وتتدبَّرون فيما تسمعون فتنتفعون وتَسعدون به .. وفي هذا حَثّ وتشجيعٌ علي التَّدَبُّر والعمل لنَيْل هذا الخير العظيم
ومعني " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿10﴾ " أيْ فإذا انتهت الصلاة وقمتم بأدائها علي أكمل وجهٍ مُمْكِن فتَفَرَّقوا في الأرض من أجل أعمالكم ومصالحكم ومنافعكم التي تُسعدكم واطلبوا دائما بحُسن اتِّخاذكم الأسباب كل الخيرات والأرزاق والسعادات من عطاء الله وكرمه الزائد الذي لا يُحْصَيَ واحذروا أن تنشغلوا وتنسوا أن تكونوا أثناء كل ذلك دائما من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالكم طوال يومكم باستحضار نوايا حَسَنَة داخل عقولكم وليس في صلاتكم فقط (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿10﴾ " أيْ كل ذلك هو لكي تُفلحوا إذا فعلتموه أيْ تَنجحوا وتربحوا وتفوزوا وتنتصروا في دنياكم وأخراكم فلاحا ونجاحا وربحا وفوزا ونصرا عظيما لا يُقارَن بشيء .. هذا ، ولفظ " لعلّ " يُفيد الاحتماليّة مع الأمل في التحَقّق ليكون ذلك دافعا وتشجيعا لكل البَشَر ليكونوا كذلك
ومعني " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿11﴾ " أيْ هذا تنبيهٌ لما يُصْلِح المسلمين ويُكملهم ويُسعدهم في الداريْن من خلال تحذيرهم ألاّ يَنْفَضّوا أبدا أيْ يَتَفَرَّقوا ويَذهبوا إلي دنياهم تاركِين ناسِين أخراهم ومَن يُذَكِّرهم بها قائمين مَوجودين مُنْفَرِدِين بلا اهتمامٍ بمواعظهم سواء أكانت خُطَبَاً أم دروسا أم أشرطة أم كتبَ علمٍ أم نحوها لأنهم مُنْشَغِلون عن هذه المَوَاعِظ ووسائلها المختلفة بتجاراتهم وترويحهم الحلال – ولا يمكن أن يكون الانشغال بحرامٍ بالقطع – وبأعمالهم وعلومهم وغير ذلك من كل شئون حياتهم المختلفة ، ولكنْ عليهم أن يَهْتَمّوا بها لكي يَتَمَكَّنوا من أن يُحْسِنوا طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) .. " .. قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ .. " أيْ وتذكّروا دائما ولا تَنسوا أبدا أنَّ ما عند الله من أجرٍ عظيم في الآخرة في مُقَابِل أنكم تُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا حيث الجنات التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي عقل بَشَر وحيث أعظم وأتمّ وأخلد سعادة هو حتما خير من أيِّ سعادة يرزقكم سبحانه إيّاها في دنياكم من تجارةٍ أو ترويح أو غيره مهما كانت هذه الأرزاق والسعادات ولا مُقَارَنَة مُطلقا (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿97﴾ من سورة النحل " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، فواظِبوا واستمِرّوا إذَن علي إحسان الجمع بين دنياكم وأخراكم واطمئنوا واستبشروا تماما أنه لن يَفوتكم بسبب هذا الجمع أيّ رزقٍ عند الله لكم من أرزاقكم الدنيوية لأنَّ الله هو .. " .. خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿11﴾ " أيْ أَخْيَرهم علي الإطلاق وبلا مَقارَنة ، وهل يُقارَن الخالق بالمخلوق ؟! فرِزْقه سبحانه بلا حساب ودون طَلَبٍ وعلي الدوام ومِن كلّ الأنواع ويَفيض ويَزيد وسواء يُحتاج إليه أم لا وهو خالِق رزقه من عدمٍ ويَملكه كله ويملك أسبابه وأصوله وخاماته كالماء والهواء والطاقات والخلايا ونحوها وخزائنه لا تنتهي مُطلقا ، أما غيره من البَشَر مِمَّن يَرزقون غيرهم هم مجرّد أسبابٍ لرزق خالقهم ولم يَخلقوا هذا الرزق من أصله ورزقهم محدود ومُتَقَطّع وينتهي بمرضٍ أو موت أو غيره وهم أيضا مرزوقون به من ربهم قد مَلّكَهم إياه لفتراتٍ وهو الذي يَسَّرَ لهم أسبابه وأعانهم عليها بما أعطاهم من عقلٍ وصحة وقوة وطاقة ونحو هذا .. فاطلبوا أيها الخَلْق من خالقكم وحده سبحانه الرزق ، وأحْسِنوا اتّخاذ أسبابه بما تستطيعون ، وسيُيَسِّره لكم حتما ، إمّا مباشرة وإمّا بتيسير مَن يُسَهِّله لكم ويُعينكم عليه مِن خَلْقه
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿1﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿2﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿3﴾ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿4﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿5﴾ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿6﴾ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴿7﴾ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تكن مُنافقا تُظهر الخير وتُخفي الشرّ (برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿1﴾ " أيْ هذه صفة من أهم صفات المنافقين أنهم يُظهرون الخير ويُخفون الشرّ ، فإنْ كان الشرّ الذي يخفونه هو كفر بالله أيْ عدم تصديق بوجوده وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، فهم كفار مُخلّدون في النار ، أمَّا غير ذلك من شرور فهم مسلمون يُعامَلون في الدنيا معاملة المسلمين ويُحاسَبون يوم القيامة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم التي يرتكبونها إن لم يتوبوا منها لكن لا يُخلّدون في جهنم .. فعلي كل مسلم حتما ألاّ يَتَشَبَّه أبداً بمثل هذه الصفات وما يشبهها وإلا تَعِسَ في الداريْن ، كما أنَّ عليه أنْ يحتاط عند التعامُل مع مَن يحملها ليتجنّب شرَّه ، فالمنافقون ليسوا مَخْفِيِّين تماما بل هم مُعَرَّضُون بالتأكيد ودائما لكشف شرورهم هم بأنفسهم من خلال لَحْن قولهم أيْ مضمونه ومعناه أيْ في فَلَتَات ألسنتهم التي يقولونها وفي تصرّفاتهم التي يفعلونها والتي تُظْهِر أحيانا أو كثيرا ما يدور في عقولهم من شرور ومَفاسد وأضرار كما يقول تعالي عنهم مؤكِّدا ذلك " .. وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ .. " ﴿محمد : 30﴾ ... أي إذا حَضَرَ المنافقون إليكم أيها المسلمون فانتبهوا تماما لأقوالهم لأنهم يقولون كذبا وخداعا وقد يُقْسِم بعضهم بالله أنَّ ما يقولونه صدقا وخيرا وأنهم يشهدون بألاّ إله إلا الله وأنَّ محمدا رسول الله ، والله تعالى حتما " .. يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ .. " فهو الذي أرسله ﷺ وهذا يكفي لإثبات صِدْقه وما جاء به من قرآن وإسلام !! فالأمر ليس في حاجة قطعا لتأكيدٍ مِن أمثال هؤلاء علي ذلك !! ثم شهادتهم أصلا كاذبة تُخَالِف دواخلهم فلا قيمة لها !! فلا تهتمّوا إذَن أيها المسلمون بنفاقهم وكذبهم واستمرّوا في تمسككم وعملكم بإسلامكم ونشره بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة .. والله تعالي كذلك حتما " .. يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ ﴿1﴾ " أيْ يعلم أنهم لا يقولون الحقيقة في أقوالهم وشهاداتهم والتي تُخالف تماما ما يخفونه داخل عقولهم والذي يعلمه بتمام العلم فهو يعلم السِّرَّ وما هو أخفي منه ولا يغيب عنه شيء ، وكفَيَ به سبحانه شاهدا فشهادته حتما هي الكاملة الصادقة العادلة ، وسيُحاسبهم ويُعاقبهم علي كل ذلك بما يُناسب في دنياهم وأخراهم .. فلْيَحْذَر إذَن أمثال هؤلاء وليعلموا أنهم علي وشك أن ينكشف شرّهم وينفضح أمرهم وليُسارِعوا بإصلاح ذواتهم قبل فوات الأوان وحدوث الفضائح والإهانات والتعاسات
ومعني " اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿2﴾ " أيْ هذه صِفَة سَيِّئَة أخري من صفات المنافقين ، أنهم يجعلون أيْمانهم الكاذبة التي يَحلفونها بالله وقاية يَسْتَتِرون بها ويفعلون من ورائها الشَّرَّ حيث كلما تمَّ كشف شرّهم سارَعوا بالقَسَم بالنفي فساعَدَهم ذلك علي الصَّدِّ عن سبيل الله أيْ مَنْع بعض الناس الذين انخدعوا بكذبهم وبمظهرهم لفترةٍ قبل أن يكتشفوا زيفهم عن طريق الله أيْ عن اتِّباع الإسلام بتشويه صورته وبنشر الفساد ونحو هذا ، وبالتالي فلهم حتما في دنياهم وأخراهم عذاب يُهينهم ويذلّهم بسبب سوء ما كانوا يعملون مِن صَدٍّ عن سبيل الله واستكبارٍ وعِنادٍ وتكذيبٍ واستهزاءٍ وخِسَّةٍ وحَقارَةٍ وامتهانٍ لقيمةِ القَسَم بالله تعالي وما شابه هذا من شرور ومَفاسد وأضرار
ومعني " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿3﴾ " أيْ ذلك الذي ذُكِرَ مِن حالهم الشديد السوء هذا سببه أنهم آمنوا في الظاهر بألسنتهم فقط ثم كفروا في الداخل بعقولهم وأصرّوا واستمرّوا علي ذلك فكانت النتيجة الحَتْمِيَّة لهذا أن طُبِعَ علي قلوبهم فصاروا لا يعقلون ولا يتدبّرون ولا يُدْركون أين الصواب من الخطأ والخير من الشرّ والسعادة من التعاسة ، تماما كالجَهَلة الذين ليس عندهم أيّ عِلْم أو فهم .. إنهم قد اختاروا بكامل حرية إرادة عقولهم ما هم فيه وأصرّوا تماما عليه حتي وَصَلوا إلي مرحلة الطبْع والخَتْم علي العقول ، أيْ مِن شِدَّة عِنادهم واستكبارهم وإصرارهم علي فِعْل الشرّ ، واعتيادهم علي فِعْله لفتراتٍ طويلة دون أيّ استجابةٍ لأيّ خير ، قد وَصَلوا لمرحلة مُزْمِنَة مِن الشرّ بحيث لم يَعُد في عقولهم أيّ مساحةٍ لأيّ خير !! بل بعضهم لم يعد حتي يستطيع أن يُفَرِّق بين الخير والشرّ وأين هذا مِن ذاك !! وما كل ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وذلك بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وفي هذا تنبيه لهم ولأمثالهم لعلهم يستفيقون ويعودون للخير ليسعدوا في الداريْن
ومعني " وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿4﴾ " أيْ هذه بعض الصفات السيئة الأخري للمنافقين حتي لا يَتَشَبَّهَ بها أبداً أحدٌ من المسلمين ولا يَنْخدع بهم ، فهم مَظْهَر بلا جَوْهَر أجسام بلا عقول شديدوا الجُبْن والإفك أيْ الكذب الشديد .. أيْ وإذا نظرتَ إليهم أيها الناظِر تَنْبَهِر بأجسامهم من وَجَاهتها وهيئتها وصحتها ، وإنْ يتحدثوا تريد أن تستمع لحديثهم لحلاوته وفصاحته ، ولكنهم مع ذلك عقولهم فارغة من الإيمان بالله ولم تَخْتَرْه وبالتالي هي خالية من الفهم الصحيح والخير ، فحالهم مثل الأخشاب الهالِكَة المُتَآكِلَة المَتروكة المُلْقَاة المُسْتَنِدَة على الحائط التي لا تسمع ولا تعقل ولا حياة فيها ولا قيمة ولا نفع لها ولا خير منها ، وذلك لأنهم قد عَطّلوا هذه العقول بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ .. " أيْ يظنون مِن شدّة جُبْنهم وخوفهم من انكشاف شرّهم حيث هم دائما يُظهرون الخير ويُخفون الشرّ أنَّ كل صوتٍ يسمعونه حولهم بأيِّ حديثٍ أو تَحَرُّكٍ أو تَصَرُّفٍ مهما كان عاديا بسيطا أنه عليهم ويَقصدهم وسيَكشفهم وسيُعاقبهم وسيَضرّهم وسيُهلكهم !! فهم بسبب خِسَّتهم وتَلَوُّنهم وتَخَفّيهم في فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار في حالة رعبٍ دائمٍ في كل لحظةٍ من أيِّ شيء !! .. إنَّ النفاق هو حتما من أهم أسباب التعاسة في الداريْن لأنه من أكبر علامات الضعف والخِسَّة والتَّلَوُّن وعدم القُدْرة علي المواجهة حيث يعيش المنافق حياته خَسِيسَاً مُتَلَوِّنا مُنْحَطّاً وَضيعا ذليلا كذوبا تابعا قَلِقَاً متوتّرا مضطربا مُهْتَزَّاً مُرتعشا خائفا مَرْعُوبا مُنْزَعِجا مُتشكِّكا في كل ما حوله مُتَوَقّعَاً أنه سيُهلكه وبالجملة هو مريض مُعَذّب تَعيس في دنياه ثم أخراه حيث العقاب المُناسب لكل هذا حتما .. " .. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ .. " أيْ هم العدو الحقيقي لكم أيها المسلمون الكامِن المُخْتَبِيء بينكم الماكِر المُخادِع الذي قد لا تشعرون به فهم أخطر من العدو الخارجيّ الصريح الظاهر لأنهم يَدَّعون أنهم معكم وهم عليكم فهم شديدوا كاملوا العَدَاوَة ضدّكم ، فاحذروهم إذَن تمام الحَذَر ولا تنخدعوا بحُسن ظواهر أفعالهم وأقوالهم .. " .. قَاتَلَهُمُ اللَّهُ .. " أيْ حتما سيُقاتِلهم الله القوي المُنتقم الجبَّار أيْ سيَلعنهم أيْ سيُخرجهم من رحمته ، في دنياهم حيث سيكون لهم درجة ما مِن درجات العذاب علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم يَتَمَثّل في قَلَقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة لهم صورة ما مِن صور الألم والكآبة والتعاسة بسبب بُعْدِهم عن ربهم وإسلامهم إضافة إلي الهزائم والإذلال والهَوان بقوته وبجنوده التي لا يعلمها إلا هو سبحانه وبأيديهم وبتنازعهم فيما بينهم صراعا علي النهب والسَّلْب ونحوه وبأيدي المسلمين حينما يتمسّكون ويعملون بكل أخلاق إسلامهم فيُعِزّهم ويُعْلِيهم ويُنصرهم ، ثم في أخراهم لهم قطعا من العذاب ما هو أتمّ وأعظم وأخلد .. " .. أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿4﴾ " أيْ كيف يكون منهم هذا الإفْك ؟! كيف يكون منهم هذا الكذب الواضح الشنيع السخيف ؟! هذا الانصراف عن الحقّ بكل هذا التَّبَجُّح وبلا أيّ حياءٍ أو تَعَقُّل ! هذا النفاق وإظهار الخير والحب وإخفاء الشرّ والعداء ! إنَّ كل ذلك التكذيب والعِناد والاستكبار والتَّلَوُّن والزَّوَغَان ما هو إلا من أجل تحصيل أثمان الدنيا الرخيصة
ومعني " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿5﴾ " أيْ وكذلك من صفات المنافقين الشديدة السوء أنهم يُصِرُّون باستكبارٍ وعِنادٍ علي ما هم فيه من شرور ومَفاسد وأضرار بحيث إذا قيل لهم من المسلمين حولهم – على سبيل النصح لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم فيسعدوا في الداريْن قبل فوات الأوان ونزول العذاب بدرجاته المختلفة بهم فيهما – أَقْبِلُوا تائِبين مُعْتَذِرِين عن نفاقكم وعمَّا قلتم وفعلتم من سوءٍ تاركين له عائدين لربكم ولإسلامكم مُصْلِحين من حالكم لكي يَدْعُوا المسلمون لكم بقبول استغفاركم ولكي تعيشوا بينهم مطمئنّين سعداء .. " .. لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿5﴾ " أيْ ما يكون منهم حينها إلا أنْ يميلوا رؤوسهم ويُحَرِّكوها ويهِزّوها من جانبٍ لآخر بطريقةٍ فيها رفض وامتناع واستعلاء وسخرية مِمَّن ينصحهم بذلك وتراهم أيها الناظِر إليهم وقتها يُعرضون عن النصيحة أيْ يُعطون ظهورهم ويَلتفتون ويَنصرفون ويَبتعدون عنها ويَتركونها ويهملونها بصورةٍ فيها تكذيبٍ وعِنادٍ واستكبارٍ واستهزاءٍ وحالهم أنهم مُستكبرون علي الاستجابة لها ، وذلك لإصرارهم التامِّ علي ما هم فيه
ومعني " سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿6﴾ " أيْ أمثال هؤلاء ومَن يَتَشَبَّه بهم الذين يُصِرّون تماما علي كفرهم حتي مَمَاتهم سواء استغفر لهم أحدٌ أم لا فَهُم لن يتراجَعوا أبداً عَمَّا هم فيه وبالتالي فلن ينفعهم أيّ استغفارٍ لأنَّ الله لن يغفر لهم حتما لأنَّ الله تعالي لا يُمكن أبداً أن يُعِين ويُوَفّق ويُيَسِّر للهداية له وللإسلام مَن أغْلَقَ عقله تماما هكذا ولم يستجب لنداء الفطرة بداخله مِن أمثال هؤلاء الفاسقين أيْ الخارجين عن طاعة الله والإسلام (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) ، وعدم العوْن علي الهداية هو بسبب أنهم مُصِرّون تمام الإصرار علي ما هم فيه من فِسْق – سواء أكان هذا الفسق كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنم أو حجر أو نار أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا – دون أيّ خطوة منهم نحو أيّ خير حتي يساعدهم سبحانه علي بقية الخطوات وهو الذي يقول : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿الرعد : 11﴾ ، وذلك بسبب أنهم قد عَطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وهذه هي دائما طريقته سبحانه في التعامُل مع أمثال هؤلاء (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) .. إنهم من شِدَّة إصرارهم علي كل شرٍّ قد وصلوا إلي مرحلةٍ مُزْمِنَةٍ بحيث لا يفعلون إلا شرَّاً ولا يُفكّرون إلا فيه ويَنسون تماما أيّ خير ، وهذه هي مرحلة الطبْع والخَتْم علي العقل ، أي لم يَعُد بعقولهم أيّ مساحةٍ لأيّ خير ! فمثل هؤلاء سيَظلون علي حالهم حتي يَروا عذاب وتعاسة الدنيا ثم هَوْل وشقاء عذاب الآخرة ، فهم يستوي عندهم الاستغفار لهم ونصحهم أو عَدَمه أو التبشير بالنتائج السعيدة لفِعْل الخير أو تَرْكه أو ما شابه هذا لأنهم قد أصبحوا عديمي العقل !! .. فليطمئنّ إذن كل مسلم ولا يَحزن علي عدم استجابة مثل هؤلاء لله وللإسلام ما دام قد أحسنَ دعوتهم بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، لأنَّ المشكلة ليست في التقصير في دعوتهم وإنما فيهم هم
أمَّا معني " هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴿7﴾ " أيْ هذا مَظْهَر مِن مَظَاهِر فِسْق هؤلاء المنافقين وجانب من بعض أقوالهم وأفعالهم ومكائدهم السيئة ضد الإسلام والمسلمين التي يكشفها تعالي لهم ليَحْتَاطوا منهم ، فهم يقولون فيما بينهم ويَتَوَاصون ألا يُنفقوا خيرا علي المسلمين ولا يتعاملوا ما استطاعوا معهم ويُحَاصِرونهم ويُجَوِّعُونهم ويُحاولون سَدَّ أسباب العمل والارتزاق عنهم ما أمكن حتي تَضِيقَ معيشتهم فيَنْفَضّوا أيْ يَتفرَّقوا ويَتبعدوا عن ربهم ورسولهم وإسلامهم !! إنهم يَتَوَهَّمون مِن سَفَهِهم وسوء وسطحية تفكيرهم وتصرّفهم أنهم يملكون أرزاقهم وإذا ما منعوها عنهم ارْتَدّوا عن دينهم مُسرعين لهم للحصول عليها !! وليس في بَالِهم ولا يُدركون أنه " .. وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. " أي له وحده مَفاتيح خزائن كل ما في السموات والأرض التي فيها رحماته وخيراته وأرزاقه وتقديراته وتدبيراته وترتيباته للناس وللخَلْق جميعا في كوْنه من أجل منافعهم وسعاداتهم حيث هو وحده الذي يملك أصول الأرزاق وأسباب وجودها ونمائها كالماء والهواء والطاقة والقوة والأرواح والعقول وحركة ونمو الخلايا وما شابه ذلك ولو مَنَعَ شيئاً منها لتوقّفت الأرزاق بل والحياة كلها ، أمَّا غيره من البَشَر مِمَّن يَرزقون غيرهم هم مجرّد أسبابٍ لرزق خالقهم ولم يَخلقوا هذا الرزق من أصله ورزقهم محدود ومُتَقَطّع وينتهي بمرضٍ أو موت أو غيره وهم أيضا مرزوقون به من ربهم قد مَلّكَهم إياه لفتراتٍ وهو الذي يَسَّرَ لهم أسبابه وأعانهم عليها بما أعطاهم من عقلٍ وصحة وقوة وطاقة ونحو هذا ، فاطلبوا أيها الخَلْق من خالقكم وحده سبحانه الرزق ، وأحْسِنوا اتّخاذ أسبابه بما تستطيعون ، وسيُيَسِّره لكم حتما ، إمّا مباشرة وإمّا بتيسير مَن يُسَهِّله لكم ويُعينكم عليه مِن خَلْقه .. وفي هذا تذكير للمسلمين ليطمئنوا تماما علي ضَمَان أرزاقهم .. " .. وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴿7﴾ " أيْ ولكنَّ السبب في ذلك الخَلَل والسَّفَه الذي هم فيه هو أنهم لا يعلمون شيئا عن عظمته تعالي وكمال صفاته الحُسْنَيَ وقُدْرته وعلمه وعن الحقّ والعدل والخير وعن فوائد أخلاقيّات الإسلام وسعاداتها في دنياهم وأخراهم وعن عقابه للمُخَالِفين الذين يفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار ، إنهم لا يُدْركون كل هذا ، ولا يعقلونه ولا يتدبّرون فيه ، تماما كالجَهَلة الذين ليس عندهم أيّ عِلْم أو فهم ، والسبب الأساسي أنهم قد عطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وفي هذا تنبيه لهم ولأمثالهم لعلهم يستفيقون ويعودون للخير ليسعدوا في الداريْن
