الآن يمكنكم الاستماع إلى الكتاب عبر الرابط
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿46﴾ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿47﴾ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿49﴾ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿50﴾ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿52﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحْسِنون دعوة الآخرين لله وللإسلام بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة (برجاءمراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك (برجاءمراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا (برجاءمراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .. " أي ولا تُحاوِروا ولا تُناقِشوا أهل الكتاب وهم أصحاب الكتب السماوية السابقة وهم اليهود والنصاري الذين ُأنزل عليهم التوراة التي ُأوحيت إلي موسي والإنجيل الذي ُأوحي إلي عيسي عليهما الصلاة والسلام ، بل ولا تُحاوروا الناس جميعا علي اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم وعلومهم وأفكارهم وأديانهم ، إلا بالتي هي أحسن ، أي ليس بالمُحَاوَرَة والمُناقشة التي هي حَسَنَة فقط أي جميلة طيِّبة لَيِّنة مُناسبة مُؤَثّرة مُفيدة مُسْعِدَة ، بل بالتي هي أحسن أي بما هو أكمل مُحاوَرَة ومناقشة وأعظم وأفضل وأجمل وأطيب وأَلْيَن وأَنْسَبَ وأكثر فائدة وإسعادا للآخرين .. " .. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .. " أي فيما عدا الذين يَتطاولون ويَتَعَدّون ويَتجرَّأون علي الله ورسله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ويُسيئون الأدب معهم ، فمثل هؤلاء يُقابَلون بما يُناسبهم بما لا يخرج قطعا عن أخلاق الإسلام بحيث يوُقِفهم عند حَدِّهم ويُؤَدِّبهم لعلهم يَستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم .. ومَن اشتدَّ ظلمه فقَاتَلَ بالسلاح فيُقَابَل بمثله أي بالقتال حتي يَتوَقّف عن اعتدائه (برجاءمراجعة الآيات ﴿190﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن القتال في الإسلام وفوائده ومتي يكون﴾ .. " .. وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿46﴾ " أي وخُلُق آخر عليكم أن تنتبهوا له وتعملوا به إضافة إلي المُحَاوَرَة بالتي هي أحسن وهو أن تكونوا مُنْصِفِين عادِلِين بحيث أنه عندما يحاورونكم ويَذكرون لكم ما يُوافِق الإسلام فاقبلوه وما ينحرف عنه فارفضوه ، وذَكِّروهم علي سبيل الدعوة والإرشاد لعلهم يَستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن أنكم تؤمنون بكل ما في الكتب السماوية التي ُأنزلت إليهم قبل القرآن مِمَّا لم يُصبه تحريف أو تخريف لأنها كلها أصلها واحد وهو الإسلام وكلها مصدرها واحد وهو الخالق الواحد وأنكم تؤمنون بالله وحده خالق الخَلْق كلهم إضافة بالقطع أنكم تؤمنون بما ُأنزل إليكم وهو القرآن والذي يشمل كل ما في الكتب السابقة مِن أخلاقيات ويَستكمل ما يُناسب البشرية ويُكملها ويُصلحها ويُسعدها وأنكم مسلمون أي مستسلمون لنظام الإسلام والذي هو من عند ربكم لأنه هو مصدر سعادتكم ، ولقد كان من المُفْتَرَض أن يكونوا هم أيضا كذلك فيؤمنوا بالله وبرسوله محمد ﷺ وبالقرآن العظيم لأنهم أهل كتابٍ أي يعلمون بوجود الله ويعلمون الرسل والكتب السماوية ولا يُشركون مع الله آلهة أخري فيعبدون مثلا حجرا أو صنما أو نجما أو غيره ، وحتي ما يقوله البعض عن أنَّ المسيح ابن الله أو حتي هو الله يُمكِن تصحيحه لأصحاب العقول المُنْصفة العادِلَة ! وقد عادَ بالفعل كثيرون منهم عن ذلك بالمناقشة بالتي هي أحسن وأسلموا كما يُثبت الواقع ذلك كثيرا ، فلماذا إذن لا يُؤمن كثير منهم بالرسول محمد ﷺ وهو الذي قد نَبَّأَت به كُتُبهم وبالقرآن وبالإسلام ليَسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ؟! وعلي ماذا الخلاف إذن ؟!! ولكنه تعطيل العقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. إنهم إن يَستفيقوا ويعودوا لربهم ولإسلامهم ، للحقّ وللخير وللسعادة ، سيَسعدوا تمام السعادة في الداريْن ، وإن استمرّوا علي ماهم فيه تعِسوا تمام التعاسة فيهما
أما معني " وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿47﴾ " أي وكما أكرمنا وأنزلنا كُتُباً سابقة علي البَشَر لتُنَظّم لهم كل شئون حياتهم لتُسعدهم في دنياهم وأخراهم ولم نتركهم دون توجيهٍ وإرشادٍ وإلا تَعِسوا فيهما ، فكذلك أكرمناك وأكرمناهم وأنزلنا أيْ أوحينا إليك لِتُبَلّغهم هذا القرآن العظيم بما فيه مِن نُظُمٍ مُتَكَامِلَة تُسْعِد كل مَن يعمل به كله في كل لحظات الحياة الدنيا بكل مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة .. " .. فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ .. " أي الصادقون المُخلصون الذين ُأنزل إليهم الكتب السابقة بمُجَرَّد عِلمهم بالقرآن الكريم واستماعهم له يؤمنون أي يُصَدِّقون به ويُسلمون ، لأنهم يُدركون تماما أنه استكمالٌ لِمَا عندهم في كتبهم من أخلاقيّات ونُظُم ولكن بما يُناسب العصر وحتي يوم القيامة .. " .. وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ .. " أي ومِن كل الموجودين مِن البَشَر ـ إضافة لهؤلاء الذين ُأنزل عليهم الكتب السابقة وآمنوا بمجرّد سماع القرآن والعلم به ـ حين يُحسنون استخدام عقولهم ويَستجيبون لنِداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا ، فإنهم أيضا يؤمنون به أي بالقرآن ، ويُصَدِّقون بربهم ويتمسّكون بإسلامهم ليَسعدوا في دنياهم وأخراهم (برجاءمراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ .. " .. وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿47﴾ " أي لكن لا يَقبل ولا يَعترف ولا يُصَدِّق بآياتنا في القرآن ، ولا بآياتنا أي دلائلنا علي وجودنا ومُعجزاتنا في كل مخلوقاتنا في كَوْننا ، إلا الكافرون المُتَعَمِّقون في الكفر المُصَمِّمون المُسْتَمِرُّون عليه ، والجُحُود هو عدم الاعتراف بالحقّ رغم العِلْم والتأكُّد تماما أنه الحقّ ! والكفر في الأصل هو تغطية الحقائق وإخفاؤها ، لأنهم يُدركون تماما داخل عقولهم مِن فطرتهم أنَّ القرآن حقّ ، والله ورسوله ﷺ وإسلامه حقّ ، أي صِدْق ، أي يُصْلِح ويُكْمِل ويُسْعِد البشرية كلها حتي يوم القيامة ، ولكنه التكذيب والعِناد والاستكبار والمُرَاوَغَة والإخفاء للحقّ مِن أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " .. وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ " أي لم تكُن يوماً من الأيام مِن قبل أن يُوحَيَ إليك هذا القرآن تاليا أيْ قارئا لأيِّ كتابٍ أو خَاطَّاً أيْ كاتِباً لأيّ مَكْتوبٍ ما ، بل كنتَ طوال عمرك ُأمِّيَّاً لا تقرأ ولا تكتب – وهذا فخرٌ لك أنك لم يُعَلّمك أحد وإنما عَلَّمك الله وحده العليم الحكيم الخبير فأنت إذن في أعظم مَكانَة – وهذا أكبر دليلٍ قاطعٍ علي أنَّ هذا القرآن هو وَحْي من عند الله تعالي ، لأنك لو كنتَ تقرأ وتكتب إذاً لَاَسْتَغَلَّ ذلك المُبْطِلون – أي المُتَعَمِّقون في الباطل أي في كلّ ما هو ضدّ الحقّ أي في كلّ كذبٍ وضلالٍ وشرٍّ وضياعٍ والذين هم كل أقوالهم وأفعالهم واضحة البُطْلان – في أن يَتَشَكَّكوا ويَنشروا شَكَّهم في أنَّ هذا القرآن ليس وَحْياً من عند الله وإنما أنت الذي كتبته ونقلته عمَّا كنت تقرؤه وتتعلّمه في كتب السابقين ، أو لَتَحَجَّجوا أنَّ لهم بعض العُذر في أن يتشكَّكوا أيضا في أنك لست الرسول المكتوب عندهم في كتبهم لأنَّ المكتوب هو أنك أُمِّي كما قال تعالي : " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ .. " (برجاءمراجعة الآية ﴿157﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل)
ومعني " بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿49﴾ " أي ليس كما يَدَّعِي الظالمون كذبا وزُورا وسَخَفا وتخريفا أنَّ هذا القرآن العظيم ما هو إلا أساطير السابقين أي قصصهم الخُرافِيَّة وليس وَحْيا من عند الله تعالي خالق الخَلْق ومُرْشِدهم لكل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم بهذه التوجيهات والأخلاقيات والنُظُم التي فيه ، ولكنه آيات بَيِّنات ، أي دلائل واضحات قاطعات علي وجود الخالق وصلاحية شرعه الإسلام لإسعاد الناس حتي يوم القيامة ، وذلك في صدور الذين أوتوا العلم لا غيرهم ، أي في عقول العالِمين أي العاقِلين المُتَدَبِّرين أصحاب العقول الذين يُحسنون استخدام عقولهم ويَتدبَّرون ويَتعَمَّقون فيها ، وليس الذين يُعَطّلون هذه العقول وكأنَّهم كالجَهَلَة لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد ! إنهم يتمسّكون تمام التمسُّك بهذه الآيات ، وهي تختلط تمام الاختلاط بعقولهم وتَستقرّ وتَرْسَخ فيها ، فيحفظونها ويُحافظون عليها ويعملون بها في كل شئون حياتهم لأنها مصدر سعادتهم التامَّة فيها ثم في آخرتهم ، وينشرونها ما استطاعوا للجميع ليَسعدوا مثلهم فيهما .. وفي هذا مدح للمسلمين وتشجيع لهم للاستمرار علي ذلك .. إنه بكل تأكيد مَن يَجْحَد أي لا يَقبل ولا يَعترف ولا يُصَدِّق بآياتنا في القرآن ، ولا بآياتنا أي دلائلنا علي وجودنا ومُعجزاتنا في كل مخلوقاتنا في كَوْننا ، ماهُم إلا الظالمون المُتَعَمِّقون في الظلم المُصَمِّمون المُسْتَمِرُّون عليه ، والجُحُود هو عدم الاعتراف بالحقّ رغم العِلْم والتأكُّد تماما أنه الحقّ ! والظلم هو كل ما تجاوَز الحَدّ ، كل ما تجاوَز الحقّ والعدل والخير ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم ما شابه هذا
أما معني " وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿50﴾ " أي قال الظالمون الذين ُذكِرُوا في الآيات السابقة ، أي المُكَذبون المُعاندون المُستكبرون المُستهزؤن المُرَاوِغون ، لو ُأنزل علي محمد آيات من ربه أي دلائل ومعجزات تدل علي صِدْقه تكون مَرْئيَّة مَحسوسة كما حدث مع الرسل السابقين كعصي موسي مثلا التي تنقلب ثعبانا حقيقيا عند إلقائها أو إحياء الموتي لعيسي وما شابه هذا من أدِلَّة ، لكُنَّا آمَنَّا علي الفور !! إنهم مِن شِدّة إصرارهم علي ما هم فيه تمام الإصرار ، كلما جاءتهم آية قاطِعة دامِغة طلبوا غيرها ثم غيرها وهكذا ، ويَدَّعون كذبا أنه لو جاءهم بهذه الآية الأخيرة التي يطلبونها فسيؤمنون مباشرة !! .. إنه تعالي قادر قطعا علي كل آية ولكنه لن يُنزلها لأنه يعلم أنَّ إصرارهم هو من عقولهم وليس مِن قِلّة الآيات حيث دلائل الله ومعجزاته كثيرة حولهم في كل مخلوقاته في كل كوْنه ! ثم القرآن ذاته هو أعظم مُعْجِزَة إذ جاء بقواعد لأنظمةٍ وتشريعاتٍ تُدير كل الناس في كل العصور وكل الأماكن وتُصلحهم وتُكملهم وتُسعدهم إلي يوم القيامة ، فهل هناك من نظامٍ دقيقٍ يُلائم كل هذه المُتَغَيِّرات مثله ؟!! إنهم إن لم يؤمنوا بهذه المعجزة العظيمة فلن يؤمنوا حتما بأيّ معجزة أخري والتي ستكون بالقطع وقتية لا دائمة وأقل منها مهما عظمت ! وهذا هو معني " .. قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ .. " أي هي عنده سبحانه وليس عند أيّ أحدٍ ولا حتي الرسل ، وهو قادر قطعا علي إنزالها في أي وقتٍ شاء أو لا يُنزلها حسبما يراه من حِكمته وتدبيره للأمور بما يُصلِح خَلْقه ، وليس لأيّ أحدٍ أن يقترح عليه تعالي الإتيان بها أو تعديلها أو تبديلها أو منعها .. " .. وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿50﴾ " أي هذه فقط هي مهمّتي ومهمّة المسلمين من بعدي – وكل مسلم هو داعي إلي الله والإسلام بصورةٍ من الصور علي قَدْر استطاعته – أن يكون كلٌ منهم نذيرا مُبِينا أي مُبَيِّناً أي مُوَضِّحَاً ما أمكن لكل الناس حوله أين الصواب من الخطأ والخير من الشرّ والسعادة من التعاسة في كل شئون الحياة ، ومُنْذِرا أي مُحَذِرا الذين لم يستجيبوا للخير بكل تعاسةٍ في دنياهم وأخراهم بما يُناسب شرورهم وأضرارهم ومفاسدهم ، وليَتَحَمَّلوا إذن نتيجة سوء أعمالهم لا يتحمَّلها عنهم رسلهم الكرام ولا المسلمين الدعاة من بعدهم ، ما داموا قد أحسنوا دعوتهم بكلّ قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة (برجاءمراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، فليطمئنّوا إذن ولا يشعروا بتقصيرٍ ما نحو مَدْعُوِيهم .. هذا ، وكما أنهم مُنْذِرون فهم أيضا مُبَشِّرون بكل خيرٍ وسعادة في الداريْن للمتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم ، ولكن اقتصر الحديث في الآية الكريمة علي الإنذار دون التبشير لأنه يُناسب الحال حيث سياق الآيات السابقة يتكلم عن المُكَذبين المُصِرِّين علي تكذيبهم
ومعني " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ " أيْ ألا يَكفي هؤلاء الظالمون الذين ُذكِرُوا في الآيات السابقة والذين يُرَاوِغُون بطَلَب معجزات مَرْئيَّة مَحسوسة حتي يؤمنوا ، ألا يكفيهم معجزة هذا القرآن العظيم الذي أعجزَ ويَستمرّ يُعْجِز أيَّ أحدٍ أن يأتي بما أتَيَ به من نُظُمٍ وأخلاقيات وتشريعات تُسعد كل البَشَر في كل مكان وكل زمان بكل المُتَغَيِّرات حتي يوم القيامة ؟!! (برجاءمراجعة الآية السابقة ﴿50﴾ لمزيدٍ من الشرح والتفصيل) ، والذي هو يُتلي عليهم أي يُقرأ باستمرارٍ ويَستمعون له ويُمكنهم كلهم الرجوع إليه إذا أرادوا في أيّ وقتٍ وهو إعجاز مستمرّ مع الإنسانية كلها حتي يوم القيامة لأنه محفوظ بينهم بحفظ الله له بينما أيّ معجزة أخري حِسِّيَّة ستنتهي بانتهاء وقتها رغم عظمتها ولا يراها إلا فقط مَن كان حاضرا حينها شاهدا عليها وقد كانت فقط مُناسِبة لعصرها أمَّا بعد ذلك فلم تَعُد مُلائِمة ! فأيّ المعجزات إذن أعظم وأكثر استمراريّة في تأثيرها ؟!! إنها حتما معجزة هذا القرآن العظيم !! فهذا ما يُقِرّ به أيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادل ! .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ .. " أي إنَّ في ذلك القرآن مِن الأخلاقيات والنُظُم والتشريعات والقواعد والأصول والخبرات ونحوها ، ما يحمل بالتأكيد بلا أيّ شكّ كل رحمة أيْ كل نعمة ، ويشمل حتما كل تذكيرٍ ووَعْظٍ بكل ما يُؤدّي إلي كل خيرٍ وسعادة في الدنيا والآخرة .. " .. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ " أي لكن لا ينتفع بكل هذا الخير إلا فقط الذين يؤمنون به لا غيرهم ، أي الذين يُصَدِّقون بوجود ربهم وبصلاحية شَرْعه الإسلام لإصلاح وإكمال وإسعاد البشرية كلها تمام السعادة في دنياها حتي يوم القيامة ثم في أخراها ، فيتمسّكون بالتالي به كله في كل شئون حياتهم ليَضمنوا تماما تحقيق ذلك
أما معني " قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿52﴾ " أي يَكفيني ويَكفي كلّ مسلم كفاية تامّة – ولا نحتاج أبدا لأيّ شهادة أخري منكم ولا مِن أيّ أحد – أنَّ الله تعالي هو الشهيد أي الشاهد الذي يشهد والحاكم الذي يحكم بيني وبيننا وبينكم ، فشهادته حتما هي الحقّ أي الصدق والعدل وحُكمه قطعا كذلك ، وسيُعْطِي بالقطع كل فريق ما يستحقّ ، سيُعطي الصادقين وهم المسلمين كل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم ، وهذا هو ما يشهد لهم تماما أنهم علي الحقّ ، بعد أن شهِد لهم بأنهم علي الحقّ بإعطائهم القرآن واستجابتهم له وتمسّكهم به ، وسيُعطي المُكذبين المُعاندين المُستكبرين المُستهزئين كل شرٍّ وتعاسة فيهما بما يناسب شرورهم ومفاسدهم وأضرارهم بكل عدلٍ دون أيّ ذرَّة ظلم ، وهذا هو شهادته عليهم بأنهم علي الباطل وأنهم لم يحفظوا نعمة القرآن عليهم فلم يُصَدِّقوا ويَعملوا بها ، وذلك لأنه سبحانه " .. ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. " أي ستكون شهادته وسيكون حُكمه بيننا وبينكم حتما هو الحُكم العَدْل لأنه يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه كل شيءٍ عن أيّ شيءٍ مِن خَلْقه في السموات والأرض والكوْن كله ولا يَخفَيَ عليه أي خافية مِمَّا تقولونه أو تفعلونه أنتم أهل الشرّ سواء أكان علنيا أم سِرِّيا ومِمَّا يفعله المؤمنون أهل الخير .. وفي هذا تمام الطمْأنَة للمسلمين المُتمسّكين بإسلامهم ، وتمام القلق والتوتّر والاضطراب والرُّعْب للمُكذبين ، لعل ذلك يُوقظهم فيعودوا لربهم ولإسلامهم ليَسعدوا في الداريْن .. " .. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿52﴾ " أيْ فَلْيَحْذَر تمام الحَذَر ، الذين آمنوا بالباطل ، أي صَدَّقوا وعَبَدوا كل ما يُعْبَد غير الله تعالي كصنمٍ أو حجر أو نجم أو غيره ، وعملوا بكلّ باطلٍ أي بكل ما هو غير حقٍّ وعدلٍ أي بكل شرٍّ وفساد وضرر علي الذات والغير ، وكفروا بوجود الله أصلا ، أنهم سيكونون هم الخاسرين في دنياهم وأخراهم أيْ أشدّ الخاسرين بخسارة ما بعدها خسارة ولم يخسرها أحدٌ مثلهم ، حيث في الدنيا سيكون لهم درجة ما مِن درجات العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أوضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراعٍ أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة سيكون لهم كل ألمٍ وكآبة وتعاسة ، بسبب أفعالهم السَّيِّئَة إذ مَن يَزرع سوءا لابُدَّ أن يحصد سوءا كما نَبَّه لذلك تعالي بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿الإسراء : 7﴾ ، ثم في الآخرة سيكون لهم حتما ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد
تفسير الآيات ﴿53﴾ ، ﴿54﴾ ، ﴿55﴾
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿53﴾ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿54﴾ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿55﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاءمراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مُتَجَنِّباً تماما لعذاب الله في الدنيا والآخرة بالتمسّك علي الدوام بكل أخلاق إسلامك (برجاءمراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، مع التوبة مِن كلّ شرٍّ أوّلا بأوَّل بالاستغفار باللسان وبالندم بداخل العقل وبالعَزْم بداخله علي عدم العودة للشرّ وبِرَدِّ الحقوق لأهلها إن كان الشرّ مُتعَلّقا بالآخرين لتعود لك سعادتك التامّة بإسلامك وخيره من غير أيّ تعكيرٍ بأيّ تعاسةٍ بسبب أيّ شرّ
هذا ، ومعني " وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ .. " أي ويَطلبون منه ﷺ – ومِن المسلمين مِن بَعده – بصورةٍ فيها تكذيب واستكبار واستهزاء واستهتار سرعة إنزال عذاب الله بهم الذي يعدهم به إن كان صادقا فإن لم ينزل فهو إذن كاذب والمسلمون كاذبون ! فهُم بَدَلاً أن يَتعمَّقوا في كلامه ويُحسنوا استخدام عقولهم ويطلبوا وقتا للتفكير فيه ومزيدا من الأدِلَّة ليقتنعوا به ويَتمنّوا الهداية للخير كما هو يُتَوَقّع أن يحدث مِن صاحب أيِّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ إذا بهم يَطلبون الهلاك لإثبات صِدْقِه !! إنهم يتمنّون حتي العذاب ويُفَضِّلونه علي أن يهتدوا !! بما يدلّ بلا أيّ شكٍّ علي تمام إصرارهم علي حالهم دون أيّ مراجعةٍ لذواتهم وتراجعهم بأيّ خطوةٍ نحو الخير فهم مُستمرّون علي كلّ شرٍّ حتي نهايتهم ! وحين ينزل العذاب المُهْلِك بهم فلن يكون لهم أيّ فُرْصَة للعودة ! ألا يعقلون ذلك ؟! لقد كان من المُمْكِن حتي طَلَب عقوبةٍ خفيفةٍ كإثباتٍ علي صِدْقِه بحيث لو تَحَقَّقَت يكون لهم فرصة للعودة فالعقل يقول ذلك !! ولكنه تعطيل العقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو نَزْوَةٍ فاسدةٍ عارِضَةٍ أو غيره (برجاءمراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ .. " .. وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ .. " أي لوْلا أنَّ الله تعالي قد حَدَّدَ بحِكمته بكل دِقَّة دون أيّ عَبَثٍ أجلا مُسَمَّاً أيْ موعدا مُحَدَّدا لكلّ حَدَثٍ ، بما يُحَقّق المصلحة لخَلْقه علي أكمل وأسعد وَجْهٍ ، ومنه تحديد موعد العذاب الدنيويّ لمَن يستحِقّه وعذابه في قبره بعد موته وموعد الحساب الختاميّ في يوم القيامة ، لَكَانَ أنزله بهم فورا لأنهم يستحقّونه تماما بسبب شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم لذواتهم ولمَن حولهم بل وأحيانا للكوْن كله ، ولكنه تعالي حليم رحيم بهم رغم أنهم يُسيئون التعامُل مع هذا الحِلْم وهذه الرحمة ، فهو يُعطِي لهم الفُرْصَة بعد الأخري ويتركهم لفتراتٍ أو يُوقظهم ببعض عقوباتٍ خفيفةٍ لعلهم يَستفيقون – هم أو مِن ذُرِّيَّاتهم – ويعودون للخير وللسعادة في الداريْن .. " .. وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿53﴾ " أي والله وبكل تأكيد سيحضرهم موعد هذا العذاب الدنيويّ وسيكون بَغْتة أيْ فجأة دون أن يَدْروا مِن أين جاءهم ولا كيف بدأ بحيث لا يُمكنهم إبداء أيّ استعداد ومقاومة له أو هروب منه .. هذا ، وعذاب الدنيا له درجات وصُوَر علي قَدْر الشرور والمَفاسد والأضرار التي تصدر منهم ، فقد يكون في صورة قلقٍ أو توتّرٍ أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين ، وبالجملة درجةٍ مِن الألم والكآبة والتعاسة ، وقد يَصِل الأمر أحيانا أن يكون العذاب بالإهلاك برياحٍ أو زلازل أو فيضانات أو ما شابه هذا (برجاءمراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالاستئصال التامّ من الحياة﴾
ومعني " يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿54﴾ " أي مِن شِدَّة تكذيبهم وعدم تصديقهم واستهتارهم وسوء تقديرهم للأمور بسبب تعطيلهم لعقولهم بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، لم يكتفوا فقط باستعجال العذاب في الدنيا كما في الآية السابقة ، بل استعجلوا أيضا عذاب الآخرة ! فإذا كان هؤلاء الكافرون المُكذبون المُستكبرون المُسْتَهْتِرون هكذا مُتَشَوِّقِين لعذاب جهنم في الآخرة والذي لا يُمكنهم تَخَيُّله ولا تَحَمُّل لحظة فيه فإنه بانتظارهم ومُجَهَّز لهم وسيُحيط بهم بشِدَّته وقسوته مِن كل جانبٍ فلا يَقْدرون علي الفرار منه ! .. هذا ، وتكرار ذِكْر العذاب في آيتيْن مُتتاليتيْن هو تأكيد لحَتْمِيَّة حدوثه ، وتحذير شديد لهم لعلهم يستيقظون ، كما أنه طمْأَنَة للمسلمين أنَّ ربهم الكريم القويّ العزيز حتما ناصرهم ومُكْرمهم ومُعِزّهم علي من آذاهم في الدنيا والآخرة
ومعني " يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿55﴾ أي يومها سيُقْذَفون مَذلولين في عذاب جهنم وسيَغشاهم أي سيُغَطّيهم مِن فوقهم ومِن تحتهم أيْ مْن كلّ الجوانب فلا يكون لهم أيّ مخْرج أو مَهْرَب أو مَلْجأ ، ثم إضافة إلي العذاب الجسديّ المُرْعِب غير المُتَصَوَّر هذا ، سيكون هناك عذاب نفسيّ مُهين مُذِلّ آخر ، حيث يُقال لهم – مِن الله أو مِن ملائكة العذاب أو مِن حديثٍ داخل عقولهم أو نحو هذا – تَذوَّقوا صُوَر العذاب المختلفة التي كنتم لا تُصَدِّقونها وتستعجلون رؤيتها وتَتَشَوَّقون لتَذَوُّقها !! والتي ما هي إلا بسبب ، وفي مُقابِل ، شروركم ومَفاسدكم وأضراركم التي كنتم تعملونها في دنياكم
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴿56﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاءمراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مُسْتَعِدَّاً للهجرة في سبيل الله وترْك وطنك ، إذا لم تستطع عبادة الله تعالي وحده ، إلي أرضٍ أخري يُمكنك فيها عبادته والتمسّك بكلّ أخلاق إسلامك (برجاءمراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن معاني وصور الهجرة والجهاد في سبيل الله وفوائدهما وسعاداتهما في الداريْن﴾
هذا ، ومعني " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴿56﴾ " أي يا أيها الذين آمنوا بي أيْ صَدَّقوا بوجودي وتمسّكوا بدينهم الإسلام الذي ارتضيته لهم وأرشدتهم إليه ليسعدوا به في دنياهم وأخراهم ، يا عبادي ، يا مَن تعبدونني ، يا مَن تطيعونني – ونَسَبَ سبحانه المؤمنين إليه تكريما لهم ورَفْعَاً مِن شأنهم وحُبَّا فيهم وتشجيعا لهم للاستمرار علي خيرهم حيث صِفَة العبد لله تعني تمام الحرية والعِزَّة والانتفاع والسعادة بكرم سيده وهو خالقه الكريم تعالي بينما العبد للبَشَر أو لغيره يعني تمام الذِلّة له ويَستفيد سيده مِن جهده وخَيْره – إن لم تستطيعوا عبادتي في أرضٍ ما وُأجْبِرْتم علي عبادة غيري ، ومُنِعْتُم مِن تمَسّككم بإسلامكم كله أو حتي بعضه وُأكرهتم علي فِعْل الشرور والمَفَاسِد والأضرار ، بإيذاءٍ شديدٍ أو سجنٍ شديد أو تضييقٍ حياتيٍّ شديد أو تهديدٍ شديد جادٍّ بقتلٍ أو ما شابه هذا ، فانطلقوا مُهَاجِرين إلي أرضٍ غيرها آمِنة تتمكّنون فيها من التمسّك بالإسلام ولا تعبدوا أبداً غيري ، ولا تتراجعوا مُطْلَقَاً عن هذا بل تُصِرُّوا عليه وإلا تَعِستم تمام التعاسة في دنياكم وأخراكم ، وكونوا دائما مُخلصين مُحسنين في ذلك لتسعدوا تماما فيهما (برجاءمراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان﴾ ، فإنَّ أرضي واسعة ، فلا تُضَيِّقُوا علي أنفسكم في مكانٍ ما ، وكلها ملكي ، وكلها مُسَخَّرة لكم ، وستجدون فيها حتما رحمتي الواسعة ورزقي الواسع المُسْعِد ، وأنا معكم دوْما ُأيَسِّرَ لكم كلّ أسباب ذلك ، فاطْمَئِنّوا واسْتَبشِروا واسْعَدوا
تفسير الآيات ﴿57﴾ ، ﴿58﴾ ، ﴿59﴾
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿57﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿58﴾ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿59﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يتذكَّرون الموت بين الحِينِ والحين ، وبتَوَسُّطٍ واعتدال ، دون إفراطٍ في ذِكْره حتي تقعد عن طَلَب الدنيا والانتفاع والسعادة بها كما يُحِبّ لك ربك ذلك وخَلَقك مِن أجله ويطلبه إسلامك ، انتظارا له ، أو تفريطٍ بحيث تنساه وتنسَيَ رَبْط أقوالك وأعمالك الدنيوية كلها بنوايا خيرٍ بعقلك أنك تطلب أعلي درجات الآخرة بفِعْل كل خيرٍ مُمْكنٍ وتَرْك كل شرٍّ مُمْكِن والابتعاد عنه ، أو تنساه بحيث تَنْهَمِك بِشَرَهٍ في الجَرْي وراء الدنيا بخيرها وشرّها حقّها وباطلها نافعها وضارّها دون أيّ تمييز (برجاءمراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن كيفية حُسن طَلَب الدنيا والآخرة معا﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك ! .. ثم ستَسعد أيضا في حياتك كثيرا إذا كنتَ مِن الصابرين أي الثابتين الصامِدين المستمرّين بكل هِمَّة في فِعَل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ في كل قولٍ وعمل وإنتاج وكسب وإنفاق وعلم وإنجاز وبناء وفكر وتخطيط وابتكار وعلاقات طيبة وما شابه هذا .. وإذا كنت دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدَافعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوق والسعادة (برجاءمراجعة الآية ﴿203﴾ ، ﴿204﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل)
هذا ، ومعني " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ .. " أي كل إنسان سيذوق حتما طَعْم الموت عند انتهاء مُدَّته التي حدَّدها الله له في حياته الدنيا ، سيذوق طعما طيّبا هانِئا مُمتعا مُفْرِحا مُسْعِدَا إذا كان من أهل الخير ، وسيذوق بالقطع طعما خبيثا مُرَّاً دنيئا مؤلما مزعجا مرعبا مُتْعِسَاً إن كان من أهل الشرّ .. " .. ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿57﴾ " أي الجميع سيعودون إلي خالقهم سبحانه وحده لا إلي غيره ، وسيُجَازِي كُلاًّ بعمله ، إن خيرا فله كل الخيرات والرحمات والسعادات والبركات ، وإن شرّا فله كل الشرور والتعاسات علي قَدْر مَفَاسِده وأضراره بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿58﴾ " أي وأمَّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أي الذين صَدَّقوا بوجود ربهم وتمسّكوا بأخلاق إسلامهم ، فليس بالقطع حالهم كحال المُكذبين المُعاندين الذين يستعجلون العذاب والذين ُذكِرُوا في الآيات السابقة ، وإنّما والله لنُبَوِّئنَّهم أي لنُسْكِنَّنهم ولنُنْزِلنَّهم ، واللام للقسم والنون للتوكيد ، في غُرَفٍ أي مساكن مُمَيَّزَة مِن قصورٍ فَخْمَة تكون مرتفعة وليست أرضية تطل علي كل أنواع الأنهار من ماء ولبن وعسل وغيره والمقصود أعلي درجات الجنات وأرفعها وأَمْيَزها وأعظمها .. خالدين فيها أي بلا نهاية .. فما أَنْعَمَ وأجمل وأطيب وأعظم وأسعد هذا الأجر الذي لم تَرَه عينٌ مِن قَبْل ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي عقل بَشَر لهؤلاء العاملين الذين عملوا في حياتهم الدنيا بكل أخلاق الإسلام
ومعني " الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿59﴾ " أي كانوا صابرين علي أخلاق إسلامهم أي ثابتين صامدين مُستمرّين بكل هِمَّة عليها ، وكانوا إن أصابهم اختبارٌ أو ضررٌ ما صبروا عليه ليخرجوا منه مُستفيدين استفادات كثيرة (برجاءمراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ ، وكانوا إذا احتاج الأمر للجهاد في سبيل الله بكل صوره الدعوية والفكرية والمالية والعسكرية وغيرها صبروا عليه (برجاءمراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الجهاد وصوره وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. ثم هم دائما في كل شئون حياتهم يتوكّلون علي ربهم أي يعتمدون عليه ، أي يتّخِذونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم ، مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة ، لِيُيَسِّرَها لهم تمام التيسير ويُسعدهم بها تمام السعادة .. هذا ، وكل ما سبق ذِكْره هو تذكرة لكل مسلم عليه أن يقتدي ويعمل بها لينال كلّ خيرٍ وسعادة في دنياه وأخراه
وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿60﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل ، أي المُعتمدين عليه تمام الاعتماد (برجاءمراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل) ، فأنت بذلك ستَضمن كل خيرٍ وسعادة ، ستضمن كل أنواع الرزق ، ستحيا في أمانٍ واستقرار دون أيّ قلقٍ أو توتّر أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين علي الأرزاق ، فقد تَكَفّل الخالق الرزّاق الوهّاب الكريم للجميع بأرزاقهم ، لكلّ مَن يَدبّ علي الأرض سواء أكان إنسانا أم حيوانا أم غيره ، وسواء أكان ضعيفا أم قويا ظاهرا أم خفيا ، فالإنسان المُكَرَّم بعقله يُرْزَق علي حسب إحسانه في اتخاذ أسباب ذلك ، وكلّما أحسن كلما ازداد رزقه أكثر وأكثر ، من كل الأرزاق ، من أموالٍ وصحة وقوة وفكر وعِزَّة وكرامة ومَكَانَة وعلم وثقافة وعلاقات اجتماعية طيبة وما شابه هذا ، بما يُحقق له أتمّ السعادة في دنياه ، ثم يكون لمَن يُؤمن بالآخرة ، ويُجَهِّز لها بأن يَسْتَصْحِبَ نوايا خيرٍ بعقله في كل أقواله وأفعاله ويتمسّك بكل أخلاق إسلامه ، أعظم وأتمّ وأخلد السعادة فيها
إنه تعالي يُيَسِّر كل أسباب الرزق وأصوله ومُقَوِّماته وموادّه وموارده لخَلْقه ، مِن روحٍ وقوة وماء وهواء وطاقة ومعادن وخامات وحركة ونمو خلايا وفكرٍ وعملٍ ونحو ذلك ، ولو مَنَعَ شيئا من هذا لامتنعت الأرزاق ! إنه يُعِين بكل العَوْن مَن يستعين به ، ويُيَسِّر له الأسباب ، إمّا مباشرة وإما بتيسير خَلْقٍ مِن خَلْقه يُعينوه علي ما يريد تحقيقه
هذا ، ومعني " وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا .. " أي كم من الدوابّ ، أي كثير منها ، وهي كل مخلوق يَدبّ علي الأرض سواء أكان عاقلا أم غير عاقل ، لا تَحمل رزقها معها ولا تَسير به ولا تستطيع جَمْعه وتَخزينه – فيما عدا الإنسان وقليل من المخلوقات – وإنما كلّما أرادت رِزْقاً رَزَقَها الله خالقها ومُرَبّيها وراعيها وقتاً بوقتٍ ويوماً بيومٍ وذلك طوال حياتها وحتي موتها .. " .. وَإِيَّاكُمْ .. " أي إذا كان هذا العطاء الوفير مِن الرزق يَحدث مع الدوابّ الضعيفة التي لا عقل لها أو لها فقط نِسْبَة ما من العقل والفكر والقوة ، فما بالكم معكم أيها البَشَر أصحاب العقول والأفكار والقوَيَ المختلفة المتطوّرة ؟! إنّ خالقكم الكريم مُرَبّيكم وراعيكم ومُرْشِدكم لكل خيرٍ وسعادة في الداريْن حتما سيَرزقكم مِن كل أنواع الأرزاق إذا أحسنتم اتّخاذ أسباب ذلك ، وكلّما أحسنتم كلما رُزِقْتم أكثر وأكثر ، وسيُيَسِّر لكم هذه الأسباب وسيُعينكم عليها إمّا مباشرة وإما بتيسير مخلوق من مخلوقاته يُعينكم علي تحقيق ما تُريدون .. " وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿60﴾ " أي يسمع تماما كل طلباتكم وأقوالكم وطلبات كل خَلْقه ويعلم بتمام العلم احتياجاتكم جميعا ، فاطمَئِنّوا إذن واسْتَبْشِروا وأَحْسِنوا واسْعَدوا
تفسير الآيات ﴿61﴾ ، ﴿62﴾ ، ﴿63﴾
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿61﴾ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿62﴾ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿63﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن (برجاءمراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاءمراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد (برجاءمراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل) ، فأنت بذلك ستَضمن كل خيرٍ وسعادة ، ستضمن كل أنواع الرزق ، ستحيا في أمانٍ واستقرار دون أيّ قلقٍ أو توتّر أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين علي الأرزاق ، فقد تَكَفّل الخالق الرزّاق الوهّاب الكريم للجميع بأرزاقهم .. وستَسعد كذلك إذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدَل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر إحياء الأرض بعد موتها أي إنبات النبات منها بعد أن كانت مَلْسَاء لا حياة فيها ، وكذلك تَدَبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك !
هذا ، ومعني " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿61﴾ " أي لو سُئِلَ أيّ أحدٍ مِن المشركين بالله ، أي الذين يعبدون غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، مَن الذي خلق السموات والأرض وكل ما فيهما من مخلوقات وسخرّها كلها لمنفعة خَلْقه كالشمس والقمر وغيرهما ، لم يكن لهم أيّ إجابة إلا أنَّ الخالق هو الله وحده !! لأنه لم يستطع ولم يَجْرُؤ ولا يوجد أيّ أحدٍ ادَّعَيَ أنه هو الذي خَلَقها ! فليس لهم إذن إلا هذه الإجابة ! فهم مُجْبَرون عليها ومُقِرُّون تماما بها ! وهذه هي إجابة المشركين ، فهم يعترفون لله بأنه وحده الخالق لكنهم لا يعترفون له بأنه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة !! .. أمّا الكافرون وهم الذين يكفرون بوجود الله أصلا ، والكفر في أصله من الناحية اللغوية هو تغطية الحقائق وإخفاؤها ، فإنهم لا يُعلنون ولا يَنطقون بأنَّ الله تعالي هو الخالق ولكنهم إمَّا يَنطقون بمعاني أخري للإله مُلْتَوِيَة مُرَاوِغَة كالطبيعة مثلا والقوّة الخَفِيَّة وما شابه هذا من سَفَهٍ وتخريفٍ وإمَّا يصمتون ، ولكنَّ فطرتهم بداخلهم بالقطع تنطق بالحقّ بأنَّ الله هو الذي خَلَق كلّ الخَلْق (برجاءمراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وما كل ذلك التكذيب والعِناد والاستكبار إلا من أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. ولذلك يَرُدّ سبحانه علي أمثال هؤلاء ومَن يشبههم بما فيه تَعَجُّب مِن حالهم وتَصَرُّفهم وتحقير له لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليَسعدوا في الداريْن ، فيقول تعالي : " .. فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿61﴾ " أي فكيف يكون منهم هذا الإفك ؟! أي هذا الكذب الواضح السخيف ؟! أي هذا الانصراف عن الحقّ بكل هذا التَّبَجُّح وبلا أيّ حياءٍ أو تَعَقُّل ! ولماذا إذن بعد أن اعترفوا بأنه وحده هو الخالِق يُشركون معه في العبادة آلهة غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه مِمَّا لا ينفعهم بأيّ شيءٍ ولا يمنع عنهم أيّ ضرر كما يرون واقعيا أمامهم حيث هم أقوي منها ؟! فهل يُعْقَل أن يكون المعبود أضعف من العابِد ؟!
أما معني " اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿62﴾ " أي كما أنَّ الله تعالي هو وحده الخالِق للكوْن كما اعترفوا في الآية السابقة ، فهو أيضا وحده الرزَّاق الذي يُيَسِّر كل أسباب الرزق وأصوله ومُقَوِّماته وموادّه وموارده لخَلْقه ، مِن روحٍ في المخلوقات ذوات الأرواح ومن قوةٍ وماء وهواء وطاقة ومعادن وخامات وحركة ونموّ خلايا وفكرٍ وعملٍ ونحو ذلك ، ولو مَنَعَ شيئا مِن هذا لاَمْتَنَعَت الأرزاق ! إنه يُعِين بكل العَوْن مَن يستعين به ، ويُيَسِّر له الأسباب ، إمّا مباشرة وإما بتيسير خَلْقٍ مِن خَلْقه يُعينوه علي ما يريد تحقيقه .. فلماذا إذن يُشركون معه في العبادة آلهة غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه مما لا ينفعهم بأيّ شيءٍ ولا يمنع عنهم أيّ ضررٍ كما يرون واقعيا أمامهم حيث هم أقوي منها ؟! فهل يُعْقَل أن يكون المعبود أضعف من العابِد ؟!
إنه تعالي يبسط الرزق أي يُوَسِّعه ويكثره لِمَن يشاء ، ويَقْدِر أي يُضَيِّق ويُقَلّل لمَن يشاء ، فليس الأمر إذن مُرتبط بالكفر والإيمان والحب والكُرْه ! بحيث الذي يُوَسَّع عليه يَتَوَهَّم أنه مُقَرَّب مِن الله مَحْبوب لديه ، حتي ولو كان مُشركا أو كافرا ! كما أنَّ الذي يُضَيَّق عليه لا يَتَوَهَّم أنه بعيد عن ربه مَكْروه منه ! فلْيَطمَئِنّ إذن المؤمنون بربهم المتمسّكون بإسلامهم إذا حَدَثَ وقلّت أرزاقهم أحيانا بعض الأوقات .. فالأمر مُتَعَلّق بأنه سبحانه يريد أن يُصلح خَلْقه ويُكملهم ويُسعدهم ، ولذا قال : " .. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿62﴾ " أيْ هو يعلم بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه كلّ شيءٍ عن أيّ شيءٍ مِن مخلوقاته ، ويعلم مَن يُصلحه ويُكمله ويُسعده بَسْط الرزق ومَن يَستحِقه بأنْ أحْسَنَ اتّخاذ أسبابه ومَن سيُحْسِن استخدامه فيُسْعِد ذاته ومَن حوله في الداريْن ونحو هذا ، ويعلم أيضا قطعا مَن سيُفْسِده وينقصه ويُتعسه بَسْط الرزق وهو لا يَسْتَحِقّه لأنه لم يُحْسِن اتّخاذ أسبابه ولن يُحْسِنَ استخدامه فسيُتْعِس ذاته وغيره فيهما فيُضَيِّق عليه بعض الوقت أو في بعض الأرزاق وليس كلها لكي يَستفيق ويُصْلِح حاله .. ثم هو تعالي إن ضَيَّقَ في رزقٍ ما فإنه يكون لفترةٍ ما ، ويكون للاختبار أو كنتيجةٍ لخطأٍ ما في اتّخاذ الأسباب مثلا ، ويكون للاستفادة بخبراتٍ مِن ذلك (برجاءمراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. ثم هو سبحانه في ذات الوقت يكون مُوسِعا في أرزاقٍ أخري كثيرة ، وهكذا (برجاءمراجعة أيضا الآية ﴿26﴾ من سورة الرعد ، لمزيدٍ مِن الشرح والتفصيل)
ومعني " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿63﴾ " أي وللتأكيد مرة ثانية ، علي أنَّ المشركين – وهم الذين يعبدون غير الله تعالي كصنمٍ أو حجر أو نحوه – مُعْتَرِفون أنَّ الله وحده لا غيره هو خالق السموات والأرض بما فيها ، لو سَأَلَهم أيّ أحدٍ عن مَن الذي ينزل الماء من السماء فيُحيي به الأرض بعد موتها أي ينبت بها كل أنواع النباتات بما ينفع خَلْقه بعد أن كانت مَلْسَاء مَيِّتَة ، لم يكن لهم أيضا أيّ إجابةٍ إلا أنَّ القادر علي فِعْل ذلك هو الله وحده !! لأنه لم يستطع ولم يَجْرُؤ ولا يُوجَد أيّ أحدٍ ادَّعَيَ أنه هو الذي يفعله ! فليس لهم إذن إلا هذه الإجابة ! فهم مُجْبَرُون عليها ومُقِرُّون تماما بها ! وهذه هي دائما إجابة المشركين ، فهم يعترفون لله بأنه وحده الخالق القادر علي كل شيء لكنهم لا يعترفون له بأنه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة !! .. أما الكافرون فإجابتهم تكون مختلفة (برجاءمراجعة الآية السابقة ﴿61﴾ ، للشرح والتفصيل) .. " قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ .. " أي اشكروا الله كل الشكر علي كل نِعَمه والتي لا تُحْصَيَ ومنها أنّه وَضَّحَ للمؤمنين أي المُصَدِّقين به المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم كل هذه الحقائق ، وأنْ جَعَلَ غيرهم ينطقون بالحقّ بألسنتهم ، ليزدادوا يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكٍّ بوجود ربهم وبأنه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة وبصلاحية شرعه الإسلام لإصلاحهم وإكمالهم وإسعادهم دون غيره من الأنظمة المُخَالِفة له فيزدادون تمسُّكا وعملا به لتَتِمّ سعادتهم في دنياهم وأخراهم ، وكل هذه النِّعَم والتي لا يُمكن حصرها تَسْتَوْجِب تمام شكرها ، بالعقل باستشعار قيمتها وباللسان بحمده سبحانه وبالعمل باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ حتي تكون دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وَعَدَ سبحانه ووعْده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. " .. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿63﴾ " أي لكنَّ كثيرا منهم لا يُحسنون استخدام عقولهم ، فهم كفَاقِدِي وضِعاف العقول أي كالمجانين والسفهاء ، لأنهم قد وضعوا عليها أغشية وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. ولفظ " .. أَكْثَرُهُمْ .. " يُفيد تمام الدِّقّة والعدل والإنصاف لأنَّ قِلّة منهم قد أحسنوا استخدام العقول فآمنوا بربهم وتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم فسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم
وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿64﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا (برجاءمراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام
هذا ، ومعني " وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ .. " أي احذروا تمام الحَذَر أيها المؤمنون أي المُصَدِّقون بربكم المتمسّكون بكل أخلاق إسلامكم المُوقِنون بحساب الآخرة ونعيمها الخالد أن تحيوا حياتكم مثل هذه الحياة الدنيا أي الدنيئة الحقيرة التي يحياها المُكذبون المُعانِدون المُستكبرون البعيدون عن ربهم وإسلامهم ، حيث حياتهم كلها لَهْو أي انشغال بما هو حقير عمَّا هو كبير وبما هو شرّ غالبا أو دائما عَمَّا هو خير ، كما أنها حياة كلها لعب أي عَبَث أيْ بلا فائدة كالأطفال التي تَحْبُو وتجتمع للعب ثم تنفضّ بلا هدف ! .. ثم تذكّروا دائما ولا تنسوا أبدا أيها المؤمنون المتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم أنَّ هذه الحياة الدنيا – أي القريبة والأدني نسبة للأعلي وهي الآخرة – حتي ولو كانت كلها خير وسعادة كحياتكم فهي لا تُذْكَر بالنِسْبة إلي الحياة الآخرة الخالدة والتي أنتم مُوقِنون بها والتي فيها ما لا عين رَأَت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي عقل بَشَر ، فأحْسِنوا تمام الإحسان الاستعداد لها ، وهذا هو معني " .. وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ .. " أي بكل تأكيد هي الحياة بحقّ ، فالحيوان مُبَالَغَة للحياة ، أيْ هي حياة بلا أيّ نهاية ، بلا أيّ موت ، بلا أيّ تَعَب ، بلا أيّ ذرّة تعاسة ، بل فيها تمام السعادة أَبَدَ الآبِدِين .. " .. لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿64﴾ " أي لو كانوا يعقلون ، أي لو كان هؤلاء الذين يُكذبون ويُعَانِدون ويَستكبرون والذين ينسون آخرتهم ، لو كانوا يُحسنون استخدام عقولهم فيَتدبَّرون في هذا ، ولا يتصرَّفون وكأنهم كالجَهَلة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد ولا يعلمون أنَّ هذا هو حال الحياة الدنيا ، ولو كانوا يَتعَمَّقون في الأمور ويعلمون عنها بحقٍّ وليس بصورةٍ سَطْحِيَّةٍ ويستشعرونها بجدِّيَّة ، لَأَحْسَنوا الاستعداد بالإيمان بربهم والتمسّك بإسلامهم ولَمَا عاشوا حياتهم هكذا بعيدين عنهما في كلّ شرٍّ وفسادٍ وضررٍ وتعاسة .. وما كلّ ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا هذه العقول بالأغشية التي وضعوها عليها بسبب الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿65﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿66﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتَيْن الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاءمراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافِعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة (برجاءمراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل) .. ثم إيّاك وإيّاك أن تَعْبَدَ أو تتوَكَّل علي غيره حين تُصاب بشيءٍ مِن ضررٍ أو اختبار ما (برجاءمراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن كيفية الصبر علي هذا والخروج مُستفيدا﴾ ، سواء في البحر أو في أيّ مكانٍ أو مجالٍ أو وضع آخر ، فتَدعو أو تعتصم أي تتحَصَّن بغيره وتَلجأ له مُتَيَقّنا أنه هو الذي سينجيك – وليس سَبَبَاً من الأسباب مع يقينك أنَّ الله وحده هو النافع الضارّ (برجاءمراجعة الآيات ﴿72﴾ حتي ﴿76﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن ذلك﴾ – ثم إيّاك وإيّاك بعد أن يُعينك الله برحماته وتيسيراته علي المرور والخروج والنجاة من هذه الأزمة ، وأيّ أزمة أنت فيها ، حينما لجأتَ إليه واعتصمتَ به ، أن تبتعد عن ربك ودينك وتعود إلي شرٍّ ما كنت عليه أو تكفر بنِعَم ربك عليك أي تكذبها ولا تعترف بها وتَنْسبها لغيره ، أو تفعل كما يفعل بعض السَّيِّئين فيكفر بوجود الله أصلا أو يُشرك معه في العبادة شيئا آخر كصنمٍ أو حجر أو غيره أو ما شابه هذا من صور الخِسَّة والسوء (برجاءمراجعة الآية ﴿22﴾ ، ﴿23﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن الاعتصام علي الدوام بالله تعالي وليس وقت الشدَّة والأزمات فقط﴾
هذا ، ومعني " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿65﴾ " أيْ إذا حَدَثَ وأحَسَّ الذين يُشركون بالله آلهة غيره فيَعبدون صنما أو حجرا أو نحوه ، بالهلاك والغرق وهم راكبون في السفن في البحر ، حينها يَدْعون خالقهم الله تعالي بكل تَوَسُّلٍ واحتياجٍ وتَذلّل ، وبكل إخلاصٍ أي صدق في دينهم أي في دعائهم وفي طاعتهم له وقتها مُخْلِصين مُحْسِنين ويَتركون ويَلفظون ويَنسون آلهتهم ! (برجاءمراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) ، لأنَّ حينها تنطق الفطرة حينما يَذهل العقل مِن شِدَّة الموقف فيَنْسَيَ عِناده وفِكْره الشرِّيّ ! (برجاءمراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، إنهم حينها يَنسون بل يَحتقرون عبادة ودعاء آلهة غير الله تعالي القادر علي كل شيء لأنهم متأكّدون أنها لن تنفعهم بأيّ شيء ! والإنسان لا يُمكن أن يَخدع ذاته ! فحينما يكون الأمر جادَّا ويَرَيَ أنه سيَهلك حقيقة فإنه يحافظ علي حياته ما استطاع ويلجأ بصدقٍ إلي مَن سيُحافِظ له عليها وليس هو غير خالقه الكريم الحفيظ ويَتَجَاهَل ويحتَقِر أيّ أحدٍ أو شيءٍ غيره ! .. " .. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿65﴾ " أي إذا استجاب دعاءهم وأعادهم سالِمين من بين أمواج البحر المُهْلِكَة إلي البرّ فتَراهم بَدَلاً أن يشكروه تعالي علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ والتي منها نعمة نجاتهم إذا هم يُشركون !! أي يعودون لِشَرِّهم ولشِرْكهم ويعبدون آلهتهم بل ويَنسب بعضهم النجاة لها أو لقبطان السفينة أو ما شابه هذا ! فلماذا لا يستمرّون علي عبادة ربهم ليسعدوا في الداريْن وقد جَرَّبُوا أفضاله ورحماته وسعاداته ؟! ولكنها الخِسَّة والدناءَة والتكذيب والعِناد والاستكبار من أجل تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. هذا ، وحتي بعض الناس من المسلمين قد يقعون في سوءٍ يُشبه هذا السوء ! بسبب بُعدهم عن ربهم وتركهم لإسلامهم بعضه أو كله ، فإنهم مع حدوث الضرر يتذكّرون ربهم ويُسارعون بالعودة له ودعائه بكل تَوَسُّل وتَذَلّل ثم إذا استجاب لهم عادوا لابتعادهم عنه ولتركهم لإسلامهم بدرجةٍ من الدرجات ولفِعْلهم للشرور والمفاسد والأضرار ! بل وقد يَنْسِبُون فضل إزاحة السوء لغير الله تعالي وينسون أنَّ مَن ساعدهم مِن البَشَر ليس إلا مجرّد سببٍ مِن الأسباب سَخَّرَه الله لهم ليساعدهم ! فليحذر المسلمون حذرا شديدا من التشبُّه بمِثْل هؤلاء وإلا تعسوا مثل تعاساتهم في دنياهم وأخراهم
أما معني " لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿66﴾ " أي اكفروا كيْفما شِئتم ! بكل نِعَم الله التي أعطاكم إياها والتي لا يُمكن حصرها ، بل واكفروا أيضا حتي بوجود الله ذاته ! كما تشاءون ! وتمتّعوا كيفما تريدون بمُتَع الحياة علي أيّ صورةٍ سواء أكانت شرّا أم خيرا ضررا أم نفعا .. وفي هذا تهديد شديد لهم وتحذير لأيّ أحدٍ أن يفعل مثلهم ، وهذا هو معني " .. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿66﴾ " أي مع الوقت سيَعلمون وسيُدركون النتائج السَّيِّئة لكفرهم أو شركهم بعبادة غيره أو نفاقهم بإظهار الخير وإخفاء الشرّ أو ظلمهم واعتدائهم وعدم عدلهم أو فسادهم وشرّهم ونشرهم له أو نحو هذا ، وذلك حين ينزل بهم نوعٌ ما مِن أنواع العقاب ، في دنياهم حيث القلَق أو التوتّر أو الضيق أو الاضطراب أو الصراع أو الاقتتال مع الآخرين وبالجملة حيث كلّ ألمٍ وكآبةٍ وتعاسة ، ثم في أخراهم سيكون لهم حتما ما هو أشدّ ألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴿67﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿68﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتَيْن الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء (برجاءمراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا (برجاءمراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك (برجاءمراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل) .. وإذا كنتَ دائما من الشاكرين الله تعالي علي نِعَمه التي لا يُمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كلّ خيرٍ دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وعد سبحانه ووعْده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " ﴿إبراهيم : 7﴾
هذا ، ومعني " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴿67﴾ " أي ألم يُشاهِدوا ويَنظروا ويَتدَبَّروا ويعلموا ويُدركوا – والاستفهام للتقرير أيْ لكي يُقِرّوا ويَعترفوا هم بأنفسهم ، أيْ لقد رَأوا وتأكّدوا – النعمة الهائلة التي هم فيها ولا يستشعرون قيمتها لأنهم قد اعتادوا عليها وهي أننا جعلنا بلدهم حَرَمَاً أي مُحَرَّمَة مُحْتَرَمَة يحترمها الجميع ويُحَرِّمون الاعتداء عليها وعلي كل مَن فيها أو يدخلها ، احتراما وتعظيما لبيت الله الحرام فيها ، وكذلك جعلناها آمنة أي في أمانٍ واطمئنانٍ تامّ مِن أيّ اعتداء ؟! بينما الناس حولهم يُتَخَطّفون أي يُؤخَذون بسرعة أي يُسْرَقون ويُنْهَبُون ويَعتدي بعضهم علي بعض ويَظلم ويَقتل بعضهم بعضا وما شابه ذلك .. " أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴿67﴾ وهو سؤالٌ للتعَجُّب وللإنكار أي للرفض ولعدم القبول ، أي ما أشدّ ظلمهم وأعجب تصرّفهم ! وفي هذا لوْم شديد لهم علي فِعْلهم وتحذير عظيم بعدم الاستمرار عليه أو أن يفعل أحدٌ مثلهم ، لأنهم بَدَلاً أن يشكروا ربهم الخالق الرازق الكريم علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ ومنها نعمة الأمن والاحترام والمَكَانَة التي هم فيها ويَتَرَبَّحون منها ، إذا بهم يؤمنون بالباطل !! أي يُصَدِّقون بالأصنام أو الأحجار أو النجوم أو نحوها التي يعبدونها غير الله تعالي أنها آلهة تَنفع أو تَضرّ !! وإذا بهم بسبب ذلك يَتَّبعون كلّ باطلٍ أي كل ما هو غير حقٍّ أي كل شرٍّ وفسادٍ وظلم وضرر !! .. وبالتالي ، وبفِعْلِهم هذا ، بإيمانهم بالباطل ، فهم يَكفرون بنعمة الله ، أي يُنكرون نِعَمه كلها ، أي لا يعترفون بها ، وأعظمها نعمة القرآن والإسلام والرسول ﷺ الذي علّمهم إيّاه بتمام الصدق والأمانة ليَسعدوا به تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، ثم بقية النِعَم كالعقل والصحة وكلّ أنواع الأرزاق التي يَصعب حصرها
أما معني " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ .. " أي لا أحد أشدّ ظلما وأعظم عقوبة من الذي يَفْتَري علي الله الكذب أي يَختلق كذبا ليس له أيّ أصل والذي هو أعظم من الكذب في أمرٍ له أصل ما ، كمَن يَدّعِيَ مثلا كذبا وزورا وتخريفا أنَّ لله تعالي شركاء يُعْبَدون غيره كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها ! أو له ولد ! أو يُوحَيَ إليه ! أو أتَيَ بكتابٍ غير القرآن الكريم ! أو ما شابه هذا من افتراءات وادِّعاءات وتخاريف .. " .. أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ .. " أي كذّب ولم يُصَدِّق بالقرآن وبالإسلام الذي جاءه به الرسول محمد ﷺ وبصلاحيته لإصلاح وإكمال وإسعاد البشرية كلها بكلّ مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة ، بل البعض يُكَذّب بوجود الله أصلا وهو الحقّ أي الصدق كله ! .. " .. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿68﴾ " أيْ هل ليس فيها مَثْوَي لهم ؟! أي بكلّ تأكيدٍ هناك في جهنم يوم القيامة مثويً أي مكان إقامةٍ واستقرار دائم خالد حيث تمام العذاب والتعاسة للكافرين ومَن يُشبههم ، أي الذين كانوا يُغَطّون حقيقةَ أنَّ الله تعالي موجود فيُكَذبون بوجوده وبأنَّ إسلامه هو أكمل تشريع يُسْعِد الناس تمام السعادة في الداريْن ، فالاستفهام في الآية الكريمة ليس للسؤال هل سيكون لهم مكان في جهنم أم لن تسعهم ! وإنما هو للتقرير أي للتأكيد علي ذلك
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿69﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المجاهدين في سبيل الله (برجاءمراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن صور الجهاد وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ دائما في كل أقوالك وأعمالك من المُخلصين المُحسنين (برجاءمراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني الإخلاص والإحسان﴾
هذا ، ومعني " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا .. " أي بذلوا كل أنواع الجهود واجتهدوا في قولِ وعملِ كل أنواع الخيرات من كل أخلاق الإسلام المُسْعِدَة في كل جوانب الحياة المختلفة ، بَدْءَاً من أصغرها وحتي أعلاها وهو جهاد المُعتدين علي الله والإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير بما يُناسبهم سواء أكان جهادا بالفكر أم بالدعوة أم بالعلم أم بالمال أم بالقتال وبذل الدماء والأرواح ضِدَّ من اعتدي بالقتال (برجاءمراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الجهاد في سبيل الله وصوره وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. " .. فِينَا .. " أي من أجلنا أي من أجل الله وحده لا من أجل غيره ، أي طَلَبَاً لِحُبِّنا ورضانا ورعايتنا وأمننا وعوْننا وتوفيقنا ونصرنا وقُوَّتنا ورزقنا وإسعادنا في الدنيا ثم أعلي درجات جناتنا في الآخرة ، وليس طَلَبَاً لِسُمْعَةٍ أو لِجَاهٍ أو ليَراهم الناس فيقولوا عنهم كذا وكذا من المدح أو لِمَا شابه هذا (برجاءمراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني الإخلاص والإحسان وفوائدهما وسعاداتهما في الداريْن﴾ .. " .. لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا .. " أيْ والله وبكل تأكيد – حيث اللام للقَسَم والنون للتوكيد ، والله تعالي لا يحتاج إلي قَسَمٍ فيكفي أن يقول ويَعِدَ في القرآن الكريم !! ولكنه يُقْسِم بذاته العَلِيَّة لمزيدٍ مِن طَمْأنَة مَن يُحبّهم من المؤمنين – سنَهديهم إلي كل السُّبُل أي الطرق المُوَصِّلَة إلينا ، أي سنُيَسِّر لهم ونُوَفّقهم ونُسَدِّد خُطاهم نحو كلّ حقٍّ وعدلٍ وخيرٍ وسعادةٍ في دنياهم وأخراهم ، من خلال تيسيرِ وحبِّ التمسّك بكل أخلاق الإسلام في كل أقوالهم وأعمالهم ، وسنزيدهم حِرْصَاً علي كل ذلك واجتهادا فيه وحُبَّاً له ﴿لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في أمر الهداية لله وللإسلام ، برجاء مراجعة الآية ﴿253﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة آل عمران﴾ .. " .. وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿69﴾ " أي وهذه هي دائما سُنَّة الله أي طريقته وأسلوبه سبحانه حيث هو حتماً دَوْماً موجود بِعَوْنه وتوفيقه وتيسيره مع كل مُخلصٍ مُحسنٍ أيْ مُتْقِنٍ مُجِيدٍ متمسّك بكل أخلاق إسلامه في كل أقواله وأفعاله من أجل أن يُيَسِّر له كل أسباب تمام الخير والسعادة في دنياه وأخراه.