ومعني " يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿8﴾ " أيْ هذا مَظْهَر آخر مِن مَظَاهِر فِسْق هؤلاء المنافقين وجانب من بعض أقوالهم وأفعالهم ومكائدهم السيئة ضد الإسلام والمسلمين التي يكشفها تعالي لهم ليَحْتَاطوا منهم ، فهم يقولون فيما بينهم ويُخَطّطون أنهم إذا تَمَكَّنوا من المسلمين من خلال إضعافهم وإيقاع الدسائس بينهم فإنهم وهم الأعَزّ من وجهة نظرهم وفي تقديرهم أيْ الأقوي الذي يَغْلِب غيره لعِزّته وقُدْراته وإمكاناته العَدَدِيَّة والمالية والعسكرية وغيرها سيقومون بإخراج المسلمين من ديارهم وممتلكاتهم ويسيطرون عليها وهم الذين يعتبرونهم من وجهة نظرهم المُتَعَالِيَة المُتَكَبِّرة المُتَوَهِّمَة المُنْخَدِعَة الأذَلّ أيْ الذي يَغْلبه غيره لضعفه ولذِلّته ولفقره وقِلّة عدده وعدَّته ، وليس في بَالِهم ولا يُدركون أنه " .. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .. " أيْ ليست العِزَّة مطلقا لهؤلاء المنافقين ومَن يَتَشَبَّهَ بهم بل هم بسبب سوء أقوالهم وأفعالهم وإظهارهم الخير وإخفائهم الشرّ أذِلّة أخِسَّاء مُتَلَوِّنين مُنْحَطّين وَضيعين كذوبين تابعين قَلِقين متوتّرين مضطربين مُهْتَزين مُرتعشين خائفين مَرْعُوبين مُنْزَعِجين مُتشكِّكين في كل ما حولهم مُتَوَقّعين أنه سيُهلكهم وبالجملة هم مرضي مُعَذّبين تَعساء في دنياهم ثم أخراهم حيث العقاب المُناسب لكل هذا حتما .. لكنَّ العزة قطعا لله تعالي أيْ هو مالِك تمام العظمة والكرامة والشرف والمَكانَة والرِّفْعَة والقوة والغَلَبَة والنّصْرَة وهو حتما يعطيها في الداريْن كاملة لا ناقصة حقيقية لا وَهْمِيَّة مستمرة لا متقطعة لرسله الكرام وللمؤمنين أيْ المُصَدِّقين به وبهم وبكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ما داموا متمسّكين عاملين بكل أخلاق إسلامهم ولا يعطيها أبدا بالقطع لأحد غيرهم .. وفي هذا تحذيرٌ شديدٌ لهم لعلهم يستيقظون ويعودون لربهم وإسلامهم ليسعدوا في الداريْن ، كما أنه طمْأَنَة للمسلمين أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في الدنيا والآخرة .. " .. وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿8﴾ " أي ولكنَّ السبب في ذلك الخَلَل والسَّفَه الذي هم فيه هو أنهم لا يعلمون شيئا عن عظمته تعالي وكمال صفاته الحُسْنَيَ وقُدْرته وعلمه وعن الحقّ والعدل والخير وعن فوائد أخلاقيّات الإسلام وسعاداتها في دنياهم وأخراهم وعن عقابه للمُخَالِفين الذين يفعلون الشرور والمَفاسد والأضرار وعن أنَّ العِزَّة الحقيقية هي لله ولرسوله وللإسلام وللمسلمين ، إنهم لا يُدْركون كل هذا ، ولا يعقلونه ولا يتدبّرون فيه ، تماما كالجَهَلة الذين ليس عندهم أيّ عِلْم أو فهم ، والسبب الأساسي أنهم قد عطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وفي هذا تنبيه لهم ولأمثالهم لعلهم يستفيقون ويعودون للخير ليسعدوا في الداريْن
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿9﴾ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿10﴾ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿11﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالك طوال يومك (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ علي الدوام (برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، وذلك من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، وسيَدْفعه أيضا لأنْ يُحْسِن طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المُنْفِقين الذين يُنفقون مِمَّا رزقهم الله بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاتهم ومَن حولهم وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿9﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعْمَلُوا بإيمانكم فلا تَشْغَلكم أبداً أموالكم التي تجتهدون في كسبها ولا أولادكم الذين ترعونهم ولا ما شابه هذا من كل شئون حياتكم عن أن تكونوا أثناء كل ذلك دائما من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالكم طوال يومكم باستحضار نوايا حَسَنَة داخل عقولكم (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ أو عن أن تكونوا أثناءها ودَوْماً في طاعةٍ لله فتَقَعُوا في فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار .. " .. وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿9﴾ " أيْ ومَن يَنشغل عن ذكر الله ولا يعمل بأخلاق الإسلام ويفعل السوء فهؤلاء حتما هم الذين يخسرون في الداريْن خسارةً ما بعدها خسارة ولم يخسرها أحدٌ مثلهم ، حيث في الدنيا سيكون لهم درجة ما مِن درجات العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أوضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة سيكون لهم كل ألمٍ وكآبة وتعاسة ، بسبب أفعالهم السَّيِّئَة إذ مَن يَزرع سوءا لابُدَّ أن يحصد سوءا كما نَبَّه لذلك تعالي بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿الإسراء : 7﴾ ، ثم في الآخرة سيكون لهم حتما ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ
ومعني " وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿10﴾ " ، " وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿11﴾ " أيْ وكونوا دوْماً من المُنْفِقين الذين يُنفقون مِمَّا رزقهم الله بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاتهم ومَن حولهم وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم التي لا تُحْصَيَ في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم .. " .. مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿10﴾ " أيْ سارِعوا بالإنفاق وفِعْل الأعمال الصالحة قبل أن يُسارِع الموت بالحضور لكلٍّ منكم حينما ينتهي أجله في الحياة الدنيا وهو يأتي فجأة في أيّ لحظة كما ترون واقعيا حولكم – ومِن رحمة الله بكم ألاّ تعرفوا موعد موتكم حتي تكونوا دوما مستعدين له بفِعْل كل خيرٍ وترك كل شرّ دون تكاسُل أو تأجيل لأنَّ مَن عرف وقت موته قد يُؤَجِّل فِعْل الخير أو يتمادَيَ في الشرّ إذا علم أنَّ حضوره بعيدا أو قد ييأس من فِعْله إذا كان قريبا – وحينها سيَتَوَسَّل هذا الذي في حالة الموت وظهرت له علاماته نادما علي ما فَرَّط في وقت الاستطاعة ويتمنَّيَ ويطلب من ربه تأخيره ولو للحظات قريبات وليس لفترات طويلات فهذا غاية ما يطلبه حتي يُسارع باستدراك ما فاته بأي شيءٍ من خيرٍ فيُنفِق ويُصلِح حاله ، أيْ لو أخرتني يارب لَتَصَدَّقت ولكنت من الصالحين !! وهذا السؤال والتَّمَنِّي حتما لن يتحقق حيث قد فات وقته ولا يمكن تَدَارُكه لأنَّ الأجل مُحَدَّد !! فلماذا لا تُسارعون بالخير من الآن إذَن دون أيّ تأخير ؟! .. وهذا هو معني " وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿11﴾ " أيْ ولن يَحدث أبداً أن يُؤَجِّل الله تعالى نفساً من النفوس ولو للحظةٍ حين يأتي أجلها بوقتِ موتها وينتهي عمرها المُحَدَّد لها في هذه الحياة الدنيا .. " .. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿11﴾ " أيْ واعلموا وتذكّروا دوْماً طوال حياتكم أنَّ الله عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بما تعملونه وتقولونه كله سواء في سِرِّكم أو علانيتكم لا يَخْفَيَ عليه شيء وسيُحاسبكم علي ذلك بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة في الداريْن بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فسارِعوا دائما بإحسان العمل إذَن وافعلوا كلَّ خيرٍ واتركوا كلّ شرٍّ من خلال التمسّك بكل أخلاق إسلامكم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿1﴾ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿2﴾ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿3﴾ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿4﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿1﴾ " أيْ أنَّ جميع مَن في السماوات والأرض وما في الكوْن كله يُسَبِّح لله تعالي ، أيْ هو يَنْقَاد ويَخضع لإرادته ، أيْ يُؤدّي مهمّته التي خَلَقه من أجلها لنفع الإنسان ولسعادته ، وكل المخلوقات بما فيها مِن عجائب خالِقها تَدْفَع كلّ عاقلٍ لتسبيحه سبحانه حين يُحْسِن التدبّر فيها وتَدْفَعه لأنْ يعبده بالقطع وحده دون غيره ، كما أنها في ذاتها تُسَبِّحه وتحمده علي نِعَمه عليها ، بطريقتها الخاصَّة التي خَلَقها عليها والتي حَوَاسّ البَشَر غير مُؤَهَّلَة لإدراكها كما قال تعالي " .. وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .. " ﴿الإسراء : 44﴾ .. هذا ، وأحيانا يأتي لفظ التسبيح في بعض الآيات بصيغة الماضي مثل " سَبَّحَ " وأحيانا بالمضارع مثل " يُسَبِّحُ " لتأكيد أنه في كل وقتٍ ولحظةٍ مِن كل مخلوقٍ حيث قد حَدَثَ ويَحدث وسيَحدث دوْما .. " .. لَهُ الْمُلْكُ .. " أيْ هو وحده الذي له الملك كله لا لغيره ولا يُشاركه فيه أيّ مُشارِكٍ ولا يُنازعه أيّ مُنازِع ، وما يَمْلكه الناس فهو مِن تَمْلِيكه لهم وهو يَسْتَرْدّه في أيّ وقتٍ شاء .. " .. وَلَهُ الْحَمْدُ .. " أيْ هذا تذكيرٌ وتعليمٌ من الله تعالي للبَشَر لكي يكونوا دائما من الشاكرين لربهم علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ ، بعقولهم باستشعار قيمتها وبألسنتهم بحمده وبأعمالهم بأن يستخدموها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، وبذلك سيجدونها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " ﴿إبراهيم : 7﴾ ، فلقد خَلَقهم سبحانه من عدمٍ وأعطاهم عقولا وقوة وصحة وسَخَّرَ لهم السموات والأرض بكلّ ما فيها لينتفعوا وليسعدوا بها وبَيَّنَ لهم في الإسلام أين النور والخير والسعادة وأين الظلام والشرّ والتعاسة ليتمسّكوا بكل أخلاقه ليسعدوا بها تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. " .. وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿1﴾ " أي ولا يَمنعه أيّ مانع مِمّا يريد فهو قادر بتمام القُدْرة علي كلّ شيءٍ وإذا أراد شيئا فبمجرّد أن يقول له كن فيكون كما يريد ، ومَن كان هذا وَصْفه مِن القُدْرة والعلم والحِكْمَة والمُلك فهو المُسْتَحِقّ وحده للعبادة وللشكر وللتوكّل عليه (برجاء مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل)
ومعني " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿2﴾ " أيْ هذه نِعْمة ورحمة عظيمة من نِعَم ورحمات الرحمن تعالي علي البَشَر والتي لا يُمكن حصرها حيث هو وحده لا غيره وبلا أيّ شريك الذي أوْجَدهم من عَدَمٍ بتمام قُدْرته وكمال علمه لينتفعوا ويسعدوا في هذه الحياة الدنيا وسَخَّرَ لهم كل ما فيها وأعطاهم العقل والقوة وعَلّمهم النطْق والفهم والإفصاح عمَّا يريدون بالكلام بألسنتهم عن طريق المَنْطِق السليم والقول الواضح كما مَكَّنهم من فهم كلام غيرهم لهم لتبادُل المنافع معهم والتعلم والتعليم والابتكار والتطوّر ومعرفة اللغات والكتابات ووَضَعَ في فطرتهم مِيزَانَاً ليَعرفوا به الخير والشرّ وما يَنفعهم ويُسعدهم وما يَضُرّهم ويُتعسهم (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف للشرح والتفصيل) .. فمَيَّزَهم سبحانه بكل ذلك عن كل المخلوقات الأخرى وصاروا مُؤَهَّلين بحَقٍّ لأنْ يكونوا خلفاء له في كوْنه (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿30﴾ ، ﴿31﴾ من سورة البقرة " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. " ، " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا .. " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) .. وبالجملة فقد أعطاهم تعالي من فضله وكرمه ورحمته وحبه لهم كل الإمكانات لكي يُحسنوا الانتفاع بهذا الكوْن الذي سَخَّره لهم ليُحقّقوا تمام المنفعة والسعادة .. فليشكروه إذَن وليعبدوه أيْ يُطيعوه وحده بلا أيّ شريكٍ باتِّباع كل أخلاق إسلامهم ليَسعدوا في دنياهم ثم في أخراهم التي خَلَقَ لهم فيها إذا أحْسَنَوا في حياتهم جنات بها من كل النعيم الخالد مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشر .. لكنْ مع ذلك الخير كله أيها الناس وغيره مِمَّا لا يُحْصَيَ " .. فَمِنكُمْ كَافِرٌ .. " أيْ فمنكم مَن يكون لا يُصَدِّق بوجوده تعالي ولا برسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ويفعل الشرور والمَفاسد والأضرار والتعاسات !! بكامل حرية اختيار إرادة عقله بلا أيِّ إكراهٍ مِن أحد !! فهل هناك مِن سَفَهٍ وحُمْقٍ بعد هذا إذ يختار التعاسة في الداريْن علي تمام السعادة فيهما ؟!! والسبب في ذلك أنه قد عَطّل عقله بالأغشية التي وضعها عليه وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. لكنْ في المقابل قطعا هناك الكثير والكثير مِمَّن يُحسن استخدام عقله ويستجيب لنداء الفطرة بداخله فيُؤْمِن " .. وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ .. " أيْ مُصَدِّق بكل ما سَبَقَ ذِكْره متمسّك عامل بكل أخلاق إسلامه يَنال تمام السعادة في دنياه وأخراه (برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) .. لقد كان الواجب عليكم جميعاً أن تكونوا مؤمنين لا كافرين شاكرين للنِعَم لا ناكرين لها لكنكم لم تفعلوا رغم تَمَكّنكم من ذلك بما أعطيناه لكم من إمكانات !! .. هذا ، وتقديم الكافر علي المؤمن لأنه الأنسب للتأنيب الذي يحمله ضِمْنَاً سياق الآية الكريمة فلعل ذلك يُنَبِّه ويَسْتَفِزّ ويُوقِظ عقول الناسِين التائهين .. " .. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿2﴾ " أيْ وتذكّروا دوْما أنه سبحانه بصيرٌ علي الدوام بكلّ أعمالكم وأقوالكم أيْ يراها ويعلمها بتمام الرؤية والعلم ، وبالتالي سيُجازي حتما بكل علمٍ وبكل عدلٍ ودون أيّ ذرّة ظلمٍ أهل الخير بكل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم وأهل الشرّ بكل ما يستحقّونه فيهما مِن كل شرٍّ وتعاسة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم .. فاختاروا إذَن أن تكونوا من المؤمنين لا الكافرين وأحْسِنوا كلّ كلامكم وتَصَرّفاتكم دائما لتسعدوا في الداريْن
ومعني " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿3﴾ " أيْ خلقهما – بكلّ ما فيهما مِن مخلوقاتٍ مُعْجِزَةٍ مُبْهِرَةٍ – بالحقّ ، أي بكلّ حِكْمَة ودِقَّة ودون أيّ عَبَثٍ وعلي أكمل وجهٍ يَحِقّ أن تُخْلَق عليه بما يُناسب عظمته وقدرته سبحانه ، ومِن أجل الحقّ أي لكي يُعْرَف تعالي وتُعْرَف خيراته ويَنتفع ويَسعد بها خَلْقه ، ولكي تسير بالحقّ أي بالعدل أي بالإسلام لأن خالقها هو الحقّ ، تعالي عمَّا يُشركون عُلُوَّاً كبيرا .. " .. وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .. " أيْ وخلقكم بعقولكم وأجسادكم علي أحسن وأنفع وأنسب صورة مَضبوطة مُتَنَاسِقَة تُعينكم علي تمام الانتفاع والسعادة بكلّ الخيرات حولكم والتي هي كلها أرزاق منه لكم .. " .. وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿3﴾ " أيْ وإليه وحده لا إلي غيره المَرْجِع في الآخرة فيُجازيكم علي الخير خيرا وسعادة وعلي الشرّ شرَّاً وتعاسة وبالتالي فاجتهدوا في فِعْل كل خيرٍ وتَرْك كل شرّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم لتسعدوا في الداريْن
ومعني " يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿4﴾ " أيْ أنَّ الله تعالي مِن تمام قُدْرته وعلمه يعلم كل شيءٍ ظاهِرٍ أو خَفِيٍّ عن كل مخلوقاته في كل كوْنه في أيِّ زمانٍ ومكانٍ .. " .. وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ .. " أيْ وأيضا وحتما يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه ما تُخفون أيها الناس بداخل عقولكم مِن خيرٍ أو شرٍّ وما تَنْوُون فِعْله منهما ، وما تُظهرون من أقوالٍ وأعمال خيرية أو شَرِّيَّة سواء بمفردكم أم مع غيركم ، فلا يَخْفَيَ عليه قطعا أيّ شيءٍ من أيٍّ مِن خَلْقه ، وسيُحاسبكم علي كلّ هذا في الداريْن بالخير خيرا وسعادة وبالشرِّ شَرَّاً وتعاسة ، بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فانتبهوا لذلك إذَن وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿4﴾ " أي وهذا مزيدٌ من التأكيد لِمَا سَبَقَ ذِكْره أنه لا تَخْفَيَ عليه سبحانه أيّ خافِيَة ويعلم السرّ وما هو أخْفَيَ منه ، فهو عليم تمام العلم بكل ما بداخل البَشَر وعقولهم وفِكْرهم وكل أقوالهم وأعمالهم العَلَنِيَّة والخَفِيَّة ، وسيُجَازِي أهل الخير بالخيرٍ والسعادة وأهل الشرّ بما يستحِقّونه من الشرٍّ والتعاسة بكمال عدله .. هذا ، ولفظ " عليم " يُفيد المُبَالَغَة – والذي يعني كثير العلم التامّ الشامل – وذلك عند الحديث عمّا بداخل العقول ليكون الناس شديدي الحَذَر بأنْ يفعلوا كل خيرٍ ويتركوا كل شرٍّ وأنَّ حسابهم يوم القيامة سيكون بتمام العلم والدِّقّة والعدل حيث خالقهم يعلم عنهم كلّ شيءٍ بكلّ تفاصيله