الم ﴿1﴾
أي هذا القرآن العظيم ، الذي أَعْجَزَ البشرية كلها حيث لم يستطع أحدٌ أن يأتي بمثل ما أتَيَ به من نُظُمٍ مُتكَامِلَة تُسعِد الجميع في كل شئون حياتهم في كل لحظاتها بكل مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة ، مُكَوَّن من هذه الحروف البسيطة ، فأتُوا بمثله لو تستطيعون !! .. فاسْعَد وافخَر واعْتَزّ وتَمَسَّك بهذا الكتاب المُعْجِز الذي يُعْلِي مِن شأن كل مَن يعمل بكل ما فيه ويُصلحه ويُكمله ويُسعده في دنياه وأخراه
غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿5﴾ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿6﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن الذين يَثِقُون بهذا القرآن العظيم تمام الثقة ويُصَدِّقون به تمام التصديق وبما يُخْبِرك الله فيه وهو الحقّ العدل الصدق وهو بكل شيء عليم ، إنه يُخبرك عن الغَيْب أي ما غابَ عن إدراكك وحَوَاسَّك ، سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا تعلمه أم من المستقبل ، لأنك بذلك ستُحْسِن الاستفادة مِمَّا مَضَيَ وستُحسن الاستعداد لما هو قادم ، وكيف لا تُصَدِّق بالقرآن وهو الدليل الموثوق به المُسْعِد الهادي من الخالق لمخلوقه ، من الصانع لِصَنْعَته ، ليظلّ الإنسان دائما في دنياه مُصَانَاً كامل الكفاءة سعيدا سعادة تامّة بكل خيرٍ ولا يُعَكّر صفوها أيّ شرّ ثم لينال سعادة أتمّ وأعظم وأخلد في أخراه ؟! .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﴿ ص ﴾ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون الدعوة لله وللإسلام ، ويُوقِنون بعَالَمِيَّتها ، أي بأنها للعالَم كله لإسعاده في دنياه وأخراه كما يُنَبِّه تعالي لذلك بقوله : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " ﴿ الأنبياء : 107 ﴾ ، ولذا فالداعي الواعِي يتابع أحداث العالم ليُحْسِن التخطيط والتفكير والعمل لنشر دعوته بما يُناسب كل حَدَث وكل دولة وكل بيئة وكل زمن وكل فرد ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 272 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 187 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ دائما مع الحقّ ، مع الله والرسول ﴿ ص ﴾ والإسلام والمسلمين ، سواء أكان هذا الحق مُنتصرا قويا ، وهو غالبا أو دائما كذلك ، أو كان لفترة استئنائية مُنهزما ضعيفا – لسبب من الأسباب كالبُعْد عن الله والإسلام وعدم إحسان اتّخاذ الأسباب ونحو هذا – لأنه هو الحقّ والعدل والخير والسعادة في الداريْن ، فإيّاك أن تكون أبدا مع المُنْتَصِر القويّ حتي ولو كان باطلا أو بعيدا عن المُنْهَزِم الضعيف حتي ولو حقا ! .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافِعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكدا بلا أيّ شكّ أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 12 ﴾ ، ﴿ 13 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل ﴾ ، فالنصر من عند الله تعالي وحده ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 121 ﴾ حتي ﴿ 127 ﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿ 151 ﴾ ، ﴿ 152 ﴾ ، ﴿ 160 ﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿5﴾ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿6﴾ أي يُخْبِر الله تعالي في القرآن العظيم عن شيءٍ من الغَيْب وهو مِمَّا سيَحدث في المستقبل ، من أجل إثبات صدق الرسول ﴿ ص ﴾ الذي جاء بهذا القرآن ليزداد المؤمنون أي المُصَدِّقون ثقة فيه وحبا له وتمسّكا بكل ما فيه حيث يتأكدون أنه لتمام سعادتهم في دنياهم وأخراهم ، ولعل غير المؤمنين يستفيقون بهذا فيؤمنوا ليسعدوا فيهما هم أيضا ! .. لقد أخبرَ تعالي بأنَّ الروم سيُغْلَبون أي سيَغلبهم الفرس – وقد كانوا وقتها أقوي دولتين – ثم بعد بِضْع سنين من الاستعداد سيَغلبون ، والبِضْع بين الثلاث والتسع سنوات ، وقد حَدَثَ هذا بالفعل وصَدَقَ القرآن والرسول ﴿ ص ﴾ ، فآمَنَ بذلك بعض غير المؤمنين وبقي البعض أو الأكثرون وقتها علي إصرارهم علي التكذيب والعِناد .. وقد كان المسلمون حينها مؤيدين للروم لأنهم كانوا أهلَ كتابٍ وهو الإنجيل الذي ُأوحي إلي عيسي ﴿ ص ﴾ يعبدون الله به ولا يعبدون النار أو غيرها مثل الفرس ، فهم مسلمون حيث لم يسمعوا بَعْد بدين الإسلام في مكة ، ولو انتصروا فهم أقرب للإسلام ويسهل دعوتهم له ونشره فيهم ثم من خلالهم للعالمين .. هذا ، ومعني في أدني الأرض أي غُلبوا في أقرب الأرض التي بجوار الجزيرة العربية وهي منطقة الشام علي أطراف بلاد الروم وقتها ﴿ في قارة أوروبا ﴾ علي الحدود مع بلاد فارس ﴿ في قارة آسيا ﴾ .. " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ .. " أي مِن قَبْل النصر ومن قبل الهزيمة ومن بعدهما ، ومن قبل كل شيءٍ وكل حَدَثٍ ومن بعده ، أي أنَّ الأمور كلها بيد الله تعالي الخالق الحكيم المُدَبِّر القادر علي كل شيءٍ حيث هو الذي يُدَبِّر كل شئون خَلْقه علي أكمل وأسعد وجهٍ بما يُحقّق مصلحتهم وكمالهم وسعادتهم ، وهم ليس عليهم إلا إحسان اتّخاذ الأسباب المُمْكِنَة المُتَاحَة المُسْتَطَاعَة ، لكنَّ تيْسِير سَيْر هذه الأسباب وتيسير تحقيق نتائجها متروك له وحده سبحانه ، فقد يُحَقّق أمرا بصورة تامّة أو جُزْئيّة أو لا يُحَقّقه مطلقا ، والمسلمون يعلمون ذلك تمام العلم ويتأكدون أنَّ الله لا يفعل لخَلْقه إلا كل خير ، ولذا فهم يتوكلون أي يعتمدون عليه تمام الاعتماد ويُحسنون ما أمكنهم أسبابهم التي يتّخذونها ثم يستسلمون للنتائج مهما كانت ، مع تقييمها وتصويب الخطأ منها والازدياد مِمَّا هو حَسَن فيها ، ولهم ثوابهم علي كل حال ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 143 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن أنَّ الصبر علي اختبارٍ أو ضررٍ ما له فوائده وسعاداته في الداريْن ﴾ .. " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ .. " أي حين ينزل نصر الله علي المؤمنين ، سيسعدون تمام السعادة ، وذلك عند نزوله في أيّ شأنٍ مِن شئون حياتهم صغر أم كبر ، أو حين تنتصر دعوة الإسلام فينتشر ليَسعد به الجميع ، أو حين ينتصرون علي مَن يعتدي عليهم بالقتال فيَصدّون اعتداءه ويهزمونه ، أو نحو هذا .. لكنَّ الله تعالي ينصر مَن يشاء ، وهو مَن يُحْسِن اتّخاذ أسباب النصر المُمْكِنَة المُتَاحَة المُسْتَطَاعَة ، ومَن يعلم أنه سيُحْسِن بعد النصر استخدامه في نشر كل خيرٍ وسعادة لا نشر الظلم والقهر والاستعباد والإذلال ونهْب الجهود والثروات والخيرات ، ونحو هذا ، وهذا هو الذي يُتَوَقَّع ويُنْتَظَر مِن المسلمين المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم ، أمّا إذا لم يُحْسَنوا اتّخاذ الأسباب وأساءوا فلن ينصرهم الله بكل تأكيد ، فهذا هو القانون الإلهيّ العادل للحياة ، قانون الأسباب والنتائج ، كما نبَّهنا لذلك ربنا بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿ الإسراء : 7 ﴾ .. وقد يُحْسِنون ويُؤَجِّل سبحانه النصر لِحِكَمٍ كثيرة كلها مصلحة وسعادة لهم ولغيرهم ولا يعلمها إلا هو وحده الحكيم العليم ، كأن يكونوا مثلا محتاجين لمزيدٍ من الإعداد أو لو انتصروا اختلفوا لأنه لا زال فيهم من لا يُقَدِّر قيمة النصر فلا يستمرّ نصرهم طويلا والله يريد له الاستمرار أو ماشابه هذا من مصالح وفوائد لا يعلمها إلا هو سبحانه ، فالنصر إذن ينزله تعالي بأفضل وأسعد توقيتٍ وأسلوبٍ يعلمه تعالي للمؤمنين ، ولذلك يقول : " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿5﴾ " أي هو الغالِب الذي لا يُغْلَب والذي يُعِزّ المؤمنين به المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم أهل الحقّ والخير ويُكرمهم ويَرفعهم وينصرهم ، الرحيم الذي يرحم ضعفهم وتقصيرهم ويجبره ويغفر لهم ويُعينهم وينزل نصره عليهم .. وهو يَغفر لكل مَن يعود إليه وإلي إسلامه ويُسعده في الداريْن .. ثم في النصر والهزيمة رحمة لكل خَلْقه ليَعْتَبِر ويأخذ الدروس والعِبَر مَن أراد الاعتبار .. إنه إذن العزيز في غَلَبَة أعدائه ، الرحيم بجميع خَلْقه وبصورة أخصّ وأعظم المؤمنين منهم .. " وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ .. " أي كلّ كريمٍ عظيمٍ لا يُمكن أن يُخْلِف وعده فما بالنا بأكرم الأكرمين وأعظمهم الخالق الذي لا يُقارَن بخَلْقه ! إنه تعالي لا يُمكِن أن يُخْلِف وعْده مُطلقا ، ولماذا يُخْلِف ؟! إنَّ الذي يُخْلِف هو العاجِز أو المُرَاوِغ أو الغادِر أو البخيل أو نحو هذا ، تعالي الله عن كل هذه الصفات عُلُوَّا كبيرا ، فهو مالك كل شيء وقادر تماما عليه .. " .. وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿6﴾ " أي فقط المؤمنون بربهم المتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم هم الذين يعلمون أي يعقلون ويَتدبَّرون ذلك ويَثقون تمام الثقة فيه ، أما أكثر الناس الكافرون أي الذين يُكذبون بوجود الله ، وأكثر الناس المشركون أي الذين يعبدون آلهة غير الله كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها – ولفظ أكثر يُفيد تمام الدِّقّة والعدل والإنصاف لأن قِلَّة مِن هؤلاء الكافرين والمشركين يعلمون الحقّ ويُسْلِمُون في كل زمن – لا يعلمون ذلك ، أي لا يعقلونه ، أي لو كان هؤلاء الذين يُكذبون ويُعَانِدون ويَستكبرون يُحسنون استخدام عقولهم فيَتدبَّرون في هذا ، ولا يتصرَّفون وكأنهم كالجَهَلة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد ، لَعَلِمُوا حقّ العلم صِدْقَ ما يُتْلَيَ عليهم ولَتَأَكّدوا منه تمام التأكد .. ولكنهم عَطّلوا هذه العقول بالأغشية التي وضعوها عليها بسبب الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، ولم يستجيبوا لنداء الفطرة والتي هي مسلمة أصلا بداخل هذه العقول ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴿7﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿ 145 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿ 14 ﴾ ، ﴿ 15 ﴾ منها ، ثم الآية ﴿ 212 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 87 ﴾ ، ﴿ 88 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يَتَعَمَّقون في الأمور ويَتَدَبَّرون في معانيها والمقصود منها ولم تكن سَطْحِيَّاً تُحَرِّكك معلومة في اتجاهٍ ما ثم معلومة أخري في اتجاهٍ آخر لقِلّة علمك وبحثك وتَدَبُّرك وتَعَمُّقك ، فإنَّ التّعَمُّق يُؤَدِّي إلي كل صوابٍ وحقّ وعدلٍ وخيرٍ وسعادةٍ في الدنيا والآخرة بينما السطحية تؤدي إلي كثرة التّخَبُّط والأخطاء والتعاسات فيهما
هذا ، ومعني " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴿7﴾ " أي هؤلاء المُكذبون المُعانِدون المُستكبرون الذين ُذكِروا في الآية السابقة ومَن يُشبههم ﴿ برجاء مراجعة تفسيرها لتكتمل المعاني ﴾ هم سَطْحِيُّون ، أي لا يَتَعَمَّقون بعقولهم في الأمور ولا يَتَدَبَّرون فيما خَلْفها والمقصود منها ، فهم يَعلمون ويتفكّرون فقط فيما يَظهر لهم من الحياة الدنيا ككيفية تحصيل مُتَعها بأنواعها المختلفة سواء أكانت شرّا أم خيرا ضارّة أم نافعة والتي هي زائلة مهما طالَت بموتهم وتركها ثم بنهايتها يوم القيامة ، ولا يَتَعَمَّقون فيما وراء ذلك من أضرارٍ لهم في دنياهم ثم أخراهم والتي لا يُصَدِّقون بوجودها ، ولا يَتَدَبَّرون في قوانين الله في حياتهم مثل أنَّ لله الأمر كله مِن قّبْل ومِن بَعْد وأنه ينصر المسلمين وأنَّ وعده هو الصدق وأنَّ عليهم اتَّباع الإسلام ليَسعدوا في الداريْن بفِعْل الخير المُسْعِد لهم ولغيرهم لا الشرّ المُتْعِس وأنَّ عليهم ألاّ يَتَعَامَلوا فقط مع الأسباب التي يرونها أمامهم دون التفكّر في ربّ هذه الأسباب وخالقها سبحانه ، ونحو ذلك ، إضافة إلي أنهم هم أصلا غافِلون أي ناسُون مُنشغلون تائهون عمَّا وراء هذه الحياة الدنيا من حياة آخرة دائمة خالدة تامّة السعادة بكل خيرٍ ونفع دون أيّ شرّ أو ضرر ﴿ لمزيد من الشرح والتفصيل عن قصة الحياة وبدايتها ونهايتها وسبب الخِلْقَة ، برجاء مراجعة الآيات ﴿ 11 ﴾ حتي ﴿ 25 ﴾ من سورة الأعراف ﴾ ... فإيّاك ثم إياك أن تَتَشبَّه بمثل هؤلاء أيها المسلم وإلا تعستَ كتعاساتهم في دنياك وأخراك
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
هذا ، ومعني " أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم .. " أي هل لم يُفكّروا مرّة في أنفسهم وما فيها من مُعْجِزاتٍ يَعْجَز أيّ أحدٍ أو يَجْرؤ علي ادِّعاء خَلْقها ؟! هل بَلَغَت بهم السَّطْحِيَّة التي هم فيها والتي ُذكِرَت في الآية السابقة ﴿ برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني ﴾ وبَلَغَ بهم تعطيل العقول إلي هذا الحَدّ حتي لا يتفكّروا في أقرب مخلوق لهم مُعْجِز وهو أنفسهم ؟! وفي هذا لَوْم شديد لهم لعلهم يستقيظون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في دنياهم وأخراهم .. " .. مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ .. " أي لو أحسنوا التّفَكُّر فيما هو قريب منهم وهو أنفسهم سيُحسنون أيضا بعد ذلك وتلقائيا تَدَبُّر كل مخلوقات الله المُعْجِزات المُبْهِرات من سماوات وأرض وما فيهما وما بينهما وسيُدركون حتما حينها عند التَّدَبُّر ولو في أصغر مخلوقٍ أنه تعالي ما خَلَقَ كل ذلك إلا بالحقّ أي بكلّ حِكْمَة ودِقَّة ودون أيّ عَبَثٍ وعلي أكمل وجهٍ يَحِقّ أن تُخْلَق عليه بما يُناسب عظمته وقدرته سبحانه ، ومِن أجل الحقّ أي لكي يُعْرَف تعالي وتُعْرَف خيراته ويَنتفع ويَسعد بها خَلْقه ، ولكي تسير بالحقّ أي بالعدل أي بالإسلام لأن خالقها هو الحقّ ، تعالي عمَّا يُشركون عُلُوَّاً كبيرا .. " .. وَأَجَلٍ مُّسَمًّى .. " أي وما خَلَقَهما إلاّ لأجل مُسَمَّي وليس للدوام بلا نهاية ، أي لوقتٍ مُحَدَّدٍ ثم تنتهي ، وهو وقت يوم القيامة حيث الحياة الآخرة الخالدة والحساب الختامِيّ وكل الخير والسعادة لأهل الخير وكل الشرّ والتعاسة لأهل الشرّ علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴿8﴾ " أي ورغم كل هذا الوضوح للحقّ لأيّ صاحبِ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، إلاّ أنَّ كثيرا من الناس يكفرون أي يُكذبون ولا يُصَدِّقون بوجود ربهم وبقدرته التامّة علي بَعْثهم أي إحيائهم بعد موتهم من قبورهم للقائه في الآخرة حيث الثواب والعقاب والجنة والنار !! .. فلا تكونوا منهم أو تَتَشبَّهوا بهم أيها المسلمون وإلا تَعِستم تمام التعاسة مثلهم في دنياكم وأخراكم
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿9﴾ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴿10﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يأخذون الدروس من التاريخ السابق وينتفعون بما فيه ، فما فيه من خيرٍ فعلتَ مثله بما يُناسبك وازددتَ منه وطوَّرته وسَعِدَتَ به ، وما فيه من شرٍّ تجنّبته تماما فلا تَتْعَس به مثل تعاسة السابقين ، فالتاريخ يحمل عِبَراً ودروسا وعظات وخبرات هائلة يمكنك تحصيلها والاستفادة منها في أوقات قليلة .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ .. " أي هل لم يَتَنَقّلوا في كل جوانِب الأرض ما استطاعوا وينظروا ويشاهدوا بأبصارهم ويتدبَّروا بعقولهم في كيف كانت عاقبة أي نهاية ونتيجة سوء عمل السابقين مِن قَبْلهم والذين كانوا يُكذبون ويُعاندون ويَستكبرون ويُرَاوِغون ويَستهزؤن أمثال أقوام الأنبياء هود وصالح وشعيب وغيرهم حيث هم يرون بقايا وآثار بيوتهم الخَرِبَة المُدَمَّرَة بعد إهلاك الله لهم بوسائل مختلفة كعواصف وزلازل وغيرها ؟! .. وفي هذا السؤال في الآية الكريمة توسيع لدائرة التدبُّر ، فلا يَكتفون بالتدبُّر فقط فيما حولهم لعلهم قد اعتادوا عليه فلا يستشعرون قيمته ، لكنهم سيستشعرون قيمة الدروس حينما ينطلقون في كل أرض الله وكوْنه .. " .. كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا .. " أي لم يكونوا ضعافا بل كانوا شديدي القُوَيَ من كل أنواعها الجسدية والعقلية والمالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية ونحوها ، وكانوا كثيري الإثارة للأرض أي التقليب لها وحرثها وحفرها وتهييجها واستخراج خيراتها من زراعات ومعادن وغيرها ، وكانوا كثيري التعمير لها من كل أنواع العمران كالقصور والمباني والحصون والسدود والطرق وما شابه هذا .. لكنَّ كل هذا لم يستطع أن يمنع عنهم أيَّ شيءٍ من عذاب الله لمَّا نَزَلَ بهم !! .. فمَن كان أضعف منهم فليكن إذن أكثر حذرا فيؤمن بربه ويتمسّك بإسلامه قبل فوات الأوان ونزول العذاب ! .. " .. وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ .. " أي ليس لهم أيّ حجَّة ! فلقد أحضرت لهم رسلهم كل البَيِّنات أيْ كل الدلالات المُبَيِّنات الواضحات سواء أكانت مُعجزات تُؤَيِّد صدقهم أم آيات في الكوْن حولهم أرشدوهم لِتَدَبُّرها للاستدلال علي وجود ربهم أم آيات في كتبٍ تُتْلَيَ عليهم فيها أخلاقيات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وجه .. وقاموا بدعوتهم بكل قدوةٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حسنة بكل الوسائل المُمْكِنَة وصبروا عليهم وعلي إيذائهم طويلا وكثيرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 272 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 187 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة ﴾ .. ولكنهم مع كل ذلك كذبوا وعانَدوا واستكبروا ورَاوَغوا واستهزؤا وأصَرُّوا تمام الإصرار علي ما هم فيه دون أيّ خطوة نحو أيِّ خيرٍ حتي يُعينهم الله علي بقية الخطوات وهو الذي قد نَبَّه لهذا سبحانه بقوله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿ الرعد : 11 ﴾ ، فنزل بهم عذاب الله بدرجةٍ من الدرجات علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم .. " فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿9﴾ " أي ولم يَكُن أبداً الله الخالق الرحيم الكريم لِيَظلم أحدا بأيّ ذرَّة ظلم ، بأن يُعَذّب مثلا مَن لم يظلم أو يُعَذّبه بظلم غيره ، بل كانوا يَسْتَحِقّون العذاب تماما ، في مُقابِل أنهم كانوا يظلمون أنفسهم ومَن حولهم فأتعسوها وأتعسوهم في دنياهم وأخراهم ، فهذا هو تمام العدل حيث لا يُمكن أبداً أن يُعَامَل المُحْسِن المُسْعِد لنفسه ولغيره وللكوْن كله كالمُسِيء المُضِرّ المُتْعِس لهم ! لقد كانوا يظلمون بكل أنواع الظلم ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شِرْكا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، رغم حُسْن دعوتهم من رسلهم والمسلمين حولهم بكل قدوة وحكمة وموعظة حسنة ، والصبر عليهم لفتراتٍ طويلة وإعطائهم فرصا كثيرة للتوبة والعودة لربهم وإسلامهم ليَسعدوا في الداريْن ، ولكنهم أصرُّوا تمام الإصرار علي ما هم فيه مِن أجل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
أما معني " ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴿10﴾ " أي ثم كان آخر أمرهم ونهايته ونتيجته بعد سُوئِهم هذا ، هؤلاء الذين ُذكِرُوا في الآية السابقة ، بعد إصرارهم تمام الإصرار هذا علي التكذيب والعِناد والاستكبار والاستهزاء والاستهتار بآيات الله سواء أكانت آيات في الكوْن حولهم أم آيات في كتبٍ تُتْلَيَ عليهم فيها أخلاقيات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وجهٍ أم مُعجزات علي يدِ رسلهم لتأكيد صِدْقهم ، وبعد دعوتهم بكل الوسائل المُمْكِنَة والصبر عليهم طويلا ، كان آخر أمرهم وكانت العاقبة أي النهاية والنتيجة بالغة السوء لهؤلاء الذين أساءوا بكل أنواع السوء سواء أكان كفرا أم شركا أم نفاقا أم ظلما واعتداء وعدم عدلٍ أم فسادا وشرا ونشرا له أم ما شابه هذا ، كانت عاقبتهم السُّوَأيَ ، أيْ الأسوأ ، أي في مُنْتَهَيَ السُّوء ، لأن لفظ السُّوَأيَ في اللغة العربية هو مؤنت كلمة الأسوأ ، مثل الحُسْنَيَ مؤنت كلمة الأحسن ، وهي مؤنث لتُناسِب كلمة عاقِبَة والتي هي مؤنثة ، وذلك في دنياهم ثم أخراهم ، حيث في الدنيا لهم صورة ما من صور العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراع أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة لهم كل ألمٍ وكآبةٍ وتعاسةٍ وقد يَصِل الأمر مع تمام إصرارهم علي ما هم فيه إلي عذابهم باستئصالهم تماما من الحياة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 11 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك التام ﴾ ، ثم لهم حتما في الآخرة ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. والسبب في كل ذلك بكل تأكيد أنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن أي يَسخرون ويَسْتَهْتِرُون
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴿12﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿13﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴿14﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴿15﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿16﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
هذا ، ومعني " اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ .. " أيْ هو وحده سبحانه الخالِق الذي خَلَقَ كل الخَلْق ولم يستطع أيُّ أحدٍ ولم يَجْرُؤ علي أن يَدَّعِيَ أنه هو الذي خلقهم ، والذي خَلَقَ أول مرة من عدمٍ قادر بكل تأكيد علي أن يعيد ما خَلَقَ مرة أخري وهو أسهل عليه حيث الخامات موجودة والطريقة أصبحت معروفة كما يثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا ! ولن يفعل ذلك حتما أيٌّ مِمَّا يدَّعونه كذبا وزورا من آلهةٍ كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها ! ولذا فهو وحده بالقطع المُسْتَحِقّ للعبادة .. " .. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " أي جميعكم ستعودون إليه يوم القيامة حين يَبعثكم من قبوركم أي يُحييكم ثانية أجسادا وأرواحا ، ولن يتأخَّر أو يَختَفِي أو يَفِرّ قطعا أيُّ أحد !! حيث ستُحاسبون الحساب الختامِيّ ليَنال كلٌّ ما يستحِقّه ، فيَنال أهل الخير كلّ خيرٍ وسعادةٍ خالِدين في درجات الجنات علي حسب أعمالهم ، ويُجَازَيَ أهل الشرّ بكلّ شرٍّ وتعاسة في عذاب نار جهنم علي قَدْر شرورهم ومَفَاسدهم وأضرارهم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
أما معني " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴿12﴾ " أي يومها، يوم القيامة ، حيث بداية الحياة الآخرة ، ييأس المجرمون من أيّ خيرٍ ومن أيّ أملٍ في النجاة ويَصمتون ولا يَنطقون بأيِّ حجَّة يُدافعون بها عن أنفسهم ويكونون حَيَارَيَ مَذهولين مِن شِدَّة الموقف ، وكلّ هذا هو معني الإبْلاس ، وذلك لأنهم لم يأتوا بأقوالِ وأعمالِ خيرٍ بل كانوا مجرمين ، أي ارتكبوا الجرائم ، بأنواعها المختلفة ، سواء أكانت كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا
ومعني " وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿13﴾ " أي حينها لن يكون لهم بالقطع أيّ شفعاء – أيْ وُسَطاء عند الله يَتَوَسَّطون عنده ليعفو عنهم – ممَّا كانوا يدَّعون كذبا وزورا أنها آلهة لهم يعبدونها غير الله تعالي كالأصنام والأحجار والكواكب وغيرها ! بل سيَكفرون بها أي لا يعترفون بأيِّ شيءٍ منها لمَّا يجدونها لا قيمة لها ! وسيَعترفون حتما بالحقّ الذي كانوا يُخفونه وهو أنَّ الله وحده هو المعبود ، بل سيُنْطِق الله هذه التي يُسَمُّونها آلهة لكي تكفر هي أيضا بهم أي تُكَذبهم فيما كانوا يَدَّعونه لتكون صَدْمَتهم وعذابهم النفسيّ – قبل الجسديّ في النار – أشدّ وأعظم !
ومعني " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴿14﴾ " أي يومها أيضا – والتكرار بذات الألفاظ كما في الآية ﴿ 12 ﴾ هو للتأكيد علي حدوثها والتعظيم من شأنها والتحذير مِن شِدَّتها علي غير المؤمنين بها – أي يوم القيامة حيث بداية الحياة الآخرة ، ينقسم البَشَر ويَتَمَيَّزون إلي فِرَق ، إلي مؤمنين وكافرين ومشركين ومنافقين وظالمين وفاسدين ونحوهم ، ويُفَارِق بعضهم بعضا ، فالمؤمنون يَتَوَجَّهون بكل تكريمٍ إلي الجنة ويدخلونها في درجاتها علي حسب أعمالهم حيث ما لا عيْن رَأَت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي قلب بَشَر ، والكافرون والمشركون والمنافقون والظالمون والفاسدون ومَن يُشبههم يُسَاقون إلي عذاب النار حيث يُعَاقَبون بما يَسْتَحِقّون علي قَدْر شرورهم ومَفَاسدهم وأضرارهم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ..
ومعني " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴿15﴾ " أيْ أمَّا فريق المؤمنين ، أي الذين صَدَّقوا بوجود ربهم وبرسله وبكتبه ، وعملوا الصالحات أي تمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم فكانت كل أقوالهم وأعمالهم ما استطاعوا في كلّ خيرٍ من غير أيّ شرٍّ ولو ُفرِضَ وفعلوه تابوا منه سريعا وأوَّلاً بأوَّل ، فمثل هؤلاء بالقطع هم في رَوْضَة أي جنة ، والروضة في الأصل هي الحديقة المليئة بكل ما هو مُبْهِج من نباتات وزهور وزروع وأشجار وطيور وقصور وأنهار وينابيع ونحو ذلك .. " .. يُحْبَرُونَ ﴿15﴾ " أي يُسعَدون سعادة غامِرَة ويُسَرُّون سرورا شديدا ويُنَعَّمُون ويُكْرَمُون أعظم التَّنَعُّم والتكريم بما يرونه من كل أنواع النعيم ممَّا لا عيْن رَأَت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي قلب بَشَر
ومعني " وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿16﴾ " أيْ أمَّا الفريق الآخر ، فريق الذين كفروا أي الذين أخفوا حقيقة وجود الله تعالي وكذبوا أي لم يُصَدِّقوا به ولا بآياته سواء أكانت آياتٍ في الكوْن حولهم أم آياتٍ في كتبٍ تُتْلَيَ عليهم فيها أخلاقيَّات وتشريعات تُنَظّم حياتهم علي أكمل وأسعد وجهٍ أم مُعجزاتٍ علي يدِ رسلهم لتأكيد صِدْقهم ، ولم يُصَدِّقوا بالبَعْث أيْ إحيائهم بعد موتهم لمُلاقاة ربهم في الحياة الآخرة حيث الحساب والعقاب والجنة والنار ، فمِثْل هؤلاء ومَن يُشبههم هم بالقطع في عذاب النار بكل أنواعه مُحْضَرُون أي مَجموعون مُسَاقُون مَدْفوعون إليه نازلون مُقِيمون فيه خالدين .. كلٌّ علي حسب شروره ومَفَاسِده وأضراره بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذاكرين الله تعالي كثيرا ، تذكره بلسانك تسبيحاً وتحميدا وتكبيرا وشكرا واستغفارا ودعاءً وغيره ، وتذكره بعقلك بتَدَبُّر واستشعار هذه الأذكار لتُحَرِّكَ مَشاعِرَ الخير بداخلك فتنطلق لفِعْله علي أرض الواقع ، وتذكره بعملك باستحضار نوايا الخير بالعقل عند كلّ قولٍ تقوله وكل عملٍ تعمله من علمٍ وإنتاج وإنجاز وكسب وربح وفكر وتخطيط وابتكار وبناء وإدارة وعلاقات اجتماعية جيدة وإنفاقٍ مِن مال وجهد وصحةٍ وغيره علي أبناءٍ وأزواجٍ وأقارب وجيران وعموم الناس ، فليس عمل الخير مقصورا فقط علي إطعام المساكين وكفالة الأيتام رغم أهمية ذلك ، بل كلّ عاملٍ لله بطاعةٍ ، أيّ طاعةٍ ، أيّ خيرٍ مُسْعِدٍ للذات وللآخرين ، يكون ذاكرا لله تعالي ، وبهذا تكون حياتك كلها ذِكْرا لربك ومعه ، فتسعد أعظم السعادة فيها ، ثم أتمّ وأخلد في آخرتك . وأثناء ذلك ، وفي مُقابِلِه وبفضلٍ وكرمٍ من ربك ، سيُيَسِّر لك كلّ أمرٍ مُعَقّد ، ويَفتح أمامك كل بابٍ مُغْلَقٍ ، وتُحَقّق معظم أو كل ما تريد ، وتكون مِمَّن لو أقسم علي الله لَبَرَّ قَسَمَه ! .. وستَسعد أيضا في حياتك كثيرا ، إذا كنتَ من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يُمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، فستجدها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وَعَدَ سبحانه ووعْده الحقّ : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿ إبراهيم : 7 ﴾
هذا ، ومعني " فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ " أي سَبِّحوه تعالي ، أي نَزّهوه ، أي ابْعدوه عن كل صفةٍ لا تليق به ، فله كل صفات الكمال ، وبالتالي فاعبدوه فهو المُسْتَحِقّ وحده للعبادة ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. " .. حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ " أي اذكروه وصَلّوا له واعبدوه وافعلوا كل خيرٍ في كل الأوقات ، في كل لحظات حياتكم ، حين المساء وحين الصباح وفي كل وقت ، لتسعدوا تمام السعادة بذلك في دنياكم وأخراكم .. " وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾ أي واشكروه أيضا ، في كل مكان ، كما تشكره بقية المخلوقات في السماوات والأرض ، فالشكر صورة من صور الذكر ، اشكروه في كل وقت ، عَشِيَّا أي عند حلول الظلام والسكون ، و حين تُظهرون أي عند الظهر حيث شِدَّة الضياء والعمل ﴿ برجاء مراجعة معاني الذكر والشكر وصوره وفوائده وسعاداته في الداريْن والتي سَبَقَ ذكرها تحت عنوان : بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين ﴾
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿20﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴿22﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿23﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿24﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴿25﴾ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿26﴾ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿27﴾ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿28﴾ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿29﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
هذا ، ومعني " يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾ " أي الخالق سبحانه قادر علي كل شيء ، علي فِعْل الشيء وضِدّه ، وكليهما فيه المنفعة والسعادة التامّة لخَلْقِه إذا أحسنوا استخدامه ، فهو يخلق مخلوقات حيّة فيها روح كالبَشَر والدوابّ مثلا مِمَّا هو ميت بلا روح كماء الشرب ، ويخلق بيضا مثلا لا روح فيه من طيرٍ متحرّك به روح ، وهكذا ، وهو يحي الأرض بكل أنواع النباتات النافعة المُسْعِدَة بمجرد سقيها ببعض الماء ، وهكذا إعجاز في كل مخلوق مهما صغر ، ولذا فهو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة ، ومَن يعبده ويتوكّل عليه وحده فقد سَعِد السعادة التامّة في دنياه وأخراه .. ثم القادر علي كل ذلك هو قادر قطعا علي بَعْث البَشَر بعد موتهم ليوم القيامة حيث الحساب الختاميّ لما فعلوه فيُجازِي أهل الخير بكل خيرٍ وسعادة وأهل الشرّ بما يستحقونه من كل شرٍّ وتعاسة بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، وهذا هو معني " .. وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾ " أي كما أنه سبحانه قادر علي خَلْق كل هذا ، فهو قادر علي أن يَبعثكم أي يُخرجكم من قبوركم بعد أن كنتم ترابا ويُعيدكم ويَخلقكم أحياءً مرة أخري بتمام أجسادكم وأرواحكم للحياة الآخرة وللحساب والعقاب والجنة والنار
أما معني " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿20﴾ " أي ومن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتوكّل عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه خلقكم أيها الناس من تراب ، فأبوكم آدم من طين ، وأنتم جميعا من سلالته ، ثم أصبحتم بَشَرَاً – أي كل منكم أصبح إنسانا له بشرة وروح وعقل وأجهزة وتَكَوَّن علي مراحل دقيقة في بطن أمه من ماءٍ مَهين تعرفونه – تنتشرون أي تمتدون وتنبسطون وتتباعدون علي ظاهر الأرض تنتفعون من خيراتها وتسعدون بها
ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرْشِد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه خلق لكم من أنفسكم أي من جنسكم أي إنسانا مثلكم وليس نوعا آخر لا يمكنكم التعايش معه ، وأيضا خَلَقه منكم أي مِن آدم لمزيدٍ مِن الاستشعار بأنَّ هذا المخلوق هو جزء منه مُكَمِّل له فيزداد حبا له وتمسّكا به ، خلق زوجات ، ليَسكن الزوج والزوجة كل منها إلي الآخر أي ليَستقرّ ويَأمن ويطمئنّ ويَهدأ إلي جواره ويَسعد به ويُكْمِل ويُعاوِن بعضهما بعضا في كل شئون الحياة ليسعدا تمام السعادة فيها – ثم في الآخرة – من خلال المودة أي المحبة والرحمة أي اللين والعطف والرأفة والشفقة التي جعلها سبحانه بينهما .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ " أي هذه بالقطع دلالات قاطعات علي وجود الله تعالي وأنه هو وحده المُستحِقّ للعبادة ولكن لا ينتفع بها إلا الذين يتفكّرون أي يُحسنون استخدام عقولهم ويَتعمَّقون في الأمور ويَتدَبَّرون فيها فيستفيدون منها ويسعدون بها
ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴿22﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه خَلَقَ السماوات والأرض بما فيهما مِن مخلوقات مُعْجِزة لا يعلمها إلا هو تعالي كالشمس والقمر والكواكب والنجوم والمَجَرَّات والأفلاك والسحب والأمطار والرياح والهواء وتغيُّر الليل والنهار والصيف والشتاء ونحو ذلك من النِعَم التي لا تُحْصَيَ والتي كلها مُسَخَّرَة لمنفعة ولسعادة الإنسان .. " .. وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ .. " أي ومِن آياته أيضا تغيّر لغاتكم بسبب انتشاركم في الأرض ببيئاتها المختلفة رغم أنَّ عَضَلَة اللسان واحدة ! لكنها لها القدرة علي إخراج حروف مختلفة وبأصوات متنوعة من حناجركم بحيث يُمكن تمييز أصوات البَشَر أحدهم عن غيره فلا يوجد صوت مثل آخر ! بينما أصوات كل صنف من الحيوانات أو الطيور متشابهة أو متطابقة ! .. " .. وَأَلْوَانِكُمْ .. " أي ومِن آياته أيضا تغيّر ألوان بشراتكم بين البياض والحُمرة والصُّفرة والسواد بسبب التزاوج فيما بينكم ، وأيضا تغيّر ألوانكم بمعني أشكالكم وأصنافكم وملامِحكم فلا يمكن أبداً أن تجد إنسانا شكل الآخر تماما ! ولو كان يحدث هذا لَوَقَعَ الخلاف وضاعَت الحقوق بينكم كثيرا ! فسبحان الخالق العظيم .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴿22﴾ " أي هذه بالقطع دلالات قاطعات علي وجود الله تعالي وأنه هو وحده المُستحِقّ للعبادة ولكن لا ينتفع بها إلا مَن كان مِن العالِمين أي العاقِلين المُتَدَبِّرين الذين يُحسنون استخدام عقولهم ويَتدبَّرون ويَتعَمَّقون في الأمور فيستفيدون منها ويسعدون بها ، وليس الذين يُعَطّلون هذه العقول وكأنهم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد !
ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿23﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه جعلكم تنامون سواء بالليل أو النهار لتستعيد عقولكم وأجسامكم طاقاتها وأنشطتها فتنطلقون بعد استيقاظكم بكل قوة وكفاءة تبتغون أي تطلبون فضل ربكم أي أرزاقه وخيراته وهباته وعطاءاته بغير حساب فتنعمون وتنتفعون وتسعدون بحياتكم ، فالنوم الذي قد لا يستشعر بعضكم قيمته وأهميته هو من الآيات والنِعَم التي عليكم تَدَبُّرها .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿23﴾ " أي هذه بالقطع دلالات قاطعات علي وجود الله تعالي وأنه هو وحده المُستحِقّ للعبادة ولكن لا ينتفع بها إلا مَن كان مِن الذين يسمعون لها سماع تَدَبُّرٍ وتَعَقّلٍ واستفادة وانتفاع وتطبيقٍ عمليّ في واقع حياتهم لما يسمعونه ليسعدوا به تمام السعادة في الداريْن ، وليس أيّ استماعٍ بلا أيّ تَعَقّل !
ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿24﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه يُرِي الناس البرق ، وهو الضوء الشديد في السماء والذي يصاحبه مطر ، ويجعله سبحانه أحيانا يحمل خوفا كرعدٍ وريح عاصفٍ ومطر غزير مُهْلِك ونحو ذلك ، وأحيانا يحمل طَمَعَاً في خيرٍ كنسيمٍ ومطر معتدل لسقي الزروع والدوابّ ونموها وما شابه هذا مِمَّا يُحيي الأرض ومَن عليها ويُكثر خيراتها ومنافعها وسعاداتها بعد أن كانت ملساء هامدة لا نبات فيها ، وفي هذا توجيه ضِمْنِيّ للإنسان لكي يحيا دائما متوازنا بين الخوف من عذاب الله والرجاء في خيراته ورحماته وسعاداته بفِعْل كل خيرٍ وترك كل شرّ ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 98 ﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن التوازُن في الحياة بين الخوف والرجاء ﴾ .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿24﴾ " أي هذه بالقطع دلالات قاطعات علي وجود الله تعالي وأنه هو وحده المُستحِقّ للعبادة ولكن لا ينتفع بها إلا مَن كان مِن الذين يعقلون أي الذين يُحسنون استخدام عقولهم ويَتدبَّرون ويَتعَمَّقون في الأمور فيستفيدون منها ويسعدون بها ، وليس الذين يُعَطّلون هذه العقول وكأنهم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد !
ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴿25﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أن تقوم أي تَثْبُت قائمة علي حالها وتستقرّ وتنتظم حركة السماء والأرض فلا تسقط مثلا السماوات علي الأرض أو تختلّ حركة الشمس والقمر والمَجَرَّات ونحو هذا من صور الاضطراب ، وذلك حتي تطمئنوا وتستقرّوا في حياتكم وتنعموا وتسعدوا بها ، ولولا هذا لَهَلَكَ الكوْن ولَهَلَكتم ، فتدبَّروا كل ذلك .. " .. ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴿25﴾ " أي ثم يوم القيامة حين يبعثكم أي يُحييكم بأجسادكم وأرواحكم مرة أخري فبمجرد أن يدعوكم للقيام من قبوركم فقط بكلمة كُن إذا بكم تخرجون كما كنتم في حياتكم الدنيا في لحظةٍ لا يتخلّف منكم أيّ أحد لأن القادر علي فِعْل كل ما سَبَقَ ذِكْره وأكثر قادر حتما علي فِعْل ذلك البَعْث لكي يُحاسِبكم علي الخير بكل خيرٍ وسعادة وعلي الشرّ بكل شرٍّ وتعاسة علي قَدْر شروركم ومفاسدكم وأضراركم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿26﴾ " أي وأيضا ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدل كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُسْتحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنَّ كل مخلوقات السماوات والأرض قانتون له أي خاضعون مُنْقادون مُطيعون ، في الدنيا والآخرة ، حيث في الآخرة يومها يوم القيامة حين يدعو البَشَر للخروج كما في الآية السابقة ، سيكون كل الخَلْق له تعالي قانتين تمام القنوت .. أما في الدنيا ، فكل مخلوقات الله مُطيعة له وتُنَفّذ ما هو مطلوب منها تنفيذه في هذا الكوْن وخَلَقَها خالقها من أجله ، فيما عدا الإنسان الكافر أو المشرك أو مَن يشبههم ! لأنهم قد عَطّلوا عقولهم بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، فتعسوا تمام التعاسة في دنياهم وأخراهم ، وحتي مثل هؤلاء التعساء هم أيضا بالقطع مُنقادون خاضعون لإرادة الله تعالي في مُلكه سواء أكانوا راضين أم كارهين ! وذلك لأنه شاء أن يكون الإنسان بعقله حرا في اختيار ما يريد ! فهو إذن الذي شاء لهم وسَمَحَ لهم بما هم فيه ! فهم إذن بصورة غير مباشرة تحت إرادته وتصرّفه تعالي ! ﴿ برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في حرية اختيار الإيمان أو الكفر في الآية ﴿ 253 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 46 ﴾ حتي ﴿ 50 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿ 105 ﴾ ، ﴿ 268 ﴾ ، ﴿ 269 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 70 ﴾ حتي ﴿ 74 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل ﴾ .. ثم هم أيضا بالقطع خاضعون مُنقادون لحُكْمه ولأمره تعالي في طول الأجل أو قصره وفي نوعيتهم وذريّاتهم كذكرٍ أو أنثي وفي قانون الأسباب والنتائج حيث قد يتّخذون أحيانا أسبابا ويمنع خالقهم عنهم نتائجها وفي أسباب الرزق من مطرٍ وضوء وهواء وإخراجٍ لزروع وثمار وغيرها وفي حركة الأرض وتَنَاوُب الليل والنهار والشتاء والصيف ونمو خلايا أجسامهم ودوابِّهم وصحتهم ومرضهم وموت أحبابهم وموتهم وما شابه هذا من شئون الحياة المختلفة !!
ومعني " وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿27﴾ " أي وأيضا ومن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتَوَكّلَ عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه سبحانه يبدأ خَلْقا ما في كلّ لحظةٍ سواء أكان إنسانا أم حيوانا أم نباتا أم غيره ممَّا لا يعلمه إلا هو تعالي ؟! ثم إنَّ أيّ أحدٍ لم يستطع ولم يَجْرُؤ أنْ يدَّعِيَ أنه هو الذي خَلَق هذا الخَلْق المُعْجِز !! إذن فهو وحده الخالق !! ثم كيف يُنكرون البعث وإعادة الخَلْق يوم القيامة ؟! أليست الخِلْقة مرة ثانية أيسر من الأولي حيث أصبحت معروفة مُكَرَّرَة وموادها وخاماتها موجودة بينما الأولي كانت من عدم ؟!! إنه سبحانه يُخاطبنا بما تفهمه عقولنا .. إنَّ كل شيء هو يسير علي الله تعالي الخالق القادر علي كل شيء حيث يقول له كُن فيكون ، سواء بَدْء الخَلْق أو إعادته وبعثه بعد موته ! وهذا هو معني " .. وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ .. " .. " .. وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. " أي ليس كمثله أيّ شيء في أيّ مكانٍ سبحانه ، فله كل صفات الكمال ، والبَشَر يجتهدون ما أمكنهم في التشَبُّه بهذه الصفات ليسعدوا في دنياهم وأخراهم .. " .. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿27﴾ " أي هو تعالي الغالِب القاهر الذي لا يُغْلَب ولا يُقْهَر ويُعِزّ أهل الخير بعِزَّته ويُكرمهم ويَرفعهم ويَنصرهم ويَقهر ويُذلّ أهل الشرّ ويُهينهم ويَخفِضهم ويَهزمهم ، وهو في كل أموره الحكيم الذي يتصرّف بكل حِكمة ودِقّة والذي يضع كل أمر في موضعه دون أيّ عَبَث
ومعني " ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿28﴾ " أي هذا مثل ذكره الله تعالي لحال المشركين ، للوْمهم لوْما شديدا علي ما هم فيه من عبادة غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، ولنفي ذلك نفيا قطعيا ، ولعلهم يستقيظون حينما يسمعون هذا المثل ويتدبّرونه بعقولٍ مُنْصِفة عادلة فيعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في دنياهم وأخراهم .. إنه تعالي يشبه لنا هذا التشبيه من أنفسنا أي من داخلنا أي مِمَّا يحدث واقعيا فيما بيننا نحن البَشَر وليس ببعيد عنا ، حتي يكون هذا المثل أكثر تأثيرا وأقرب للفهم لعقولنا ولا يكون بعدها لأيّ أحدٍ أيّ حجّة في أن يكون مشركا بالله بعد هذا المثل المُقْنِع بصورةٍ قاطعة دامغة لا تقبل أيّ جدال ، وهذا هو معني " ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ " .. وهذا المثل هو عبارة عن هذا التساؤل الذي يُفيد التّعَجُّب والاستغراب والنفي " .. هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ .. " أي هل تقبلون أن يشارككم في أرزاقكم التي رزقناها إياكم أيّ أحدٍ آخر مِمَّن هم أدني منكم كخَدَمِكم أو عُمَّالكم أو نحوهم بحيث تصبحون أنتم وهم في هذه الأرزاق سواء أي متساويين تقتسمونها فيما بينكم بغير إرادتكم ؟! هل يقبل أي عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي نفسه ذلك ؟! فإذا كنتم لا تقبلون هذا علي أنفسكم ، أن يكون لكم شركاء في ملككم – رغم أنَّ هذا الملك هو هبة لكم من الله خالقكم ورازقكم وليس ملكا أنتم الذين خلقتموه ورغم أنَّ هؤلاء الذين هم أدني منكم كخدمكم وعُمَّالكم وموظفيكم هم بَشَر مخلوقون مثلكم ولو اجتهدوا أكثر لوصلوا إلي ما أنتم فيه – فكيف إذن ترضون للخالق المالك الحقيقي لكل شيء أن يكون له شركاء هو أصلا خالقهم ولا مُقارَنَة تُذْكَر بينه وبينهم ؟! هل يَصِحّ هذا أو يُمكن لأيّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ أن يقول به ؟! .. أما معني " .. تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ .. " أي وأيضا هل ترضون أن يَصِل بكم الحال إلي أن يكون هؤلاء الذين هم أدني منكم ولا تقبلون أن يقتسمون معكم ما تملكون أن يكونوا كالشركاء لكم وليس كالعاملين الخادمين عندكم بحيث تخافون أن تتّخذوا قرارا وتنفردوا به دون الرجوع إليهم كما تخافون عادة ذلك فيما بين أنفسكم حينما يكون بعضكم لبعضٍ شركاء في الشركات والمساهمات وغيرها حيث من حقّ الشركاء أن يشتركوا في القرار ويُحاسِب بعضهم بعضا علي إدارة شئون الشركة ونظامها ورأس مالها وربحها وخسارتها وما شابه هذا ، فإذا كنتم لا تقبلون مثل هذا علي أنفسكم ، فلماذا تقبلونه علي الخالق الرازق الكريم مالك الملك كله ؟! .. " .. كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿28﴾ " أي بمثل هذا التفصيل الدقيق الشامل العميق الواضح المُقْنِع الحاسِم القاطِع الذي لا يَقبل أيّ جدالٍ ، كذلك تكون دائما كل آياتنا أي دلائلنا التي تُبَيِّن كل الحقّ والعدل والخير والسعادة في كل أمور الحياة ، لكنَّ الذي ينتفع ويسعد بها هم فقط الذين يعقلون أي الذين يُحسنون استخدام عقولهم ويَتدبَّرون ويَتعَمَّقون في مثل هذه الآيات فيستفيدون منها ويسعدون بها ، وليس الذين يُعَطّلون هذه العقول وكأنهم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد ! وما هذا التعطيل للعقول إلا بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
أما معني " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿29﴾ " أي لقد كان مِن المُفْتَرَض من كل الأدلة السابقة القاطعة الحاسمة أن يُؤمن الجميع أي يُصَدِّقوا بوجود ربهم ويتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم ، ولكنَّ الذين ظلموا لم يفعلوا ذلك ! بل اتّبَعوا أهواءهم أي شرورهم ومفاسدهم وأضرارهم ، واتّبعوها بغير علمٍ أي دون أن يُحسنوا استخدام عقولهم ويَتدبَّروا ويَبحثوا في الأمور حولهم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافع مفيد ! والسبب في هذا أنهم قد عَطّلوا هذه العقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، ولم يستجيبوا لنداء الفطرة والتي هي مسلمة أصلا والتي هي بداخل هذه العقول ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ .. هذا ، والذين ظلموا هم الذين ظلموا أنفسهم ومَن حولهم فأتعسوها وأتعسوهم بكل أنواع الظلم سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاء للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا .. " .. فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ.. " أي مَن كان مُصِرَّا علي ظلمه بأيّ صورةٍ من صور الظلم كل هذا الإصرار دون أيّ خطوةٍ نحو الخير حتي يساعده ربه علي بقية الخطوات ويُيَسِّرها له وهو الذي قد نَبَّه لهذا بقوله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿ الرعد : 11 ﴾ ، فمِثْل هذا الذي لا يريد أيّ هدايةٍ نحو أيّ خيرٍ وتَرَكَه ربه فيما هو فيه من ضلالٍ أيْ شرّ بل مِن شِدّة غضبه عليه بسبب شدة إصراره يُيَسِّر له هذا الشرّ الذي هو فيه فكأنه هو تعالي الذي يُضِلّه لكنَّ الواقع أنَّ هذا الضالّ هو الذي اختار بكامل حرية إرادة عقله هذا الظلم الذي هو فيه ﴿ للشرح والتفصيل عن علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في أمر الهداية لعبادة الله وحده والتمسك بالإسلام ، برجاء مراجعة الآية ﴿ 253 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 46 ﴾ حتي ﴿ 50 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿ 105 ﴾ ، ﴿ 268 ﴾ ، ﴿ 269 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 70 ﴾ حتي ﴿ 74 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة آل عمران ﴾ .. مِثْل هذا لن يستطيع أيُّ أحدٍ أن يهديه بعد ذلك بكل تأكيد !! .. وهذا هو معني " .. وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿29﴾ " أي لن ينصره أيُّ أحدٍ أيْ ينقذه مِمَّا هو فيه مِن ضلال ، كما لن ينقذه أيُّ أحدٍ من عذاب الله حين يريد أن ينزله به سواء أكان في الدنيا مُتَمَثلا في كل قَلَقٍ وتوتّرٍ وضيقٍ واضطراب وصراع واقتتال مع الآخرين وبالجملة كل ألمٍ وكآبة وتعاسة ، أم كان في الآخرة بما هو قطعا أشدّ ألما وتعاسة وأعظم وأتمّ
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿30﴾ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿31﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﴿ ص ﴾ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنت في كل أقوالك وأعمالك من المُخلصين المُحسنين ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان ﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يتمسّكون بخُلُق الاتّحاد وخُلُق الأخوَّة في الله وفي الإسلام بل وفي الإنسانية كلها ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿103﴾ حتي ﴿110﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا .. " أي بعد كل الآيات القاطعات السابق ذِكْرها في الآيات السابقة ، فأيّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ لابُدّ إذن وحتما أن يتّجه إلي ربه ويتمسك بما يُوجّهه إليه من أخلاقيات وتوصيات وتشريعات ليحيا حياة سعيدة في دنياه ثم أخراه ! فأقم وجهك – وهو الذي يحمل العقل وكل الإداركات والأحاسيس والمشاعر والمقصود اجعل كل كيانك – أنت أيها الرسول ﴿ ص ﴾ وكل المسلمين معك ومن بعدك وأنت يا أيّ عاقل ، أقيموا وجوهكم ، أي اجعلوها دائما قائمة واقِفَة مستقيمة علي دين الله ، أي كونوا جميعا دوْما مُقيمين مُستقِرِّين مُستمِرِّين مُهتمّين تمام الاهتمام ثابتين دون أيّ انحرافٍ يمينا أو يسارا مُسَدِّدِين علي الجهة التي وَجَّهكم نحوها ربكم واختارها لكم وأرشدكم إليها ، وهي جِهَة الدين ، دين الإسلام ، حتي تسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. وكونوا دائما حُنَفاء ، أي مائلين بعيدين عن كل باطل ، عن كل نظامٍ آخر مُخالِفٍ له مُضِرّ لكم يتعسكم فيهما ، فهو الدين الحنيف أي المائل عن أيّ باطل المُتَّجِه باستمرارٍ وثباتٍ نحو كل حقٍّ وعدل وخير وسعادة .. " فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا .. " أي هذا الدين ، هذا الإسلام ، هو فطرة الله ، أي خِلْقَته التي خَلَقَ الناس عليها ، فكلهم مَفطورون أي مَخلوقون علي الإسلام ، ولذا فإن التزمتم به فقد استجبتم لنداء الفطرة التي هي مسلمة أصلا وموجودة في داخل عقولكم وستجدون بذلك أمر اتّباع الإسلام أمرا سهلا سَلِسَاً مَيْسُورا مُسْعِدَاً ، أمّا لو عاندتم هذه الفطرة وخالفتموها فستظلّ تُصارعكم مُحَاوِلَة ًرَدَّكم إلي ربكم ودينكم لتسعدوا في الداريْن ، وبالتالي فلو اتّبعتم نظاما مُخالِفا للإسلام فسيكون الأمر عليكم صعبا عسيرا مُعَقّدا مُتْعِسَاً وستَظَلّون في شقاءٍ وتعاسة بسبب الصراع الدائم معها حتي تستفيقوا وتعودوا لِمَا تُذَكِّركم به دائما ، لربكم ولدينكم الإسلام ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ .. " لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ .. " أيْ لا يُمكن لأيّ أحدٍ مهما بلغ من قوة أن يُغَيِّر هذه الفطرة فيُبعدها عن الإسلام أو يُغَيِّر دين الإسلام ذاته ، فهما محفوظان بحفظ الله لهما ، وهذا مِن رحمة الرحمن الرحيم بخَلْقه ومِن حبه لهم وحرصه علي إسعادهم في دنياهم وأخراهم بأنْ يَظَلَّا دائما – أي الفطرة والإسلام – هما المُرْجع لكل الناس ليسعدوا بذلك تمام السعادة فيهما ، وحتي مَن ابتعد منهم عنهما لفترة أو لفترات ، فحينما يُحسن استخدام عقله ، ويزيل ما عليه من أغشية وضعها هو بذاته عليه وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، ويريد العودة لربه ولدينه ، فسيجد فورا وسريعا المَلْجَأ والحِصْن الذي يلجأ إليه ويتحصَّن به ليسعد في الداريْن .. " .. ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .. " أي ذلك الدين ، ذلك الإسلام ، هو النظام المستقيم أي المُتَّجِه دائما نحو كل خيرٍ دون أيّ مَيْلٍ نحو أيّ شرّ ، وهو ذو القيمة العالية ، وذو القِيَم الأخلاقية السامية .. " .. وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿30﴾ " أي ومع كل هذا الوضوح فإنَّ كثيرا من الناس لا يعقلون ذلك ، وهؤلاء هم الذين يُكذبون ويُعَانِدون ويَستكبرون والذين ينسون آخرتهم ومن يُشبههم ، ولو كانوا يُحسنون استخدام عقولهم فيَتدبَّرون في هذا ، ولا يتصرَّفون وكأنهم كالجَهَلة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافعٍ مُفيد ولا يعلمون قيمة هذا الدين العظيم وقيمة هذه الفطرة التي تَزِن تصرّفاتهم بداخل عقولهم ، ولو كانوا يَتعَمَّقون في الأمور ويعلمون عنها بحقٍّ وليس بصورةٍ سَطْحِيَّةٍ ويستشعرونها بجدِّيَّة ، لَأَحْسَنوا التصرّف بالإيمان بربهم والتمسّك بإسلامهم ولَمَا عاشوا حياتهم هكذا بعيدين عنهما في كلّ شرٍّ وفسادٍ وضررٍ وتعاسة .. وما كلّ ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا هذه العقول بالأغشية التي وضعوها عليها بسبب الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
أما معني " مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿31﴾ " أي كونوا دائما في كل أحوالكم في كل شئون حياتكم مُنيبين إلي الله أي راجعين إليه ، أي اجعلوا دوْما مَرْجِعِيَّتكم هي الله تعالي ورسوله الكريم ﴿ ص ﴾ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ ، وكونوا دائما تائبين عائدين إليه وإلي إسلامكم أوّلا بأوّل عند أيّ خطأٍ لتُزيلوا سريعا أيّ تعكيرٍ لسعادتكم بتعاسة هذا الخطأ ، وكونوا علي الدوام من المُتّقين له سبحانه أي المُتَجَنِّبين لكل شرٍّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، وكونوا دائما من المقيمين للصلاة أي الذين يقومون بها علي أكمل وجه أي يُحسنونها ويُتقنونها لأنه سبحانه ما أوْصَيَ بها إلا لتكون صِلَة بين المخلوق وخالقه مالك الملك أقوي الأقوياء يطلب منه ما يشاء علي مدار يومه من كل خيرٍ وسعادة له ولمَن حوله في الداريْن " .. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿31﴾ " أي وإيّاكم ثم إياكم أن تكونوا من المشركين ، أي الذين يُشركون مع الله تعالي آلهة أخري يعبدونها أي يُطيعونها غيره كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو نيران أو غيرها ، وإلا تعستم تمام التعاسة مثل تعاساتهم في دنياهم وأخراهم ، وذلك لأنهم قد عَطّلوا عقولهم حيث عبدوا مَن هم أضعف منهم !! وهل يكون العابِد أقوي مِن المعبود ؟! أين العقول المُنْصِفَة العادِلَة ؟!