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿5﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿6﴾ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿7﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يأخذون الدروس من التاريخ السابق وينتفعون بما فيه ، فما فيه من خيرٍ فعلتَ مثله بما يُناسبك وازددتَ منه وطوَّرته وسَعِدَتَ به ، وما فيه من شرٍّ تجنّبته تماما فلا تَتْعَس به مثل تعاسة السابقين ، فالتاريخ يحمل عِبَراً ودروسا وعظات وخبرات هائلة يمكنك تحصيلها والاستفادة منها في أوقات قليلة .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿5﴾ " أيْ هل لم يَصِل إلي عِلْمكم وتَعْلموا وتتأكّدوا أيها الناس ، والاستفهام والسؤال للتقرير أيْ لكي يُقِرّوا هم بذلك ، أيْ قد جاءكم وعَلِمتم خَبَرَ الذين كفروا سابقا مِن قبل زَمَنكم أمثال قوم نوح وعاد وثمود ومَن بعدهم مِن الرسل الكرام الذين قصص هلاك المُكَذّبين مِن أقوامهم معروفة يتناقلها الكثيرون منكم – حيث تَذَوَّقوا وتَجَرَّعُوا وَبَالَ أيْ شدّة حالهم السَّيِّء إذ كفروا أيْ لم يُصَدِّقوا بوجود الله ولا برسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وأشركوا أيْ عبدوا غيره كصنمٍ أو كوكبٍ أو نحوه ونافَقوا أي أظهروا الخير وأخفوا الشرّ وفَعَلوا الشرور والمَفاسد والأضرار واعتدوا علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، تَذَوَّقوا عذاباً في الدنيا بدرجةٍ من الدرجات وصورةٍ من الصور ، إمَّا مُبَاشِرَاً مِن الله تعالي بفيضانات أو زلازل أو صواعق أو أوْبِئَة أو نحوها (برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ ، وإمَّا بهزيمتهم علي أيدي المسلمين بعوْنه وفضله وقوّته ونصره .. " .. وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿5﴾ " أيْ ولهم حتما في الآخرة – إضافة إلي ما نالوه من عذابات الدنيا المتنوّعة – عذاب مُوجِع مُهِين مُتْعِس لا يُوصَف ، علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم .. فاعْتَبِر إذَن يا مَن تريد الاعتبار ولا تفعل أبداً مِثْلهم لتسعد في الداريْن ولا تتعس فيهما
ومعني " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿6﴾ " أيْ ذلك الذى أصابهم المَذْكور والمَوْصوف في الآية السابقة (برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني﴾ هو بسبب أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالآيات البَيِّنات أيْ الدلالات الواضِحات القاطِعات الدامِغات التي تُثبت صِدْقهم وأنهم من عند الله تعالي وأنه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة أي الطاعة وأنَّ دينه الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها ، سواء أكانت هذه الآيات مُعجزات تُؤَيِّد صِدْق هؤلاء الرسل الكرام أم آيات في الكوْن حولهم أرشدوهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في كتبه وآخرها القرآن الكريم تُتْلَيَ وتُقْرَأ عليهم فيها أخلاقيّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وَجْه .. " .. فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا .. " أيْ فما كان منهم – بَدَلاً أن يُحسنوا استخدام عقولهم ويستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) ويُسلموا ليسعدوا في الداريْن – إلاّ أن قالوا لرسلهم ولمَن حولهم وفيما بينهم على سبيل التكذيب والعِناد والاستكبار والاستهزاء والزَّوَغَان والتَّعَجُّب والاسْتِبَعاد لحدوث مثل هذا الأمر أبَشَرَ يهدوننا إلى الصواب والخير والسعادة ؟!! إنَّ هؤلاء الرسل ليسوا إلا من البَشَر مثلنا وليسوا مثلا ملائكة أو لهم فضل علينا بل نحن أفضل منهم من حيث المال والمَكَانَة ونحو ذلك ! ولم يُنزل الله أيَّ تشريع ليُوصلوه لنا ولو أراد إرسال تعاليمه وإرشاداته ووصاياه لكان أرسلها مع ملائكته أو مع مَن هو أكرم وأرفع شأنا منهم مثلنا أو مَن يشبهنا ! فهم إذَن كاذبون !! إنَّ أمر هؤلاء هو الذي يستحِقّ التَّعَجُّب والاسْتِغْراب ! لأنّ إرسال رسول من بين البَشَر لهم هو من رحمة الله تعالي بالبَشَرِيَّة ليكون من بينهم ويعرفونه فيَثقون به وبحُسن خُلُقه ويُطَبِّق الإسلام أمامهم عمليا فيَسهل عليهم هم أيضا تطبيقه بينما لو كان مَلَكَاً لاسْتَثْقَلَ بعضهم الأمر علي اعتبار أنَّ المَلَك له قدْرات تُمَكنه من تطبيقه أمّا البَشَر فلا يُمكنهم التطبيق ! إنهم لو كان جاءهم رسول من الملائكة لَطَلَبوا رسولا من البَشَر !! وكذلك لو كان رجلا عظيما لقالوا أنَّ ما جاءهم به من الإسلام هو من عند فِكْره العظيم وليس وَحْيَاً من ربه !! فالأمر إذَن ليس في إرسال رسولٍ مِن البَشَر أو الملائكة أو يكون قويا أو ضعيفا أو ما شابه هذا وإنما في مُرَاوَغتهم وتكذيبهم وعِنادهم واستكبارهم ! لقد تَرَفّعوا واستكبروا أن يَتَّبعوا رسولا من البَشَر ولم يَتَأَفّفوا أن يكونوا عابدين لأصنامٍ وأحجارٍ وأبقارٍ وغيرها !! .. إنهم ما قالوا وفعلوا كل ذلك إلا بسبب الأغشية التي التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا .. " أيْ وبذلك لم يُصَدِّقوا بوجود الله ولا برسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، وتَوَلّوْا أيْ أعطوا ظهورهم لرسلهم والتفتوا وانصرفوا وابتعدوا عنهم وعن الإسلام وتركوهم وتركوه وأهملوه بصورةٍ فيها تكذيبٍ وعِنادٍ واستكبارٍ واستهزاءٍ بما يُفيد إصرارهم التامِّ علي ما هم فيه من فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار .. " .. وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿6﴾ " أيْ وقد استغني الله تعالي بكمال سُلطانه ومُلْكِه التامّ حتما عن كل شيءٍ بما في ذلك إيمانهم وطاعتهم !! فلا تنفعه طاعتهم ولا يحتاج إليها قطعا ولا تَضرّه معصيتهم شيئا ، بل هم الخاسرون التعساء بكل تأكيد في الداريْن ، وقد أظهر استغناءه عنهم بأنْ عذّبهم وأهلكهم ولو كان يحتاج إليهم لَمَا فَعَلَ ذلك وإنما كان يَتركهم لحاجته إليهم يوما ما !! فهو تعالي يُخاطبنا بالأسلوب الذي تفهمه عقولنا ! .. إنه سبحانه بالقطع غَنِيّ حَمِيد ، أيْ هو وحده كامل الغِنَيَ لا يحتاج لأيّ شيءٍ بل له كل السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وهو الذي يُغْنِي كلّ خَلْقه ، ولن يتأثّر مُلكه بأيّ شيءٍ حتي ولو كفر الناس جميعا ! وهو حَمِيد أي المحمود المُسْتَحِقّ للحمد دوْما مِن كل خَلْقه علي كل نِعَمه ورحماته وتيسيراته وتشريعاته حتي ولو لم يحمده أحدٌ وسواء حَمَدَه الحامدون أم كفره الكافرون ، وهو أيضا كثير الحمد والشكر للمُحسنين فيزيدهم في مُقابِل إحسانهم القليل إحسانا وخيرا كثيرا ، فتكون أمور دنياهم كلها محمودة مشكورة حَسَنَة النتائج سعيدة النهايات ، ثم يكون لهم في أخراهم ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد
أمَّا معني " زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿7﴾ " أيْ ادَّعَيَ ويَدَّعِي كذبا وزُورَاً دَوْمَاً الذين كفروا أيْ كذّبوا بوجود الله ورسله وكتبه وحسابه وعقابه وجنته وناره أنهم لن يُبعثوا أبدا أيْ لن يُحييهم الله مرة أخري بأجسادهم وأرواحهم مِن قبورهم بعد كوْنهم ترابا يوم القيامة لحسابهم فهو أمر كذب مُسْتَبْعَد مُستحيل !! وهم لذلك يفعلون ما يشاؤون من شرور ومَفاسد وأضرار حيث لا حساب ولا عقاب !! .. " .. قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ .. " أي قُل لهم يا رسولنا الكريم ، ويا كلّ المسلمين مِن بعده ، قولوا لهم رَدَّاً عليهم : بَلَيَ ، والتي تُفيد نَفْيَ نَفْيِهِم ، وأقْسِموا بربكم أي مُرَبِّيكم ورازقكم وراعيكم ومُرشدكم لكلّ ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم في دنياكم وأخراكم ، أنَّ الأمر ليس كما زعمتم بل إنكم – والجميع – ستُبْعَثون ، وليس ذلك وفقط ، بل وستُخْبَرُون بكل ما عملتم وقلتم في حياتكم الدنيا مِن سوءٍ سواء صغر أم كبر خَفِيَ أم ظَهَر .. وفي هذا تهديدٌ وتحذيرٌ شديدٌ لهم لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ليسعدوا في الداريْن قبل فوات الأوَان وحُدوث التعاسة فيهما .. " .. وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿7﴾ " أيْ وذلك البَعْث والحساب بكلّ دِقّةٍ وتفصيلٍ وأدِلّةٍ علي كل قولٍ وعملٍ والجزاء عليه بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلمٍ هو عليه تعالي أمر سهل لا يبذل فيه جهدا حيث هو قادر علي كل شيء يقول للشيء كن فيكون كما يريد بتمام قُدْرته وكمال علمه ، ومَن خَلَق الخَلْق أول مرة سبحانه مِن عدمٍ قادر وأهْوَن عليه أن يُعيده مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يُخاطبنا بما تفهمه عقولنا ! .. فليُحْسِن إذَن كل عاقل الاستعداد لهذا اليوم بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكلّ أخلاق الإسلام
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجِعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البَيَان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿8﴾ " أي إذا كان الأمر كما ذُكِرَ لكم أيها الناس في الآيات السابقة (برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني﴾ مِن تمام قُدْرة الله تعالي وكمال علمه والبعث يوم القيامة والحساب والعقاب في الداريْن وتمام الخير والسعادة فيهما للمؤمنين والشرّ والتعاسة للكافرين ، فآمِنوا إذَن بالله أيْ صَدِّقوا بوجوده وبرسله الكرام وخاتمهم الرسول الكريم محمد ﷺ وبالنور الذي أنزله معهم أيْ الكتب التي فيها كل إرشاد للخير لكم وآخرها القرآن العظيم والذي هو نور يكون سَبَبَاً لهداية البَشَر ، أيْ لإرشادهم لكلّ خيرٍ وسعادة ، بأنْ يُنير لعقولهم طريقهم في الحياة ، ولولا هذه الإنارة – إضافة لفطرة الخير بعقلهم – لَمَا أمكنهم التمييز بين الخير والشرّ والصواب والخطأ ، وذلك حتي يسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿122﴾ من سورة الأنعام " أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا .. " ، ثم مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) .. " .. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿8﴾ " أيْ وتذكّروا دوْماً أنَّ الله عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بما تعملونه وتقولونه كله سواء في سِرِّكم أو علانيتكم لا يَخْفَيَ عليه شيء وسيُحاسبكم علي ذلك بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة في الداريْن بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فأحْسِنوا إذن العمل دائما وافعلوا كلَّ خيرٍ واتركوا كلّ شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿10﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنتَ مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ علي الدوام (برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، وذلك من خلال التمسّك بكل أخلاق الإسلام (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، وسيَدْفعه أيضا لأنْ يُحْسِن طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) .. وستَسعد كثيرا إذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني العبادة﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ " أيْ اذْكُر وذَكِّر مَن حولك يا كل عاقل لكي تَتَّعِظوا وتُحسنوا الاستعداد ، اذكروا يوم الجَمْع ، يوم القيامة ، يوم يَبعث الله تعالي الخَلْق جميعا منذ آدم ﷺ وحتي نهاية الحياة الدنيا بأجسادهم وأرواحهم مِن قبورهم بعد كوْنهم ترابا ويُخبرهم بكل ما عملوا وقالوا في دنياهم ليُحاسبهم عليه بتمام العدل بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة حيث قد حَصَره وجَمَعه وحَفِظه سبحانه تمام الإحصاء والحفظ وسَجَّله في كتبٍ خاصة بكل واحد منهم بكل دِقّةٍ ، فانْتَبِهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ .. " أيْ ذلك اليوم ، يوم القيامة ، هو بحقٍّ يوم الغَبْن ، أيْ يوم تمام الخسارة والخديعة الشديدة للمُكذّبين والمُعانِدين والمُستكبرين والمُستهزئين والظالمين والفاسدين ومَن يُشبههم حيث يُصْدَمون ويُفاجأون يومها أنهم قد انخدعوا بصفقةٍ خاسرةٍ تماما إذ باعوا سِلْعة عظيمة خالدة لا تُوصَف وهي الآخرة واشتروا سلعة أخري ليس لها أيّ قيمة بالنسبة إليها خَسِيسَة حَقيرة رَديئة فانِيَة وهي الدنيا ودفعوا فيها أغلي ما يملكون وهي حياتهم وأعمارهم كلها حيث أنفقوها وأضاعوها في الشرور والمفاسد والأضرار ، وهذه الصَّدْمَة الهائلة ذات الحَسْرة التي لا ينفع معها أيّ نَدَم تَحْدُث حينما يرون أنَّ المؤمنين الذين عملوا في دنياهم بأخلاق إسلامهم قد فازوا بكل خيرٍ وسعادة بينما هم لم يحصلوا علي أيِّ شيءٍ مِن هذا بل لهم كل شرّ وعذاب وتعاسة .. " .. وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .. " أيْ ومَن يُصَدِّق بوجود الله وبرسله وكتبه وحسابه وعقابه وجنته وناره ويعمل صالحا أي يتمسّك بكل أخلاق إسلامه فتكون كل أقواله وأعماله ما استطاع في كلّ خيرٍ من غير أيّ شرٍّ ولو فُرِضَ وفَعَله تاب منه سريعا وأوَّلاً بأوَّل ، فمثل هؤلاء بالقطع يُكَفِّر عنهم ما فعلوه مِن أيّ سَيِّئات أيْ شرور ومَفاسِد وأضرار أيْ يَسترها ويَمحوها ويزيلها ولا يُحاسبهم ويُعاقبهم عليها لكثرة توبتهم منها وعودتهم إليه سبحانه ، ويُدخلهم أيضا يوم القيامة جناتٍ من بساتين وقصور فخمة تجري أسفل منها كلّ الأنهار المُبْهِجَة من الماء العذب واللبن وكل المشروبات اللذيذة المُسْعِدَة يَعيشون في نعيمها الذي لا يُوصَف مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر خالدين بلا أيّ نهاية ولا أيّ نقصان أو تغيير أو تحوّل عنها أو تَرْك لها .. " .. ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ " أيْ ذلك كله الذي أعطيناهم إيَّاه هو بكلّ تأكيدٍ أعظم فوزٍ يُمكن تحقيقه والذي لا يُقَارِبه أيّ فوزٍ آخر وليس بعده أيّ فوزٍ أعظم وأكبر منه حيث هو تمام الخَلاَص مِن كل شرٍّ وتعاسةٍ والتحصيل لكلّ خيرٍ وسعادة .. وكل ذلك بالقطع هو إضافة لأسعد حياة دنيوية عاشوها بسبب إيمانهم بربهم وعملهم بكل أخلاق إسلامهم إذ كانوا في نور الإيمان ، نور الإسلام ، حيث كلّ صوابٍ منه تعالي ورعايةٍ وأمنٍ وحب ورضا ورزق وعوْن وتوفيق وقوة ونصر وسرورٍ
ومعني " وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿10﴾ " أيْ وبعد أنْ ذَكَرَ تعالي حال السعداء في دنياهم وأخراهم يَذْكُر حال التعَساء فيهما ليكون ذلك أشدّ تأثيرا في العقول لأنه بالضِّدِّ تَتَمَيَّز الأشياء فيَدْفع هذا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ لأنْ يُحْسِن الاختيار باتِّباع كل أخلاق الإسلام ليسعد تمام السعادة في الداريْن .. أيْ والذين لم يُصَدِّقوا بوجود الله وبرسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، وكذّبوا بآياته أيْ دلالاته علي تمام قُدْرته وعلمه سبحانه وأنه المُسْتَحِقّ وحده للعبادة أي الطاعة بلا أيّ شريك ، سواء أكانت آياته في الكوْن في كل مخلوقاته المُعْجِزَة المُبْهِرَة حولهم أم آياته في كتبٍ تُتْلَيَ عليهم وآخرها القرآن العظيم والتي فيها أخلاقيَّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وجهٍ أم مُعجزاتٍ علي يدِ رسلهم لتأكيد صِدْقهم ، هؤلاء المَذكورون المَوْصُوفون بتلك الصفات السيئة ومَن يَتَشَبَّه بهم هم حتما المُسْتَحِقّون لأن يكونوا أصحاب النار الشديدة الاشتعال التي لا تُحْتَمَل ، أي مُلّاكُها بكل ما فيها مِن عذابٍ لا يُمكن تَخَيّله المُصاحِبين المُلازِمين لها والذين يُقيمون فيها خالدين أيْ لا يُخْرَجُون منها أبدا إلي ما شاء الله بلا تغييرٍ ولا تناقصٍ بل في تزايُدٍ وتَنَوّع علي حسب أعمالهم كجزاءٍ في مُقابِل ما كانوا يعملونه في دنياهم من شرور ومَفاسد وأضرار .. وذلك بَعد التعاسة التي كانوا فيها حتما في حياتهم الدنيا بسبب بُعْدهم عن ربهم وإسلامهم .. " .. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿10﴾ " أيْ وما أسوأ هذا المَرْجِع والمستقبل والمَصِير الذي يَصِيرون إليه وهو النار
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿11﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الصابرين أي الثابتين الصامدين المُستمِرِّين بكل هِمَّة علي تمسّكهم بربهم وإسلامهم فيفعلون كل خير ويتركون كل شرّ وإن أصابتهم فتنةٌ ما أيْ اختبارٌ أو ضَرَرٌ ما صبروا عليه واستعانوا بربهم ولجأوا إليه ليخرجوا منه مستفيدين استفادات كثيرة في دنياهم وأخراهم (برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿11﴾ " أيْ ليس هناك أيّ شيءٍ أو حَدَثٍ يحدث صغر أم كبر في الكوْن كله من خيرٍ مُفْرِح مُسْعِدٍ وهو الغالب أو شَرٍّ مُحْزِنٍ مُتْعِسٍ وهو الأقل كما نَبَّه تعالي لذلك بقوله " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " ﴿البقرة : 155﴾ حيث لفظ " بشيء " يُفيد أنَّ الإصابة والاختبار بالشيء الصعب أو الضرر في الحياة الدنيا هو يسير جدا نسبة إلي الخير الكثير الذي فيه الخَلْق رحمة وكرما وفضلا من خالقهم الكريم (برجاء مراجعة الآية الكريمة لتكتمل المعاني﴾ ، إلا إذا أساء الناس أحيانا في بعض فترات حياتهم فغَلَّبوا الشرَّ علي الخير .. أيْ ما يَحدث مِن مصيبةٍ في الكوْن عموماً ومنه الأرض كسيولٍ أو زلازلٍ أو نحوها ، أو في أنفس البَشَر كمرضٍ وفقر وفقدان أحِبَّة بموتٍ أو ما شابه هذا ، إلا بأمر الله وإرادته وعلمه وما كَتَبَه لهم ، ليَخرجوا منه مُستفيدين استفاداتٍ كثيرة في دنياهم وأخراهم (برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ من سورة التوبة " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .. ثم مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن فوائد الصبر وسعاداته في الدنيا والآخرة لمن يصبر علي اختبارٍ أو ضَرَرٍ ما أصابه .. ثم مراجعة الآية ﴿111﴾ من سورة آل عمران " لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى .. " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، وكله مُسَجَّل ومُثْبَت في علم الله في اللوح المحفوظ عنده لا يتغيّر مُطلقا ولا يتأخّر أو يتقدّم عن موعده ، مِن قبل أن يخلق الأنفس والحياة بكل مخلوقاتها وتقديراتها ، وكل ذلك سواء الخَلْق أو كتابة التقديرات وأنظمة الحياة ونحوها سهل مَيْسُور عليه تعالي لتمام علمه وقُدْرته فهو القادر علي كل شيء الذي يقول له كن فيكون كما يريد .. هذا ، وقد خَصَّ سبحانه المصائب بالذكر دون المَسَرَّات لأنَّ الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا وكثيرا ما يكون إحساسه بها وإدراكه لآثارها أشدّ من إحساسه وإدراكه للمَسَرَّات .. ثم هو سبحانه من رحمته قد أخبر الناس مْسبقا بهذا حتي يستعدوا فلا يحزنوا علي أيِّ شيءٍ من رزقٍ ما يفوتهم فلا يمكنهم تحصيله لسببٍ ما حُزْنَاً يُقْعِدهم عن مواصلة الحياة والتغلّب علي بعض صعابها والاستفادة من التعامُل معها والصبر عليها والاستفادة منها خبرات واستفادات كثيرة ، أو يُقعدهم ويُبعدهم عن اللجوء إلي الله الخالق الكريم المُعين القادر علي كل شيء ودعائه والتوكّل عليه مع إحسان اتِّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة المُتَاحَة المُبَاحَة لا المُحَرَّمة (برجاء مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل) ، أو يُوقِعهم في شَرٍّ ما كسوءِ تَعَامُلٍ معه تعالي بنسيانِ فضله وعوْنه ودعائه ورفض تقديراته في كوْنه ويَجعلهم يُسِيئون لأنفسهم ومَن حولهم بالاستسلام للمصيبة وما شابه هذا مِمَّا يُتعسهم .. إنه قد فاتهم هذا الرزق الذي كانوا يسعون إليه ولم يحصلوا عليه لأنَّ الله لم يكتبه لهم لحكمةٍ ما يستفيدون منها عاجلا أو آجلا سواء عَلِمُوها وقتها أو بعد حين .. وكذلك أخبرهم مُسبقا حتي لا يفرحوا ويسعدوا بما أعطاهم فَرَحا يُنسيهم شكره ويجعلهم يَغْتَرّون ويَنخدعون بما عندهم ويظنون أنه من ذواتهم وأنه لا تغيُّر ولا زوال له ويتكبّرون علي الآخرين فيتباغَضون ويتصارَعون ويتعسون ، فهو سبحانه الذي يَسَّرَ لهم أسبابه وأعانهم عليه ووَفّقهم له ومن المُمكن إزالته عنهم بأهَوْن سبب إذا أساءوا استخدامه في شَرٍّ لا خير ، فلينتبهوا إذَن لذلك ولا ينسوه .. إنَّ الفرح والسرور بخيرات الله وشكرها يكون باستخدامها في نفع وإسعاد النفس والغير وهو الأمر الذي يَطلبه الإسلام ويُحَقّقه لمَن يعمل بكل أخلاقه .. إنه بهذا الإخبار المُسْبَق لهم بهذه الأمور سيكونون دائما مُنْتَبِهين مُستعدين لها وتَقْوَيَ إرادة عقولهم لمواجهتها والاستفادة منها والهداية بها وبنتائجها ، فباستعدادهم لكل المُتغيّرات سيعيشون كل حياتهم مُتَوَازِنين حُكَماء يسعدون بالخير الكثير ويُعَالِجون الشرّ القليل إذا حَدَث بما يُفيدهم ويُسعدهم هم ومَن حولهم فيسعدون تمام السعادة في دنياهم ثم لهم أجورهم العظيمة في أخراهم علي حُسن التصرّف أثناء الخير أو الشرّ .. إنَّ مَن عَلِمَ ذلك بتَدَبّر وتعقّل وتعمّق ، وهذا هو دائما حال المسلم الذي يجتهد في التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامه ، هَانَت عليه المصائب إذا حَدَثَت واطمأنّ تماما لكل تقديراته تعالى وكان دوْما بعوْنه صبورا عند الشدائد وشكورا عند المَسَرَّات فيَسعد بذلك في دنياه وأخراه ، بينما مَن لم يَتَخَلّق بخُلُق الإسلام فإنه يتخبَّط في الخوف والقَلَق إذا أصابته أيّ مصيبة ويتكبّر ويتعالَيَ ويتفاخَر علي الآخرين إذا جاءه خيرٌ مَا فيَخرج عن الاتِّزان والحكمة في الحالتين ويَتعس في الداريْن وهو تعالي لا يحب كل متكبِّر مُتَعَالٍ يفتخر ويتباهَيَ ويتعالَيَ علي الناس بما عنده فيؤذيهم ويتعسهم بأقواله وأفعاله ، ولا يشكره بل ينسبه إلي مهارته هو ولو أحسن شكره لَمَا فَعَلَ ذلك معهم ولَأَحْسَنَ استخدامها بنفع نفسه ونفعهم ، ومَن لا يحبه سبحانه لا يستشعر بل يفقد رعايته وأمنه وحبه ورضاه وعوْنه وتوفيقه ونصره وإسعاده في دنياه وأخراه .. إنه يحب مَن كان متواضعا شاكرا له .. هذا ، ويُرَاعَيَ أنَّ الحزن المعتدل عند حدوث الضرر لا يُخْرِج عن صفة الصبر ولا يُقَلّل ثوابه لأنه من المشاعر الإنسانية في العقل وقد سَمَحَ به سبحانه ووضعه في خَلْقه لمصلحتهم ليتراحَموا فيما بينهم وليعلموا قيمة ما هم فيه من سعادة غالبة يعيشونها إذ بالضِّدِّ تتميّز الأشياء وليكون حافزا لهم للانطلاق مرة أخري نحو الخير والتشبّث به دوْما مستقبلا دون أيّ تفريط .. أمّا إنْ زادَ الحزن عن حَدِّ التوسّط والاعتدال ووَصَل لمرحلة الجزع والخوف والإحباط واليأس والوقوع في الأخطاء والتقاعُس عن الإيجابية والإقدام لمقاومة هذا الحزن ولعلاج أسبابه وأخطائه والعودة سريعا لكل خير فقد خرج مَن يفعل ذلك عن صفة الصبر والصابرين ولابُدّ سيَشقي ويتعس بصورةٍ من الصور ودرجةٍ من الدرجات في الدنيا والآخرة .. هذا ، وليس المقصود من الآية الكريمة قطعا عدم اتِّخاذ الأسباب المُمكِنَة المُتاحَة المُبَاحَة حيث كلّ شيءٍ قد تمَّ تسجيله وانتهي الأمر فلماذا العمل إذَن ؟! وذلك لأنَّ ما سَجَّله الله في كتابه علي البَشَر قبل أن يخلقهم لا علم لهم به ! ثم ما سَجَّله عليهم هو لأنه سبحانه يعلم المستقبل ، وما تَمَّ تسجيله وسيُحَاسَبون عليه في آخرتهم ما هو إلا الذي سيَختارونه هم طوال حياتهم الدنيا بكامل حرية إرادة عقولهم ولم يُكرههم هو تعالي عليه ، فلْيُحسنوا إذَن اختيار القول والعمل في كل خيرٍ بلا أيِّ شَرٍّ لينالوا سعادة الداريْن .. " .. وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ .. " أيْ ومَن يُصَدِّق بوجود الله وبرسله وكتبه وحسابه وعقابه وجنته وناره ويعمل صالحا أي يتمسّك بكل أخلاق إسلامه فتكون كل أقواله وأعماله ما استطاع في كلّ خيرٍ من غير أيّ شرٍّ ولو فُرِضَ وفَعَله تاب منه سريعا وأوَّلاً بأوَّل ، فمِثْل هؤلاء بالقطع سيَهدي قلوبهم أيْ عقولهم إلي كل الطرق المُوَصِّلَة إليه تعالي ، أي سيُيَسِّر لهم ويُوَفّقهم ويُسَدِّد خُطاهم نحو كلّ حقٍّ وعدلٍ وخيرٍ وسعادةٍ في دنياهم وأخراهم ، من خلال تيسيرِ وحبِّ التمسّك بكل أخلاق الإسلام في كل أقوالهم وأعمالهم ، وسيزيدهم حِرْصَاً علي كل ذلك واجتهادا فيه وحُبَّاً له ﴿لمزيدٍ من الشرح والتفصيل برجاء مراجعة أيضا الآية ﴿17﴾ من سورة محمد " وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ " .. ثم مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في أمر الهداية لله وللإسلام ، في الآية ﴿253﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ من سورة آل عمران﴾ .. هذا ، ومن المعاني أيضا لهداية القلب أيْ العقل وما به مِن مَشاعِر أنه عند نزول مصيبة مَا فإنه سبحانه برحمته وكرمه يُعينه تماما علي أن يَهدأ ويَطمئنّ ويَسْكُن ويُوَفّقه لذلك ويُيَسِّر له أسبابه فيَرْضَيَ ويَسعد بصبره وأجره الذي ينتظره في دنياه وأخراه ، بينما غير المؤمن ومَن يَبتعد عن ربه وإسلامه يضطرب ويَتعس وينهار بدرجةٍ من الدرجات كما يثبت الواقع ذلك كثيرا .. " .. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿11﴾ " أيْ والله كثير العلم أي يعلم بعلمٍ ليس بعده علم أكثر منه كلّ شيءٍ تُظهرونه أو تُخفونه فلا تَخْفَيَ عليه خَافِيَة في الكوْن كله .. فانتبهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجِعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البَيَان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدَيَ كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿12﴾ " أيْ أطيعوا ونَفّذوا أيها الناس ما وَصَّاكم به الله والرسول الكريم ﷺ مِن التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام وداوِموا واستَمِرّوا علي ذلك طوال حياتكم لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿12﴾ " أيْ فإن استجبتم فلكم كل الخير والسعادة فيهما وإنْ تَوَلّيْتم أيْ أعطيتم ظهوركم لرسولكم الكريم ﷺ والْتَفَتّم وانصرفتم وابتعدتم عنه وعن الإسلام وتركتموه وأهملتموه بصورةٍ فيها تكذيبٍ وعِنادٍ واستكبارٍ واستهزاءٍ بما يُفيد إصراركم التامِّ علي فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار فلكم كل الشرّ والتعاسة فيهما ، فليس مهمَّة الرسول إلا البلاغ المُبِين ، أي التبليغ والتوصيل والتذكير المُبَيِّن للإسلام الذي أوحاه إليه ربه ، أي التبليغ الواضح الذي يُبَيِّن أين الصواب من الخطأ وأين الخير من الشرّ وأين السعادة من التعاسة ، فإنْ فعَلَ ذلك وفعَلَ المسلمون الدعاة مِن بعده هذا – وكل مسلم هو داعي إلي الله والإسلام بما يستطيع – فقد أدّوا ما عليهم من حُسن دعوة غيرهم بكل قدوة وحكمة وموعظة حسنة (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، وليتحمَّل المُكذّبون إذَن نتيجة تكذيبهم ، لا يتحمّلها عنهم رسلهم الكرام ولا المسلمون الدعاة مِن بعدهم ، وليطمئنّوا ولا يشعروا بتقصيرٍ ما نحو مدعويهم ، ولا يتأثروا بهم ، بل يستمرّوا في دعوة غيرهم ، بل ودعوتهم هم أيضا لكن بما يناسبهم من أسلوبٍ وتوقيتٍ لعلهم يستفيقون يوما ما ويعودون لربهم وإسلامهم ليسعدوا في دنياهم وأخراهم ، وليس عليهم أكثر من ذلك ، فليس هناك إكراه علي الهداية أو ضغط منهم عليهم بصورةٍ ما ، كما أنهم ليسوا هم الذين سيُحاسبونهم بل الله تعالي الذي يعلم المُستجيب مِن المُخَالِف .. وفي هذا تهديدٌ وتحذيرٌ شديدٌ للمُخَالِفين لكي يستفيقوا قبل فوات الأوان
اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿13﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ متمسّكا عاملا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافِعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة (برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿13﴾ " أيْ الله لا مَعْبُودَ يَستحِقّ العبادة والطاعة لنظامه وهو الإسلام إلا هو وحده سبحانه فأَخْلِصوا وأَحْسِنوا عبادته أيها الناس (برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، وعليه وحده فَلْيَعتمد إذَن المؤمنون أيْ المُصَدِّقون بوجوده وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره تمام الاعتماد وهو حتما سيكفيهم كفاية تامّة ولن يحتاجوا قطعا غير ذلك أو أفضل منه أنَّ الله تعالي خالقهم القوي المتين القادر علي كل شيء الودود المُحِبّ لهم الرحيم بهم هو وكيلهم ، أيْ الحافظ لهم المُدافِع عنهم ، فهل يحتاجون وكيلا آخر بعد ذلك ؟!! فليكونوا دائما من المتوكّلين أيْ المُعتمدين عليه سبحانه مع إحسان اتِّخاذ الأسباب المُمْكِنَة المُتَاحَة المُبَاحَة لا الحرام ، وليطمئنوا اطمئنانا كاملا وليستبشروا ولينتظروا دائما كل خير ونصر وسعادة في دنياهم ثم أخراهم .. وعلي غير المؤمنين المَحْرومين من سعادة وأمن هذا التوكّل التُّعَسَاء البُؤَسَاء أن يُسارعوا بالإيمان ليسعدوا هم أيضا في الداريْن
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿15﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالك طوال يومك (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ دوْماً مُتمسّكا عامِلا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المُحسنين لطَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – انْتَبِهوا تماما أنَّ هناك البعض مِمَّن هم أقرب الناس إليكم ، كالأزواج مع زوجاتهم والزوجات مع أزواجهنّ والآباء مع أبنائهم والأبناء مع آبائهم ومِن الأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء وغيرهم – وليس الكل قطعا إذ منهم الكثير والكثير مِمَّن يُعين علي طاعة الله واتِّباع الإسلام والاستعداد للآخرة كما يُثبت الواقع ذلك – مَن قد يكون عدوا لكم ، بقصدٍ حيث لا يريد لكم الخير ويُعاديكم في تصرّفاته كالأعداء لسببٍ مِن الأسباب ، أو بغير قصدٍ حيث قد يشغلونكم عن أن تكونوا أثناء كل شئون حياتكم دائما من الذاكرين الله كثيرا في كل أحوالكم طوال يومكم باستحضار نوايا حَسَنَة داخل عقولكم (برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ أو عن أن تكونوا أثناءها ودَوْماً في طاعةٍ لله فتَقَعُوا في فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار وتُخَالِفوا أخلاق الإسلام بعضها أو كلها أو ما شابه هذا .. " .. فاحْذَرُوهُمْ .. " أيْ فكونوا علي حَذَرٍ تامٍّ دائمٍ منهم أنْ يُوقِعُوكم في مُخَالَفَةٍ وشرٍّ ما أو يُنْسُوكم خيراً ما ، حبا فيهم وإرضاءً ومُجَارَاةً لهم ونحو ذلك لأنهم قريبين منكم مُحَبَّبين إليكم ، وإلا وبسبب مُخَالَفَاتكم هذه من أجلهم سيكون لكم درجة ما مِن درجات العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أوضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة سيكون لكم كل ألمٍ وكآبة وتعاسة ، بسبب أفعالكم السَّيِّئَة إذ مَن يَزرع سوءا لابُدَّ أن يحصد سوءا كما نَبَّه لذلك تعالي بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿الإسراء : 7﴾ ، ثم في الآخرة سيكون لكم حتما ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ .. " .. وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾ " أيْ هذا توجيهٌ وإرشادٌ من الله للتسامُح بين الجميع والذي يُحَقّق لهم الحب والتآلف والتراحُم والتآخِي والتصافِي والتعاون والتقارُب والتيسير ، وكلها صفات إسلامية مُسْعِدَة هي حجر الأساس للمجتمع ولو تمسَّكَ بها الناس لتَرَابَطوا وازدادوا قوة وتطوّروا وارتقوا وسَعِدوا في دنياهم سعادة تامَّة ثم أتمّ وأعظم وأخلد في أخراهم ، بينما لو انتشرت بينهم رغبة الانتقام فإنها ستُشْغِل الأذهان وتُرْبكها وتُؤذيها وتضيع الجهود والأوقات وتُبَاعِد بين الجميع وتفقدهم صفات الخير السابق ذِكْرها فيَتصارعون فيَضعفون فيَتعسون في الداريْن .. أيْ وإنْ تعفو عن بعضكم البعض أيْ تتركوا العقاب علي خطأٍ مَا بعد تصميمكم علي توقيعه ، وتَصفحوا أيْ وإضافة لذلك تتركوا حتي مجرد اللّوْم ، وتَغفروا أيْ تَسْتُروا الخطأ وتُخفوه كأنه لم يُفْعَل وغيره من الأخطاء ، فإنَّ الله حتما سيُعاملكم بمِثْل ما عملتم وأعظم بما يُناسب كرمه وفضله فيَعفو بسَخَاءٍ عن سيئاتكم ويصفح ويغفر لأنه غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ .. إنَّ هذا النوع من العداوة لا يُقَابَل بمثله وإلا ازداد وصعب السيطرة عليه وانتشر وأتْعَس ولكن بالعفو والصفح والغفران فهو أفضل علاج يُخَفّفه ويُذْهِبه مع الوقت بحُسن التعامُل فيعود الجميع لربه ولإسلامه فيسعدون ، فلا يُفْهَم إذَن من الحَذَر من أمثال هؤلاء أنه يعني الغِلْظَة والشدّة معهم !! (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿34﴾ من سورة فُصِّلَت " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل)
ومعني " إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿15﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي ما سَبَق ذِكْره في الآية السابقة وتعميمٌ له ، أيْ انتبهوا تماما واحذروا : ليس الأموال والأولاد وكل أحداث الحياة إلا اختبار لكم يحتاج إلي حُسن تعامُلٍ معه لِيَرَيَ ويُقَيِّم كلّ فردٍ ذاته هل اتَّبَعَ الإسلام في كل مواقف ولحظات حياته أم لا ؟ فإن اتَّبَعَه كله في كل مواقفها سَعِدَ تمام السعادة في دنياه ثم أخراه ، وليَحمد ربه ليُثيبه ويزيده ، وإنْ تَرَكَ بعضه أو كله تَعِسَ فيهما علي قَدْر ما يترك ، فليجتهد أن يَتَدَارَك حاله ويتمسّك ويعمل به كله لتتمّ سعادته فيهما .. هذا ، وإنْ كان الاختبار في صورةِ ضَرَرٍ مَا فلْيَصْبِر عليه ليَخرج منه مستفيدا استفادات كثيرة (برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. " .. وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿15﴾ " أيْ وتَذكّروا دوْماً ولا تَنسوا أبداً أنَّ الله عنده عطاء عظيم في الداريْن من فضله وكَرَمه الذي لا يُحْصَيَ حيث كل خيرٍ وأمن وسعادة في الدنيا ثم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر في الآخرة وذلك لمَن أطاعه واتَّبَعَ إسلامه ولم يُخَالِفه في كل شئون حياته ، فكونوا إذَن كذلك لتنالوا هذا الثواب العظيم
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿16﴾ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴿17﴾ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿18﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَّقين أي الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كنتَ دوْماً مُتمسّكا عامِلا بكل أخلاق إسلامك (برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المُنْفِقين الذين يُنفقون مِمَّا رزقهم الله بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاتهم ومَن حولهم وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم
هذا ، ومعني " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿16﴾ " أيْ إذا علمتم أيها المؤمنون ما سَبَقَ ذِكْره في الآيات السابقة فاتقوا الله إذَن حَقَّ تُقاته ما استطعتم ، أيْ كونوا من المتقين أيْ الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. كونوا من المتقين لله حقّ تُقاته أيْ بما يُناسب جلاله وعظمته تعالي ، فتفعلوا كل خير وتتركوا كل شرّ ، أيْ تتمسّكوا بكل أخلاق إسلامكم وتُدَاوِموا علي ذلك مُسْتَصْحِبين نوايا خيرٍ بعقولكم في كل قول وعمل أنكم تطلبون حبه ورضاه ورعايته وأمنه وتوفيقه وسداده ورزقه وسعادته في الدنيا ثم ما هو أعظم وأتم وأخلد في الآخرة ولا تطلبوا أيّ سُمْعَة أو جاهٍ أو ليراكم الناس فيقولون عنكم كذا وكذا من المدح الكاذب المُضِرّ أو ما شابه هذا من صور الرياء ، وإنْ فعلتم شرَّاً بصورةٍ استثنائية فعودوا لفطرة عقولكم الخيرية سريعا لتعود لكم سعادتكم التامّة ولا تتعكّر كثيرا بالاستمرار علي هذا الشرّ ، فأنتم بهذا تكونون من المتقين لله حقّ تُقاته .. لكن كونوا كذلك ما استطعتم ، أيْ قَدْر طاقتكم وإمكاناتكم ، أيْ بما تستطيعون فِعْله من خيرٍ لأنَّ الخير ليس له حدود – أمّا الشرّ فيُتْرَك قطعا بالكامل تماما ولا تَجْزِئة فيه لأنَّ أيّ جزء منه هو شرّ كما قال ﷺ " ما نهيتكم عنه ، فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم .. " ﴿جزء من حديث رواه البخاري ومسلم﴾ – لأنه تعالي من رحمته وحبه لخَلْقه وتيسيره لهم لإسعادهم فَسَّرَ وحَدَّدَ حَقَّ تُقاته الذي ذَكَرَه في الآية ﴿102﴾ من سورة آل عمران " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ .. " بما قاله هنا في هذه الآية الكريمة " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. " والمُسْتَطَاع هو الذي لا مَشَقَّة عند أدائه بل يُؤَدَّيَ بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ وابتهاج وسعادة ، وهذا هو ما يُوصِي به الإسلام لأنه يُعين علي الاستمرارية والمُدَاوَمَة كما يُفهم ضِمْنَاً من قوله ﷺ " أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أَدْوَمَها وإنْ قَلّ " ﴿رواه مسلم﴾ ، وهذا هو أيضا ما يُوافق تعريف الوُسْع في قوله تعالي " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .. " ﴿البقرة : 286﴾ والذي يعني أن تعمل كلَّ عملِ خيرٍ بصورةٍ متوسطةٍ مُعْتَدِلَةٍ بحيث يبقَيَ لك بعده جزءا مَوفورا ومُتَّسَعَاً من الجهد ، ولا يكون استفراغ واستخدام كل الجهد إلا في حالاتٍ استثنائية مثل حالات الاعتداء علي الإسلام والمسلمين وما شابهها فإذا انتهت عادت حالة الوُسْع أيْ التَّوَسُّط والاعتدال .. " .. وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا .. " أيْ واجتهدوا في الاستماع بتَعَقّل وتَدَبّر لكلام الله في قرآنه العظيم ولكلام رسوله الكريم ﷺ في سُنَّته الكريمة وأطيعوا ذلك دوْماً ولا تُخالفوه أبداً بأن تفعلوا كل خير وتتركوا كل شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم في كل شئون حياتكم والتي فيها كل ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ .. " أيْ وكونوا دائما مِن المُنْفِقين الذين يُنفقون مِمَّا رزقهم الله بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاتهم ومَن حولهم وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم .. فإنْ فعلتم كل ذلك كان خيراً لأنفسكم حتما في الداريْن وإن لم تفعلوه كان شرَّاً لكم فيهما .. " .. وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿16﴾ " أي ومَن يَحفظ نفسه من الشُّحّ – وهو البُخْل الشديد أيْ عدم الإنفاق من كل أرزاق الله التي لا تُحْصَيَ كالمال والجهد والفكر والوقت وغيره في أيّ خير – بأنْ يُحسن استخدام عقله ويَتَّبع خُلُقَاً من أخلاق الإسلام وهو الكَرَم فيُنفق بتَوَسُّطٍ واعتدال في كل وجوه الخير المُمْكِنَة المُتعدِّدة التي تُسعد النفس والآخرين ، فإنْ فَعَلَ ذلك فسيساعده ربه حتما ويوفّقه ويُيَسِّر له مزيدا منه ويَقِيه الشّحّ تماما ويصبح كريما .. فهؤلاء حتما هم الذين يُفلحون وينجحون ويربحون ويفوزون وينتصرون في دنياهم وأخراهم فلاحا ونجاحا وربحا وفوزا ونصرا عظيما لا يُقارَن بشيء