ومعني " مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾ " أي هذا تحذير شديد للمسلمين حتي لا يكونوا من هؤلاء المشركين الذين فارقوا الله تعالي الإله الواحد والذي كان مِن المُفْتَرض أن يجتمعوا عليه فيعبدوه وحده ، والذين فارقوا دينه الإسلام والذي لو اتّبعوه لاجتمعوا جميعا عليه ولأصبحوا أقوياء سعداء في دنياهم ثم أخراهم ، ولكنهم تَفَرَّقوا واختلفوا وتَشَتَّتوا علي آلهةٍ كثيرة عبدوها غيره سبحانه ، وجعلوا لهم أديان مُتَعَدِّدَة كلها شرّ وتعاسة لأنها مُخالِفة لدين الله الإسلام الذي كله خير وسعادة ، فمنهم مَن عَبَدَ أصناما ومنهم مَن عبد كواكب ومنهم مَن عبد دوابَّاً أو نحوها أو خَلَطَ مع عبادتها بعض عبادات من اليهودية أو النصرانية أو البوذية أو ما شابه هذا مما فَرَّقَ البشرية وشَتَّتها إلي شِيَع ٍأي فِرَقٍ ومجموعات وطوائف صغيرة يتشيَّع أي يُؤَيِّد ويَتَعَصَّب بعضها لبعض علي باطلٍ ما لا علي الحقّ .. " .. كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾ " أي كل فرقة ومجموعة وطائفة من هؤلاء تفرح أي تفتخر وتَغْتَرّ وتتعَالَيَ علي الأخري بما لديها من قوة وعَدَد وعدَّة ومال وعلم وغيره ، فيختلفون فيما بينهم ويتشاحنون ويتباغضون ويتقاطعون ويتصارعون وقد يقتتلون ، فيضعفون بذلك ويتخلّفون ولا يتقدمون ولا يتطورون ، فيتعسون في دنياهم وأخراهم .. وما كل ذلك إلا لأنهم قد عطّلوا عقولهم بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. فليحذر المسلمون تمام الحذر أن يتشبّهوا بمِثْل هؤلاء فيَسْعوا للتفرقة بين المسلمين أو حتي بين عموم الناس والإنسانية وإلا تَعِسوا مثلهم تمام التعاسة في دنياهم وأخراهم
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿34﴾ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴿35﴾ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴿36﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿37﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافِعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. ثم إيّاك وإيّاك أن تَعْبَدَ أو تتوَكَّل علي غيره حين تُصاب بشيءٍ مِن ضررٍ أو اختبار ما ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 143 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن كيفية الصبر علي هذا والخروج مُستفيدا ﴾ ، في أيّ مكانٍ أو مجالٍ ، فتَدعو أو تعتصم أي تتحَصَّن بغيره وتَلجأ له مُتَيَقّنا أنه هو الذي سيُنجيك – وليس سَبَبَاً من الأسباب مع يقينك أنَّ الله وحده هو النافع الضارّ ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 72 ﴾ حتي ﴿ 76 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن ذلك ﴾ – ثم إيّاك وإيّاك بعد أن يُعينك الله برحماته وتيسيراته علي المرور والخروج والنجاة من هذه الأزمة ، وأيّ أزمة أنت فيها ، حينما لجأتَ إليه واعتصمتَ به ، أن تبتعد عن ربك ودينك وتعود إلي شرٍّ ما كنت عليه أو تكفر بنِعَم ربك عليك أي تكذبها ولا تعترف بها وتَنْسبها لغيره ، أو تفعل كما يفعل بعض السَّيِّئين فيكفر بوجود الله أصلا أو يُشرك معه في العبادة شيئا آخر كصنمٍ أو حجر أو غيره أو ما شابه هذا من صور الخِسَّة والسوء ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 22 ﴾ ، ﴿ 23 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن الاعتصام علي الدوام بالله تعالي وليس وقت الشدَّة والأزمات فقط ﴾
هذا ، ومعني " وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33﴾ " أي إذا حَدَثَ ولَمَسَ وَوَجَدَ بعض الناس وهم الذين يُشركون بالله آلهة غيره فيَعبدون صنما أو حجرا أو نحوه ، ضُرَّاً أيْ ضَرَراً ما ، أيْ شيئاً ما يَضرّهم ويُسيء إليهم في صحتهم أو مالهم أو عملهم أو أحبابهم أو ما شابه هذا ، حينها يَدْعون خالقهم الله تعالي بكل تَوَسُّلٍ واحتياج وتَذلّل ، وبكل إنابةٍ أيْ عودة تامّة له لا لأيِّ أحدٍ غيره ، وبكل إخلاصٍ أي صدق في دينهم أي في دعائهم وفي طاعتهم له وقتها مُخْلِصين مُحْسِنين ويَتركون ويَلفظون ويَنسون آلهتهم ! ﴿ برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ ، لأنَّ حينها تنطق الفطرة حينما يَذهل العقل مِن شِدَّة الموقف فيَنْسَيَ عِناده وفِكْره الشرِّيّ ! ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ ، إنهم حينها يَنسون بل يَحتقرون عبادة ودعاء آلهة غير الله تعالي القادر علي كل شيء لأنهم متأكّدون أنها لن تنفعهم بأيّ شيء ! والإنسان لا يُمكن أن يَخدع ذاته ! فحينما يكون الأمر جادَّا ويَرَيَ أنه سيَهلك حقيقة فإنه يحافظ علي حياته ما استطاع ويلجأ بصدقٍ إلي مَن سيُحافِظ له عليها وليس هو غير خالقه الكريم الحفيظ ويَتَجَاهَل ويحتَقِر أيّ أحدٍ أو شيءٍ غيره ! .. " .. ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33﴾ " أي إذا استجابَ دعاءهم وأراهم رحماته سبحانه وأذاقهم سعاداتها فتَراهم بَدَلاً أن يشكروه تعالي علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ والتي منها نعمة نجاتهم مما هم فيه إذا هم يُشركون !! أي يعودون لِشَرِّهم ولشِرْكهم ويعبدون آلهتهم بل ويَنسب بعضهم النجاة لها أو لغيرها ! فلماذا لا يستمرّون علي عبادة ربهم ليسعدوا في الداريْن وقد جَرَّبُوا أفضاله ورحماته وسعاداته ؟! ولكنها الخِسَّة والدناءَة والتكذيب والعِناد والاستكبار من أجل تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. هذا ، وحتي بعض الناس من المسلمين قد يقعون في سوءٍ يُشبه هذا السوء ! بسبب بُعدهم عن ربهم وتركهم لإسلامهم بعضه أو كله ، فإنهم مع حدوث الضرر يتذكّرون ربهم ويُسارعون بالعودة له ودعائه بكل تَوَسُّلٍ وتَذَلّل ثم إذا استجاب لهم عادوا لابتعادهم عنه ولتركهم لإسلامهم بدرجةٍ من الدرجات ولفِعْلهم للشرور والمفاسد والأضرار ! بل وقد يَنْسِبُون فضل إزاحة السوء لغير الله تعالي وينسون أنَّ مَن ساعدهم مِن البَشَر ليس إلا مجرّد سبب مِن الأسباب سَخَّرَه الله لهم ليساعدهم ! فليحذر المسلمون حَذرَاً شديدا من التشبُّه بمِثْل هؤلاء وإلا تَعِسوا مثل تعاساتهم في دنياهم وأخراهم
ومعني " لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿34﴾ " أي اكفروا كيْفما شِئتم ! بكل نِعَم الله التي أعطاكم إياها والتي لا يُمكن حصرها ، بل واكفروا أيضا حتي بوجود الله ذاته ! كما تشاءون ! وتمتّعوا كيفما تريدون بمُتَع الحياة علي أيّ صورةٍ سواء أكانت شرّا أم خيرا ضررا أم نفعا .. وفي هذا تهديد شديد لهم وتحذير لأيّ أحدٍ أن يفعل مثلهم ، وهذا هو معني .. " .. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿34﴾ " أي مع الوقت ستَعلمون وستُدركون النتائج السَّيِّئة لكفركم أو شرككم بعبادة غيره أو نفاقكم بإظهار الخير وإخفاء الشرّ أو ظلمكم واعتدائكم وعدم عدلكم أو فسادكم وشرّكم ونشركم له أو نحو هذا ، وذلك حين ينزل بكم نوعٌ ما مِن أنواع العقاب ، في دنياكم حيث القلَق أو التوتّر أو الضيق أو الاضطراب أو الصراع أو الاقتتال مع الآخرين وبالجملة حيث كلّ ألمٍ وكآبةٍ وتعاسة ، ثم في أخراكم حيث سيكون لكم حتما ما هو أشدّ ألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. وفي هذا تهديد مُرْعِب لهم ولمَن يَتشبَّه بهم لأنَّ الله تعالي القويّ المُنتقم يُخاطبهم بصورةٍ مباشرة فيها تحديد وتركيز وليس بصيغة الغائب كما في بدء الآية الكريمة
أما معني " أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴿35﴾ " أي هل ماهم فيه مِن الشرك أو الكفر أو غيره مِن شرّ بسبب أننا أنزلنا عليهم سلطاناً أيْ دليلا ككتابٍ مثلا كالقرآن الكريم ينطق لهم ويؤيدهم بحجج قاطعة فيما يشركون به من آلهة مع الله تعالي كصنمٍ أو حجر أو نجم أو غيره أنهم علي حقٍّ فليثبتوا وليستمروا عليه إذن ، أم بسبب تعطيلهم لعقولهم من أجل أثمان الدنيا الرخيصة ؟!! وهو استفهام للسخرية ولِلَّوْم الشديد علي ما هم فيه وللنفي التامّ له لعلهم يستفيقون فيعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن
ومعني " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴿36﴾ " أي عموم الناس البعيدين عن ربهم وإسلامهم بدرجةٍ من الدرجات ، حتي ولو كانوا مسلمين ، ومنهم الناس الذين ُذكِرُوا في الآية رقم ﴿33﴾ وهم المشركون بالله الذين يعبدون غيره كأصنامٍ ونحوها ومَن يُشبههم ، حينما يرزقهم ربهم من رحماته وأفضاله من بعض رزقه إذا هم يفرحون فرحا سيئا وهو السرور الذي يؤدي إلي التفاخُر والتباهِي والتكبّر والتعالِي علي الناس وإذلالهم والاستهزاء بهم وعدم الاعتراف بحقوقهم بل وبإنسانيتهم والاعتداء عليهم وسرقة جهودهم وثرواتهم وما شابه هذا – أما المؤمنون بربهم المتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم ففرحهم وسعادتهم بهذه الرحمات والخيرات يكون عبارة عن شكر ربهم علي نعمه التي لا تُحْصَيَ وحُسن استخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ لذواتهم ولِمَن حولهم بحيث يُجَهِّزون لأعلي درجات الجنة حتي يزيدهم سبحانه من كل خيرٍ في الداريْن وهو الذي وعد بذلك ووعده الصدق بقوله : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿ إبراهيم : 7 ﴾ – وإذا ما أصابهم أيّ سوء أيْ شرٍّ حتي ولو كان بسيطا ، وهو دائما أو غالبا بسبب شرورهم ومفاسدهم وأضرارهم التي فعلوها بأيديهم وأرجلهم وعقولهم وسوء تصرّفاتهم ، فمَن يَزرع شرَّا لابُدّ ألاّ يحصد إلا شرَّا ، فهذا هو القانون الإلهي العادل لهذه الحياة والذي نبَّهنا إليه ربنا بقوله " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿ الإسراء : 7 ﴾ ، تراهم يقنطون أي ييأسون ويظنون أنَّ الحياة قد انتهت علي هذا وليس هناك مِن خَلاصٍ مِمَّا هم فيه ولا يحاولون الاستفادة ممَّا حَدَثَ لهم بتصحيح حالهم وعلاج أخطائهم بل البعض قد ينتحر وينهي حياته ! وذلك لأنهم بعيدون عن ربهم الذي بيده كل شيء وقادر عليه وهو الذي يُنجيهم ممّا هم فيه في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدَا لهم ولمَن حولهم بأن يُيَسِّر لهم أسباب النجاة إمِّا لهم مباشرة وإما بتسخير مَن يعاونهم علي الخروج مِن مأزقهم ، وذلك لو عادوا إليه وإلي إسلامهم ولجأوا له واستعانوا به ، وهذا هو معني " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿37﴾ " أي ألم يشاهدوا ويَتدبَّروا في كل شيءٍ حولهم واقعيا ولحظيا فيعلموا أنَّ الله الخالق الكريم هو المُتَحَكِّم في كل شيء والمُدَبِّر له والقادر عليه ؟! إنهم لو أحسنوا استخدام عقولهم لعلموا ذلك بكل سهولة ! أنه تعالي يبسط الرزق أي يُوَسِّعه ويكثره لِمَن يشاء ، ويَقْدِر أي يُضَيِّق ويُقَلّل لمَن يشاء ، يبسطه لمَن يَستحِقه بأنْ أحْسَنَ اتّخاذ أسبابه ومَن سيُحْسِن استخدامه فيُسْعِد ذاته ومَن حوله في الداريْن ونحو هذا ، ويعلم أيضا قطعا مَن سيُفْسِده وينقصه ويُتعسه بَسْط الرزق وهو لا يَسْتَحِقّه لأنه لم يُحْسِن اتّخاذ أسبابه ولن يُحْسِنَ استخدامه فسيُتْعِس ذاته وغيره فيهما فيُضَيِّق عليه بعض الوقت أو في بعض الأرزاق وليس كلها لكي يَستفيق ويُصْلِح حاله .. ثم هو تعالي إن ضَيَّقَ في رزقٍ ما فإنه يكون لفترةٍ ما ، ويكون للاختبار أو كنتيجةٍ لخطأٍ ما في اتّخاذ الأسباب مثلا ، ويكون للاستفادة بخبراتٍ مِن ذلك ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 143 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. ثم هو سبحانه في ذات الوقت يكون مُوسِعا في أرزاقٍ أخري كثيرة ، وهكذا ﴿ برجاء مراجعة أيضا الآية ﴿ 26 ﴾ من سورة الرعد ، لمزيدٍ مِن الشرح والتفصيل ﴾ .... إذن لو أحسنَ الذين يُصابون بالسوء بسبب ما قدَّمته أيديهم والذين ُذكِرُوا في الآية السابقة ﴿ 36 ﴾ والذين هم يقنطون بسبب ذلك ، لو أحسنوا اتّخاذ الأسباب عند المأزق الذي هم فيه – كما يُحسنون اتخاذ أسباب أرزاقهم – وأحسنوا علاج أخطائهم بالعودة لربهم والاستعانة به وطاعته بالتمسُّك بكل أخلاق إسلامهم التي تُيَسِّر لهم كل شئون حياتهم وتسعدهم فيها تمام السعادة ، لو فعلوا ذلك لأمكنهم التخلص من مأزقهم الذي هم فيه ومن غيره وخرجوا منه مستفيدين خبرات كثيرة مفيدة مُسْعِدَة ﴿ برجاء مرة أخري مراجعة الآية ﴿ 143 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن ﴾ .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿37﴾ " أي لا يتنفع بمِثْل هذه الآيات أي الدلالات والمُشاهدات والنصائح والأخلاقيات والدروس والعِبَر ولا يُحسن التعامل مع هذه المواقف والأحوال ، إلا المؤمنون الذين يتدبَّرون فيها فتزيدهم حتما يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقهم وتزيدهم حبا له وقُرْبا منه وطَلَبَا لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوّته ورزقه ونصره وسعادته في الدنيا والآخرة .. بينما المُكَذبون المُعَانِدون المُستَكْبِرون المُصِرُّون علي ما هم فيه لا ينتفعون بها لأنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة والتي هي مسلمة أصلا والتي بداخل هذه العقول ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ وذلك بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿38﴾ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿39﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يحفظون كل حقوق الآخرين ، لأن حفظ الحقوق ينشر الأمن والطمأنينة بنشر العدل بين الجميع وبالتالي تَسعد حياتهم ثم آخرتهم ، بينما إضاعة حقوق الغير والتفريط فيها والاستهانة بها ، استضعافا لهم ومُرَاوَغَة ًمنهم وتعاليا عليهم يؤدي حتما إلي الأحقاد والمشاحنات والثأر والانتقام وما شابه هذا مما يُفقِد المجتمع أمَانَه وعدله وتعاونه ويُتْعِس الجميع في دنياهم ثم أخراهم .. وإذا كنتَ من المُخلصين المُحسنين في كل أقوالك وأعمالك ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان ﴾ .. وإذا لم تكن من المُرابين أي الذين يتعاملون بالربا وما شابهها من معاملات مالية وعَيْنِيَّة وغيرها خبيثة ، وأشهر صور الربا هي الإقراض لمدة زمنية مُحَدَّدة ثم السداد بزيادة يُتَّفَق عليها تتضاعَف عند تجاوُز الموعد وهي مُحرَّمَة أشدّ التحريم لضررها الاقتصادي والاجتماعي علي المجتمع كله إذ هي كسب بغير عملٍ وإنتاج فتنتشر البطالة ويضعف الاقتصاد ثم هي تنشر الكراهِيَّات والصراعات لاستغلالها لحاجة المحتاجين فيفقد الجميع تجانسهم وتآلفهم وتعاونهم وأمنهم فيتعسون في الداريْن .. وإذا كنتَ مِن الذين ينفقون مِن أموالهم وجهدهم وصحتهم ووقتهم وفكرهم وغيره مِمَّا أنعم خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم .. وإذا كنتَ بالجملة من الذين يتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ .. " أي اعط كلَّ ذي حقٍّ حقه ، اعط جميع الناس – بل جميع المخلوقات – حقوقهم ، خاصة ذا القربي أي صاحب القِرابة أي من الأقارب ، والمسكين أي الذي لا يكفيه ما معه ، وابن السبيل أي الغريب المسافر وكأنه ابن الطريق الذي لا مأوي له ولا مال حتي ولو كان غنيا في بلده لأنه في هذه الحالة ليس معه ما يكفيه ، اعطهم من الإحسان والبِرّ والتواصُل والتزاوُر والسؤال والدعاء والتعاون والتآلف والتآخِي والتهادِي والإنفاق بكل صوره من المال والجهد والصحة والوقت والفكر ونحوه مِن نِعَم الله التي لا تُحصَيَ ، إلي غير ذلك من صور الرحمة والحب والألفة والعوْن والتسامُح والتقارُب ، وكلها صفات مُسْعِدَة ، والتي هي حجر الأساس للمجتمع ، ولو تمسَّكَ بها الجميع لتَرَابَطوا ولازدادوا قوة وتطوّروا وارتقوا وسَعِدوا في دنياهم سعادة تامَّة ثم أتمّ وأعظم وأخلد في أخراهم .. " .. ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ .. " أي ذلك العمل وغيره من كل أعمال الخير من كل أخلاق الإسلام ، هو بكل تأكيد خير ، هو طيِّب وحَسَن وجميل ، ونتائجه بالقطع ستكون كلها أعظم خيرا لِمَن كان يريد به وجه الله أي ثوابه وأجره وخيره وعطاءه وتمام سعادته في الدنيا والآخرة ، ولا يريد وجه غيره ، أي هدفا آخر ، أي لا يريد مثلا سُمْعَة أو رِيَاءً أي يسمع الناس به ويرونه فيمدحونه بكذا وكذا من المدح الكاذب المُضِرّ له ولهم ﴿ برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. " .. وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿38﴾ " أي هؤلاء الذين يفعلون كل ذلك وغيره ، ويتمسّكون بالقطع بكل أخلاق إسلامهم ، بهذه الصورة المُخْلِصَة الحَسَنَة المُسْعِدَة ، هم بحقّ وبكل تأكيد المفلحون أي الناجحون الفائزون في دنياهم حيث تمام الخير والسعادة من ربهم ثم لهم بالقطع في أخراهم ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد
ومعني " وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿39﴾ " أي وما أعطيتم مِن أموالٍ للمُرَابين الذين يَتعامَلون بالربا فتَرْبُوا أموال هؤلاء الناس أي تزداد بغير حقٍّ بهذه الصورة المُحَرَّمَة حيث تقترضون منهم بالربا أي تعطونهم ما اقترضتموه بعد فترة وعليه زيادة ، فهذا النوع من التعامُل لا يَرْبُو عند الله أي لا يزداد ولا يُرَبِّيه لكم عنده ولا يعطيكم عليه أجرا يوم القيامة بل ستُعَاقَبُون بما يُناسِب وكذلك في الدنيا هو يَمْحَقه أي يَسحقه ويُزيله ويُنهيه فلا بركة فيه كما قال تعالي : " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ .. " ﴿ البقرة : 276 ﴾ ، لأنه سبحانه يُحَرِّمه لأضراره علي الجميع حيث هو كسب بلا جهد ودون أيّ إنتاجٍ واستغلال لحاجة الناس .. وكذلك الحال بالنسبة للذي يُعْطِي عطاءً من أجل السُّمْعَة والرياء أي لكي يسمع به الناس ويروه فيمدحوه ولا يريد ثواب الله ، أو يُعْطِي عطاءً لأحدٍ كهدية مثلا بقصد أن يَردّه له بعدها أزْيَدَ منه – لكن إن كانت نواياه خيرا كنفعه دون انتظار شيءٍ فله أجره بالتأكيد لأنَّ هذا العطاء سيكون حينها لله – فهذه الأعمال أيضا وما يُشبهها ، أيٌّ منها كذلك لا يَرْبُو عند الله ، أي لا يُرَبِّيه عنده لصاحبه ولا يُجازيه عليه أيّ شيءٍ في الداريْن كمن يعمله مُخلصا لله والذي يُجَازَيَ عليه بأعظم الخير بل قد يُعاقِبه عليه لو أدَّيَ لضررٍ ما له أو لِمَن حوله .. " .. وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿39﴾ " أي أمّا ما تعطونه للآخرين من زكاة ، أيْ من أيّ خيرٍ تريدون تزكيته أي زيادته بمزيدٍ من الخير ، بما في ذلك الزكاة المفروضة في المال والعلم والفكر وغيره وكذلك الصدقات والإنفاقات في أيّ خيرٍ ما ونحو هذا حيث الزكاة عموما من التزكية أي الترْقِيَة والنموّ والسُّمُوّ في الأفكار والأخلاقيّات والمعاملات ، فنتائج كل ذلك بالقطع ستكون كلها أعظم خيرا لِمَن كان يريد وجه الله أي ثوابه وأجره وخيره وعطاءه وتمام سعادته في الدنيا والآخرة ، ولا يريد وجه غيره ، أي لا يريد هدفا آخر ، أي لا يريد مثلا سُمْعَة أو رِيَاءً أي يَسمع الناس به ويَرونه فيمدحونه بكذا وكذا من المدح الكاذب المُضِرّ له ولهم ﴿ برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. " .. فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿39﴾ " أي هؤلاء الذين يفعلون كل ذلك وغيره ، ويتمسّكون بالقطع بكل أخلاق إسلامهم ، بهذه الصورة المُخْلِصَة الحَسَنَة المُسْعِدَة ، هم بحقٍّ وبكل تأكيد أصحاب الأضعاف المُضَاعَفَة في خيرات وعطاءات وسعادات الدنيا والآخرة مِن ربهم صاحب كلّ فضلٍ عظيمٍ أكرم الأكرمين سبحانه
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿ 40 ﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ من المتوكّلين علي الله حقّ التوكّل – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعْتَمِدين عليه تمام الاعتماد ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافِعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
هذا ، ومعني " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ .. " أي تَدَبَّروا أيها الناس في خَلْقكم وكيف خُلِقتم من ماءٍ مِهين تعرفونه وتطوّرتم في بطون أمهاتكم في أطوارٍ مُعْجِزَةٍ حتي أصبحتم بَشَرَاً لكم عقول وأجهزة ومشاعر وقوَيَ تنتفعون وتسعدون بها بخيرات الحياة ، فمن الذي خَلَقَكم ؟! هل هناك أيّ أحدٍ تجرَّأ علي أن يدَّعي أنه هو الذي خَلَق ؟! ولكنه الله سبحانه الخالق الكريم ، فأيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ يُدرك ذلك قطعا ! ويُعينه علي هذا الإدراك فطرته التي بداخله والتي هي مسلمة أصلا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل ﴾ ، فآمنوا بالله وتمسّكوا بكلّ أخلاق إسلامه لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ .. " أي ثم أخرجكم من بطون أمهاتهم لا تملكون أيّ شيءٍ ولكنه رزقكم مِن كل الأرزاق طوال حياتكم فهو مالك الملك كله وهو وحده الذي يملك أصول الأرزاق وأسباب وجودها ونمائها كالماء والهواء والطاقة والقوة والأرواح والعقول وما شابه ذلك ولو مَنَعَ شيئا منها لتوقّفت الأرزاق بل والحياة كلها ، ولذا فهو وحده المُستحِقّ للعبادة وللشكر علي نِعَمه التي لا يُمكن حصرها ، تشكروه بعقولكم باستشعارها وبألسنتكم بحمده وبأعمالكم باستخدامها في كل خيرٍ دون أي شرٍّ لتسعدوا في دنياكم وأخراكم .. ثم هو سبحانه يُميتكم ويأخذ أرواحكم حينما تنتهي آجالكم في الدنيا ثم يحييكم مرة أخري حيث تُرجعون إليه وحده لا إلي غيره يوم القيامة ، وستُحاسَبون علي كل أقوالكم وأفعالكم إن خيرا فلكم كل خيرٍ وسعادة في أعلي درجات الجنات وإن شرا فلكم كل شرٍّ وتعاسة في أعماق النيران علي قدْر شروركم ومَفاسِدكم وأضراركم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ .. " أي يا أيها المُشركون بالله أي الذين تعبدون آلهة غيره كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها ، هل منها مَن يُمكنه فعل ذلك ؟! مَن كان يمكنه فَلْيَتَجَرَّأ ولْيَتَقَدَّم ولْيُعْلِن عن ذاته أمام الخالق الحقيقيّ الذي يقول أنه هو الخالق الواحد وهو الله تعالي !! فإن لم يَتَقدَّم ويُعْلِن فهو إذن جبان كاذب ولا يمكن أن يكون إلاها ! وإن لم يَعلم أنَّ هناك خالقا آخر غيره فهو إذن تائه غافل لا يَصلح أن يكون إلاها أيضا !! وهو سؤال لنفي ذلك قطعيا ولِلَّوم الشديد وللسخرية من هؤلاء المشركين الذين قد عَطّلوا عقولهم وعبدوا آلهة هي أضعف منهم !! وهل يكون العابد أقوي من المعبود هكذا ؟! أين العقول المُنْصِفَة العادِلة ؟!! ولكنه العِناد والتكذيب والاستكبار من أجل تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿ 40 ﴾ " أي سَبِّحوه ، أي نَزّهوه ، أي ابْعدوه عن كل صفةٍ لا تليق به ، وتعالي أي عَظِمُوه واعلوا شأنه ، فله كل صفات الكمال والعُلُوّ والعَظَمَة ، وبالتالي فاعبدوه فهو المُسْتَحِقّ وحده للعبادة ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿41﴾ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴿42﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنت صالحا مُصْلِحا لا فاسدا مُفْسِدا في كل شئون حياتك ، فالصلاح ونشره يؤدي إلي كل خيرٍ وسعادة لك ولمَن حولك في دنياكم وأخراكم بينما الفساد ونشره يؤدي إلي كل شرٍّ وتعاسة لكم فيهما .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يأخذون الدروس من التاريخ السابق وينتفعون بما فيه ، فما فيه من خيرٍ فعلتَ مثله بما يُناسبك وازددتَ منه وطوَّرته وسَعِدَتَ به ، وما فيه من شرٍّ تجنّبته تماما فلا تَتْعَس به مثل تعاسة السابقين ، فالتاريخ يحمل عِبَراً ودروسا وعظات وخبرات هائلة يمكنك تحصيلها والاستفادة منها في أوقات قليلة .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .. " أي اتّضَحَ وانتشرَ في كثيرٍ من جوانب الأرض البرية والبحرية وغيرها ، متمثلا في كفرٍ أي تكذيبٍ بوجود الله ، أو شركٍ أي عبادةِ غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، أو نفاقٍ أي إظهارٍ للخير وإخفاءٍ للشرّ ، أو ظلمٍ أي اعتداءٍ وعدمِ عدلٍ ، أوقتلٍ ، أو فسادٍ ونشرٍ للشرّ بكل أنواعه الفكرية والمالية والإدارية والسياسية والاجتماعية والفنية والعسكرية وغيرها ، إلي غير ذلك من صور الفساد المُضِرّ المُتْعِس في الدنيا والآخرة لمَن يفعله ولمَن حوله بدرجةٍ من الدرجات .. " .. بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ .. " أي بسبب شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم التي كسبوها وحَصَّلوها وفعلوها بأيديهم وأرجلهم وعقولهم وسوء تصرّفاتهم ، فمَن يَزرع شرَّا لابُدّ ألاّ يحصد إلا شرَّا ، فهذا هو القانون الإلهيّ العادل لهذه الحياة والذي نبَّهنا إليه ربنا بقوله " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿ الإسراء : 7 ﴾ .. " .. لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿41﴾ " أي عاقَبَهم سبحانه ببعض العقوبات المناسبة لكلٍّ منهم علي قَدْر فساده وشرّه وضرره ، كنتيجةٍ حَتْمِيَّة لفسادهم هذا ، ولم ينقذهم منها لفتراتٍ من أجل مصلحتهم ، لتنبيههم لإصلاحهم ، عاقَبَهم مثلا بجفافٍ أو سيول أو فقر أو مرض أو عدمِ أمنٍ أو غلاءٍ أو ما شابه هذا ، لكي يُذيقهم أي يُشعرهم بسوء ما عملوه ، لعلهم بهذه العقوبات المُؤَقّتة يستقيظون ويستفيقون فيرجعون إلي ربهم وإلي إسلامهم ليسعدوا بذلك في دنياهم وأخراهم
أما معني " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ .. " أي اذْكُر لهم وذَكِّرْهم يا محمد ﴿ ص ﴾ ويا كلّ مسلمٍ ويا كلّ قاريءٍ للقرآن الكريم واطلب منهم أن يَتَنَقّلوا في كل جوانِب الأرض ما استطاعوا وينظروا ويشاهدوا بأبصارهم ويتدبَّروا بعقولهم في كيف كانت عاقبة أي نهاية ونتيجة سوء عمل السابقين مِن قَبْلهم والذين كانوا يُكذبون ويُعانِدون ويَستكبرون ويُرَاوِغون ويَستهزؤن أمثال أقوام الأنبياء هود وصالح وشعيب وغيرهم حيث هم يرون بقايا وآثار بيوتهم الخَرِبَة المُدَمَّرَة بعد إهلاك الله لهم بوسائل مختلفة كعواصف وزلازل وغيرها ؟! .. وفي هذا الطلب توسيع لدائرة التدبُّر ، فلا يَكتفون بالتدبُّر فقط فيما حولهم لعلهم يكونوا قد اعتادوا عليه فلا يستشعرون قيمته ، لكنهم سيستشعرون قيمة الدروس حينما ينطلقون في كل أرض الله وكوْنه .. لقد كان عاقبتهم أي آخر أمرهم أي نهايتهم ونتيجة أفعالهم وأقوالهم بالغة السوء ، لقد نَزَلَ بهم عذاب الله بدرجةٍ من الدرجات علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ، وذلك لأنهم كانوا يظلمون بكل أنواع الظلم ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شِرْكا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، لقد نَزَلَ بهم عذاب الله في دنياهم ثم سَيَحِقّ عليهم حتما في أخراهم ، حيث في الدنيا كان لهم صورة ما من صور العذاب كقلقٍ أو توتّرٍ أو ضيقٍ أو اضطرابٍ أو صراع أو اقتتالٍ مع الآخرين وبالجملة كان لهم كل ألمٍ وكآبةٍ وتعاسةٍ وقد يَصِل الأمر مع تمام إصرارهم علي ما هم فيه إلي عذابهم باستئصالهم تماما من الحياة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 11 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك التامّ ﴾ ، ثم سيكون لهم حتما في الآخرة ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. " .. كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴿42﴾ " أي حَدَثَ ذلك العذاب لهم بسبب أنَّ كثيرا منهم كانوا مشركين بالله أي يعبدون غيره كصنمٍ أو حجر أو نحوه .. هذا ، ولفظ أكثرهم يُفيد تمام الدِّقّة ، حيث الأكثرية كانوا مِن المشركين لكنَّ بعضهم كانوا كافرين أي يُكذبون بوجود الله أصلا ، وبعضهم كانوا شديدي الظلم والفساد ، وبعضهم كانوا أطفالا أو مجانين أو نحوهم وُأهْلِكُوا معهم لكنهم سيدخلون الجنة في أقل درجاتها لعدم إدراكهم ، وبعضهم عادوا لربهم وأسلموا وفارَقوهم ، وهكذا .. فَلْيَنْتَبِه ولْيَتَّعِظ إذن المسلمون وكلّ مَن أراد الاتِّعاظ مِن ذلك ولْيَحْذَروا أسبابه تمام الحَذَر حتي لا يحدث لهم مثله فيتعسوا تمام التعاسة في الداريْن مثلهم ، بل يحيوا سعداء تمام السعادة فيهما
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۖ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴿43﴾ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴿44﴾ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴿45﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﴿ ص ﴾ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِن المُخلصين المُحسنين في كل أقوالك وأعمالك ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا ..
هذا ، ومعني " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ .. " أي بعد أن تَبَيَّنَ لكم في الآيات السابقة أنَّ أهل الخير لهم كل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم وأنَّ أهل الشرّ لهم كل شرٍّ وتعاسة فيهما ، فأيّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ لابُدّ إذن وحتما أن يتّجه إلي ربه ويتمسّك بما يُوجّهه إليه من أخلاقيات وتوصيات وتشريعات ليحيا حياة سعيدة في دنياه ثم أخراه ! فأقم وجهك – وهو الذي يحمل العقل وكل الإداركات والأحاسيس والمشاعر والمقصود اجعل كل كيانك – أنت أيها الرسول ﴿ ص ﴾ وكل المسلمين معك ومن بعدك وأنت يا أيّ عاقل ، أقيموا وجوهكم ، أي اجعلوها دائما قائمة واقِفَة مستقيمة علي دين الله ، أي كونوا جميعا دوْما مُقيمين مُستقِرِّين مُستمِرِّين مُهتمّين تمام الاهتمام ثابتين دون أيّ انحرافٍ يمينا أو يسارا مُسَدِّدِين علي الجهة التي وَجَّهكم نحوها ربكم واختارها لكم وأرشدكم إليها ، وهي جِهَة الدين ، دين الإسلام ، حتي تسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. لِلدِّينِ الْقَيِّمِ .. " أي تَوَجَّهوا لذلك الدين ، لذلك الإسلام ، القَيِّم ، أي لهذا النظام المستقيم أي المُتَّجِه دائما نحو كل خيرٍ دون أيّ مَيْلٍ نحو أيّ شرّ ، والذي هو ذو القيمة العالية ، وذو القِيَم الأخلاقية السامية .. " .. مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ .. " أي سارِعوا واجتهدوا في الاتّجاه نحو دين الإسلام والتمسّك بكل أخلاقه لتسعدوا به تمام السعادة في الداريْن قبل أن يحضر يومٌ لا يُمكن لأيِّ أحدٍ أن يَرُدَّه أي يُرجعه أو يُبعده أو يَمنعه غير الله تعالي ، وهو يوم القيامة ، وهو قادم بلا أيّ شكّ لأنه سبحانه قد حَكَمَ وقَضَيَ به أن يكون النهاية العادِلة للحياة الدنيا ليأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم ﴿ لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن قصة الحياة ونهايتها وسبب الخِلْقَة ، برجاء مراجعة الآيات ﴿ 11 ﴾ حتي ﴿ 25 ﴾ من سورة الأعراف ﴾ .. هذا ، والآية الكريمة تعني أيضا ضِمْنَاً المُسَارَعَة للتمسّك بأخلاق الإسلام مِن قبل حضور يومٍ ما من أيام الدنيا يَنزل فيه عذاب الله تعالي والذي لا يُمكن لأيّ أحدٍ أن يَرُدَّه كذلك إذا أراد إنزاله علي مَن يستحقّه مِمَّن يترك هذا الدين القَيِّم كله أو بعضه أو يكفر أي يُكذب بوجود ربه أو ماشابه هذا وهو العذاب الذي قد يتمثل في قَلَقٍ أو تَوَتّرٍ أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة كل ألم وكآبة وتعاسة .. " .. يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴿43﴾ " أي يتفرَّقون ، أي عندما يحضر هذا اليوم يحدث التفريق والتمييز بين فريق الأخيار المؤمنين بربهم المتمسّكين بإسلامهم وفريق الأشرار المُكذبين بربهم البعيدين عن دينهم ، فالفريق الأول نال كل الخير والسعادة في دنياه ثم له ما هو أعظم خيرا وسعادة وأتمّ وأخلد في أخراه ، والفريق الثاني علي العكس تماما ، نال ما نال في دنياه من الشرّ والتعاسة علي قَدْر شروره ومَفاسده وأضراره ثم له في ُأخراه ما هو أعظم شرَّاً وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. وهذا هو معني " مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ .. " أي مَن كَذّبَ بوجود الله ولم يعمل بإسلامه فَلْيَتَحَمَّل إذن نتيجة عمله لا يتحمَّلها أيّ أحدٍ عنه ، فعليه وله في دنياه كلّ شرّ وتعاسة ثم في أخراه ما هو أشدّ شرّا وتعاسة وعذابا وأعظم وأتمّ وأخلد .. " .. وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴿44﴾ " أي لكنْ مَن آمن بربه وتمسّك بكل أخلاق إسلامه ، فهؤلاء بالقطع هم الذين يُمَهِّدون ويُجَهِّزون ويُعِدُّون لأنفسهم كلّ راحةٍ وخيرٍ وسعادة في حياتهم الآخرة ، بعد كلّ سعادةٍ نالوها في حياتهم الدنيا بارتباطهم بربهم واتِّباعهم لإسلامهم .. " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ .. " أي مَيَّزَهَم سبحانه إلي فريقين كما في الآية ﴿ 43 ﴾ لكي يَجزي ويُعطي المؤمنين أي المُصَدِّقين بربهم المتمسّكين بإسلامهم حتما كل الأفضال والخيرات والراحات والسعادات في أعلي درجات الجنات حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر فهو الرحيم الكريم الودود صاحب الفضل العظيم الذي يُعطي بغير حسابٍ ويُجازِي علي العمل القليل الكثيرَ والكثير .. " .. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴿45﴾ " أي هو سبحانه بكل تأكيد يكرههم !! بسبب شرورهم ومفاسدهم وأضرارهم ، فليس لهم أيّ خيرٍ مِمَّا يُعِدِّه للمؤمنين المحبوبين له ، بل لهم في الدارينْ كل ُكرهٍ يتمثل في كلّ شرٍّ وألم وعذاب وكآبة وتعاسة علي قَدْر ما قدَّموا بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. إنهم لعلهم يستفيقون إذا سمعوا هذا ويفهمون أنهم لو آمنوا لأحَبَّهم ولأسْعَدَهم في دنياهم وأخراهم !!