ومعني " إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴿17﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التشجيع علي الإنفاق في كل وجوه الخير وتأكيدٌ علي ما سَبَقَ ذِكْره بما يُفيد الحَثَّ على الكرم والعطاء .. أيْ إن تُعطوا مِمَّا تملكون من أموالٍ وأرزاقٍ وجهودٍ ونحوها لله بأن تنفقوه في سبيله أيْ في كلِّ وجوه الخير المُفيدة المُسْعِدَة لكم ولغيركم ، حرصاً ورَجَاءً أنْ يُعَوِّضكم بأكثر مِمَّا أنفقتم ، فكأنكم تُقْرِضونه سبحانه وتَنتظرون منه أن يَرُدَّ لكم ما أقرضتموه إيّاه ! والقَرْض الحَسَن هو ما كان حلالا أيْ نافعا مُسْعِدَاً لا حراما أيْ مُضِرَّاً مُتْعِسَاً ويكون بحبٍّ ورضا لا بِكُرْهٍ وإجبارٍ ويَتَّصِف بالإخلاص والإحسان (برجاء مراجعة معاني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ويكون بِتَوَسُّطٍ واعتدالٍ وبما يُناسب الحال من حيث المقدار والجودة فلا يُؤْخَذ الرديء ليُنْفَق ويُوَجَّه إلي أفضل الوِجْهَات حسبما تقتضيه الظروف والأحوال ولا يُتْبَع بأذيً مَا قوليٍّ أو فِعْلِيٍّ ونحو هذا من صفاتٍ حَسَنَة يَطلبها الإسلام .. هذا ، ومِن كَرَم الله تعالى أنْ سَمَّيَ الإنفاق قَرْضَاً وأعطي أجورا مُضَاعَفَة عليه رغم أنَّ الأموال والأرزاق بكل أنواعها هي أمواله وأرزاقه والجميع عباده سبحانه الكريم الوَهَّاب ! وهذا تكريمٌ للإنسان ورَفْعٌ لشأنه حيث جَعَله من أصحاب العِزَّة والكَرَم واليد العُليا وتشجيعٌ له وزيادةٌ لهِمَّته ليُنْفِق أكثر وأكثر ليُعَوَّض من أفضال الله ونِعَمه التي لا تُحْصَيَ بما هو أعظم في دنياه وأخراه .. وهذا خطابٌ للناس علي قَدْر عقولهم بما يَفهمونه .. " .. يُضَاعِفْهُ لَكُمْ .. " أيْ فإنه يَرُدّهُ لكم أضعافا كثيرة لا تُحْصَيَ ، وهذا العطاء المُضَاعَف هو طيِّب عظيمُ الشأنِ فَخْمٌ هائلٌ لا يُوصَف ولا يُقَدَّر بمقدار بما يُناسِب كَرَمه وعظمته تعالي ، وعلي قَدْر جَوْدَة القَرْض الحَسَن وإتقانه والصدق فيه ومنافعه ودَوَامه ونحو ذلك ، ويكون لكم في دنياكم حيث تنالون كل خيرٍ وسعادة ، ثم في أخراكم بنَيْلِكم أعلي درجات الجنات حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر .. " .. وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴿17﴾ " أيْ وأيضا كل ذلك سيكون في إطار رحمة الله التي وَسِعَت كلّ شيءٍ مُتَمَثّلة في كلّ خير وسرورٍ دنيويٍّ ثمّ كلّ غفران وعطاءٍ أخرويّ حيث سيَغفر لكم ذنوبكم بتوبتكم إليه بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لأنه تعالي غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أيْ كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ ، ولأنه أيضا شكور أي كثير الشكر أي يَقبل القليل من عمل الخير ويُعطي عليه العظيم من العطاء من كل أنواع الخير والسعادة في الدنيا والآخرة أضعافا كثيرة بما يُناسب كرمه وعظمته وبما يدلّ علي عظيم شكره الشديد لمَن يَفعل أيّ خير حتي ولو كان قليلا ليكون تشجيعا له علي الاستمرار فيه والزيادة منه فتزداد بذلك سعادة فاعله في الداريْن ، حليم أي كثير الحلم أيْ شديد طويل الصبر أيْ لم يُسارِع بالعقوبة لأيّ أحدٍ قبل الإرشاد والتعليم ، ومِن حِلْمه ألاّ يُعاقِب أحداً فوريا بما صَدَرَ منه وما أصَرَّ عليه عقله من الشرّ بل يتركه لفتراتٍ لمراجعة ذاته ليعود إليه وإلي إسلامه ليسعد في الدنيا والآخرة
ومعني " عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿18﴾ " أيْ وهو وحده سبحانه عالمٌ بتمام العلم بكل ما غابَ عن إدراك الخَلْق وحَوَاسِّهم ، سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا يعلمونه أم من المستقبل ، وبالقطع يعلم الشهادة أي ما هو مُشَاهَد مُدْرَك للحَوَاسّ ، وهو أمر مَنْطِقِيّ ولكن ذَكَرَه تعالي حتي لا يتَوَهَّمَ أحد أنه يعلم الغيب فقط ! .. " .. الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿18﴾ " أي وهو وحده لا غيره الغالِب القاهِر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو لا يُمَانَع فلن يَمنعه عمّا يريد فِعْله أيّ مانِع ، وهو في كلّ أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كلّ أمرٍ في مَوْضِعه الصحيح تماما دون أيّ عَبَث
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿2﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿3﴾ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴿4﴾ ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴿5﴾ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ﴿6﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يَجتهدون ما استطاعوا في ألاّ يَصِلُوا إلي مرحلة الطلاق بل يُحْسِنون مُعامَلة أزواجهم ويَحرصون تماما علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم ، فإنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن أسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا (برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾ " أيْ يا رسولنا الكريم ويا كل المسلمين إذا أردتم أن تُطَلّقوا زوجاتكم اللاتي دخلتم بهنّ واسْتَحَالَ التوافق بينكم وحَلّ خلافاتكم بالتفاهم والحوار وأصبح الطلاق هو أخفّ الأضرار فتَمَهَّلوا ولا تَتَعَجَّلوا في انفعالكم وحَكِّموا عقولكم وكونوا مُنْضَبِطين في هذا الأمر العظيم الذي يؤثر سَلْبَاً بدرجةٍ ما من درجات التعاسة والألم وتعويق الانطلاق في الحياة عليكم وعلي أبنائكم ومَن حولكم والمجتمع كله .. هذا ، ولفظ " إذا " يُفيد أنَّ الطلاق أمر استثنائي وليس هو الأصل لأنَّ الإسلام يكرهه أشدّ الكراهية لما فيه من أضرار وتعاسات ، ولذا يحاول أن يُقَلّل من أضراره ويأخذ بالأخفّ منها دون الأشدّ ويضع من الضوابط والقواعد والأسباب ما يعين علي إنهائه وتجاوزه وعودة الحياة لطبيعتها وأفضل ليعود الاستقرار وتعود السعادة بعد الاستفادة من خبراته ومراجعة أحداثه ، وإذا اسْتَحَالَت الحياة الزوجية السعيدة بين الطرفين ولم يَبْقَ حلّ إلا الطلاق فليكن إذَن سهلا سَلِسَاً بأقل خسارة مُمْكِنَة .. من هذه الضوابط أنه إذا قمتم بالطلاق " .. فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ .. " أيْ لِطُهْرِهِنَّ أيْ في فترة طُهْرِهِنَّ لا في فترة حَيْضِهِنَّ ، أيْ إنْ كانت الزوجة حائضا فانتظروا فلعل الانتظار يكون خيرا ويعود الهدوء وينقضي سبب الخلاف والذي في الغالب ما يكون تافها انفعاليا يزول مع الوقت وبحُسن التعامُل بعده وبتذكّر الخير الكثير السابق بينكم قبله ، كذلك لو كانت طاهرة لكن حَدَث جماع فانتظروا أيضا حتي يتبَيِّن هل وَقَعَ حَمْلٌ أم لا فإنْ حَمَلَت فتَمَهَّلوا قبل الطلاق حرصا علي مولودكم الذي لا ذنب له أن يتحمّل خلافاتكم .. هذا وإنْ طلقها وهي حائض فإنَّ الطلاق يقع عند كثير من العلماء – وعند بعضهم لا يقع – لكنه يَأْثَم لسوء تصرّفه وستَضيع عليه خيرات التَّمَهُّل والتَّعَقّل والتَّثَبُّت .. " .. وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ .. " أيْ وقوموا بالإحصاء والعَدِّ الدقيق لبداية العِدَّة ونهايتها وهي أن تحيض ثلاث حيضات وذلك حتي لا يكون في عدم إحصائها إطالة للوقت على المُطَلَّقَة وضَرَر لها بمنعها من الزواج بعد انتهائها أو نقص في مُدَّتها لا يتحقّق به هدف التأكّد من بَرَاءة رحمها من الحمل حفظا للأنساب حتي لا يُنْسَب مولود إلي غير نَسَبه وما في ذلك من أضرارٍ مجتمعية يثبتها الواقع أو أن تكون حاملا فتكون عِدَّتها حينئذ حتي تضع حملها .. " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ .. " أيْ في ذلك الذي ذُكِرَ لكم وفي كل شيءٍ وفي كل وقتٍ وحال ، أيْ كونوا دوْمَاً من المُتَّقين أيْ الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، واجعلوا دائما بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية بفِعْل كلّ خيرٍ وتَرْك كل شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامكم .. " .. لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ .. " أيْ ومِن علامات تقواكم لربكم ألاّ تُخْرِجوا المُطَلّقات غضبا عليهنَّ أو بإكراهنَّ من مساكنهنَّ التي طُلِّقْنَ فيها فهي بيوتهنَّ كذلك كما هي بيوتكم ولا يَخرجْنَ هُنَّ أيضا منها من تِلْقَاء أنفسهنّ – إلاّ لحاجة من الحاجات مطلوبة ثم يَرْجِعْنَ – وذلك حتي تنتهي فترة العِدَّة وهي الحيضات الثلاث ، وبهذا يُتَاح لكل طرفٍ مراجعة ذاته وتصويبها وتَسْهُل العودة بينهما إذا أرادا بينما يصعب الأمر لو افترقا تماما دون معاملةٍ بينهما بخروجها من البيت .. إنَّ هذا البقاء في بيتها يُسَهِّل ويُعَجِّل بإنهاء الطلاق ومراجعتها خلال هذه الفترة دون عقدٍ جديدٍ أو مَهْرٍ وإنْ جامَعَها خلالها فقد عادت تلقائيا أمَّا إنْ انْقَضَت فترة العِدَّة وأراد إعادتها فلابُدَّ من عقدٍ ومهرٍ جديدين وكل ذلك من أجل تشديد الطلاق لا تسهيله والحَذَر أشدّ الحذر من الإقدام عليه إلا للضرورة القُصْوَيَ .. " .. إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ .. " أيْ إلاّ إذا فَعَلْنَ فِعْلَة مُنْكَرَة ظاهِرَة مُبَيِّنَة أىْ مُوَضِّحَة لمَن تبلغه أنها فاحشة لشدّة قُبْحها كالزنا مثلا أو استخدام الفاحِش البَذيء من القول أو الفِعْل الذي لا يُمكن تَحَمّله أو ما شابه هذا فيُمكن إخراجهنّ حينها حيث هو دلالة علي استحالة الحياة معهنّ .. " .. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ .. " أيْ وهذه التشريعات والأخلاقيات والنّظُم والوصايا التي نوصيكم بها هي حدود الله تعالي أيْ الحواجز التي علي الناس ألاّ يَتَخَطّوها لأنَّ تَعَدِّيَها وتجاوزها يُوقعهم فيما هو مُحَرَّم عليهم أيْ في الشرور والمَفاسد والأضرار التي تضرّهم وتتعسهم في دنياهم وأخراهم .. " .. وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ .. " أيْ ومَن يتجاوَز حواجِز الله تعالي ولم يَقِف عندها فقد ظلم نفسه قطعا أي أضاع نصيبها من الخير وأتعسها في الداريْن حيث أكْسَبَها إثما وعَرَّضَها لعقوبة الله بما يناسب شروره ومَفاسده وأضراره حيث في دنياه سيَنال درجة ما من درجات العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة ما فيه ألم وكآبة وتعاسة ، ثم في أخراه سيكون له حتما ما هو أعظم وأتمّ وأشدّ عذابا وتعاسة .. " لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾ " أيْ هذا ترغيبٌ فى التمسّك والعمل بالأخلاقيات السابقة بعد الترهيب من تركها ، وهو دعوة إلى فتح باب المصالحة بين الرجل وزوجته وعدم السير فى طريق الفراق والطلاق حتى نهايته .. أى اتَّبِع أيها المسلم أخلاق الإسلام التي أرشدناك إليها فى حياتك الزوجية وتَمَهَّل وتَعَقّل وتَدَبَّر ولا تُغْلِق باب المصالحة بينك وبينها بل اجعله دائما مفتوحا فإنك لا تدرى لعل الله تعالى يُحْدِث بعد ذلك الخلاف الذي وقع بينكما أمرا نافعا مُسعدا لكما لا يتوقّعه أحد بأنْ يُحَوِّل الرغبة في الطلاق والغضب والكُرْه والبُعْد والخِصام إلي رغبةٍ تامَّةٍ في العودة ورضيً وحبٍّ وقُرْبٍ ووفاقٍ دائم ، لأنَّ تقليب المشاعر بداخل العقول هو بيَدِ خالقها سبحانه وليس بعيدا حتما عن قُدْرته تعالي وهو القادر علي كل شيءٍ تحويلها لكل هذا الخير لمَن استعان به وأحسن اتِّخاذ أسباب ذلك
ومعني " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿2﴾ " أيْ فإذا قارَبَت المُطَلّقات علي انتهاء عِدَّتهن – وليس إذا انتهت العِدَّة بالفِعْل لأنه بنهايتها لم يكن الزوج مُخَيَّراً بين الإمساك والفراق وإنما أصبحت مُطَلّقَة ويَفْتَرِقا – فحينئذ عليكم تحديد موقفكم من أمر الطلاق وأنتم بالخيار فإمّا أن تحافظوا عليهنّ كزوجات وتتراجعوا عن هذا الطلاق ويكون التراجُع بمعروفٍ أيْ بحُسن مُعامَلة كما يُوصيكم الإسلام وليس لمجرد إيذائهنّ بعدم تركهنّ لحالهنّ ، وإمّا أن تفارقوهنّ بمعروفٍ أيْ من غير سبٍّ ولا سوءِ تَصَرّفٍ ولا إكراهٍ لهنّ على أخذ شيءٍ من مالهنّ بل بكل خيرٍ وسَلاسَة وإعطاءٍ لحقوقهنّ إذا كان لهنّ باقِ مهرٍ وإعطائهنّ إن استطعتم مبلغا من المال يُسَمَّي في الإسلام المُتْعَة التي يعطيها الزوج لمُطَلّقته التي تعايَشَا معا في خيرٍ سابقا لفتراتٍ لكي تتمتع به ويكون تَرْضِيَة وتسلية لمشاعرها بعد انكسارها بالطلاق علي حسب الاستطاعة بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ وبما هو مُتَعَارَف عليه في العُرْف الصحيح بين الصالحين فذلك من الإحسان وحُسن الخُلُق ، وسيَرزق الله كلاكما من فضله وكرمه مَن هو أفضل لكلٍّ منكما فلستما مناسبان لبعضكما ولم تستطيعا التقارُب والتَّكَيّف معا .. " .. وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ .. " أيْ وأشهدوا عند المُرَاجَعَة لأزواجكم وعند المُفَارَقَة لهنّ رجلين تتوفّر فيهما العدالة والاستقامة ، لأنَّ الإِشهاد يمنع التنازُع والشكّ ونحوه ، ولذلك يُفَضَّل فِعْله لهذه المنافع ، لكنْ يَقع الرجوع أو الفراق حتي دون إشهاد أحد .. " .. وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ .. " أيْ وعليكم أيها المسلمون عند أدائكم للشهادة أن تُؤَدّوها بكل عدلٍ وصدقٍ وأمانةٍ بلا أيّ كتمانٍ ولا زيادةٍ أو نقصانٍ وأن تكون نواياكم بداخل عقولكم خالصة لنَيْل ثواب الله تعالى وخيره في الداريْن في مُقابِل طاعته بالقيام بها ولا تُخالِفوا الحقيقة أبدا مُراعاة لقَرَابَةِ قريبٍ مثلا أو مَحَبَّة محبوب أو نحو هذا .. " .. ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. " أيْ ذلك كله الذي نُشَرِّعه لكم ونُوصِيكم به هو من أجل أن تَتَّعِظوا به وتتدبَّروا فيه وتستفيدوا بدروسه فلا تفعلوا شراً يضرّكم ويُتعسكم بل كلَّ خيرٍ فتَصْلُحوا وتَكْمُلوا وتَسعدوا في دنياكم وأخراكم .. لكنْ فقط الذين سيَتَّعِظون بذلك وسيَستمعون سَماع تَعَقّل وتَدَبُّر وسيَعقلون وسيَتَدَبّرون وسيَعملون وسيَلتزمون به هم الذين يؤمنون والذين أنتم منهم بالقطع أيْ يُصَدِّقون بوجوده سبحانه وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ويُتَرْجِمون هذا الإيمان بالعمل بكل أخلاق الإسلام – وفي هذا إلهاب للمَشَاعِر وتَحفيز ليكونوا كلهم كذلك وليَتنافسوا في سرعة الاستجابة ليسعدوا – وذلك لأنهم هم الذين قد أحسنوا استخدام عقولهم واستجابوا لنداء الفطرة بداخلها (برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، أمّا غيرهم مِمَّن يُعَطّلون عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، فإنهم قطعا لا يَتَّعِظون !! .. " .. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿2﴾ " أيْ ومَن يكن دائما في كل وقتٍ وحالٍ في كل قولٍ وعملٍ مِن المُتَّقين لله أيْ الذين يَتجنَّبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، ومِن الذين يجعلون دوْمَاً بينهم وبين غضبه وعذابه وقاية بفِعْل كلّ خيرٍ وتَرْك كل شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامهم .. " .. يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿2﴾ " أيْ يجعل له علي الدوام خروجا وفَرَجَاً ونجاةً وراحة وتَوْسِعَة وتيسيراً من أيّ مأزقٍ وضيقٍ وشدّةٍ في دنياه وأخراه