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿46﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿46﴾ " أي ومِن بعض معجزاته ودلالاته التي تدلّ كلّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ علي أنه سبحانه هو الخالق الرازق المُرَبِّي المُعين المُرشد لكل خيرٍ وسعادة المُستحِقّ وحده للعبادة بلا أيّ شريك وأنَّ مَن عَبَدَه وتوكّل عليه وحده سَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه ﴿ برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء .. ثم مراجعة معني التوكّل في الآية ﴿ 51 ﴾ ، ﴿ 52 ﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل ﴾ ، أنه يَبْعَث عليكم الرياح المُعتدلة لكي يُبَشِّركم ويُسعدكم بمَجِيء المطر المُعْتَدِل قبل وصوله ، ولكي يُشعركم ويُعطيكم مِن بعض رحماته لأنَّ المطر سيَحمل لكم كل خيرٍ حيث بالماء تنمو كل أنواع خيرات الحياة فتنتفعون وتسعدون بها ، ولكي تتحرَّك السفن ووسائل النقل المختلفة وكلها تحتاج إلي الهواء فتنطلقون في حياتكم تبتغون أي تطلبون كل أفضال الله من كل أرزاقه المتنوِّعة المُفيدة المُسْعِدَة لكم ، ولكي تشكروا كل تلك النِعَم والتي لا تُحْصَيَ ، تشكروها بعقولكم بأن تستشعروا قيمتها ، وبألسنتكم بحمده ، وبأعمالكم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ حتي تجدوها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّعٍ كما وَعَدَ سبحانه ووعْده الصدق : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿ إبراهيم : 7 ﴾ .. هذا ، ولفظ " لعلّ " يفيد الاحتمالية مع الأمل في التّحَقّق ليكون دافعا وتشجيعا للبَشَر ليكونوا كلهم كذلك شاكرين عابدين لربهم وحده متمسّكين بكل أخلاق إسلامهم ليسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، فهو أمرٌ سهلٌ مَيْسور ، لكن لِمَن أراده واتّخذ أسبابه بتمسّكه بكلّ إسلامه
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿47﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا تَشبَّهْتَ بالرسل الكرام في حُسن دعوتهم للآخرين وصبرهم علي أذاهم ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 272 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 187 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة ﴾ .. وإذا تمسَّكتَ بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾
إنَّ هذه الآية الكريمة هي تسلية وطَمْأَنَة وتَبْشير للرسول ﴿ ص ﴾ وللمسلمين الدعاة من بعده – وكل مسلم هو داعي إلي الله والإسلام بما يستطيع – أنَّ أهل الحق والخير لابُدّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 12 ﴾ ، ﴿ 13 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل ﴾ ، فالنصر من عند الله تعالي وحده ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 121 ﴾ حتي ﴿ 127 ﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿ 151 ﴾ ، ﴿ 152 ﴾ ، ﴿ 160 ﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل ﴾
هذا ، ومعني " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ .. " أي لقد بعثنا رسلا مثلك قبلك إلي أقوامهم فأحضروا لهم كل البَيِّنات أي الواضِحات مِن كلّ الدلالات التي تُثبت صِدْقهم وأنهم من عند الله وأنه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة وأنَّ دينه الإسلام هو وحده الذي يُصْلِح كلّ البشرية ويُكملها ويُسعدها تمام السعادة في دنياها وأخراها .. " .. فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا .. " أي فكذبوا وعانَدوا واستكبروا واستهزؤا فانتقمنا أي عاقبنا وعذبنا وأهلكنا الذين أجرموا أي ارتكبوا الجرائم أي الشرور بكلّ أنواعها سواء أكانت كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم ظلما واعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا له أم ما شابه هذا ، عاقبنا كلاًّ بما يستحقّ في دنياه علي قَدْر جريمته قبل عقابه الأشدّ والأعظم والأتمّ في أخراه .. " .. وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿47﴾ " أي كان هذا النصر للمؤمنين بربهم المتمسّكين بكلّ أخلاق إسلامهم علي المجرمين واجبا علي ذاتنا العّلِيَّة أوجبناه علي أنفسنا مِن فضلنا وكرمنا وحبنا وعوْننا لهم ، وليس لأيّ أحدٍ أن يُوجِبه علينا ، فلابُدَّ إذن مِن تَحَقّقه ، وهو حقّ دائم لهم لابُدَّ أن يأخذوه ، في التوقيت وبالأسلوب الذي نراه مُناسبا مُسْعِدَاً لهم .. وفي هذا مزيد من إظهار تمام الطمْأنَة والحب والتكريم والعوْن والنصر للمؤمنين ، فلْيَسْتبشروا ولْيَطمئنّوا ولْيَسعدوا إذن بذلك .. هذا ، والآية الكريمة هذه جاءت وسط مجموعة من الآيات التي تدلّ دلالَة قاطِعة علي أنَّ الله سبحانه قادر علي كلّ شيءٍ فبالتالي هو تعالي بالقطع قادر علي نصر المؤمنين وإهلاك المجرمين
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿48﴾ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴿49﴾ فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿50﴾ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴿51﴾ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿52﴾ وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿53﴾ ۞ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴿54﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿56﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 2 ﴾ ، ﴿ 3 ﴾ ، ﴿ 4 ﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا .. هذا ، ومِمَّا يُعِينك علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر فهو سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
هذا ، ومعني " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ .. " أي أنَّ الله تعالي خالق الخَلْق كله القادر علي كل شيءٍ يَبعث الرياح فتُنْشِيء وتُحَرِّك السُّحُب فينشرها في السماء في أيّ مكانٍ واتّجاهٍ يَشاءه يمينا ويسارا ويجعلها كِسَفَاً أيْ قِطَعَاً ، وحين يُريد إنزال الماء منها ، إذا نظرتَ إليها رأيت الوَدْقَ أي المطر يخرج من بينها ، فسبحان القادر علي كلّ ذلك وغيره .. " .. فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿48﴾ " أي حينما يُوَجّهه ويُنزله علي مَن يشاء مِن خَلْقه الذين يريد رحمتهم ورزقهم فهم وقتها يفرحون ويسعدون بالخيرات والنِعَم التي ستَحصل لهم بنزول هذا المطر المعتدِل المُفيد المُسْعِد حيث نموّ النباتات والزروع والدوابّ ممّا يُفيد ويُسعد
ومعني " وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴿49﴾ " أي ولقد كان حالهم سَيِّئاً مِن قبل إنزال هذا المطر ومن قبل إرسال هذا الريح والسحاب حيث كانوا مُبْلِسين أي يائسين ساكتين مُنْكَسِرين مِن شِدَّة الحُزن .. وفي هذا تذكيرٌ من الله تعالي لخِلْقه للتنبيه علي قيمة وعِظَم نِعَمه عليهم ليشكروها تمام الشكر ، بعقولهم باستشعارها وبألسنتهم بحمده سبحانه وبأعمالهم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ حتي يجدوها دائما باقية بل وفي ازديادٍ كما وَعَدَ ووعْده الصدق : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿ إبراهيم : 7 ﴾
ومعني " فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿50﴾ " أي انظر يا أيّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ بنَظَر الاعتبار وشاهِد وتأمَّل وتَدَبَّر واعْقِل واعْلَم نتائج رحمةٍ مِن رحماته تعالي التي وَسِعَت كل شيءٍ وأسْعَدَت كل خَلْقه كيف حين أنزل المطر أحيا به الأرض بعد أن كانت مَيِّتة هامِدة ملساء لا نبات فيها ، فإنَّ ذلك أي الله القادر علي هذا الإحياء للأرض الميّتة سبحانه قادر بلا أيّ شكٍّ علي إحياء الموتي من قبورهم بأجسادهم وأرواحهم ليوم البعث يوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لِمَا فَعَلوا حتي يُجازوا علي الخير كل خيرٍ وسعادة وعلي الشرّ كل شرٍّ وتعاسة علي قَدْر ما قدَّموا بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، فهو تعالي قادر علي كلّ شيء
ومعني " وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴿51﴾ " أي ولو حَدَثَ بصورةٍ استثنائية أنْ بَعَثْنا رياحا صفراء تحمل التراب والعواصف فأصابَت زرعهم بضَرَرٍ فنَظَروا إليه فرأوا لونه قد اصفرّ أيْ جَفّ وذَبَلَ ولم يَعُد صالحا للانتفاع به – وذلك من أجل اختبارهم باختبارٍ ما ليخرجوا منه مستفيدين خبراتٍ كثيرة ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 143 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة ﴾ – إذا هم حينها مِن بعده أي مِن بَعْد إرسال الريح وإنزال المطر المعتدل واستبشارهم وفرحهم به ومِن بَعْد اختبارهم بهذا الريح الضارّ ، إذا هم يَصِيرُون إلي الكفر بنِعَم الله ويستمرّون عليه أي ينسون كل الخير الذي كانوا فيه سابقا من ربهم ولا يَصبرون علي الاختبار بل يَفشلون فيه ولا يُراجعون ذواتهم لعلّ السبب يكون من أخطائهم وعدم إحسان شكرهم لربهم واستخدامهم لنِعَمه حيث استخدموها في الشرّ بدلاً من الخير وما شابَه هذا مِن مُراجعاتٍ علي الإنسان أن يتّخذها عندما يَحلّ به ضَرَرٌ ما ، بل بعضهم قد يكفرون أي يُكذبون بوجود الله أصلا حينما يحدث ذلك !! فعلي المسلم المتمسّك بكل أخلاق إسلامه ألاّ يَتَشَبَّه بهم مُطلقا وإلا تَعِسَ مثل تعاساتهم في دنياه وأخراه
ومعني " فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿52﴾ " أي استَمِرُّوا أيها المسلمون في التمسّك بإسلامكم وفي الدعوة إليه بكل قدوةٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حَسَنَة ولا تلتفتوا إلي أقوالهم وأفعالهم واطمئنوا ولا تشعروا بتقصيرٍ نحوهم ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 272 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 187 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة ووسائلها وأساليبها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة ﴾ ، لأنَّ المشكلة هي فيهم هم وليست فيكم أنتم ، في عقولهم ، فهم كالموتي ، فهل مِن المُمكن أن تُسْمِعُوا مَيِّتَاً أيّ شيء ؟! وهم كالصُّمّ ، فهل الأَصَمّ أي الذي لا يَسمع مِن المُمكن أن يَسمع أيّ دعوة تُوَجَّه إليه ؟! فما بالكم لو أضافوا لذلك أنهم يُدْبِرُون عنكم أي يُعطونكم ظهورهم ويَنصرفون !! إنهم حتي لو بقوا ولم ينصرفوا وكانوا صُمَّاً لَكَانَ مِن المُمْكِن دعوتهم بالإشارة !! ولكنهم مُصِرُّون تمام الإصرار علي عِنادهم وتكذيبهم واستكبارهم ، وما كلّ ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم تماما بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿53﴾ " أي وكذلك لا يُمكنكم أبداً هداية العُمْيَان ، هدايتهم لله وللإسلام وإبعادهم عن ضلالتهم أيْ ضَيَاعِهم أيْ شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ، لأنهم أيضا يُعَطّلون استخدام عقولهم فلا يَتَدَبَّرون فيما يرونه حولهم مِن معجزاتٍ دالَّاتٍ قاِطعاتٍ علي وجود ربهم وعلي صلاحية شرعه الإسلام علي إصلاح وإكمال وإسعاد البشرية كلها في دنياها وأخراها ، ولذلك فهم كالعُميان الذين لا يرون شيئا حولهم !! .. " .. إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿53﴾ " أي فقط الذين سيَستمعون سَماع تَعَقّل وتَدَبُّر وسيَعقلون وسيَتَدَبّرون ما تُسْمِعُونهم إيّاه وتدعونهم إليه ، هم الذين يؤمنون بآيات الله أي يُصَدِّقون بوجود ربهم وبآياته ، أي بالدلالات والعلامات الواضحات المُعْجِزات في كل مخلوقاته سبحانه في كل كوْنه وفي آياته في قرآنه العظيم ، وبأنَّ هذه الآيات الكريمة هي مِن عنده تعالي ، وأنه هو وحده الذي يعلم تماما خَلْقه وما يُصلحهم ويُكملهم ويُسعدهم في دنياهم وأخراهم ، وذلك لأنهم هم الذين قد أحسنوا استخدام عقولهم واستجابوا لنداء الفطرة بداخلها ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ ، فهؤلاء فقط – بعد هذا الإيمان – هم الذين سيُسْلِمون أي سيتمسّكون تمام التمسّك بكل أخلاق إسلامهم عن يقينٍ تامٍّ أي تأكّدٍ بلا أيّ شكٍّ أنه أساس سعادتهم التامّة في الدنيا والآخرة
ومعني " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴿54﴾ " أيْ يَا مَن تُكذبون بالبعث بعد الموت ، ألا تَعقِلون بعقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ فتَنظرون في ذواتكم والتي هي أقرب إليكم من أيّ شيءٍ آخر ولن تذهبوا بعيدا وتبذلوا جهداً لكي تَتَأمَّلوا ؟! ألا تُشاهدون أنكم خُلِقتكم مِن ضعفٍ أيْ مِن نُطفةٍ أيْ من حيوانٍ مَنَوِيٍّ ضعيفٍ مهين ؟! ثم تَخَلّقتم علي مراحل في بطون أمهاتكم ثم خرجتم للحياة بمنتهي الضعف لا تملكون ولا تعلمون أيّ شيء ، ثم ُأعطيتم من كل أنواع القويَ الجسدية والعقلية وغيرها ، ثم يَتقدَّم بكم السن فتفقدون هذه القوي تدريجيا وتَشِيخُون وتَشِيبُون ثم تموتون ، أليس الله الذي يفعل كل هذا ؟! هل استطاع أيّ أحدٍ أن يَتَجَرَّأَ ويَدَّعي أنه هو الذي يفعله ؟! أليس الذي يخلق ما يشاء هكذا من كل أسباب القوة والضعف وكل شيءٍ في الحياة وهو العليم تمام العلم بكل شيء والقادر عليه بتمام القدرة أليس يُمكنه إعادة خلقكم مرة أخري يوم البعث يوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ ليُجازيكم علي الخير بكل خيرٍ وسعادة وعلي الشرّ بما يُناسبه وتَستحقونه من كل شرٍّ وتعاسة ؟! إنه تعالي قادر بكل تأكيد ، فمَن خَلَق كل هذا البَشَر وهذا الخَلْق أول مرة سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيده مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر ، فهو سبحانه يُخاطبنا بما تفهمه عقولنا !
ومعني " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾ " أي حين يَحدث قيام الساعة ، أي ساعة إقامة يوم القيامة ، حيث بداية أحداث الحياة الآخرة والحساب والعقاب والجنة والنار ، وسُمِّيَت بالساعة لسرعة قيامها ولانضباط وقتها ، حينها يَحْلِف المجرمون – والمقصود بهم هنا الكافرون أي الذين كانوا يُكذبون بوجود الله والمشركون أي الذين كانوا يعبدون آلهة غيره تعالي كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو نحوها وكانوا يرتكبون كل أنواع الجرائم والشرور والمَفاسد والأضرار – أنهم ما مَكثوا وبَقوا في حياتهم الدنيا إلا زمنا قليلا جدا وهو مقدار ساعة واحدة ! وهم يحاولون بذلك الكذب أنهم لم يُعْطوا الفرصة الكافية في دنياهم لكي يُفكّروا في الإيمان بالله والتمسّك بأخلاق الإسلام ولو كانوا بقوا أكثر من ذلك لآمنوا ولأسلموا بالتأكيد !! كما أنَّ حديثهم ضمنا يُفيد استصغار مدة الحياة الدنيا مهما طالت .. فيَرُدّ عليهم تعالي كاشفا كذبهم بقوله " .. كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾ " أي كهذا الكذب الواضح الذي يُحاولون كذبه يوم القيامة – ولن يُفلحوا بالقطع حيث كل الحقائق قد اتّضَحَت وتَكَشَّفت – كانوا يُؤْفَكون في دنياهم ، أي يَتَّبعون الإفك ، أي الكذب ، أي يَكذبون هذا الكذب الشديد المفضوح ، فهم كان خُلُقُهم دائما الكذب والافتراء والادِّعاء بعدم وجود الله أو ليس هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة فيُشركون معه آلهة أخري يعبدونها أو عدم صلاحية شرعه الإسلام لإصلاح وإكمال وإسعاد البشرية كلها في الداريْن أو ما شابه هذا من أكاذيب وافتراءات وادِّعاءات .. فإيّاكم ثم إياكم أيها المسلمون أن تَتَشَبَّهوا بهم في كُفرهم أو شِركهم أو كذبهم أو نسيانهم لآخرتهم أو جرائمهم وشرورهم ومَفاسدهم بكل أنواعها وإلا تَعِستم مثلهم تمام التعاسة في دنياكم وأخراكم
ومعني " وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿56﴾ " أي حينما حاوَل المُجرمون يوم القيامة – كما في الآية السابقة – الكذب وادَّعاء أنهم ما مَكَثوا في الحياة الدنيا إلا بمقدار زمن ساعة واحدة ، رَدَّ عليهم المؤمنون الذين كانوا في دنياهم قد ُأوتوا العلم أيْ قد أتتهم كُتب الله فيها علومه وتشريعاته وأخلاقيّاته عن طريق رسله فآمنوا أي صَدَّقوا بها وتمسّكوا وعملوا بما فيها فسعدوا تمام السعادة في دنياهم ثم أخراهم – وهكذا دائما يكون حال المسلم المتمسّك بكل أخلاق إسلامه في دنياه يَرُدّ بالحقّ ما استطاع وفي التوقيت وبالأسلوب المناسب علي أيّ باطلٍ بكلّ حِكمة وموعظة حَسَنَة – رَدُّوا عليهم كاشفين كذبهم كما كانوا يَرُدُّون عليهم في الدنيا أيضا ويكشفون أكاذيبهم وادِّعاءاتهم حيث قالوا لهم " .. لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ .. " أي لم تمكثوا في دنياكم ساعة فقط كما تَدَّعون كذبا ، ولكنكم مكثتم مدة طويلة كما هو مُسَجَّلٌ في كتاب الله أي في علمه وتقديره ، وهي المدة منذ خلقكم وطوال مدة بقائكم في حياتكم الدنيا ثم في قبوركم حيث أصبحتم ترابا ثم إلي موعد يوم البعث ، وبعد كل هذه المدة الطويلة وتَآكُل أجسامكم وتناثرها في التراب قد بعثكم الله مرة أخري بأجسادكم وأرواحكم ، فأنتم إذن كاذبون في ادِّعائكم أنكم ما بقيتم في الحياة الدنيا إلا ساعة واحدة فقط وفي ادِّعائكم كذلك بعدم وجود بَعْثٍ بعد الموت .. " .. فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ .. " أي فها هو يوم البعث الذي كنتم تُكذبون به أيها المُكذبون حقيقة ًواقعة ًأمامكم فهل تستطيعون الآن تكذيبه كما كنتم تُكَذبونه في دنياكم ؟! وفي هذا لوْم شديد لهم وإيقاعهم في تمام الحسرة وفي نوع من العذاب النفسيّ قبل العذاب الجسديّ في النار .. " .. وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿56﴾ " أي كنتم لا تعقلون ، أي كنتم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافع مفيد ، رغم وضوح الأمور تماما لكلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وذلك لأنكم قد عَطّلتم عقولكم بسبب الأغشية التي وضعتموها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿57﴾ " أي حينها يوم تقوم الساعة لا ينفع الذين ظلموا – وهم المُكذبون بالبعث كالكافرين والمشركين الذين ُذكِرُوا في الآيات السابقة ومَن شابههم – اعتذارهم عمَّا فعلوه مِن كل أنواع الظلم مِن الشرور والمَفاسد والأضرار ، ولا يُستعتبون أي لا يُجاب لطَلَبِهم لو أوْصَاهم أحدٌ بطَلَب إزالة العِتاب من الله لهم ، والاسْتِعْتَاب هو طلب العُتْبَيَ وهي طَلَب الرضا بعد الغضب أي طلب أن يَرْضَيَ عنهم الله بعد غضبه عليهم ﴿ هذا ، ومعني يَسْتَعْتِب أي يَطلب بنفسه إزالة العِتاب أما يُسْتَعْتَب أي يُوصِيه غيره ويَدْفعه لطَلَب إزالة العتاب ﴾ ، فلا يُجَابُون بالقطع لأنه قد فات أَوَان ذلك ، أي انتهي وقت التوبة والرجوع لله ، والوقت الآن هو وقت الحساب والجزاء والعذاب لا وقت العمل والأداء ، ولهذا فحينما يَرَيَ كلُّ مَن ظلم بصورةٍ ما من صور الظلم درجة العذاب الذي سيَناله ، لن تنفعه أيّ مُطَالبات بالتخفيف أو الإمهال أي الترْك والإعادة للدنيا لفترةٍ لتصحيح أمره بتوبته مِمَّا فَعَل
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴿58﴾ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿59﴾ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴿60﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﴿ ص ﴾ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 65 ﴾ حتي ﴿ 70 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 6 ﴾ ، ﴿ 7 ﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿ 48 ﴾ ، ﴿ 51 ﴾ حتي ﴿ 57 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ حتي ﴿ 122 ﴾ ، ﴿ 172 ﴾ حتي ﴿ 175 ﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل ﴾ .. وإذا كنت في كل أقوالك وأعمالك من المُخلصين المُحسنين ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 125 ﴾ ، ﴿ 126 ﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان ﴾ .. وإذا كنتَ من الصابرين أي الثابتين الصامِدين المُستمِرِّين دائما بكل هِمَّةٍ في فِعْل كل خيرٍ وترْك كل شرٍّ في كل قولٍ وعمل
هذا ، ومعني " وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ .. " أي لقد ذَكَرْنا فيه ومَثّلنا وشَبَّهْنَا لهم من كل أنواع التذْكِرات والأمثال والتشبيهات والمَوَاعِظ والمواقف والأحداث والمفاهيم والأخلاقيّات وما شابه هذا مِمَّا يُرْشِدهم طوال حياتهم لتمام الخير والسعادة في دنياهم وأخراهم ، وذلك لتقريب المعاني لعقولهم ليَسهل عليهم فهمها وتدبُّرها وبالتالي العمل والانتفاع والسعادة بها .. " .. وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴿58﴾ " أي أنَّ الذين كفروا أيْ كذبوا بوجود الله ، والذين أشركوا أي عبدوا آلهة غيره سبحانه كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو غيرها ، ومَن يُشبههم ، لو أحضر لهم أيّ أحدٍ أعظم آيةٍ محسوسةٍ مَرْئيّة أيْ دليلٍ قاطع حاسمٍ علي وجود الله سواء أكان هذا الدليل في الكوْن في كل مخلوقات الله المُعْجِزَة والتي لم يستطع أيّ أحدٍ أن يَتَجَرَّأَ ويقول أنه هو الذي خلقها أم كان دليلا حاسما في القرآن الكريم ، فإنهم حينها يقولون للمؤمنين بهذه الآيات أنهم ما هم إلا مُبْطِلون أي مُتَّبِعُون للباطل ليسوا أكثر من ذلك !! إنهم يَقلِبون الحقائق !! لقد أصبح المؤمنون بالله المتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم علي الباطل أي علي الشرّ والكذب والتعاسة وهم علي الحقّ أي علي الخير والصدق والعدل والسعادة !! إنهم قد وَصَلوا إلي مرحلة الطبْع والخَتْم علي العقول ، أي مِن شِدَّة عِنادهم واستكبارهم وإصرارهم علي فِعْل الشرّ ، واعتيادهم علي فِعْله لفتراتٍ طويلة دون أيّ استجابةٍ لأيّ خير ، قد وَصَلوا لمرحلة مُزْمِنَة مِن الشرّ بحيث لم يَعُد في عقولهم أيّ مساحةٍ لأيّ خير !! بل بعضهم لم يعد حتي يستطيع أن يُفَرِّق بين الخير والشرّ وأين هذا من ذاك !! وما كل ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 172 ﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة ﴾ ، وذلك بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، فالمشكلة إذن ليست في الآيات وفي كبرها أو صغرها وإنما في عقولهم هم !!
ومعني " كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿59﴾ " أي كهذا الطبْع الفظيع الشديد الذي وَصَلَ إليه الذين كفروا والذين ُذكِرُوا في الآية السابقة ﴿ برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني ﴾ ، سَيَصِل إليه حتما أيضا كل الذين سَيَتَشَبَّهُون بهم ويَسيرون في طريقهم من الذين لا يعلمون أي الذين لا يعقلون أي لم يُحسنوا استخدام عقولهم فكأنهم كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافع مفيد ! إنهم لم يَشاؤوا الهداية لله وللإسلام فلم يَشَأها الله لهم وتركهم فيما هم فيه بسبب إصرارهم التامّ عليه دون أيّ تَرَاجُع ولو بخطوة نحو الخير حتي يُعينهم علي بقية الخطوات وهو الذي قد نَبَّهَ لهذا بقوله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ .. " ﴿ الرعد : 11 ﴾ ، فكأنه تعالي هو الذي طَبَعَ علي قلوبهم لكنّهم هم الذين بدأوا واختاروا هذا الضلال وأصرُّوا تماما عليه فتركهم ولم يُعِنْهم ﴿ برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية للإسلام في الآية ﴿ 253 ﴾ ﴿ الفقرة الثانية ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 46 ﴾ حتي ﴿ 50 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿ 105 ﴾ ، ﴿ 268 ﴾ ، ﴿ 269 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿ 70 ﴾ حتي ﴿ 74 ﴾ ﴿ الفقرة الأخيرة ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل ﴾
ومعني " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴿60﴾ " أي كن أيها الرسول الكريم وكونوا أيها المسلمون من بعده من الصابرين أي الثابتين الصامدين المستمِرِّين دائما بكل هِمَّة في فِعْل كل خيرٍ وترْك كل شرٍّ في كل قولٍ وعمل وإنتاج وكسب وإنفاق وعلم وإنجاز وبناء وفكر وتخطيط وابتكار وعلاقات طيبة وما شابه هذا ، وبالجملة كونوا مستمرّين علي التمسّك التامّ بكل أخلاق إسلامكم وعلي حُسن دعوة الآخرين لربكم ولدينكم بكل قدوةٍ وحِكمة وموعظة حسنة وعلي الصبر علي أذاهم ﴿ برجاء مراجعة الآية ﴿ 272 ﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿ 187 ﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة ﴾ .. " .. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ .. " أي ومِمَّا يُعينكم علي هذا الصبر ، تأكّدكم التامّ بأنّ وعد الله لكم بالنصر في كل شئون حياتكم صغرت أم كبرت ، وبنشر إسلامكم وبالتمكين لكم في الأرض أي يكون لكم أعظم المَكَانَة بما يفيض عليكم بكل خيرٍ وسعادة في الداريْن ، هو حقّ ، أي صِدْق بلا أيّ شكّ وسيَتحَقّق بالتأكيد في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدَاً لكم ولمَن حولكم ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿ 12 ﴾ ، ﴿ 13 ﴾ ، ﴿ 116 ﴾ من سورة آل عمران ، ثم مراجعة أنّ النصر مِن عند الله تعالي وحده في الآيات ﴿ 121 ﴾ حتي ﴿ 127 ﴾ ثم الآيات ﴿ 151 ﴾ ، ﴿ 152 ﴾ ، ﴿ 160 ﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل ﴾ .. " .. وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴿60﴾ " أي وبالتالي فإيّاكم أن يَدفعكم الذين لا يُوقنون – أي لا يؤمنون ولا يُصَدِّقون بالله وبالبعث وبالآخرة وبالحساب وبالعقاب ولا يتأكّدون منه ويُشَكِّكون فيه ولا يعقلون كالذين ُذكروا في الآيات السابقة – للخِفَّة والطيش والجهل فتتركوا أخلاق إسلامكم وصبركم ووَقاركم وتُسيئوا الأدب وتَتَهَوَّرُوا في التعامُل مع الآخرين أو تيأسوا من دعوتهم وغيرهم أو ماشابه هذا ، حتي لا تتعسوا مثلهم تمام التعاسة في الدنيا والآخرة ، بل تسعدوا تمام السعادة فيهما
الم ﴿1﴾
أي هذا القرآن العظيم ، الذي أَعْجَزَ البشرية كلها حيث لم يستطع أحدٌ أن يأتي بمثل ما أتَيَ به من نُظُمٍ مُتكَامِلَة تُسعِد الجميع في كل شئون حياتهم في كل لحظاتها بكل مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة ، مُكَوَّن من هذه الحروف البسيطة ، فأتُوا بمثله لو تستطيعون !! .. فاسْعَد وافخَر واعْتَزّ وتَمَسَّك بهذا الكتاب المُعْجِز الذي يُعْلِي مِن شأن كل مَن يعمل بكل ما فيه ويُصلحه ويُكمله ويُسعده في دنياه وأخراه
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿2﴾ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴿3﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4﴾ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿6﴾ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ﴿8﴾ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿9﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ من المُحسنين المُخلصين في كل أقوالك وأعمالك ﴿برجاء مراجعة معاني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مِن المُقِيمين للصلاة ومن المُؤَدِّين للزكاة والمُنفقين من كل رزقٍ لديك في كل أنواع الخير .. وإذا كنتَ مِمَّن يتذكَّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بالبَعْث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الخِتامِيّ لِمَا فعلتَ ، تُجَازَيَ عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا ، عند أعدل العادلين ، مالك يوم الدين ، حيث يأخذ أصحاب الحقوق حقوقهم التي تكون قد فاتتهم بظُلم ظالمين لهم .. فهذا سيَدْفَع كلّ عاقلٍ لفِعْل كل خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ علي الدوام .. إنه وَعْد الله الحقّ الذي لا يُخْلِف وَعْده مُطْلَقَا
هذا ، ومعني " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿2﴾ " أي هذه هي الآيات السَّامِيَة القَيِّمة المُفَصَّلَة الواضِحَة للقرآن الذي بين أيديكم ، وهذه هي صِفته ، هو الكتاب الحكيم ، أي الذي كله حِكمة وصواب حيث كلّ أمرٍ موضوع في موضعه تماما بكل دِقّة دون أيّ عَبَث ، والذي هو مُحْكَم أي كله إحكام وإتقان وتناسُق فليس فيه أيّ خَلَلٍ أو تناقُض أو اختلاف وهو محفوظ بحِفظ الله تعالي ثم بالمسلمين المتمسّكين به كله من أيّ تحريفٍ أو تبديل ، والذي هو الحاكِم أي المَرْجِع الشامل الذي يُحْتَكَم إليه دائما لأنَّ فيه أصول وقواعد كل ما يُصلح ويُكْمِل ويُسعد البشرية كلها في دنياها وأخراها
ومعني " هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴿3﴾ " أي أنزلناه لكي يكون لكم هدي أي إرشادً وتوجيها لكل خير وليكون فيه كل رحمة وشفقة ووُدّ ، وبالجملة لكي تكونوا إذا عملتم بما فيه كله في تمام الخير والصواب والصدق والعدل والرحمة والسعادة في دنياكم وأخراكم .. لكنَّ الذي يَنتفع ويَسعد به تمام الانتفاع والسعادة هم المُحسنون أي الذين يُحسنون ويُخلصون في كل أقوالهم وأعمالهم ﴿برجاء مراجعة معاني الإحسان والإخلاص في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، أمّا غيرهم من أهل الكفر والشرك والظلم والشرور والمَفاسِد والأضرار فهم بالقطع محرومون من كل هذا ، بل لهم كل شرّ وتعاسة علي قَدْر جرائمهم في الداريْن
ومعني " الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4﴾ " أي مِن صِفات المُحسنين الذين ُذكِرُوا في الآية السابقة أنهم يُقيمون الصلاة أي يَقومون بها علي أقْوَم وَجْه ، أي يُحسنونها ويُتقنونها ، لأنه سبحانه ما أَوْصَيَ بها إلا لتكون صِلَة بين المخلوق وخالقه مالك الملك أقوي الأقوياء يطلب منه ما يشاء علي مَدَار يومه من الخير والعوْن والتوفيق والسَّدَاد والحب والرضا والرعاية والأمن والرزق والقوة والنصر والسعادة له ولمَن حوله في الداريْن .. كذلك مِن صِفاتهم أنهم يُنفقون من أموالهم وجهودهم وصحتهم وأوقاتهم وأفكارهم وغيرها ممَّا أنعَمَ خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا في عقولهم بما يُسْعِد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم .. هذا ، والزكاة من التزكية أي الترقية والنمُوّ والسُّمُوّ في الأفكار والأخلاقيّات والمعاملات .. ثم مِن صفاتهم أنهم يُوقنون بالآخرة أي يُصَدِّقون بكل تأكُّد بلا أيّ شكٍّ بالبعث وبلقاء الله يوم القيامة في الحياة الآخرة حيث الحساب الختامِيّ لِمَا فعلوا ولذا فهم يتركون كل شرّ ويفعلون كل خيرٍ ويفعلونه بكل إخلاص وإحسان ﴿برجاء مراجعة معاني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ويُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن كيفية إحسان طلب الدنيا والآخرة معا﴾ .. هذا ، ولفظ " هم " هو للتلميح لغيرهم الذين يُكذبون بالآخرة أو يُشَكّكون فيها ولا يُحسنون الاستعداد لها ، لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن !
ومعني " أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾ " أي أولئك المُحسنون الذين ُذكِرَت بعض أوصافهم في الآيات السابقة يَسيرون علي طريق الهُدَيَ المُنير الواضح الصائب المستقيم الذي سيُوصلهم لتمام الخير والسعادة في دنياهم وأخراهم والذي أرشدهم إليه ربهم الذي يُرَبِّيهم ويرعاهم ودَلّهم عليه ووَفّقهم ويَسَّرَهم له وعاوَنهم علي السير فيه وثبَّتهم عليه ، وهو طريق التصديق بربهم والتمسّك بقرآنهم وبكل أخلاق إسلامهم ، حيث هم قد اختاروا هذا الطريق أولا بكامل حرية إرادة عقولهم فشاءه وسَهَّلَه سبحانه لهم ومَكَّنهم منه ﴿برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية للإسلام في الآية ﴿253﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾ " أي وهم بالقطع الناجحون الفائزون الذين يُحَقّقون تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. هذا ، ولفظ " هم " يُفيد أنهم هم وحدهم ومَن يَتَشَبَّه بهم ويكون مثلهم هم المُفلحون وليس غيرهم
أما معني " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿6﴾ " أي إذا كان هناك مُحسنون ُذكِرُوا في الآيات السابقة مؤمنون بربهم متمسّكون بكل أخلاق إسلامهم مُفلِحون سُعداء في الداريْن ، فهناك مِن الناس تُعَساء فيهما ، لأنهم باعوا دينهم ونسوا ربهم وآخرتهم واشتروا بدلا من ذلك لهْوَ الحديث ، أي اختاروا وأحبوا وسَعوا وبذلوا جهودا وأموالا وغيرها في اللّهْو ، أي في الانشغال بما هو حقير عمَّا هو كبير وبما هو شرّ غالبا أو دائما عَمَّا هو خير وكانوا مُنشغلين في معظم أو كلّ حديثهم وفِكْرهم وعملهم بين الشرّ والفساد والكلام في السوء والاستماع له والتخطيط والتنفيذ لِمَا هو ضَرَر وما شابه هذا .. وهذا الذي يشتري لهْوَ الحديث ما يفعل كلّ ذلك إلاّ لكي يُحاوِل أن يُضِلّ الناس عن سبيل الله ، أي ليُبعدهم عن طريقه ، طريق القرآن ، طريق الإسلام ، طريق تمام الخير والسعادة في الداريْن ، وما كلّ ذلك إلا لأنه مُستفيد مُنتفع مِن نَشْر هذا اللهْو ! يستفيد ثمنا ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. ثم أيضا أثناء إضلاله لذاته ولغيره هو يَهْزَأ ويَسْخَر من سبيل الله مُتَوَهِّمَاً أنه سَيَسْتَزيد قدرةً علي خِداعهم وإضلالهم ! .. " .. بِغَيْرِ عِلْمٍ .. " أي هذا وأمثاله يفعلون ذلك بغير عقل ! أي بغير تَعَمُّق وتَدَبُّر في نتائج الأمور كأنهم كالجَهَلَة الذين ليس لديهم أيّ علم نافع مفيد ! وما ذلك إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم فلم يُحسنوا استخدامها بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي أثمان الدنيا الرخيصة .. " .. أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿6﴾ " أي حتما سيكون لهم في دنياهم كلّ عذاب يُهينهم ويحطّ مِن شأنهم ليكون مُقابِلا لاستهزائهم بالله ورسله وقرآنه وإسلامه ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُعَذبا مُهينا لهم ، ثم قطعا سيكون لهم في أخراهم من العذاب ما هو أشدّ إهانة وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ
ومعني " وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7﴾ " أي مِن هؤلاء الناس الذين يَشترون لَهْوَ الحديث صنف وَصَلَ لمرحلةٍ شديدة مِن السوء حيث لا يطيق سماع آيات الله سواء في القرآن الكريم أو مِن معجزاته تعالي في كوْنه لأنها تُذَكِّره بسُوئِه وبسوءِ نهايته ونتائج أقواله وأفعاله السَّيِّئَة وتُحَرِّك وتُنَشِّط فطرته بداخل عقله والتي هي مسلمة أصلا والذي هو يُعانِدها ولا يستجيب لندائها فيَزداد بذلك صراعه معها وألمه بمقاومتها ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، ولذا تَرَيَ هذا الصنف إذا ُذكِّرَ بآيات الله وَلّيَ أي أعْرَضَ أي أعطي ظهره والتفتَ وانصرفَ وابتعد عنها وتركها وأهملها بصورةٍ فيها تكذيبٍ وعِنادٍ واستكبار واستهزاء ، ولم يَنتفع بأيّ شيءٍ منها كأنه لم يسمعها أصلا وكأنه أَصَمّ لا يسمع كأنَّ في أذنيه وَقْراً أي صَمَمَاً كاملا أو ثِقَلاً ومَرَضا يُضْعِف السمع ضعفا شديدا .. " .. فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7﴾ " أي اعطوا هؤلاء بشارة هامّة وأمل ! ليس كأيّ بُشْرَيَ تكون خير وإنما هي كل شرّ ! وهذا سخرية منهم وتهديد شديد لهم – لعلهم بهذا يَستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن – أنهم سيكون لهم كلّ عذاب أليم ، في الدنيا بدرجةٍ ما مِن درجات العذاب يَتمَثّل في كلّ قَلَقٍ وتوَتّرٍ وضيق واضطراب وصراع واقتتال مع الآخرين ، ثم في الآخرة حتما لهم من العذاب ما هو أشدّ وأعظم وأتمّ وأخلد بما يُناسب شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم
أما معني " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ﴿8﴾ " أي أمَّا الذين صَدَّقوا بوجود ربهم وصَدَّقوا برسله وبكتبه وبالآخرة وبالحساب والعقاب والجنة والنار ، وتَرْجَموا هذا التصديق عمليا في كل شئون حياتهم بعمل الصالحات أي بالتمسّك بكل أخلاقيّات إسلامهم ، فلهم بالقطع أعلي درجات الجنات حيث تمام النعيم فيما لا عين لا رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بَشَر ، بعدما عاشوا حياتهم الدنيا في تمام السعادة بسبب إيمانهم وعملهم الصالح
ومعني " خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿9﴾ " أي هم فيها ونعيمها التامّ بلا نهاية ، وهذا هو وعْد الله الصِّدْق الذي لا يُمكِن أن يُخْلَف مُطلقا ، ولماذا يخلفه تعالي وهو القادر علي كل شيء ؟! إنَّ الإخلاف يأتي مِن البَشَر الذين قد يستطيعون فِعْل بعض الأشياء وعدم استطاعة فعل بعضها الآخر علي حسب طاقاتهم وظروفهم وأحوالهم ، أمَّا الخالق الكريم العظيم فليس قطعا كخَلْقِه !! ولذا يُؤكِّد هذا تعالي بأنه هو العزيز أي الغالِب الذي لا يُغْلَب بأيّ شيءٍ وبالتالي فهو مُحَقّقٌ لوعْده حتما ، وهو الحكيم في كلّ تصرّفاته بكلّ دِقّةٍ وحِكْمةٍ بلا أيّ عَبَث فلا يُمكن مثلا أن يَنسَيَ وعْده أو يَنشغل عنه أو يُبَدِّله ! تعالي الله عن ذلك عُلُوَّاً كبيرا
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿10﴾ هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿11﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن المُتَدَبِّرين في كلّ خَلْق الله تعالي ، فهذا سيزيدك حتما يَقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكّ بوجود خالقك الكريم وقُرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوَّته ورزقه وسعادته في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿2﴾ ، ﴿3﴾ ، ﴿4﴾ من سورة الرعد ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ من الشاكرين دائما لِنِعَم الله تعالي والتي لا تُحْصَيَ والذين يشكرونها بعقولهم بأن يستشعروا قيمتها وبألسنتهم بحمده وبأعمالهم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ حتي يجدوها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّعٍ كما وَعَدَ سبحانه ووعْده الصدق : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾
هذا ، ومعني " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .. " أي خَلَقَها سبحانه بما فيها من عجائب وجعلها مُعَلَّقَة بدون أعمدة مَرْئِيَّة كما ترون .. " .. وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ .. " أي جعل فيها ما يُبقيها راسِيَة ثابتة ، كالجبال وقُوَيَ الجاذبية ونحوها ، حتي لا تَميد أي تَضطّرب وتهتزّ بمَن عليها بل تظلّ ساكنة ليتمكنوا مِن السَّكَن بأمان علي سطحها والعيش فيها والانتفاع بخيراتها والسعادة بها .. " .. وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ .. " أي ونَشَرَ فيها مِن كل أنواع المخلوقات التي تَدُبّ عليها والتي كلها مُسَخَّرة لنفع وإسعاد الإنسان .. " .. وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿10﴾ " أي بالماء الذي يُنزله الله تعالي من السماء يُحْي كلّ حيّ ويُنبِت مِن كلّ زوج أيْ نوع من النباتات الكريمة أي الجميلة الحَسَنَة الطّيِّبَة المُبْهِجَة النافعة ، فاشكروه علي كل هذه النِعَم التي لا يُمكن حصرها واعبدوه هو وحده لتسعدوا في الداريْن
ومعني " هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ .. " أي هذا الذي ُذكِرَ في الآية السابقة هو بعض مخلوقات الله تعالي المُعْجِزَة والتي تدلّ دلالة قاطِعة حاسِمَة واضحة مَرْئِيَّة مَحسوسة علي أنه وحده سبحانه المُسْتَحِقّ للعبادة ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، فإن كانت الآلهة التي تعبدونها غيره تعالي أيها المشركون كالأصنام والكواكب ونحوها – والتي هي أصلا كلها من مخلوقاته سبحانه – قد خَلَقَت أيّ مخلوقٍ فتَجَرَّأوا وتَقَدَّموا وأُرُونا إيَّاه وأخبرونا عنه إذن !! فإن لم يَتَجَرَّأ ويَتَقَدَّم أحدٌ – ولن يَتَقَدَّم أيُّ أحدٍ بالقطع لأنَّ الجميع يعلم أنَّ الخالق هو الله وحده – فأنتم إذن كاذبون بكلّ تأكيد ! .. " .. بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿11﴾ " أي لكنَّ الظالمين في ضياع أي شرّ وفساد واضح لأنهم يَدَّعون كذبا وزورا وافتراءً أنَّ لهم آلهة غير الله سبحانه يعبدونها ، والسبب في ضياعهم هذا أنهم قد عَطّلوا عقولهم ولم يستجيبوا لنداء الفطرة بداخلها والتي هي مسلمة أصلا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، فعبدوا آلهة أضعف منهم ! وهل يكون العابد أقوي من المعبود هكذا ؟!! أين العقول المُنْصِفَة العادِلة ؟!! .. هذا ، والظالمون هم الذين ظلموا ذواتهم ومَن حولهم فأتعسوها وأتعسوهم بأيّ نوعٍ من أنواع الظلم سواء أكان كفرا أيْ تكذيبا بوجود الله أم شركا أيْ عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ حكيماً في كلّ تصرّفاتك بكلّ شئون حياتك ، أي عاقلا فاهِما واعِيا مُتَّزِنا مُتَّعَمِّقا مُتَدَبِّرا في الأمور مُحْسِنا للتصرُّف فيها تَضَع كل أمرٍ في موضعه بكل دِقّة دون أيّ عَبَث ، فبالحكمة تكون صائبا تُصيب الصواب دوْما ما استطعت وتَقِلّ أخطاؤك فتَسعد بذلك في دنياك وأخراك .. وإذا كنتَ من الشاكرين دائما لِنِعَم الله تعالي والتي لا تُحْصَيَ فيشكرونها بعقولهم بأن يستشعروا قيمتها وبألسنتهم بحمده سبحانه وبأعمالهم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ حتي يجدوها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّعٍ كما وَعَدَ ووعْده الصدق : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ .. " أيْ أعطيناه الحِكمة وهي العقل الرَّاجِح الرَّزِين والفهم والعلم والوعي والاتّزان والتدبّر والتّعَمُّق وحُسن التصرّف في الأمور كلها بحيث يَضَع كلّ أمرٍ في موضعه بكل دِقّةٍ دون أيّ عَبَث فيُصيب دوْما الصواب ، وبالجملة يَسَّرْنا له التمسّك بكل أخلاق الإسلام ، وكل ذلك العطاء والرزق بسبب حرصه هو علي التمسّك به وسَعْيه واجتهاده في هذا .. ولقد كان لقمان رجلا صالحا في زمن داود عليه السلام – عند كثير من العلماء ، وعند بعضهم هو نبيّ يُوحَيَ إليه – وهذا يدلّ علي أنّ مَن يَجتهد في التّشَبُّه بالأنبياء وفي التمسّك بكل أخلاق إسلامه سيُوَفّقه ربه وسيُؤتيه الحِكمة وسيُيَسِّر له أسبابها بكل تأكيدٍ ليَسعد بها في الداريْن .. " .. أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ .. " أيْ آتيناه الحِكمة وأوصيناه : أنِ اشكر لله في مُقابِل كلّ هذه النِعَم التي لا تُحْصَيَ .. " .. وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ .. " أي الذي يَشكر هو المُستفيد لنفسه ، لأنه بشكره يَحفظ الله له نِعَمه ويزيدها ويُنَوِّعها كما وَعَدَ ووعْده الصدق : " .. لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ " ، وشُكْره لن يزيد الله قطعا أيّ شيء ! لأنه تعالي كامل الصفات لا يحتاج لأيّ شيء ! والشاكرُ بحقٍّ هو الذي يشكر بعقله باستشعار قيمة النِعَم وبلسانه بحمدها وبعمله باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ .. " .. وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿12﴾ " أيْ أمَّا مَن لم يشكر وكفر بنِعَم الله عليه وأنكرها وكذّب بها ونَسَبَها لغير المُنعم سبحانه ، بل وقد يَكفر أي يُكذب ولا يُصَدِّق بوجود الله أصلا ، فهذا وأمثاله أيضا كفرهم علي أنفسهم ، فهم الذين سيَتعسون حتما تمام التعاسة في دنياهم وأخراهم بسبب بُعدهم عن ربهم وإسلامهم ، وهم بالقطع وبكل تأكيد لن يضرّوا الله تعالي في أيّ شيءٍ ! لأنَّ الله " .. غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿12﴾ " أي هو وحده كامل الغِنَيَ لا يحتاج لأيّ شيءٍ بل له كل السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وهو الذي يُغْنِي كلّ خَلْقه ، ولن يتأثّر مُلكه بأيّ شيءٍ حتي ولو كفر الناس جميعا ! وهو حَمِيد أي المحمود المُسْتَحِقّ للحمد دوْما مِن كل خَلْقه علي كل نِعَمه ورحماته وتيسيراته وتشريعاته حتي ولو لم يحمده أحدٌ وسواء حَمَدَه الحامدون أم كفره الكافرون ، وهو أيضا كثير الحمد والشكر للمُحسنين فيزيدهم في مُقابِل إحسانهم القليل إحسانا وخيرا كثيرا ، فتكون أمور دنياهم كلها محمودة مشكورة حَسَنَة النتائج سعيدة النهايات ، ثم يكون لهم في أخراهم ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿13﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿13﴾ " أي اذكر يا محمد ﷺ ويا كلّ مسلم ويا كلّ قاريءٍ للقرآن ويا كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، اذكر وذَكِّر الآخرين ، حين قال لقمان لابنه أثناء وَعْظه له أي إعطائه المَوَاعِظ والدروس التي تُصلحه وتُكمله وتُسعده تماما هو وغيره في دنياه وأخراه ، لِحُبِّه له وإشفاقه عليه من التعاسة فيهما ، إيّاك يا إبني أن تُشرك بالله أي تعبد غيره آلهة أخري كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، لأنَّ هذا هو أعظم الظلم ، أي أشدّ الشرّ والفساد والضرر ، لنفسك ولِمَن حولك ، حيث ستُتعسها وتتعسهم تمام التعاسة في الداريْن
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿14﴾ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿15﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُحْسِنا إلي والديك ، وإلي جميع الناس ، بل وإلي جميع المخلوقات .. والإحسان هو تمام الإتقان لكل أقوالك وأعمالك بحيث تكون دائما حَسَنَة علي أكمل وجه مُمكِن يحبه الله ورسوله ﷺ والإسلام ، كما يُفهَم من قوله ﷺ عن الإحسان في الحديث المعروف : " .. أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. " ﴿جزء من حديث أخرجه مسلم﴾ فاستشعار هذا بالعقل سيَدْفَع كل عاقل حتما لإجادة ما يقوم به تمام الجودة ، فيَسعد الجميع بذلك في الداريْن .. والعكس صحيح بالتأكيد ، فعدم الإحسان يُتعسهم فيهما .. وبالجملة فالإحسان هو حُسْن الخُلُق ، هو التمسُّك بكل أخلاق الإسلام وإتقانها .. والإحسان للوالدين يكون بكل قولٍ طيّبٍ وفعلٍ جميلٍ ، والسؤال عنهما وعونهما وخدمتهما والإنفاق عليهما عند الحاجة ، وكل ذلك حسب الاستطاعة ، وإرضائهما ما أمكن بفعل ما يريدون ، إلا إذا كان طلبهما في غير معروفٍ ، أي في غير خيرٍ ، أي في شرٍّ أو سوء ، كالشرك بالله مثلا أي عبادة غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، أو كالزواج مثلا مِمَّن لا يرغب الإبن أو تعلّم علمٍ ما لا يريده أو ماشابه هذا مِمَّا قد يفعله أحيانا بعض الآباء استغلالا سَيّئا لِمَا أعطاهما الإسلام من مَكانة وتشريف واستبدادا بآرائهما علي أبنائهما ، فهنا يكون الاعتذار بأدبٍ ولُطْفٍ وتوضيح أنَّ الإسلام كما أعطي لهما فضلا وعُلُوَّا أعطي أيضا للأبناء بل لكل إنسان حرية اختيار اتجاه حياته والتصرُّف فيها .. ولا تنس الاستغفار سريعا مِن أيّ هفوة مُسيئة قد تظهر منك نحوهما والعودة بسرعة للإحسان .. وهما أيضا يستغفران الله إذا نسيا برَّ أبنائهما .. ليَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم
هذا ومعني : " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ .. " أي ألزمناه وحمَّلناه أمانةَ وعَهْدَ وَوَصِيَّةَ الحُسْن مع الوالدين ، والحُسْن هو أصل ومصدر الإحسان ، أي المطلوب قِمَّة الإتقان والجمال في أيّ قولٍ أو عملٍ عند التعامُل معهما ، لأنهما سببا وجوده بإذن الله وقد بذلا ما استطاعا من إنفاقٍ وإشفاقٍ وحبٍّ لحُسْن رعايته وتربيته ، وخاصة الأم ، حيث " .. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ .. " أي حملته في بطنها وازدادت بحَمْله كلّ يومٍ ضعفاً علي ضعفٍ وشِدَّةً علي شدّةٍ حتي ولدته ثم قامت برعايته تمام الرعاية بكل حبٍ وشفقة وإرضاعه حتي وقت فصاله أي فطامه عن اللبن خلال عامين .. " .. أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ .. " أي أوصيناه : أنِ اشكر لله في مُقابِل كلّ هذه النِعَم التي لا تُحْصَيَ واشكر لوالديك علي ما قدما لك ما أمكنهما من كل خيرٍ مُفيد مُسْعِد لك في دنياك وأخراك ، فشُكرك لهما هو أيضا شكر لي في النهاية لأني أنا الذي يَسَّرتهما لك وجعلتهما سببا في هذه النِعَم عليك ، وكذلك المسلم دائما يشكر ربه ومن قَدَّم له أيَّ خيرٍ ، فالشكر يُشَجِّع الجميع علي مزيدٍ من فِعْل الخير فيسعدون بذلك في الداريْن .. " .. إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿14﴾ " أي ثم مصيركم جميعا إليَّ ، آباء وأبناء ، وأنا أعلم بكم فأجازِي مَن بَرَّ والديه وأبناءه بكلِّ بِرٍّ أي بكل خيرٍ وسعادة ، ومَن لم يَبِرّهم سيُجازَيَ بقَدْر ما يستحِقّه
أما معني " .. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا .. " أي لكنْ إنْ بَذلا ما استطاعا مِن جهودٍ لِدَفعك لفِعْل شرٍّ ما مُضِرٌّ مُتْعِس في الداريْن ، فحينها بالقطع لا تُطعهما ، بل انصحهما بكل خيرٍ ، وبكل قدوةٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة لعموم الناس بمَن فيهم الوالدين وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، كأنْ تُشرك بالله مثلا أي تعبد غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، تشرك به شيئا ليس لك به علم ، أي ليس عندك ولا عند أيّ أحدٍ أيّ دليل عِلميّ عقليّ مَنطقيّ مَقبول علي كوْنه إله يُعبَد غير الله !! ﴿لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن معاني العبادة برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .. " أي ليس معني عدم طاعتهما في الشرك بالله وما يشبهه من شرورٍ ومَفاسد وأضرار ، الإساءة إليهما بأيّ قولٍ أو فعل !! وإنما لهما كل المُصَاحَبَة بالمعروف ، أي المُلازَمَة بكل ما هو معروف في الإسلام من خيرٍ في كل قولٍ وعمل ، أي بكلّ حبٍّ وشفقة وعطف ولِيِن وعناية وخدمة وعوْن وإنفاق ونحو هذا .. " .. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ .. " أي كن دائما مُتَّبِعَاً لطريق الذين يُنِيبُون إلي ربهم ، أي كونوا جميعا دائما في كل أحوالكم في كل شئون حياتكم مُنيبين إلي الله أي راجعين إليه ، أي اجعلوا دوْما مَرْجِعِيَّتكم هي الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، وكونوا دائما تائبين عائدين إليه وإلي إسلامكم أوّلا بأوّل عند أيّ خطأٍ لتُزيلوا سريعا أيّ تعكيرٍ لسعادتكم بتعاسة هذا الخطأ .. " .. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿15﴾ " أي الجميع سيرجع إليه سبحانه يوم القيامة ، الآباء والأبناء ، المؤمنون والمشركون وغيرهم ، وهو تعالي عليم خبير بهم جميعا وبما عملوه ، وسيُخبرهم به بكل تفصيلٍ وإحصاءٍ ودِقّة ، فمَن عمل منهم خيرا فسيكون له كل خيرٍ وسعادة أعظم وأتمّ وأخلد بالقطع ممَّا عاشه من سعادة الدنيا التامّة والتي كان فيها بسبب إيمانه بربّه وتمسّكه بإسلامه ، ومَن عمل منهم شرّا فله ما يستحقّه من عقابٍ بكل عدلٍ دون أيّ ذرَّة ظلم
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿16﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُراقِبين لله تعالي علي الدوام حيث هو يعلم تمام العلم كلّ قولٍ وعملٍ ويعلم السِّرَّ وما هو أخفي منه ، أي كنتَ من المُتَّقين أي المُتَجَنِّبين لكلّ شَرٍّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقُوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كنتَ من الذين يعيشون حياتهم مُتَوَازِنين بين الخوف من الله والرجاء في رحمته ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿98﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل عن التوَازُن بين الخوف والرجاء﴾ .. وإذا كنتَ دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي مِمَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدَافعا عنهم ، حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزَّة والأمان والنجاح والتفوُّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿203﴾ ، ﴿204﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل﴾ فهو العالِم بكلّ شيءٍ القادِر عليه الرازق بكلّ رزق .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون طَلَبَ الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ .. " أي انتبه يا إبني وتَذَكَّر دائما ، فأنا أحبك وأشفق عليك ولذا أوصيك بكل ما فيه صلاحك وكمالك وسعادتك في دنياك وأخراك ، تَذَكَّر أنه لو كان هناك مِثقال أيْ وَزن ومِقدار حبَّة مِن خردل – والخردل حبوب صغيرة جدا أقلّ من السمسم وتُستخدم في توابل الأطعمة وبعض الأدوية ، وهي رمز لمُنْتَهَيَ الصِّغَر – وكانت هذه الحَبَّة مَخْفِيَّة في أشدّ الأماكن صَلاَبَة وُظلْمَة كصخرة أو نحوها ، أو كانت غائبة ذاهِبَة مُتحرّكة أو ثابتة في أيّ مكانٍ مِن السموات أو الأرض ، يُحْضِرها الله بقول كُن فتكون حاضِرَة ، وذلك لتمام عِلمه الواسع وتمام قدرته علي كلّ شيء ، فاسْتَشْعِر هيبته وعظمته تعالي وراقِبه دائما في السرّ والعَلَن في كلّ قولٍ وعمل وتَيَقَّن أيْ تأكَّد بلا أيّ شكّ أنَّك لو لك في دنياك أيّ رزقٍ في أيّ مكانٍ مهما كان بعيدا وسواء قلّ أو كثر فستأخذه بما تتّخذه من أسباب حَسَنَة ، ولو لك عنده أيّ طَلَب مهما صعبَ أو ابتعدَ وأحسنتَ اتّخاذ أسبابه ما استطعتَ واجتهدتَ فيها ، وكان لك فيه خير وسعادة ، حَقّقه لك حتما في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدا لك ولِمَن حولك ، ثم في أخراك لو لك أيّ قول أو عمل خيريّ مهما كان صغيرا أو عليك جزاء شرٍّ ما مهما استهنتَ به ، أحضره وأثبته سبحانه لك أو عليك وحاسبك عليه بتمام العدل دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿16﴾ " أي هو تعالي يُوصل خيراته وأفضاله وإحساناته التي يشاؤها لأهل الخير – بل ولكلّ خَلْقه – بكلّ لُطفٍ أيْ مِن حيث لا يشعرون دون ثِقَلٍ عليهم وبأسباب مُيَسَّرة كثيرة قد يُدْرِكُون بعضها أو لا يُدركون وقد يكون بعضها ظاهِره شرّ لكنّ باطنه خير كثير فهو يجعل من المِحْنَة مِنْحَة ومن الصعب سهلا ، وهو لطيف أي ليس ثقيلا وإنما يَدخل بخِفّة إلي دقائق الأمور ويَعْرفها بعلمه التامّ سبحانه ، وهو عزّ وجلّ اللطيف تمام اللطف أي الرقيق الرفيق تمام الرِّقّة والرفق .. إنه أيضا " خَبِيرٌ " أي عليم بكلّ خِبْرة عن كلّ شيءٍ وعن أسرار الأمور وخفايا العقول .. فانتبهوا إذن لكلّ ذلك وأحسِنوا التعامُل معه ومع دينه الإسلام ومع كل خَلْقه لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿17﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المقيمين للصلاة أي الذين يقومون بها علي أكمل وجْهٍ أي يُحسنونها ويُتقنونها لأنه سبحانه ما أوْصَيَ بها إلا لتكون صِلَة بين المخلوق وخالقه مالك الملك أقوي الأقوياء يطلب منه ما يشاء علي مدار يومه من كل خيرٍ وسعادة له ولمَن حوله في الداريْن .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحسنون دعوة الآخرين لله وللإسلام ويصبرون علي أذاهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وبالجملة إذا كنتَ مِمَّن يتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ .. " أي انتبه يا إبني وتَذَكَّر دائما ، فأنا أحبك وأشفق عليك ولذا أوصيك بكل ما فيه صلاحك وكمالك وسعادتك في دنياك وأخراك ، تَذَكَّر أن تُقيم الصلاة ، أي أن تقوم بها علي أكمل وجْهٍ أي تُحسنها وتُتقنها لأنه سبحانه ما أوْصَيَ بها إلا لتكون صِلَة بين المخلوق وخالقه مالك الملك أقوي الأقوياء يطلب منه ما يشاء علي مدار يومه من كل خيرٍ وسعادة له ولمَن حوله في الداريْن ، وتَذَكَّر أن تدعو الآخرين لكل ما هو معروف عند العقل المُنْصِف العادل وعند الصالحين أنه خير مُسْعِد في الدنيا والآخرة ، وهو كلّ أخلاق الإسلام – مع تمسّكك أنت بها بالقطع – وأن تنهاهم أي تدعوهم لأن يَنتهوا ويَكُفّوا عن كل ما يُنكره العقل الصالح أي يَرفضه وهو كل شرّ وفساد مُضِرّ مُتْعِس في الداريْن – مع انتهائك أنت عنه بالقطع – وذلك بكل قدوةٍ وحِكمةٍ وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ .. " أي كن من الصابرين أي الثابتين الصامدين المُستمرّين علي الإسلام رغم ما قد يصيبك أحيانا من أذي مِمَّن تدعوهم ، وكن من المستمرين بكل هِمَّة علي تمسّكهم بربهم وإسلامهم فيفعلون كل خيرٍ ويتركون كل شرّ ، وإن أصابتهم فتنة ما أي اختبارٌ أو ضررٌ ما صبروا عليه واستعانوا بربهم ولجأوا إليه ليخرجوا منه مستفيدين استفادات كثيرة في دنياهم وأخراهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. " .. إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿17﴾ " أي ذلك الذي ُذكِرَ مِن إقامة الصلاة والدعوة والصبر هو من الأمور الهامّة العظيمة الكريمة في الإسلام والتي يُعزَم لها أي تَحتاج إلي عقدِ وتجهيزِ عزيمةٍ أي إرادة عقلية قوية للقيام بها علي أكمل وجه ولا يُوَفّق لها ويُيَسَّر له أسبابها من الله إلا أصحاب العزم أي الإرادة القوية الصادقة الذين يَبدأون بهذا الخير فيُسَاعَدون من ربهم عليه ، ثم هي من أمور العزائم أي الفرائض التي فرضها الله تعالي علي الجميع أي التي يُثاب فاعلها ويَنتفع ويَسعد بها في دنياه وأخراه ويأثم تاركها وليست من النوافل التي يُمكن الإتيان بها أو تركها أي يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ولكنه فقط يفتقد نفعا وثوابا وسعادة دون إثم .. وفي هذا تشجيع ودفع وتحفيز للجميع ليكونوا كلهم كذلك أصحاب إراداتٍ عقلية قويّة مُقيمين للصلاة آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر متمسّكين بكل أخلاق الإسلام ما استطاعوا ليسعدوا بذلك تمام السعادة في دنياهم وأخراهم
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿18﴾ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿19﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُتَوَاضِعَاً ، أي لا تَتَعَالَيَ علي الناس ولا تَحتقرهم ولا تَسْتَذِلَّهم ولا تَفتخر عليهم ولا تُسِيء إليهم بقولٍ أو فِعْلٍ يُقَلّل من شأنهم بل تَتَبَسَّط معهم في غير مَهَانَة ولا ذِلّة وتَتَوَاجَد بينهم وتتعامَل معهم وتسأل عنهم وتدعو لهم وتُحْسِن إليهم في الأقوال والأعمال وتَحفظ حقوقهم وتهتمّ بمشاعرهم الإنسانية وتُعينهم وتَخدمهم وما شابه هذا من علاقاتٍ طيّبة ، بهذا يتعاون الجميع ويَرْقون ويَقْوُون ويَسعدون في دنياهم وأخراهم ، بينما بالتّكَبُّر والتَّعَالِي والاحتقار والإذلال والتفاخُر والتَّبَاهِي والإساءة في الأقوال والأعمال والإضاعة للحقوق والإيذاء للمشاعِر ونحو ذلك من شرور يَتباغضون ويَتنازعون ويَتصارعون ويَضعفون ويَقتتلون ويَتعسون في الداريْن
هذا ، ومعني " وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ " أي لا تَلْوِي وجهك وتَلْفِته عن الناس عند التعامُل معهم بما يُفيد تَكَبُّرك وتَعَالِيك عليهم واحتقارك واسْتِقْذَارك لهم وعدم اهتمامك بهم وحفظك لحقوقهم واحترامك لمشاعرهم الإنسانية .. " .. وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا .. " أي وأيضا لا تسير بينهم بفرح شديد يُفيد بأنك مُتَكَبِّر مَغْرُور – أيْ مُنْخَدِع – بما لديك وكأنك تظنّ أن لا أحد مثلك علي وجه الأرض ! وبالقطع مثلك كثيرون وأفضل منك كثيرا ! فعندما تعلم هذا بتدبُّرٍ وعُمق سيَنضبط الأمر ! .. " .. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿18﴾ " أيْ يَكْرَه كلَّ مَغرور مُعْجَب بنفسه يظن مُتَوَهِّما أنه كلّ شيء ولا شيء غيره ! فخور أي كثير الفخْر والتّباهِي والتّعَالِي علي الآخرين بما يمتلكه من قوَيَ صحية وعقلية ومالية وغيرها ولا يشكر الله عليها لأنه يَتَوَهَّم أنها بسبب جهوده هو وعلومه لا بتوفيقه وتيسيره سبحانه ! ومَن يَكرهه الله فإنه بكل تأكيد لا يُوَفّقه ولا يُيَسِّر له أسباب الخير والسعادة ولا يزيده منها في الدنيا والآخرة .. وكل هذه الصفات وما يُشبهها هي من أسباب المنازعات والمُشاحَنات والاختلافات بين الناس بما يُتعسهم في الداريْن ولو تَجَنَّبوها لَسَعِدوا تمام السعادة فيهما