ومعني " وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿3﴾ " أيْ وليس فقط يجعل له مَخْرَجَاً وإنما أيضا يُسَيِّر ويُيَسِّر له أسباب كل أنواع الأرزاق من كلّ خيرٍ وأمنٍ وفوزٍ وسعادةٍ في الداريْن من طُرُقٍ لم يَحْسب لها أيّ حسابٍ ولم يكن يتوقّعها ويتصوّرها ولم تكن تَخطر على بَالِه وفاقَت كلّ تَخَيُّل يمكن أن يَصِلَ إليه فِكْره ، لأنَّ أبواب رزقه سبحانه لا يعلمها أحدٌ إلا هو .. " .. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ .. " أيْ ومَن يعتمد علي الله وحده فهو كافِيه فى جميع أموره ، لأنه تعالي بالِغ أمره أيْ يَصِل إلي ما يريده كله بالقطع بكمال قُدْرته وعلمه دون أيّ مانع يمنعه وذلك بمجرد أن يقول له كن فيكون كما يريد .. وهذا حتما يكفي المسلم كفاية تامّة ولن يحتاج قطعا غير ذلك أو أفضل منه أنَّ الله تعالي خالقه القوي المتين القادر علي كل شيء الودود المُحِبّ له الرحيم به هو وكيله ، أيْ الحافظ له المُدافِع عنه ، فهل يحتاج وكيلا آخر بعد ذلك ؟!! فليكن كل المسلمين جميعا دائما من المتوكّلين أيْ المُعتمدين عليه سبحانه مع إحسان اتِّخاذ الأسباب المُمْكِنَة المُتَاحَة المُبَاحَة (برجاء مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، وليَطمئنوا اطمئنانا كاملا وليَستبشروا وليَنتظروا دائما كلّ خيرٍ ونصرٍ وسعادةٍ في دنياهم ثم أخراهم .. " .. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿3﴾ " أيْ ولكنَّه تعالي قد جعل كلّ شيءٍ في هذا الكوْن بتقديرٍ حكيمٍ وبعلمٍ شاملٍ وبقُدْرةٍ تامَّةٍ وبنظامٍ وتصريفٍ دقيقٍ ليس فيه أيّ عَبَث أو خَلَل ، مِن أجل نَفْع الخَلْق وسعادتهم التامَّة في دنياهم وأخراهم .. كذلك فإنَّ تَحَقّق نتائج الأسباب التي يَتَّخذها الناس وتيسيرها أو مَنْعها تكون بالأسلوب وفي التوقيت المُقَدَّر والذي هو حتما لمصلحتهم ولسعادتهم في الداريْن .. فلا يَستعجل إذَن مَن يتوكّل علي الله شيئاً ما ولا يَسْتَبْطِئ حُدُوثه ويَيأس منه وإنما يكون دائما مُسْتَبْشِرَاً سعيدا لأنه ينتظر دَوْمَاً في أيّ وقتٍ كل خيرٍ مِن خالقه الكريم الوهاب .. كذلك عند حُدُوث عذابٍ مَا بمَن يستحِقّه فإنه يكون أيضا بالمِقْدار وفي التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا لعقوبته في الدنيا ثم في الآخرة .. إنَّ كل تشريعات الله تعالي في الإسلام ، وكل تقديراته في كوْنه ، مُقَدَّرَة تقديرا بكل تأكيدٍ أيْ مَوزونة اتّزانا ومُحْكَمَة إحكاما ومَحْسوبة حسابا دون أيّ عَبَثٍ وبكل تمامٍ وكمال ، ولابُدّ أن تتحقّق وتَقَع في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا من أجل مصلحة خَلْقه وإسعادهم ولا يستطيع أيّ أحدٍ أن يمنعها أو يُغَيِّرها (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿37﴾ من سورة الأحزاب " .. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا " ، لتكتمل المعاني وتَثبت وتتأكّد﴾ .. إنَّ كلَّ ما سَبَقَ ذِكْره هو من معاني هذه الفقرة من الآية الكريمة
أمَّا معني " وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴿4﴾ " أيْ وأمَّا النساء الكبيرات المُتَقَدِّمات فى السِّنِّ واللائى فَقَدْنَ الأمل فى الحَيْض ، أي لم يَعُدْنَ يَحِضْن .. " .. إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ .. " أيْ إنْ شَكَكْتم هل يوجد عندهنّ حيض أم لا ، سواء أكان لِكِبَر سِنٍّ أو لمرضٍ مثلا أو ما شابه هذا ، فعِدَّتهن تحسب بالأشهر لا بعَدَد الحَيْضات لأنهنّ لا يَحِضْنَ أو حيضهنّ غير مُنْتَظِم أو هو مُشْتَبَه فيه هل هو حيض أم دم لسبب آخر أو هي صغيرة السِّنّ لم تَحِض بعد أو كانت تحيض ثم انقطع عنها حيضها لسببٍ من الأسباب أو نحو هذا ، فتكون عِدَّتهنّ في مثل هذه الأحوال ثلاثة أشهر لا ثلاث حيضات كما هو الحال في الآية ﴿1﴾ .. " .. وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .. " أيْ وصاحبات الأحمال أيْ النساء الحَوَامِل نهاية مدة عِدَّتهنّ أنْ يَلِدْنَ ما فى بطونهنّ من حمل ، لأنه ليس هناك ما هو أدَلّ على براءة الرحم من وَضْع الحَمْل .. " .. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴿4﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي التقوي لعظيم أهميتها حيث كل خيرٍ وسعادةٍ في الداريْن .. أيْ ومَن يَخف الله تعالي ويُنَفِّذ وصاياه وتشريعاته ويجتهد في العمل بكل أخلاق إسلامه يُيَسِّر له حتما كل أموره وأرزاقه وتمسّكه بأخلاق الإسلام وتعاملاته مع جميع الخَلْق فتكون حياته كلها سَهْلَة سَلِسَة سعيدة تماما في دنياه ثم أخراه
ومعني " ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴿5﴾ " أيْ ذلك الذي ذُكِرَ لكم من الأحكام السابقة في هذه السورة الكريمة – ومِن كل وَصَايَاه وتشريعاته تعالي في الإسلام – هو أمر الله أيْ حُكْمه وشَرْعه ونظامه الذي بَعَثَه ووَضَّحَه وبَيَّنَه لكم أيها الناس مع رسله الكرام وآخرهم رسولنا الكريم محمد ﷺ في كُتُبه وآخرها القرآن العظيم لتَعملوا به لتَسعدوا تمام السعادة في الداريْن .. " .. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴿5﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من التأكيد علي التقوي لعظيم أهميتها حيث كلّ خيرٍ وسعادةٍ في الداريْن .. أيْ ومَن يَخف الله تعالي ويُنَفّذ وصاياه وتشريعاته ويجتهد في العمل بكل أخلاق إسلامه فمِثْل هذا حتما يُكَفّر عنه ما فَعَله مِن أيّ سَيِّئات أيْ شرور ومَفاسِد وأضرار أيْ يَسترها ويَمحوها ويزيلها ولا يُحاسبه ويُعاقبه عليها لكثرة توبته منها وعودته إليه سبحانه ، فيحيا بذلك كل حياته في إطار رحمة الله التي وَسِعَت كلّ شيءٍ مُتَمَثّلة في كلّ خير وسرورٍ دنيويٍّ ثمّ كلّ غفران وعطاءٍ أخرويّ .. " .. وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴿5﴾ " أيْ ويُعطيه أعظم الأجر في الآخرة حيث يُدْخِله أعلي درجات الجنات التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر .. وكلّ ذلك بالقطع هو إضافة لأسعد حياة دنيوية عاشها بسبب إيمانه بربه وعمله بكل أخلاق إسلامه إذ كان في نور الإيمان ، نور الإسلام ، حيث كلّ صوابٍ منه تعالي ورعايةٍ وأمنٍ وحب ورضا ورزق وعوْن وتوفيق وقوة ونصر وسرورٍ
أمَّا معني " أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ﴿6﴾ " أيْ هذا تأكيدٌ لِمَا سَبَقَ ذِكْره من عدم إخراجهن من بيوتهن ولا يخرجن هُنَّ مِن تِلْقاء أنفسهن ، وهو تطبيق عمليّ للتقوي المطلوبة عند التعامل فيما بينهما ، أيْ اجعلوا للمطلقات في فترة العِدَّة سَكَنَاً ومكانا من مكان سَكَنِكُم في البيوت التي تسكنونها ، مِن وُجْدِكم أيْ مِن وُسْعِكم أيْ مِمَّا تُطيقونه وقَدْر إمكانكم ولا يصعب عليكم ، وهذا أيضا لعموم الزوجات وليس للمطلقات فقط بحيث يتساويان في أسلوب المعيشة ولا يُفَضِّل ذاته عليها بل يحصل كلاهما علي احتياجاته بما يناسب ولو كان هناك أكثر من زوجة يعدل بينهن وينفق عليهن بما يَكفيهن .. " .. وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ .. " أيْ ولا تُؤْذوهنّ بأيّ صورةٍ من صور الضرَر والإيذاء بالقول أو بالفِعْل في السكن أو النفقة أو المعاملة أو أيّ شيء ، لكى تُضَيِّقوا وتُصَعِّبوا عليهن حياتهن بحيث تُجبرهن علي الخروج من البيت أو التنازُل عن حقوقهنّ أو نحو هذا .. " .. وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .. " أيْ وإنْ كان نساؤكم المُطَلّقات صاحبات حملٍ أيْ حَوَامِل فأنفقوا عليهن في عِدَّتهنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلهن ، وتَمَّ تخصيص ذوات الأحمال بذِكْر النفقة مع أنها لكل مُطَلّقة في فترة عِدَّتها حتي لا يَتَوَهَّم أحدٌ مخطئا أنَّ النفقة تنتهي بما يعادل فترة عِدَّة غير الحامل .. " .. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ .. " أيْ فإنْ أرادَت المُطَلّقات أن يُرْضِعْنَ لكم أولادهنّ منكم بأجرٍ فأعطوهنّ أجورهنّ .. " .. وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ .. " أيْ هذا حَضّ منه سبحانه للآباء وللأمهات وللناس عموما – وللأزواج مع زوجاتهم المُطَلّقات قطعا حيث هو سياق الآيات – على الحوار بينهم والتفاهم والتعاون والتناصُح والتسامُح والتصافِي وغيره من الأخلاق الإسلامية الحسنة المُسْعِدَة في الدنيا والآخرة .. أيْ وتحاوروا فيما بينكم بما هو معروف في الإسلام وعند العقول المُنْصِفَة العادلة أنه خير مُصْلِح مُسْعِد في الداريْن ، بما في ذلك الرضاعة والأجر عليها للمُطَلّقة التي وَضَعَت حملها ونحو هذا من الأمور التي بها يَتحقّق ما هو صالح للأسرة كلها .. هذا ، وقد سُمِّيَ الحوار بالائتمار لأنَّ أثناءه يأمر المتحاورون بعضهم بعضا بالخير فيستجيبون له ويجتهدون في تنفيذه .. " .. وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ﴿6﴾ " أيْ هذا إرشادٌ للطرفيْن المُتَحَاوِرَيْن في أيّ مجالٍ عموما أن يجتهدا ما استطاعا في التقارُب والاتفاق علي ما فيه الخير والسعادة .. أيْ وإنْ حَدَثَ بينكم عُسْر ، أيْ لم يحدث تيسير ولم تتفقوا ، علي كيفية الإرضاع وأجرته وما يتعلق بذلك من أمور لسببٍ من الأسباب ، فليس معني ذلك أن يبقي المولود جائعا وإنما يجتهد الأب أن يجد مُرْضِعَة أخري يتفق معها ستُرْضِع له مولوده لأنَّ الأمر مسئوليته .. والآية الكريمة فيها عِتاب ضِمْنِيّ للطرفين ، فالأم تُعاتَب لأنها لم تتنازَل بعض الشيء حتي لا يُرْضِع مولودها غيرها ، والأب يُعَاتَب لأنه لم يتنازل بعض الشيء من أجل مولوده فيَقبل بما تطلبه من أجله ، كما يطلب مثلا أحدٌ من غيره طَلَباً فيَتَباطَيء أو يرفضه لسببٍ غير مقبول فيقول له مُعاتِبَاً سيَقضيها غيرك ولن يبقي الأمر غير مَقْضِيّ وأنت مُلام في ذلك
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿7﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُنْفِقين الذين يُنفقون مِمَّا رزقهم الله بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاتهم ومَن حولهم وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم
هذا ، ومعني " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿7﴾ " أيْ على كلِّ صاحبِ اتِّساعٍ في الأرزاق بكل أنواعها أن يُنْفِق من هذا الرخاء والاقتدار الذي وَسَّعَه الله تعالي عليه وأعطاه إيّاه ولا يَبخل لأنَّ البُخْل أي الامتناع عن الانفاق مع القُدْرَة عليه صفة سيئة مُتْعِسَة للنفس وللغير ، خاصة في الأغنياء المُقْتَدِرين ، بل يُنفق ممَّا رزقه الله من خيرٍ لا يُحْصَيَ بتَوَسُّطٍ واعتدالٍ علي ذاته ومَن حوله وعموم الناس بل وعموم الخَلْق مِن كل أنواع الإنفاق سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقه به عليه من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيع استصحابه من نوايا خيرٍ في عقله بما يُسعد كل لحظات حياته هو ومَن حوله وبما يجعل له أعظم الأجر في آخرته .. هذا ، ومِمَّا هو مطلوب قطعا في سياق هذه الآيات الكريمة حُسن الإنفاق علي المُطَلّقات في فترة عِدَّتِهِنّ .. " .. وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ .. " أيْ والذي ضُيِّقَ عليه وقُلِّل له رزقه فلم يكن واسعا لسببٍ من الأسباب كسوءِ تَصَرُّفٍ منه مثلا أو قِلَّة سَعْيٍ وفكرٍ أو ضعفٍ ومرضٍ أو نحو هذا ، فعليه أيضا أن يُنفق مِمَّا أعطاه الله علي قَدْر استطاعته وإمكاناته .. أىْ فلْيُنْفِق إذَن كل إنسان على حسب حاله فإنْ كان مُتَيَسِّرَاً أنْفَقَ على حسب يُسْره وإنْ كان مُتَعَسِّرَاً أنفق على حسب عُسْره إذ كل إنفاقٍ مهما كان قليلا وبأيِّ شكلٍ هو مُفيد مُسْعِد للنفس وللغير في الداريْن .. " .. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا .. " أيْ وذلك لأنَّ الله تعالى العادل الكريم الرحيم الودود العالم بتمام العلم بكلّ شيءٍ في كوْنه وعن خَلْقه لا يُكَلِّف نفساً أيْ لا يُوصِي ويُلْزِم أحداً في الإنفاق إلا علي حسب ما أعطاه من أرزاقٍ حصل عليها بتيسيره وعوْنه له علي أسبابها أيْ لا يَطلب منه إلا ما يستطيعه وبقَدْر ظروفه وأحواله وهي أمور تختلف من شخصٍ لآخر فتكون بالتالي واجبات الغَنِيّ ليست حتما كالفقير ولا القويّ كالضعيف ولا العالِم كالجاهِل وهكذا (برجاء أيضا مراجعة الآية ﴿16﴾ من سورة التغابُن " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) .. " .. سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿7﴾ " أيْ هذه بشارة عظيمة ووَعْد أكيد من الله تعالي لا يُخْلَف حتما مُطلقا للمُعْسِرين الذين يعملون بأخلاق إسلامهم ويُحسنون اتِّخاذ الأسباب المُمْكِنَة المُتَاحَة المُبَاحَة في كل شئون حياتهم مع حُسن التوكّل علي ربهم أنه حتما سيزيل عنهم أيّ شدّة في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه مناسبا مُسْعِدَاً لهم ولغيرهم عاجلا أم آجلا ، وسيُيَسِّر لهم بالقطع كل أمورههم وأرزاقهم وتعاملاتهم مع جميع الخَلْق فتكون حياتهم كلها سَهْلَة سَلِسَة سعيدة تماما في دنياهم ، ثم أخراهم (برجاء النظر أيضا لسورة الشَّرْح الآيتين ﴿5﴾ ، ﴿6﴾ " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " ، " إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " ، ثم مراجعة الآية ﴿4﴾ من هذه السورة الكريمة " .. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل)
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿8﴾ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴿9﴾ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴿10﴾ رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴿11﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنَاً أيْ متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ أنّ أهل الحقّ والخير لابد حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُبَاحَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم (برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل) ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده (برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿8﴾ " أي وكَمْ مِن قريةٍ بما فيها مِن أهلها وممتلكاتهم من قُرَي ومُدُن المُكذبين المُعاندين المُستكبرين المُستهزئين مِن السابقين أمثال أقوام الأنبياء هود وصالح وشعيب وغيرهم كانت هي أشدّ قوة في الأموال والأعْوَان والنفوذ والسلطان ونحو هذا مِن المكذبين المعاصرين لكم الآن .. " .. عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿8﴾ " أيْ تَكَبَّرَت ، أيْ تَكَبَّر أهلها وظلموا وخالَفوا أمر الله ورسله الكرام وهو اتِّباع الإسلام وعصوه وتركوه واستهانوا به وتَمَرَّدوا عليه ، فكانت النتيجة الحَتْمِيَّة لظلمهم وعدوانهم علي الحقّ والعدل والخير والإسلام والمسلمين وإصرارهم علي ذلك وعلي فِعْل الشرور والمَفاسد والأضرار أنْ حاسبناهم حسابا شديدا في دنياهم حيث أحصينا عليهم كل هذا ولم نُسامحهم في شيءٍ منه بل عذّبناهم بما يُناسب وأهلكناهم بصور العذاب والإهلاك المختلفة كزلازل أو عواصف أو فيضانات أو نحوها (برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ ، فلم يكن لهم أيّ ناصرٍ أو مُنْقِذٍ أو مُعِينٍ يَنصرهم وينقذهم من عقابنا ، فلم تَنفعهم وتَحْمِهم كلّ هذه القوَيَ التي كانوا يمتلكونها بأيّ شيء ! فما بال مَن هم أقلّ منهم قوة مِن المُكذبين المُعاصِرين لكم !! فَعَلَيَ هذا الأضْعَف إذَن أن يكون أشدَّ حَذَرا !! وفي هذا تهديدٌ وتحذيرٌ شديدٌ لهم ولمَن يَتَشَبَّه بهم لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولدينه الإسلام ليسعدوا في الداريْن قبل فوات الأوان ونزول العذاب فيهما .. " .. وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿8﴾ " أيْ وكذلك حتما في الآخرة نُحاسبهم حساباً شديداً أيضا ولا نَرحمهم ونُعَذّبهم عذاباً فظيعاً يُنكره العقل ولا يَتصوّره من فظاعته وشدّته وسُوئه وتنوّعه وتزايده
ومعني " فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴿9﴾ " أيْ هذا تأكيدٌ علي ما سَبَقَ ذِكْره من عذابهم الشديد الذي أصابهم ومزيدٌ من التذكير به لزيادة الاتِّعاظ .. أيْ فبالتالي تَذَوَّقوا وتَجَرَّعُوا وَبَالَ أمرهم أيْ شدّة حالهم السَّيِّء الذي كانوا فيه حيث عَتَوْا عن أمر ربهم وكان نهاية أمرهم في دنياهم وأخراهم خُسْرانا شديدا لا خسران بعده أشدّ منه .. فاعْتَبِر إذَن يا مَن تريد الاعتبار ولا تفعل أبداً مِثْلهم لتسعد في الداريْن ولا تتعس فيهما
ومعني " أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴿10﴾ " أىْ هذا أيضا مزيد من التأكيد علي ما سَبَقَ ذِكْره من عذابهم الشديد الذي أصابهم ومزيدٌ من التذكير به لزيادة الاتِّعاظ .. أيْ أنَّ ما يُصيبهم فى دنياهم بسبب أنهم عَتوا عن أمر ربهم ليس هو نهاية الأمر بل جَهَّزَ الله تعالى لهم كذلك عذابا أشدّ منه وأعظم وأتمّ وأخلد في آخرتهم .. " .. فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴿10﴾ " أيْ وما دام الأمر كما ذُكِرَ لكم فاتقوا الله إذَن أيْ خافوه وأطيعوه واجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ لتسعدوا في الداريْن ولا تكونوا أبداً مِثْلهم فيصيبكم ما أصابهم فتتعسوا فيهما يا أصحاب العقول السليمة المُنْصِفَة العادلة ويا مَن آمنتم بالله أيْ صَدَّقتم بوجوده وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَرْجَمْتم هذا الإيمان إلي تَمَسُّكٍ وعَمَلٍ بكل أخلاق الإسلام ، فاتَّقوه لأنه هو سبحانه وحده ربكم أيْ مُرَبِّيكم وخالقكم ومُرْشِدكم للخير والذى برحماته ونِعَمه التي لا تُحْصَيَ وحبه لكم لم يترككم بغير إرشادٍ فتَضيعوا وتتعسوا وإنما قد أنزل عليكم من خلال رسوله الكريم ﷺ ذِكْرَاً وهو القرآن العظيم الذي يُذَكِّركم والناس جميعا بكلّ خيرٍ وسعادةٍ في دنياهم وأخراهم ليَفعلوه ليَسعدوا بهما وبكلّ شرٍّ وتعاسةٍ ليَتركوه حتي لا يَتعسوا فيهما ، كذلك فيه الذكْر لكم ولهم أيْ الصِّيت الطّيِّب أيْ كلّ الشرف والعِزَّة والجَاه والمَكَانَة والسُّمْعَة الطيِّبة ونحو ذلك ممّا ينتفعون ويسعدون به تمام الانتفاع والسعادة .. هذا ، ويُنادِي سبحانه المسلمين بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة وأيضا بقول " .. أُولِي الْأَلْبَابِ .. " للتنبيه إلي الأهمية العُظْمَيَ لحُسْن استخدام العقل والذي يؤدي حتما إلي الإيمان والتقوي اللذين هما أساس كل خير وسعادة في الداريْن
ومعني " رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴿11﴾ " أيْ وأرسلَ رسولا إليكم أيها الناس هو أيضا من رحمته تعالي بكم جميعا فهو من بينكم تَعرفونه فتَثقون به وبحُسن خُلُقه ويُطَبِّق الإسلام أمامكم عمليا فيَسهل عليكم أنتم أيضا تطبيقه حيث يتلو أي يَقرأ عليكم آيات الله تعالي ويُذَكِّركم دوْمَاً بها ، وآياته هي دلالاته ، وهي مبينات أي موضحات بكل الأدلة والتوضيحات قاطِعات دامِغات تُثبت صِدْقه وأنه من عنده وأنه سبحانه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة أي الطاعة وأنَّ دينه الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها ، سواء أكانت هذه الآيات مُعجزات تُؤَيِّد صدق رسوله ﷺ أم آيات في الكوْن حولهم أرشدهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في القرآن الكريم تُتْلَيَ وتُقْرَأ عليهم فيها أخلاقيّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وَجْه .. " .. لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ .. " أيْ كلّ ذلك الخير فَعَلَه لكم أيها الناس برحماته وأفضاله لكي يُخرجكم به من الظلام سواء أكان كفرا أيْ تكذيبا بوجود الله أم شركا أيْ عبادة لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدم عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، لكي يأخذكم من كل هذا السوء وضَياعه وتَخَبّطاته – كالتي تَحْدُث للسَّائِر في الظلام – وتعاساته في الدنيا والآخرة ، إلي النور ، نور الإيمان ، نور الإسلام ، حيث كلّ صوابٍ منه تعالي ورعايةٍ وأمنٍ وحب ورضا ورزق وعوْن وتوفيق وقوة ونصر وسرورٍ دنيويٍّ ثمّ كلّ غفران وعطاءٍ أخرويّ خالِدٍ لا يُوصَف .. لكنَّ الذي يَنتفع بكل هذا الخير ويَخرج من الظلمات إلي النور هم فقط الذين آمنوا وعملوا الصالحات أيْ الذين أحسنوا استخدام عقولهم واستجابوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا (برجاء مراجعة معني الفطرة في الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل) فصَدَّقوا بوجود الله وكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وعملوا بكل أخلاق الإسلام ، أمّا غيرهم مِمَّن يُعَطّلون عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، فإنهم قطعا لا يَنتفعون ولا يَخرجون مِمَّا هم فيه من الظلمات !! .. " .. وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .. " أيْ ومَن يُصَدِّق بوجود الله وبرسله وكتبه وحسابه وعقابه وجنته وناره ويعمل صالحا أيْ يتمسّك بكل أخلاق إسلامه فتكون كل أقواله وأعماله ما استطاع في كلّ خيرٍ من غير أيّ شرٍّ ولو فُرِضَ وفَعَله تاب منه سريعا وأوَّلاً بأوَّل ، فمثل هؤلاء بالقطع يُدخلهم يوم القيامة جناتٍ من بساتين وقصور فخمة تجري أسفل منها كلّ الأنهار المُبْهِجَة من الماء العذب واللبن وكل المشروبات اللذيذة المُسْعِدَة يَعيشون في نعيمها الذي لا يُوصَف مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر خالدين بلا أيّ نهاية ولا أيّ نقصان أو تغيير أو تحوّل عنها أو تَرْك لها .. وكل ذلك بالقطع هو إضافة لأسعد حياة دنيوية عاشوها بسبب إيمانهم بربهم وعملهم بكل أخلاق إسلامهم .. " .. قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴿11﴾ " أيْ بكل تأكيدٍ وبلا أيّ شكّ قد أعظمَ وأجْمَلَ وأوْسَعَ الله تعالي لهذا المؤمن رزقه في الجنة – بعد الدنيا – وأعطاه من الخير التامّ والسعادة الكاملة ما لا يُمكِن وَصْفه
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنت عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿12﴾ " أيْ الله سبحانه وحده لا غيره هو الذي خَلْقَ السماء من طبقات علي هيئة سبع سماوات بغير أعمدةٍ مَرْئِيَّة وكذلك الأرض خلقها هي الأخري – بكل ما فيهما من مخلوقاتٍ مُعْجِزاتٍ مُبْهِرات – مثلها في إعجازها وإعجاز مخلوقاتها وعلي هيئة طبقات أيضا منها الرملية والطينية والصخرية والمعدنية وغيرها مِمَّا لا يعلمه إلا هو تعالي ومِمَّا يدلّ كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة أيْ الطاعة بلا أيّ شريكٍ وأنَّ مَن عَبَدَه وتوكّل عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه .. " .. يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ .. " أيْ هذا أيضا مزيد من البيان والتوضيح والتدْليل والتأكيد أنه سبحانه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة حيث تَجْرِي وتَتَحَرَّك في كل لحظةٍ أوامره بينهن وتنفذ إراداته وتصرّفاته وأحكامه فيهن مُتَمَثّلَة في رحماته وخيراته وأرزاقه وتقديراته وتدبيراته وترتيباته للناس وللخَلْق جميعا في كوْنه من أجل منافعهم وسعاداتهم حيث هو وحده الذي يملك أصول الأرزاق وأسباب وجودها ونمائها كالماء والهواء والطاقة والقوة والأرواح والعقول وحركة ونمو الخلايا والجُزَيْئَات والذرَّات وما شابه ذلك ولو مَنَعَ شيئاً منها لتوقّفت الأرزاق بل والحياة كلها ، وهو أيضا المُرَبِّي لهم والرازق والراعِي والمُعين والمُرْشِد لكلّ خيرٍ وسعادة من خلال تشريعاته في كتبه وآخرها قرآنه الكريم ، فلْيَعبدوه إذَن وحده وليتمسّكوا بكلّ أخلاق إسلامهم ليسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. " .. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿12﴾ " أيْ هذا أيضا مزيد من التأكيد علي أنه وحده المُستحقّ للعبادة .. أيْ كل ذلك لكي تعلموا علما تامَّاً وتتأكّدوا عند تدبَّركم وتعمَّقكم وتعقّلكم فيه أنَّ الله علي كل شيءٍ قدير تمام القُدْرة فبمجرد أن يقول لشيءٍ كن فيكون كما يريد لا يمنعه مانِع ولا يصعب عليه شيء وأنَّ علمه كامل يُحيط بكل شيءٍ ويَلِفّ به من كل الجوانب ولا يَخرج عنه فلا تَخْفَيَ عليه سبحانه وتعالي أيّ خافِيَة مِن خَلْقه وكَوْنه فالكل في مُلْكه وتحت تصرّفه وقُدْرته وسلطانه ونفوذه وحُكْمه فلا يَفلت أحدٌ ولا يَفوته شيء .. وبالتالي فاعبدوه وحده واشكروه وتوكّلوا عليه وحده واتقوه وخافوه وراقبوه وحده وافعلوا كل خير واتركوا كل شرٍّ من خلال تمسّككم وعملكم بكل أخلاق إسلامكم لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿1﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا لم تُحَرِّم ما أحَلَّه الله تعالي لخَلْقه ، فهو سبحانه أحَلَّ لهم كل طَيِّب ، وقد بَيَّنَه لهم ، أنه كل نافع غير ضارّ ، مُفيد مُسْعِد ، لينعموا وليسعدوا به ، وهو أعلم بخَلْقه وما يُصلحهم ويُسعدهم وما يَضرّهم ويُتعسهم ، فكيف يَتَجَرَّأ أحدٌ عليه ويُحَرِّم ما أحَلَّه ؟! وهو الذي يقول أيضا " قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ .. " ﴿الأعراف : 32﴾ (برجاء مراجعة تفسير الآية الكريمة لمزيدٍ من الشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿1﴾ " أيْ يا رسولنا الكريم ، ويا أيها المسلم ، لماذا تَمنع نفسك عَمَّا أحَلّه الله لك من كل ما هو حلال من طيبات الحياة الدنيا ما دُمْتَ تنتفع وتسعد به بتَوَسُّط واعتدالٍ ودون إفراط وإسراف ؟ هل تَفعل ذلك تريد إرضاء أحدٍ من الناس ؟ إنه ليس من الخير فِعْل هذا ، رغم أنَّ حُسن التَّعامُل والتَّراضِي مع الآخرين يُوصِي به الله في الإسلام لكن لا يكون بمَنْع النفس من شيءٍ حلالٍ لأنه قد يكون أمراً شاقّاً مُضِرَّاً مُتْعِسَاً لها أو لغيرها ، كما أنَّ إرضاء الآخرين لا يكون مُطلقا وبالقطع بما يُخَالِف الإسلام بفِعْل شَرٍّ ما من أجلهم وليس فقط تَرْك الحلال وهو الخير المُفيد المُسْعِد .. هذا ، وفي بعض حالات فردية قد يمتنع أحدٌ عن حلالٍ ما لسببٍ من الأسباب ولفترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ لمرضه مثلا أو لأنه لا يحبه ولم يَتَعَوَّد عليه ونحو هذا لكن لا يُحَرِّمه أبدا علي نفسه أو غيره مُدَّعِيَاً أنَّ الله يُحَرِّمه .. وفي هذا التنبيه تمام الحب والرفق والشفقة والتيسير والإرشاد لكل ما هو خير مُسْعِد في الداريْن والابتعاد عن كل ما هو شرّ مُتْعِس فيهما .. " .. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿1﴾ " أيْ والله دوْما بالتأكيد بلا أيّ شكّ غفور أيْ كثير المغفرة يعفو عن الذنوب ولا يُعاقِب عليها لكل مَن تاب توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنب مُتعلقا بهم ، رحيم أي كثير الرحمة حيث رحمته وسعت كل شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿2﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يَحْفَظون أيْمَانهم فلا يُقْسِمُون إلا عند الحاجة أو الضرورة حتي لا يَصِلَ الأمر إلي الاستهانة بهذا القَسَم من كثرة استخدامه دون مُبَرِّرٍ أو احتياج ، ثم الأصل أنك مُصَدَّق دون قَسَم فكثرته قد تَدْفع للتشكّك فيما تقول فتنتشر الشكوك وسوء الظنون بين الناس فيتعسون ، وإذا فُرِضَ وأقسمتَ علي شيءٍ ما فتَبَيَّنَ لك أنه خطأ أو ضَرَر عليك أو غيرك فتَرَاجَع عنه فورا ، وافعل ما تراه صوابا صالحا نافعا مُسْعِدَاً ، وكَفّر عن عدم تنفيذ يَمِينك بإطعام عشرة مساكين أو كِسْوتهم من أوْسَط ما تأكل أو تلبس فإن لم تجد فصُم ثلاثة أيام ، ولا تجعل اعتزازَك وتَقديسك للقَسَم بالله مانعا عن العودة للخير واتِّقاء الشَّرّ وإصلاح أحوال الناس وفيما بينهم وإسعادهم .. وستَسعد حتما إذا اتَّخذتَ الله تعالي دائما وَلِيَّاً ، أيْ وَلِيّا لأمرك ، فهنيئا لك نِعْمَ الاختيار هذا ، فسيُوَفّر لك الرعاية كلها ، والأمن كله ، والعوْن كله ، والتوفيق والسداد كله ، والرزق كله ، والتيسير كله ، والسَّلاسَة كلها ، والقوة كلها ، والنصر كله ، والسعادة كلها
هذا ، ومعني " قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿2﴾ " أيْ لقد بَيَّنَ وحَدَّدَ وشَرَعَ الله لكم ما يجعلكم في حِلٍّ مِمَّا التزمتم به من الأيْمان التي أقسمتم بها علي تنفيذ شيءٍ ما ولم تُنَفِّذوه لسببٍ من الأسباب وذلك من خلال فِعْل الكَفّارة والتي تدلّ علي تعظيمكم للقَسَم والتي هي المذكورة في الآية ﴿89﴾ من سورة المائدة " .. فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ " (برجاء مراجعة تفسيرها ثم تفسير الآيتين ﴿224﴾ ، ﴿225﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. " .. وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ .. " أيْ وقد فَرَضَ الله لكم ذلك لأنه تعالي هو المُتَوَلِّي لكل أموركم فلا يَفعل ما يُضَيِّق عليكم فيها بل يُديرها لكم علي أكْمَلِ وأيْسَر وأرْحَم وأسعد وجه ، فهنيئا لكم أنَّ الخالق الرحيم الكريم القادر علي كل شيءٍ هو مولاكم حيث سيُوَفّر لكم الرعاية كلها ، والرحمة كلها ، والأمن كله ، والعوْن كله ، والتوفيق والسداد كله ، والرزق كله ، والتيسير كله ، والسَّلاسَة كلها ، والقوة كلها ، والنصر كله ، والسعادة كلها ، وذلك لأنه تعالي " .. وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿2﴾ " أيْ هو وحده العليم أي كثير العلم أي يعلم بعلمٍ ليس بعده علم أكثر منه كلّ شيءٍ فلا تَخْفَيَ عليه خَافِيَة في الكوْن كله ، وهو وحده في كلّ أموره الحكيم أي الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يَضع كلّ أمرٍ في مَوْضِعه الصحيح تماما دون أيّ عَبَث ، وبالتالي فهذا العليم الحكيم سبحانه يُوصيكم ويُشَرِّع لكم في الإسلام كل ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، فاعملوا إذَن بكل أخلاقه ليتحقّق لكم ذلك
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴿3﴾ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ متمسّكا عامِلا بخُلُقٍ من أخلاق الإسلام وهو كتمان السِّرّ فلا تنشره ، سواء أكان سِرَّاً لفردٍ أم مجموعة أم مؤسسة أم دولة أم نحو هذا ، والسِّرّ هو الحديث الذي يُطْلَب منك عدم نشره لفترةٍ من الفترات أو للأبد لأنَّ في إفشائه ضَرَرَاً ما بنسبةٍ من النِّسَب ، فكتمان السرّ هو أمانة ونشره خيانة ، وبانتشار حفظ الأمانات ينتشر الأمن بين الناس فيَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم ، بينما بانتشار الخيانات يفقدون أمانهم ويَتنازعون ويَتعسون فيهما .. وستَسعد كذلك إذا كنتَ مُتَغَافِلاً مُتَجَاوِزَاً عن تفاصيل أخطاء المُخْطِيء ما دام قد وَصَله أنه قد أخطأ وبَدَأَ في التصويب لذاته ، فخُلُق التَّغافل هذا هو نوع من السَّتْر الذي يطلبه الإسلام لأنه يساعده علي العودة للصواب فيسعد بذلك الجميع في الداريْن بينما فضحه قد يأتي بنتائج عكسية مُتْعِسَة حيث كثيرا ما يثير الأحقاد والعداءات
هذا ، ومعني " وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴿3﴾ " أيْ واذْكُر يا كلّ مسلم ويا كلّ قاريءٍ للقرآن ويا كلّ مَن يريد الاعتبار والاستفادة مِن دروس ما حَدَثَ للآخرين لكي يَتَّعِظ فيفعل كلّ خيرٍ ويترك كل شرٍّ فيَسعد في دنياه وأخراه ، اذْكُر وذَكِّر مَن حولك حين حَدَّثَ الرسول ﷺ حديثا سِرِّيَّاً لإحدي زوجاته وأوْصَاها ألاَّ تُحَدِّث به أحداً إلاّ إذا حَدَّثَ هو به حتي لا يَحْدُث ضَرَر .. " .. فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ .. " أيْ فلمَّا أخْبَرَت به غيرها غير مُقَدِّرَة لِمَا سيَحدث من أضرارٍ أو كانت تظنّ أنّ قولها لواحدةٍ أخري فقط وهي أيضا ستَكتمه ليس إفشاءً للسِّرَ أو أنه ﷺ لم يُؤَكِّد عليها مَنْع التَّحَدّث به مُطلقا أو ما شابه هذا من تأويلات وتحليلات خاطئة استغفَرَت منها بعدها لمَّا تَأَكَّدَت مِن خَطَئِها .. " .. وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ .. " أيْ وأطْلَعه الله – أيْ أطْلَعَ الرسول ﷺ – علي إفشائه أيْ انتشاره ، وفي هذا تنبيهٌ وتحذيرٌ لمَن يُفْشِي السِّرَّ أنَّ الله تعالي يعلم كل شيءٍ بتمام العلم لا تَخْفَيَ عليه خافِيَة في كوْنه وسيُحاسبه علي خيانة الأمانة بقَدْر ما أحْدَثَ من ضَرَرٍ فلْيَحفظ السِّرَّ إذَن ولا يخونه بنشره .. " .. عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ .. " أيْ عَرَّفها وأعْلَمها ﷺ بعض ما وَصَلَ إليه مِمَّا تَمَّ إفشاؤه ونشره من الحديث وامتنع عن بعضه الآخر فلم يُعْلِمها به لمَّا رآها قد خَجَلَت مِن فِعْلها وأحَسَّت بخطئها واتَّجَهَت للاستغفار منه ولتصويب ذاتها ، وذلك من تمام كرم أخلاقه ﷺ وشدّة حِلْمه حيث تَغَافَلَ عن الباقي كأنه لم يعرفه ليُعينها علي تجاوُز ما هي فيه من إحراجٍ وضيقٍ ويأخذ بيدها للتوبة ، فالكريم الحليم لا يَغوص في تفاصيل الأخطاء ، وإنما يذكر البعض ليُنَبِّه المُخْطِيء علي خَطَئِه ليُصَوِّبَ ذاته .. فعلي كل مسلم أن يَتَّصِف بخُلُق التَّغَافُل هذا ولا يستمرّ في اللّوْم بمجرد أن يتحقق الهدف من لَوْمه ويعود المُخْطِيء للصواب وبذلك يسعد الجميع في الداريْن بينما الاستمرار في سَرْد الأخطاء والفضح بها قد يأتي بنتائج عكسية مُتْعِسَة حيث كثيرا ما يثير الأحقاد والعَدَاءات .. " .. فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴿3﴾ " أيْ فلمَّا أخبرها بما أفْشَت من السِّرّ مِمَّا وَصَلَ إليه تَعَجَّبَت وقالت مَن أخبرك بهذا فقال لها إنَّ الله تعالي هو الذي يُيَسِّر أسباب معرفة أنَّ السِّرَّ قد نُشِر ، فهو العليم أي الكثير العلم أي الذي يعلم بعلمٍ ليس بعده علم أكثر منه كلّ شيءٍ فلا تَخْفَيَ عليه خَافِيَة في الكوْن كله ، الخبير أي العليم بكلّ خِبْرة عن كلّ شيءٍ وعن أسرار الأمور وخفايا العقول .. فاحذروا إذَن يا مَن تُفْشُون الأسرار ولا تكتمونها من عقاب العليم الخبير بما يُناسِب في الداريْن إذا لم تتوبوا وتعودوا لربكم وأخلاق إسلامكم
ومعني " إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾ " أيْ إنْ تَرْجِعَا إلى الله يا مَن أفْشَيَ السِّرَّ ويا مَن اسْتَمَع له ولم يَمنعه بل قام هو الآخر بنَشْره – ويا كلّ الذين يفشون الأسرار – بالاستغفار وبالندم وبالعزم علي عدم العودة وبِرَدِّ الحقّ لأهله بالاعتذار وبمحاولة إصلاح ضَرَر إفشاء السِّرّ ما أمكن ، يُقْبَل منكما توبتكما ومنكم جميعا ، فالله تعالي هو الغفور الرحيم ، وهذه التوبة لا بُدّ منها لأنه قد صَغَت قلوبكما أيْ مَالَت وانْحَرَفَت عقولكما عن الخير واتَّبَعْتم الشِّرَّ بإفشاء السِّرّ وخيانة أمانة حفظه وكتمانه وما تَرَتَّب علي ذلك من أضرار .. " .. وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾ " أيْ وإنْ تتعاوَنا علي الذي تفشون سِرَّه بما يَكرهه ويُسِيء إليه ويُؤذيه ، فإنَّ تعاونكما لن يَضُرّه – إلا بالقَدْر الذي يريده الله له ليَنتفع بما سيَحدث ويستفيد منه استفادات وخبرات كثيرة (برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ – لأنَّ الله هو مولاه أيْ مُؤَيِّده وناصره ومُحِبّه وكَفَيَ بذلك تأييدا ونصرا وتوفيقا ثم بعد ذلك جميع مخلوقاته سبحانه من بَشَرٍ صالحين وغيرهم كلهم ظَهِير له أيْ مُعِين ونَصِير ضِدَّ كل مَن يُريده بسوءٍ بإذنه تعالي وأمره لهم وتيسيره لأسباب هذا العوْن والنصر ، ومن كان هؤلاء أعوانه فهو المُنتصر السعيد حتما في الداريْن وغيره مِمَّن يعادونه هو المهزوم التعيس قطعا فيهما .. وفي هذا تحذيرٌ شديدٌ لهم ولكل مَن يقف ضِدَّ الخير ويَنشر الشَّرَّ لعلهم يستيقظون ويعودون لربهم وإسلامهم ليسعدوا هم أيضا فيهما ، كما أنه طَمْأَنَة لمَن تَمَّ إفشاء سِرّهم وأوذوا ولأهل الخير جميعا أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي مَن آذاهم في التوقيت وبالأسلوب الذي يَراه سبحانه مناسبا في دنياهم ثم أخراهم
عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴿5﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يَجتهدون ما استطاعوا في ألاّ يَصِلُوا إلي مرحلة الطلاق بل يُحْسِنون مُعامَلة أزواجهم ويَحرصون تماما علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم ، فإنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن أسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا (برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴿5﴾ " أيْ هذا تنبيهٌ للزوجات بالحرص الشديد علي حُسن معاملة أزواجهنّ بأخلاق الإسلام في مُقابِل حرصهم هم أيضا حرصا شديدا علي هذا حتي يسعد الجميع تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. أيْ انْتَبِهْنَ أيتها الزوجات أن تُحْسِنَّ معاملة أزواجكنّ وأن تجتهدنَ في الاتِّصاف بهذه الصفات التي سيأتي ذِكْرها لأنكنَّ لو أسَأْتُنَّ إليهم ووَصَلَ الأمر لاحتمالية الطلاق فإنّ الله سيُبْدلهم من فضله وكرمه وسيُيَسِّر لهم أسباب الزواج مِمَن هُنَّ خيرا منكنّ فيهنّ كل صفات الخير التي يحبها الله ورسوله ﷺ والتي تُسعدها ومَن حولها في الداريْن ، فهُنَّ سَيَكُنَّ " .. مُسْلِمَات .. " أيْ مُجْتَهِدات في التمسّك والعمل بكلّ أخلاق إسلامهنّ في كلّ شئون حياتهنّ .. " .. مُؤْمِنَات .. " أيْ مُصَدِّقات بوجود الله تعالي وبقرآنه وبرسله وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره .. " .. قَانِتَات .. " أيْ مُواظِبَات علي طاعة الله تعالي في كل ما طَلَبَه منهنّ في وَصَاياه في الإسلام باختيارهنّ وبرضاهنّ وبكلّ حبٍّ لربهنّ ولطاعته واطمئنانٍ به وسكونٍ له .. " .. تَائِبَات .. " أيْ راجِعَات إلي الله مِن كلّ شرٍّ أوّلا بأوَّل بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لتعود لهنّ سعادتهنّ التامّة بإسلامهنّ وخيره من غير أيّ تعكيرٍ بأيّ تعاسةٍ بسبب أيّ شرّ (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ .. " .. عَابِدَات .. " أيْ طائعات لله تعالي وحده ولا يُشركنَ معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء (برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. " .. سَائِحَات .. " أيْ مُتَحَرِّكات في كل خير يحبه الله ورسوله في كل شئون الحياة .. هذا ، وكل هذه الصفات علي الزوج الصالح الذي يريد سعادتيّ الدنيا والآخرة أن يَتَّصِفَ بها هو أيضا ليسعد الجميع فيهما .. " .. ثَيِّبَات وأبْكَارَا .. " أيْ بما يُناسب ويحقّق المصلحة والسعادة ، فالبعض سيُعينه الله علي الزواج من ثَيِّبات جمع ثَيِّب وهي التي سَبَقَ لها الزواج فتكون أكثر خبرة بالحياة الزوجية والبعض الآخر سيتزوج أبكارا جمع بِكْر أيْ لم يسبق لها الزواج
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿6﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿7﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن الذين يجعلون دوْمَاً بينهم وبين غضب الله وعذابه وقاية بفِعْل كلّ خيرٍ وتَرْك كل شرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق إسلامهم .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحْسِنون دعوة الآخرين لله وللإسلام بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿6﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعملوا بإيمانكم فاحفظوا أنفسكم كأفرادٍ واحفظوا بعضكم بعضا واحفظوا أهلكم مِن زوجاتٍ وأولاد وآباء وأمهات وإخوان وأخوات وأقارب وأنساب وكلّ مَن أنتم مسئولون عنهم في كل شئون حياتكم بل وكل أهل الإسلام بل وجميع البَشَر مِن نارٍ وقودها الناس والحجارة أيْ شديدة فظيعة غير مُتَصَوَّرَة لا يعلم شدّتها وفظاعتها وعذابها إلا خالقها سبحانه فهي ليست كنار الدنيا حيث وقود اشتعالها من لحوم وعظام الناس الذين يستحِقّونها ومن الحجارة المُلتهبة الشديدة السخونة والاشتعال !! احفظوا أنفسكم والجميع منها بفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شَرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام وحُسن دعوة الآخرين لهذا بكل قُدْوة وحكمة وموعظة حسنة (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿6﴾ " أيْ وكذلك من الأوصاف المُرْعِبَة لهذه النار التي لا يُمكن وصفها – لكي يَدْفَع هذا كل عاقلٍ لمزيدٍ من الاجتهاد في الوقاية منها – أنها يقوم عليها وعلي حراستها وإدارة شئونها وعلي تنفيذ أوامر الله بعذاب من يستحِقّها ودرجة وصورة عذابه ملائكة قاسية لا رحمة لها قوية في معاملاتها بحيث لا يَفْلِت منها أحدٌ وهي لا تُخالِف الله تعالي أبداً في أيِّ أمرٍ من أموره وتُنَفّذ كل ما تُؤْمَر به منه تماما بلا أيِّ تغييرٍ أو تأخير
أمَّا معني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿7﴾ " أيْ هذا مزيدٌ من الترهيب والتخويف والتَّنْفِير من النار بما يَدْفَع كل عاقلٍ لمزيدٍ من الاجتهاد في الوقاية منها بفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شَرٍّ من خلال التمسّك والعمل بكل أخلاق الإسلام .. أيْ تقول الملائكة لأهل النار فى هذا اليوم العَسِير يوم القيامة عند دخولهم فيها بما يُفيد الذمّ الشديد كنوعٍ من التعذيب النفسيّ مع الجسديّ يا أيها الذين لم يُصَدِّقوا بوجود الله ولا برسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وفَعَلوا الشرور والمَفاسد والأضرار لا يُفيدكم مُطلقا اليوم اعتذارُكم عَمَّا فعلتم ولن يُقْبَل منكم ولن يَتِمَّ العفو عنكم لأنها ستكون كلها أعذارا ضعيفة ساقِطة لا قيمة لها مرفوضة تماما لأنه قد فات الأوان حيث اليوم هو وقت الحساب لا وقت العمل والتصويب ، وقد عملتم ما تُجزون عليه بهذه النار ! فلم يَبْق الآن إلا أن تُعطون الجزاء علي أعمالكم في دنياكم حيث لم تُقَدِّموا إلا الكفر وفِعْل الشَّرّ وقد نُصِحْتُم بكل الوسائل المُمْكِنَة ولفتراتٍ طويلة بألاّ تفعلوا ذلك فلم تستجيبوا واستكبرتم فأنتم إنما تُعَاقَبون علي ذلك وإصراركم عليه حتي موتكم ، فلا عُذْر إذَن لكم قطعا ولا تلوموا إلا أنفسكم ، وفي هذا تمام التيئيس والقطع لأيِّ أملٍ لهم للنجاة مِمَّا هم فيه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ دوْماً من التائبين مِن كلّ شرٍّ أوّلا بأوَّل بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لتعود لك سعادتك التامّة بإسلامك وخيره من غير أيّ تعكيرٍ بأيّ تعاسةٍ بسبب أيّ شرّ (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿8﴾ " أيْ يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتَمَسَّكوا وعملوا بكل أخلاق إسلامهم – ويُناديهم سبحانه بصفة الإيمان لإلهاب مشاعرهم ليكونوا أسرع استجابة – اعْمَلُوا بإيمانكم فتُوبوا أيْ ارْجعوا إلي الله ، توبة نصوحا ، وهي التي تكون مِن كلّ شرٍّ أوّلا بأوَّل بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إنْ كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين ، لكي تعود لكم سعادتكم التامّة بإسلامكم وخيره من غير أيّ تعكيرٍ بأيّ تعاسةٍ بسبب أيّ شرّ (برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾ ، وهي أيضا التي تكون خالصة بالِغَة أقصَيَ درجةٍ مُمْكِنَةٍ من الإخلاص (برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، ومصحوبة بعدم عودة للشَّرِّ أبداً وعدم رغبة في العودة إليه ولو فُرِضَ وتَمَّ فِعْل شَرٍّ مَا فإنَّ التوبة تكون منه سريعا مرة أخري .. " .. عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .. " أيْ فإنْ فَعَلْتُم ذلك يُكَفِّر عنكم ربكم قطعا ما فعلتموه مِن أيّ سَيِّئات أيْ شرور ومَفاسِد وأضرار أيْ يَسترها ويَمحوها ويزيلها ولا يُحاسبكم ويُعاقبكم عليها لكثرة توبتكم منها وعودتكم إليه سبحانه ، ويُدخلكم أيضا يوم القيامة جناتٍ من بساتين وقصور فخمة تجري أسفل منها كلّ الأنهار المُبْهِجَة من الماء العذب واللبن وكل المشروبات اللذيذة المُسْعِدَة تَعيشون في نعيمها الذي لا يُوصَف مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر خالدين بلا أيّ نهاية ولا أيّ نقصان أو تغيير أو تحوّل عنها أو تَرْك لها .. هذا ، ولفظ " عسي " حينما يأتي في القرآن الكريم فإنه يعني حَتْمِيَّة التحقق لأنه صَدَرَ من الخالق الكريم العظيم مالِك المُلك الذي لا يُمكن أن يُعطِي أملا لأحدٍ بشيءٍ ثم لا يُعطيه إياه فهذا ليس من صفات الكُرماء ! وإذا كان كثيرٌ مِن كُرَمَاء الدنيا يفعلون ذلك فالأوْليَ بالله الذي له الكرَم كله أن يفعله !! لكنَّ اللفظ في ذات الوقت يُفيد الاحتمالية والأمل في التحقق من البَشَر من أجل التشجيع والدفع لهم ليكونوا كلهم دوما كذلك حريصين علي دوام التوبة ودوام التواصُل مع ربهم وإسلامهم ودعوة الجميع لهما ليسعدوا تمام السعادة في الداريْن .. " .. يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿8﴾ " أيْ يومها ، يوم القيامة ، حتما لا يَفضح ولا يذِلّ ولا يُعَذّب الله الأنبياء والذين آمنوا معهم بل يُكرمهم ويُعْلِيهم أعظم الكرم والعُلُوّ ويُعطيهم العطاء الذي لا يُوصَف ، وهم جميعا وعلى رأسهم الرسل الكرام يَراهم النَّاظِر إليهم لهم نور يتحرَّك معهم اكتسبوه بسبب إيمانهم وأعمالهم الحَسَنَة في دنياهم يُضِيء وجوههم وأجسادهم فتكون لها بَشَاشَة ونَضَارَة وبَهْجَة ويَسْبِقُهم أينما ساروا ليُضِيء لهم طريقهم عند الحساب وأثناء دخولهم الجنة ، يكون بين أيديهم أيْ أمامهم وعن أيْمانهم أيْ جِهَة يَمينهم ، والمقصود أنه يُحيطهم من كل جانب ، كتكريمٍ وتشريفٍ لهم وتمييزٍ عن غير المؤمنين ، وتكون شِدَّته علي قَدْر عملِ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة .. ويقولون على سبيل الشكر لله تعالى والسؤال منه وهو أكرم الأكرمين يا ربنا أيْ يا خالقنا ومُرَبِّينا وراعِينا ورازقنا ومُرْشِدنا لكل خيرٍ وسعادةٍ أكمل لنا نورنا هذا الذي نحن فيه بأنْ تزيده ولا تَنْقصه ولا تَقطعه عنا حتى يكتمل مرورنا علي الصراط ولا نسقط في جهنم ونهتدي إلي جنتك وندخلها ونستقرّ فيها خالدين وأَزِلْ عنّا سيئاتنا واسترها علينا وتجاوَز عنها حتي لا ندخل النار بسببها فإنك يا ربنا علي كل شيء قدير أيْ لا يقف أمام تمام قُدْرتك شيء فبالتالي ستُحَقّق لنا كل ما نريده من سعادةٍ خالدة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿9﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المجاهدين في سبيل الله ، والجهاد عموما هو بذل الجهد ، وفي سبيل الله يعني في كل خير ، والجهاد صور ودرجات ، فكل ما فيه بذل جهدٍ مع استصحاب نوايا خيرٍ بالعقل أثناءه فهو صورة من صور الجهاد ودرجة من درجاته ، حتي يَصِلَ الأمر إلي أعلي درجة وهو الجهاد بالقتال وبذل الدماء والأرواح ضدّ مَن يَعتدي علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، لمزيد من الشرح والتفصيل عن الجهاد وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿9﴾ " أيْ يا رسولنا الكريم ويا أيها المسلمون كونوا دوْماً من المجاهدين في سبيل الله ، للكفار وهم الذين لم يُصَدِّقوا بوجود الله ولا بكتبه ولا برسله ولا بآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ففَعلوا الشرور والمَفاسد والأضرار ، وللمنافقين وهم الذين يُظهرون الخير ويُخفون الشرّ ، ولمَن يُشبههم .. والجهاد عموما هو بذل الجهد ، وفي سبيل الله يعني في كل خير ، والجهاد صور ودرجات ، فكل ما فيه بذل جهدٍ مع استصحاب نوايا خيرٍ بالعقل أثناءه فهو صورة من صور الجهاد ودرجة من درجاته ، حتي يَصِلَ الأمر إلي أعلي درجة وهو الجهاد بالقتال وبذل الدماء والأرواح ضدّ مَن يَعتدي علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير (برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، لمزيد من الشرح والتفصيل عن الجهاد وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. إنَّ مَن يعتدي بالقتال علي الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، من الكفار أو المنافقين أو المشركين وهم الذين يشركون مع الله تعالي في العبادة أي الطاعة غيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أو الفاسقين أيْ الخارجين عن طاعة الله فلا يعملون بأخلاق الإسلام أو الظالمين الذين يعتدون علي غيرهم أو الفاسدين أو أشباههم ، فإنه يُصَدّ اعتداؤه هذا بالقتال حتي ينتهي ويعود للصواب (برجاء مراجعة الآيات ﴿190﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن القتال في الإسلام وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. أمّا مَن كان منهم مُسَالِمَاً ، فهذا تُحْسَن معاملته كما يَطلب الإسلام ذلك ويُدْعَيَ إليه بكل قُدْوةٍ وحكمةٍ وموعظة حسنة (برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ .. " أيْ وأثناء القتال استخدموا معهم الغِلْظَة أيْ الشدّة والقوة حتي تَسْحَقُوا أيّ مُعْتَدٍ منهم وتَمنعوا أيَّ أحدٍ أن يُفَكِّر في الاعتداء مستقبلا .. أمّا في غير القتال ، فقد تُسْتَخْدَم أحيانا الغلظة معهم ، أي إظهار الكلام أو التصرّف الغليظ الشديد الغاضِب ، حينما يَحتاج الأمر لذلك ، كأن يُظْهِر بعضهم مثلا بادرة إساءةٍ للإسلام والمسلمين ، ويُعَاقَبُون بالقانون علي ذلك بقَدْر جريمتهم ، كما يُعَاقَب أيّ مواطن مُخْطِيء بالعدل في الدولة المسلمة بمَن فيهم المسلم قطعا ، وذلك حتى يكون الناس في أمنٍ من أذاهم إذ الخير لا بُدَّ له من قوةٍ تحميه وتَدْفع عنه الشرور .. هذا ، ومِن معاني الغِلْظَة أيضا تَرْكهم والابتعاد عنهم ويكون نُصحهم ودعوتهم للعودة لله وللإسلام علي فتراتٍ مُتَبَاعِدَة وبما يُناسبهم فلعلّ بعض الإهمال هذا قد يُشعرهم بخطئهم الشديد فيَدْفعهم لمراجعة ذواتهم فيعودوا لهما .. " .. وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ .. " أيْ ومَرْجعهم في الآخرة الذي يَأْوون إليه ويَسْتَقِرّون فيه بلا نهاية هو عذاب جهنم ، إضافة إلي ما كانوا فيه من بعض صور العذاب في دنياهم كقلقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة كلّ ألمٍ وكآبةٍ وتعاسة .. " .. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿9﴾ " أيْ وما أسوأ هذا المَرْجِع والمستقبل والمصير الذي يَصيرون إليه وهو النار
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴿10﴾ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿11﴾ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴿10﴾ " أيْ هذا مَثَلٌ يَذْكُره الله تعالي لبيان أنَّ تَوَاصُل المُكذبين المُعاندين المُستكبرين المُستهزئين ومَن يُشبههم مع المسلمين الصالحين وقُرْبهم منهم وتعامُلهم معهم لا يُفيدهم شيئاً مع عملهم السَّيِّء ، كما أنه لا يَضُرّ المسلمين شيئا ما داموا متمسّكين عامِلين بكل أخلاق إسلامهم وما داموا يُحسنون دعوتهم بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حسنة ، حيث كل إنسان سيتحمّل تماما نتيجة كلّ أقواله وأفعاله ما هو خير منها وما هو شرّ ، فهذا هو تمام العدل ، وسيُحاسبه الله بما يناسب في الدنيا ثم يكون الحساب الختامِيّ التامّ في الآخرة ، للخير خيرا وسعادة وللشرّ شرَّاً وتعاسة ، وفي هذا تحذيرٌ للجميع ليستفيق وليعود لربه ولإسلامه ليسعد في الداريْن وإلا تَعِسَ فيهما .. أيْ هذا مَثَلٌ يَذْكُره الله تعالي لكم أيها الناس ليَتَّعِظَ به مَن أراد الاتِّعاظ أنَّ كلّ فردٍ يتحمل مسئولية تصرّفاته ولن يدافع أحدٌ عنه مهما كان قُرْبه منه ، وهذا المَثَل هو لاثنتين من الذين كفروا أيْ لم يُصَدِّقوا بوجود الله ولا بكتبه ورسله وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ففعلوا الشرور والمَفاسد والأضرار ، وهما امرأتان كانتا كل واحدة منهما تحت عِصْمَة ورعاية رسول كريم صالح هما نوح ولوط عليهما السلام حيث خانتاهما أيْ في الاعتقاد – وليست الخيانة بمعني الزنا – أيْ كَفَرَتَا ولم تُؤْمِنا مثلهما وتَآمَرَتَا عليهما رغم حُسن معاشرة زوجهما الرسولين الكريمين لهما وصلاحهما وكان من المُفْتَرَض أن تكونا بالتالي هما مِن أول المسلمين بما يدلّ علي شدّة إصرارهما وعنادهما واستمرارهما علي ما هما فيه من سوء .. " .. فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴿10﴾ " أيْ فلم يَمْنَعَا – أىْ نوح ولوط ﷺ مع عظيم مكانتهما عند الله تعالي ككل الرسل – أيَّ شيءٍ من العذاب عن زوجتيهما الخائنتين لهما ، ولم ينفعهما أنهما كانتا زوجتين لرسوليْن ، بل يُقالُ لهاتين المرأتين يوم القيامة ادخلا النار مع كل الداخلين مِمَّن يستحِقّونها مثل غيركما الذين لا صِلَة لهم بالأنبياء من حيث القَرَابَة أو غيرها فلا تمييز لكما عنهم
ومعني " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿11﴾ " أي بعد أنْ ذَكَرَ تعالي حال التّعَساء في دنياهم وأخراهم يَذْكُر حال السعداء فيهما ليكون ذلك أشدّ تأثيرا في العقول لأنه بالضِّدِّ تَتَمَيَّز الأشياء فيَدْفع هذا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ لأنْ يُحسن الاختيار باتِّباع كل أخلاق الإسلام ليسعد تمام السعادة في الداريْن .. أيْ وكذلك يَذْكُر الله لكم مثلا أيها الناس لحَالِ الذين آمنوا وأنهم لا تَضُرّهم مُخَالَطَة الكافرين في مُعاملاتهم ما داموا مُتمسّكين عامِلين بكل أخلاق إسلامهم وما داموا يُحْسِنُون ما أمكن دعوتهم بكل قُدْوةٍ وحكمة وموعظة حَسَنة بحال زوجة فرعون أسوأ الكافرين الذي قال أنا ربكم الأعلي حين صَبَرَت علي أذاه وتَمَسَّكَت بإيمانها وثَبَتَت عليه ولم تَتَرَاجَع عنه بعوْن ربها وتوفيقه وتيسيره وقالت طالِبَة لعظيم أجره في الآخرة ربِّ ابْنِ لي قصراً عظيماً في جنتك التي عندك في مُسْتَقَرّ رحمتك .. فلْيَتَشَبَّه إذَن بثَبَاتها علي إسلامها وصَبْرها وتوكّلها علي ربها وتَعَلّقها بأجره وخيره وسعادته في الداريْن مَن أراد أن يَسعد مثلها .. " .. وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿11﴾ " أيْ وسَأَلَتْه تعالي أيضا في دعائها أن أَنْقِذني برحمتك وقُدْرتك من سلطان ونفوذ فرعون ومن آثار ما يَصْدُر عنه من عملٍ كله شرور ومَفاسد وأضرار ومَظَالِم ، وثَبِّتْنِي فلا أعمل مثلها أبدا ، وكذلك أنقذني من التابعين المُعاونين له في الظلم والشرّ والفساد ومن عذابهم وأضرارهم
ومعني " وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿12﴾ " أيْ وكذلك يَذْكُر الله لكم مثلا آخر لحال الذين آمنوا والذين كُرِّمُوا وأسْعِدُوا في دنياهم وأخراهم تمام التكريم والإسعاد وهي مريم ابنة عمران التي حَفِظَت فَرْجَها وصَانَتْه عن الزنا بما يدلّ علي كمال عِفّتها وطهارتها وبُعْدها عن كل فاحشة ، فبقُدْرتنا التي لا يمنعها شيء أدْخَلْنا فيه روحَاً بأمرنا وإذننا والتي لا يعلم سِرَّها إلاّ نحن لجَنِين يَتَخَلَّق في رَحِمها لتُحَرِّكه وتُعطيه الحياة ليكون إنسانا يَتَكَوَّن بصورةٍ خارِقَة للعادة وبغير الأسباب المُعْتَادَة من أبٍ وأمٍ ليكون مُعجزة دالّة علي تمام قُدْرتنا وكمال علمنا هو عيسي ابن مريم يكون رسولا مِنَّا للناس يهديهم للإسلام ليَسعدوا في الداريْن .. " .. وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ .. " أيْ هذا مزيدٌ من المَدْح لها إضافة لِمَا سَبَقَ ذِكْره ، أىْ وكان من صفاتها الحَسَنَة أنها آمَنَت وعملت بشرائع الله وإرشاداته ووَصاياه وأخلاقِيَّاته وصَدَّقَت بكل مُعجزاته في كوْنه وتقديراته وتَدْبيراته وبكُتُبه التى أنزلها على رسله السابقين للناس بما فيها التوراة التي نَزَلَت علي موسي والإنجيل الذي نَزَل علي ابنها عيسي والتي كانت كلها بها الأخلاقيات التي تُسعدهم تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. " .. وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿12﴾ " أيْ وهذا أيضا مزيدٌ من المدح لها ليَتَشَبَّه بها مَن أرادَ التَّشَبّه ليُكْرَم ويُسْعَد مِثْلها في الداريْن ، أيْ وكذلك كانت من عِدَاد القانِتين والقانتات أيْ الذين يُوَاظِبون علي طاعة الله تعالي في كل ما طَلَبَه منهم في وصاياه في الإسلام باختيارهم وبرضاهم وبكلّ حبٍّ لربهم ولطاعته واطمئنانٍ به وسكونٍ له .