ومعني " وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ .. " أي وأيضا كن مُتَوَسِّطا مُعْتَدِلا أثناء سَيْرك بين الناس ، فالإسراع دون حاجةٍ له قد يَدُلّ علي التّكَبُّر والتّبَاهِي بالصحة والقوة وغيرها ، كما أنَّ التباطؤ بلا سببٍ قد يُفيد الذلّة والتكاسُل والتسَكُّع ونحو هذا ، والإسلام يكره هذا وذاك لما فيهما من إتعاسٍ للذات وللغير في الداريْن .. " .. وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿19﴾ " أي وكذلك اخفض من صوتك مادام ليست هناك حاجة لرفعه ، لأنَّ أسوأ الأصوات وأقبحها وأشَرَّها الأصوات المرتفعة المؤذية كأصوات الحمير وغيرها فلا تَتَشَبَّه بها حيث الصوت المُعْتَدِل يَدلّ علي الأدب والثقة والتواضُع والحرص علي الكلام المُفيد المُتَّزِن المَدْروس المُسْعِد في الداريْن ونحو هذا مما يحبه الله والإسلام ، بينما رفع الصوت بغير حاجةٍ له ، كثيرا ما يُفيد الافتخار والتّعَالِي وإظهار القوة بغير حقٍّ وما شابه ذلك من شرور ومَفاسد وأضرار وتعاسات في الدنيا والآخرة والتي علي المسلم المتمسّك بكل أخلاق إسلامه أن يَتَجَنّبها تماما ليسعد فيهما
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴿20﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿21﴾ ۞ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿22﴾ وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿23﴾ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿24﴾ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿25﴾ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿26﴾ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿27﴾ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿28﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿29﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿30﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿31﴾ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿32﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَدبِّرين في كل خَلْق الله تعالي وأحسنت استخدام عقلك في تأمُّل آياته ومعجزاته في كوْنه ، فهذا سيزيدك حتما يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شك بوجود خالقك وحبا له وُقرْبا منه وطلبا لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوّته ورزقه ونصره وسعادته في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿164﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿190﴾ ، ﴿191﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة آل عمران ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنت مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني العبادة﴾ .. وإذا كنت دَوْما مِن المُخلصين المُحسنين في كل أقوالهم وأعمالهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مرجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأن فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوء بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمكانة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء لمزيد من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ " أي ألم تُشاهدوا وتَنظروا وتَتدَبَّروا وتعلموا أيها الناس أنَّ الله سبحانه قد سَخَّرَ لكم أيْ ذَلّلَ وأعَدَّ وجَهَّزَ كل ما في السموات وما في الأرض من مخلوقاتٍ كالهواء والليل والنهار والمياه والطاقات والنباتات والحيوانات والطيور وغيرها ممّا لا يُمكن حَصره من أجل أن تنتفعوا وتسعدوا بها تمام الانتفاع والسعادة ؟! .. " .. وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ .. " أي أكملها وأتمَّها وأفاضها عليكم وغَمَرَكم بها .. " .. ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .. " أي منها ما هو ظاهر محسوس مَرْئيّ تشاهدونه ككل المأكولات والمشروبات والملبوسات والمتنزهات والمساكن والمركبات وما شابه هذا ممّا تتمتعون به ممّا لا يُحْصَيَ ، ومنها ما هو باطن غير مرئيّ لكنه يُدْرَك بآثاره الخيريّة المُسْعِدَة ، كالعقل مثلا وما فيه من الفكر والشعور والفطرة التي تُذَكِّر دائما بكل خير ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وكالإيمان بالله والأمن والسكينة به ، وكالإسلام وأخلاقياته وتشريعاته التي تُنَظّم كل شئون الحياة بكل مُتغيِّراتها علي أكمل وأسعد وجه ، وكالعوْن علي الخير والتيسير له والمنع من الشرّ والستر له لو حدث والتأنيب الداخلي للدفع للتخلّص منه وعدم العودة له لتَجَنّب تعاساته ، وككل ما في الكوْن من مخلوقات تؤدي وظائفها المُسْعِدَة للبَشَر دون أن يروها ، وما شابه هذا ممّا يصعب إداركه أو تعداده .. هذا ، والاستفهام في الآية الكريمة للتقرير ، أي لكي يُقِرّ به كل العاقلون المُنْصِفون العادلون حينما يُذَكَّرون به .. " .. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴿20﴾ " أي ورغم كل هذا الوضوح لأيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ أنَّ الله تعالي وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة وللشكر إلا أنَّ هناك مِن الناس مَن يُجادِل في وجود الله وأنه واحد وقادر علي كل شيءٍ عليم به ، وفي صلاحية شرعه للإسلام لإصلاح وإكمال وإسعاد كل البشرية إلي يوم القيامة ، وفي البعث والحساب والجنة والنار !! والجدال هو صورة سيئة من صور الحوار حيث المُجادِل يَصِل لمرحلة أن يعرف بداخل عقله أين الصواب من الخطأ ولكنه يستمرّ في حواره من أجل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره ، ويزداد الجدال سوءا إذا كان بغير علم ، أي كان المُجَادِل جاهلا لا يتكلم كلاما مَنْطِقِيَّاً يقبله العقل المُنْصِف العادل لأنه لا يملك أيّ علمٍ أو مَنْطِقٍ أو فكر أو فهم ، وكان لا يستند لأيّ هُدي أي دليل عقليّ منطقيّ مُقْنِع ، ولا لأيّ كتاب منير أي وَحْي من الله واضح كالقرآن أو ما نَزَلَ قبله ولم يصبه تحريف ، فهذا هو أصدق مَرْجع ، ولكنه يعتمد أساسا وفقط علي تخاريف وتفاهات وسخافات وتشويهات لله وللرسل وللقرآن وللإسلام وللمسلمين ، وهي غير مقبولة حتما من أيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ولا من الفطرة المسلمة أصلا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾
أما معني " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .. " أي وحين يُقال لهؤلاء الذين يُجَادِلون في أنَّ الله تعالي هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة – والذين ُذكِرُوا في الآية السابقة – اتَّبِعُوا أي سِيرُوا خَلْفَ ما أنزل الله إليكم علي رسله من كتبٍ فيها الإسلام الذي يُسعدكم في دنياكم وأخراكم واسْتَرْشِدُوا بكلّ ما فيه وتمسّكوا به ، يكون رَدُّهم علي سبيل العِناد والتكبُّر والتقليد الأعمي : لكننا لا نتّبعه بل سنَتّبع الدين الذي وجدنا عليه آباءنا ، لأنهم كانوا علي الحقّ !! .. " .. أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿21﴾ " أي حتي ولو كان هذا الاتّباع هو من دعوة الشيطان لهم وسيأخذهم حتما إلي عذاب السعير أي النار ولهيبها ؟! ما أعجب وما أسوأ هذا الاختيار الذي اختاروه بكامل حرية إرادة عقولهم !! أين العقول المُنْصِفَة العادِلَة ؟! ولكنه التعطيل لهذه العقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. هذا ، والشيطان في لغة العرب هو كل مُتَمَرِّدٍ علي كلّ خيرٍ مُفْسِدٍ بعيدٍ عن الحقّ وعن رحمات الله تعالي وهو رمزٌ لكلِّ تفكيرٍ شَرِّيٍّ يخطر بالعقل .. والعذاب هو في الدنيا والآخرة ، حيث في دنياهم لهم درجة ما من درجات القلق والتوتّر والاضطراب والصراع والاقتتال مع الآخرين وبالجملة لهم كل ألمٍ وكآبةٍ وتعاسة ، ثم في أخراهم سيكون لهم حتما ما هو أشدّ ألما وعذابا وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد في نار جهنم
ومعني " وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿22﴾ " أي مَن يُسَلّم نفسه لرعاية ربه وأمنه وعوْنه وتوفيقه وسداده باتّباعه لنظامه الذي أرشده إليه وأوصاه به وهو الإسلام الذي يُنَظّم له كل شئون حياته علي أكمل وجهٍ ويسعدها تمام السعادة ، وكان سَالِماً لله وحده لا غيره أي مُخلصا له ، وكان مُحسنا أثناء ذلك في كل أقواله وأعماله ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني الإخلاص والإحسان﴾ ، وكان من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾ ، فهذا بكل تأكيدٍ وبلا أيّ شكّ قد تَمَسَّكَ وتَحَصَّنَ واعتصمَ بالحِصْن الحَصِين الوثيق الثابت الذي يمنعه من أيّ انحرافٍ عن طريق تمام الخير والسعادة في الداريْن ، لقد تَمَسَّكَ تَمَسُّكاً شديدا تامّا بالله وبالقرآن وبالإسلام .. لقد تمسّك بشدّة بالخالق الكريم القويّ المتين الرزّاق الوهاب القادر علي كل شيء وتمسّك بدينه .. لقد تمسّك بالعُرْوَة الوُثْقَيَ أي أحْكَمَ إدخال الزِّرّ في عُرْوَة الثوب وثبَّته ووَثّقه تثبيتا وتوثيقا شديدا بحيث لا يخرج ولا يتزحزح عنها مطلقا .. لقد أخذ بإسلام وجهه لله ميثاقا أي عهدا مُوَثّقا تمام التوثيق منه تعالي بأن يجعله دائما علي الطريق المستقيم المُسْعِد في دنياه المُؤَدِّي مُؤكَّدا إلي طريق أعلي درجات الجنات في أخراه .. " .. وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿22﴾ " أي كل الأمور بيده سبحانه وترجع إليه وحده دون غيره في تدبيرها وإدارتها بما يُصلح ويُكْمِل ويُسْعِد خَلْقه ، ولِمَن أسلم وجهه له أسعد عاقبة أي نتيجة ونهاية في الدنيا ثم سيكون له بالقطع في الآخرة ما هو أعظم عاقبة وأسعد وأتمّ وأخلد ، ومَن لم يُسْلِم له وكان من أهل الشرّ المُكذبين المُعاندين المُستكبرين المُستهزئين الظالمين الفاسدين فله حتما كل شرٍّ وتعاسةٍ فيهما علي قَدْر شروره ومَفاسده وأضراره بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
أما معني " وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿23﴾ " أي علي كل المسلمين الدعاة إلي الله والإسلام – وكل مسلم هو داعي إليهما بصورةٍ من الصور وبدرجةٍ من الدرجات – أن يَتَشَبَّهوا بقدوتهم رسولهم الكريم ﷺ إمام الدعاة في أن يكونوا شديدي الحرص والشفقة علي جميع الناس والحبّ لهم والتَّمَنِّي لهم أن يُسلِموا ليَسعدوا مثل سعاداتهم فيَنعم الجميع في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. لكنْ إذا أصَرَّ البعض علي عدم اتِّباع الإسلام وعانَدَ واستكبرَ واستهزأ واستمرّ في نشر شروره وأضراره ومفاسده رغم كل محاولات دعوته بكل الوسائل المُمْكِنَة ، وظلّ علي كفره أي تكذيبه بوجود الله أو علي شركه أي عبادته لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أو علي نفاقه أي إظهاره للخير وإخفائه للشرّ أو علي ظلمه أو اعتدائه أو فساده ونشره له أو ما شابه ذلك ، فهؤلاء بالقطع لا يُمكن لأيِّ أحدٍ أن يَحزنَ عليهم ! بل يَتمنّي الجميع التخلّص من شرّهم ! بمرضٍ أو ضعف أو فقر أو موت أو إهلاكٍ بعذابٍ يستأصلهم أو ما شابه هذا من عذاب القويّ المُنتقم الجبّار سبحانه لأمثال هؤلاء .. فليطمئن إذن المسلمون وليَستبشروا ولا يهتموا كثيرا بهم فإن الله تعالي قطعا ناصرهم عليهم في كل شئون حياتهم ، مع إحسان اتّخاذ أسباب الحَذَر منهم ما استطاعوا ، ولينطلقوا في حياتهم سعداء بربهم وإسلامهم ولينشروه لكل الناس بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة ، فالله دوما معهم ومُؤَيّدهم ومُيَسِّر لهم كل أحوالهم ومُسْعِدهم في الداريْن .. وهذا هو معني " .. إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا .. " أي كل الأمور بيده سبحانه وترجع إليه وحده دون غيره في تدبيرها وإدارتها ، ففي دنياهم سيكون لهم درجةٌ ما من درجات العذاب علي قدْر ما عملوا من شرور ومَفاسد وأضرار يَتمَثّل في قلقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين أو حتي إهلاكٍ بريح أو سَيْلِ أو زلزال أو ما شابه هذا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالاستئصال التامّ من الحياة﴾ ، وبالجملة سيكون لهم كلّ ألمٍ وكآبة وتعاسة ، ثم في أخراهم سيُنَبَّأون بالنتائج السيئة لسوء أعمالهم وسيذوقون حتما في مُقابلها ما هو أشدّ عذابا وألما وتعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد .. " .. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿23﴾ " أي لا تَخْفَيَ عليه سبحانه أيّ خافية ويعلم السرّ وما هو أخفي منه فهو عليم تمام العلم بكل ما بداخل البَشَر وعقولهم وفكرهم وكل أقوالهم وأعمالهم العلنية والخَفِيَّة ، وسيُجَازِي أهل الخير بكل خيرٍ وسعادة وأهل الشرّ بما يستحقونه من كل شرٍّ وتعاسة بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿24﴾ " أيْ لهم متاعٌ قليل في الدنيا حيث يتركونه بموتهم وانتهاء آجالهم فيها وهي مهما طالَت بمتعها المختلفة فهي لا تُذْكَر بالنسبة لخلود الآخرة ومتاعها الذي لا يُتَخَيَّل ولا يُقارَن ولا نهاية له .. وحتي ما هم فيه مِن متاع مُتنوِّع من أموال ومناصب وغيرها فهو لا بركة فيه أي لا يستمتعون به استمتاعا كاملا بسبب خوفٍ أو صراع أو غيره ، وقد يفقدونه بعضه أو كله فوريا أو تدريجيا بمرضٍ أو سرقة أو موت أو غيره ، فهو إذن قليل دنيء زائل يوما ما ، بل مِن كثرة شرورهم هم غالبا أو دائما في قلقٍ وتوتّر واضطراب وكآبة وصراع مع الآخرين بل وأحيانا في اقتتال معهم ، وبالجملة هم في تعاسة دنيوية تامّة ، وحتي ما يُحقّقونه من بعض سعادة فهي وَهْمِيَّة لا حقيقية ظاهرية لا داخلية سطحية لا مُتَعَمّقة مُتقطّعة لا دائمة ثم كثيرا ما يتبعها الأضرار والكآبات والتعاسات المتنوِّعة الجزئية أو الكلية بسبب شرورهم إضافة إلي ضيقهم عند تَذَكّرهم الموت والذي لا يدْرون ما سوف يحدث لهم بعده ، وكل ذلك يُثبته الواقع العمليّ كثيرا .. " .. ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿24﴾ " أي ثم في آخرتهم سيَضطرهم الله تعالي أي سيُجْبرهم وسيَسوقهم بغير إرادتهم وهم أذِلّة مُنقادين مُستسلمين إلي عذابٍ غليظ أي فظيع ثقيل شديد مُخيف مُهلك لا يُمكن تَخَيّله .. هذا ، والمسلم بالقطع في دنياه عليه ألا يَتمنّي ويتطلّع أبدا أن يكون مثلهم علي ما هم فيه من شرٍّ وتعاسة رغم ما فيه بعضهم من غِنَيً وجاه ، لأنه مُسْتَغْنٍ تمام الغِنَي بما هو فيه من سعادةٍ تامّة بأخلاق الإسلام حيث هو مُوَفّق تمام التوفيق بتيسير ربه لأسباب ذلك وحيث عوْنه ورضاه ورعايته وأمنه وسكينته وبركته وحبه وقوّته ونصره ورزقه في كل شئون حياته مِن عملٍ وعلم وإنتاج وكسب ومال وصحة وقوة وفكر وتخطيط وابتكار وبناء وعلاقات اجتماعية جيدة ونحو ذلك مع استبشاره الدائم بانتظار ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد في الآخرة
أما معني " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿25﴾ " أي لو سُئِلَ أيّ أحدٍ مِن المشركين بالله ، أي الذين يعبدون غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، مَن الذي خلق السموات والأرض وكل ما فيهما من مخلوقات وسخرّها كلها لمنفعة خَلْقه كالشمس والقمر وغيرهما ، لم يكن لهم أيّ إجابة إلا أنَّ الخالق هو الله وحده !! لأنه لم يستطع ولم يَجْرُؤ ولا يوجد أيّ أحدٍ ادَّعَيَ أنه هو الذي خَلَقها ! فليس لهم إذن إلا هذه الإجابة ! فهم مُجْبَرون عليها ومُقِرُّون تماما بها ! وهذه هي إجابة المشركين ، فهم يعترفون لله بأنه وحده الخالق لكنهم لا يعترفون له بأنه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة !! .. أمّا الكافرون وهم الذين يكفرون بوجود الله أصلا ، والكفر في أصله من الناحية اللغوية هو تغطية الحقائق وإخفاؤها ، فإنهم لا يُعلنون ولا يَنطقون بأنَّ الله تعالي هو الخالق ولكنهم إمَّا يَنطقون بمعاني أخري للإله مُلْتَوِيَة مُرَاوِغَة كالطبيعة مثلا والقوّة الخَفِيَّة وما شابه هذا من سَفَهٍ وتخريفٍ وإمَّا يصمتون ، ولكنَّ فطرتهم بداخلهم بالقطع تنطق بالحقّ بأنَّ الله هو الذي خَلَق كلّ الخَلْق ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وما كل ذلك التكذيب والعِناد والاستكبار إلا من أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ .. " أي اشكروا الله كل الشكر علي كل نِعَمه والتي لا تُحْصَيَ ومنها أنّه وَضَّحَ للمؤمنين أي المُصَدِّقين به المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم كل هذه الحقائق ، وأنْ جَعَلَ غيرهم ينطقون بالحقّ بألسنتهم ، ليزدادوا يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شكٍّ بوجود ربهم وبأنه وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة وبصلاحية شرعه الإسلام لإصلاحهم وإكمالهم وإسعادهم دون غيره من الأنظمة المُخَالِفة له فيزدادون تمسُّكا وعملا به لتَتِمّ سعادتهم في دنياهم وأخراهم ، وكل هذه النِّعَم والتي لا يُمكن حصرها تَسْتَوْجِب تمام شكرها ، بالعقل باستشعار قيمتها وباللسان بحمده سبحانه وبالعمل باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ حتي تكون دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وَعَدَ سبحانه ووعْده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. " .. ثم يَرُدّ سبحانه علي أمثال هؤلاء ومَن يشبههم بما فيه تَعَجُّب مِن حالهم وتَصَرُّفهم وتحقير له لعلهم يستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليَسعدوا في الداريْن ، فيقول تعالي : " .. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿25﴾ " أي رغم كل هذا الوضوح في الأدِلّة وكل هذا الإقرار بألسنتهم لكنَّ كثيرا منهم لا يعلمون أي لا يعقلون أي لا يُحسنون استخدام عقولهم ، فهم كفَاقِدِي وضِعاف العقول أي كالمجانين والسفهاء ، وهم كالجهلة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافع مفيد ! لأنهم قد وضعوا عليها أغشية وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. ولفظ " .. أَكْثَرُهُمْ .. " يُفيد تمام الدِّقّة والعدل والإنصاف لأنَّ قِلّة منهم قد أحسنوا استخدام العقول فآمنوا بربهم وتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم فسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم
ومعني " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿26﴾ " أي كلّ ما فيهما هو خَلْقه سبحانه وهو مالكه كله والمُتَصَرِّف فيه والقادر عليه والعالِم به وحده ليس معه أيّ شريك ، فاعبدوه واشكروه وتوكلوا عليه وحده لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، وإيّاكم أن تعبدوا غيره وإلا تعستم تمام التعاسة فيهما .. وفي هذا استهانة بالمشركين وبما يعبدونه من أصنامٍ وغيرها حيث هي لا تملك أيّ شيءٍ ولا تقدر علي أيّ شيء بل هي أصلا من مخلوقاته ومملوكاته سبحانه ! .. إنه تعالي وحده المُسْتَحِق للعبادة وللحمد لأنه هو الغنِيّ أي هو وحده كامل الغِنَيَ لا يحتاج لأيّ شيءٍ بل له كل السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وهو الذي يُغْنِي كلّ خَلْقه ، ولن يتأثّر مُلكه بأيّ شيءٍ حتي ولو كفر الناس جميعا ! وهو الحَمِيد أي المحمود المُسْتَحِقّ للحمد دوْما مِن كل خَلْقه علي كل نِعَمه ورحماته وتيسيراته وتشريعاته حتي ولو لم يحمده أحدٌ وسواء حَمَدَه الحامدون أم كفره الكافرون ، وهو أيضا كثير الحمد والشكر للمُحسنين فيزيدهم في مُقابِل إحسانهم القليل إحسانا وخيرا كثيرا ، فتكون أمور دنياهم كلها محمودة مشكورة حَسَنَة النتائج سعيدة النهايات ، ثم يكون لهم في أخراهم ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد
أما معني " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿27﴾ " أي أنَّ علم الله تعالي بكلّ شيءٍ عن أيّ شيءٍ لا نهاية له ، وكذلك قدرته سبحانه ، فلو ُفرِضَ واستطعتم أن تأتوا بكل بحار الأرض وجعلتموها مِدَادَاً أي حِبْراً يُكْتَب به بالأقلام التي ستُصنع من كل أشجار الأرض فستنفد أي تنتهي كل هذه الأقلام وكل هذه الأحْبَار حتي ولو تم إمداد هذه البحار ببحار أخري إضافية لا نهاية لها وإمداد هذه الأشجار بأشجار أخري أيضا لا نهاية لها لتكون أقلاما إضافية لنفد أي انتهي كل هذا ولن تنفد كلمات الله أي علومه وقدراته ، وكل صفاته الحسني ، فكلها كاملة حَسَنَة مُنْتَهَيَ الكمال والحُسْن .. وهذا تأكيد أيضا لما في الآيات السابقة أنه هو وحده سبحانه المُسْتَحِقّ للعبادة ، فاعبدوه واشكروه وتوكلوا عليه لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم .. " .. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿27﴾ " أي إنه هو الغالِب الذي لا يُغلَب الذي يُعِزّ ويُكْرِم ويَنصر مَن يَلجأ إليه ويتوكّل عليه فهو القويّ المتين مالك الملك كله القادر علي كل شيء الذي يَهزِم ويَسْحَق المُكذبين المُعاندين المُستكبرين ، وهو الحكيم الذي يَضَع كل أمرٍ في موضعه بكلّ حِكمة ودِقّة دون أيّ عَبَث
ومعني " مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿28﴾ " أي ومِن علمه التامّ وقدرته الكاملة عَزَّ وجَلّ – كما ُذكِرَ في الآية السابقة – أنه تعالي حينما يَخلق الخَلْق جميعا وحينما يَبعثهم أي يُحييهم كلهم بعد موتهم بعد كوْنهم ترابا إلي يوم القيامة فكأنما يخلق نفسا واحدة يستوي عنده الكثير والقليل لأنه سبحانه يقول للشيء كُن فيكون كما يريد ، وكذلك عندما يُحاسبهم علي أعمالهم يوم الحساب فهو سريع الحساب لا يحتاج إلي عَدِّ الأشياء وحسابها وتجميعها كما هو حال البَشَر ! .. وذلك لأنه له كلّ صفات الكمال والتي منها أنه سميعٌ يسمع بتمام السمع والإدراك كلّ شيءٍ عن أيّ شيءٍ وبصيرٌ يَرَيَ بكامِل الرؤية كل شيءٍ وبالتالي سيُجازي حتما بكل علمٍ وبكل عدلٍ ودون أيّ ذرّة ظلمٍ أهل الخير بكل خيرٍ وسعادة وأهل الشرّ بكل ما يستحقّونه مِن كل شرٍّ وتعاسة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم
ومعني " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿29﴾ " أي ألم تُشاهِد يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم تشاهدوا وتتدبّروا وتعلموا أيها الناس ، والاستفهام للتقرير أي لكي يُقِرّوا ويَعترفوا بذلك ، أي لقد رأيتم وتأكّدتم أنَّ الله تعالي مِن تمام قدرته وعلمه – كما ُذكِرَ في الآيات السابقة – يُولِج الليل في النهار أي يُدخل هذا في هذا وهذا علي هذا ويزيد أحيانا في أحدهما ما ينقصه من الآخر والعكس ، بما يدلّ بلا أيّ شكّ دلالة أخري عقلية علي أنه قادر علي بعثكم يوم القيامة كما يُميت النهار ويُحي الليل ثم يُميته ويُحي النهار بعده وهكذا .. واعلموا أيضا أنه سبحانه قد سَخَّرَ أي ذَلّلَ وجَهَّزَ وأعَدَّ الشمس والقمر لنفع خَلْقه وجعلهما يسيران بانتظامٍ في فلكهما بكل دِقَّةٍ دون أيّ خَلَلٍ حتي ينتهي أجلهما المُسَمَّيَ أي المُحدَّد لهما حين تنتهي الحياة الدنيا وتقوم الساعة لبدء الحياة الآخرة ، فهو إذن قادر علي كل شيء .. " .. وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿29﴾ " أي واعلموا كذلك – كما رأيتم وعلمتم قدرته ممّا ذكرناه سابقا – أنه عزّ وجَلّ خبيرٌ أي عليم تمام العلم بكل خبرةٍ وعلمٍ ليس بعده أيّ خبرة ولا علم أكثر منه بكل أقوالكم وأفعالكم وسيُحاسبكم عليها بكل الدِّقّة والعدل ودون أيّ ذرة ظلم ، فأحْسِنوا إذن الاستعداد لذلك بفعل كل خيرٍ وترْك كل شرّ
ومعني " ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿30﴾ " أي ذلك الإعجاز والاقتدار كله بسبب أنَّ الله تعالي حقّ ، أي وجوده صِدْق بلا أيّ شكّ ، بل هو أحقّ حقّ أي أصدق صدقٍ في هذا الوجود ، والذي يَتَفَرَّع منه بعد ذلك أيّ صدقٍ آخر ، وعبادته وحده هي الصدق كله ، والإيمان به هو الصدق كله ، والتمسّك بإسلامه كله هو الصدق كله ، ووعوده بنصر المؤمنين في الدنيا ثم الآخرة كلها صدق ، والبعث بعد الموت ليوم القيامة والحساب في الحياة الآخرة والجنة والنار واللقاء به تعالي كلها صدق .. بينما أيّ آلهةٍ غيره أو أديان غير الإسلام كلها كذب وادِّعاء وافتراء وكلها باطلة زائلة مَعْدومة لا تؤدِّي إلا إلي كلّ ضياع وتعاسةٍ في الدنيا والآخرة ، وهذا هو معني " .. وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ .. " ، " .. وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿30﴾ " أي ذلك الاقتدار والإعجاز كله هو أيضا بسبب أنَّ الله هو أعلي وأعظم وأكبر من أيّ شيءٍ ، وهو وحده صاحب العُلُوّ والعظمة والملك والسلطان والنفوذ كله ، وله صفات الكمال كلها ، فاعبدوه واشكروه وتوكلوا عليه وحده إذن لتسعدوا في دنياكم وأخراكم
ومعني " أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿31﴾ " أيْ وأيضاً وإضافة لما سبق ذِكْره في الآيات السابقة ، ألم تُشاهد وتَتَدَبَّر وتعلم يا كلّ صاحب عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وألم تروا يا كلّ الناس ، والاستفهام للتقرير ، أي لقد رأيتم وتأكّدتم أنَّ مِن نِعَم الله عليكم كذلك والتي لا تُحْصَيَ نعمة سَيْر وجَرَيان السفن والمراكب في البحار ، بخواصّ الهواء الفيزيائية وبقوة رفع الماء ونحو هذا ، مع تيسير الله للعقل لأسباب صناعتها ، لتطلبوا بها من أرزاقه تعالي لكم حيث تنقلكم وتجاراتكم من مكان لآخر لتنتفعوا ولتسعدوا بكل رحمات الله هذه في دنياكم ثم أخراكم لو أحسنتم استخدامها في كل خيرٍ مُسْعِد .. " .. لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ .. " أي لكي يُعْلِمَكم بعضاً من دلالاته سبحانه علي صِدْق وجوده وتمام قدراته فتتأكدوا بلا أيّ شكّ أنه هو وحده تعالي المُسْتَحِقّ للعبادة من غير أيّ شريك فتعبدوه وتشكروه وتتوكلوا عليه وحده لتسعدوا في الداريْن .. " .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿31﴾ " أي هذه كلها دلالات قاطعات حاسمات علي وجوده تعالي لكنّ الذي ينتفع بها ويزداد تأكّدا بربه وتمسّكا بدينه الإسلام وتوكلا عليه فيسعد بذلك تمام السعادة في دنياه وأخراه هو كل صبّار شكور والمقصود كل مؤمنٍ عاقلٍ أحسنَ استخدام عقله لأنّ من أهم صفاته أنه كثير الصبر كثير الشكر ، أي هو دوْما من الصابرين أي من الثابتين الصامدين المُستمِرِّين بكل هِمَّةٍ علي تمسكهم بربهم وإسلامهم فيفعلون كل خيرٍ ويتركون كل شرّ وإن أصابتهم فتنة ما أي اختبارٌ أو ضررٌ ما صبروا عليه واستعانوا بربهم ولجأوا إليه ليخرجوا منه مستفيدين استفادات كثيرة في دنياهم وأخراهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. وهو أيضا دوْماً من الشاكرين لربه علي نِعَمه والتي لا يُمكن حصرها ، بعقله باستشعار قيمتها وبلسانه بحمده وبعمله بأن يستخدمها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، وبذلك سيجدها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾
ومعني " وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿32﴾ " أيْ إذا حَدَثَ وأحَسَّ الذين يُشركون بالله آلهة غيره فيَعبدون صنما أو حجرا أو نحوه ، بالهلاك والغرق وهم راكبون في السفن في البحر ، حينما يَغشاهم أي يُغَطّيهم الموج فيكون كالظلَل أي كالغَمام فوقهم من شدّة ظلمته وارتفاعه ، حينها يَدْعون خالقهم الله تعالي بكل تَوَسُّلٍ واحتياج وتَذلّل ، وبكل إخلاصٍ أي صدق في دينهم أي في دعائهم وفي طاعتهم له وقتها مُخْلِصين مُحْسِنين ويَتركون ويَلفظون ويَنسون آلهتهم ! ﴿برجاء مراجعة معني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، لأنَّ حينها تنطق الفطرة حينما يَذهل العقل مِن شِدَّة الموقف فيَنْسَيَ عِناده وفِكْره الشرِّيّ ! ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، إنهم حينها يَنسون بل يَحتقرون عبادة ودعاء آلهة غير الله تعالي القادر علي كل شيء لأنهم متأكّدون أنها لن تنفعهم بأيّ شيء ! والإنسان لا يُمكن أن يَخدع ذاته ! فحينما يكون الأمر جادَّا ويَرَيَ أنه سيَهلك حقيقة فإنه يحافظ علي حياته ما استطاع ويلجأ بصدقٍ إلي مَن سيُحافِظ له عليها وليس هو غير خالقه الكريم الحفيظ ويَتَجَاهَل ويحتَقِر أيّ أحدٍ أو شيءٍ غيره ! .. " .. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ .. " أي إذا استجاب دعاءهم وأعادهم سالِمين من بين أمواج البحر المُهْلِكَة إلي البرّ فتَراهم بَدَلاً أن يشكروه تعالي علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ والتي منها نعمة نجاتهم إذا هم يعودون لِشَرِّهم ولشِرْكهم ويعبدون آلهتهم بل ويَنسب بعضهم النجاة لها أو لقبطان السفينة أو ما شابه هذا ! فلماذا لا يستمرّون علي عبادة ربهم ليسعدوا في الداريْن وقد جَرَّبُوا أفضاله ورحماته وسعاداته ؟! ولكنها الخِسَّة والدناءَة والتكذيب والعِناد والاستكبار من أجل تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. هذا ، وحتي بعض الناس من المسلمين قد يقعون في سوءٍ يُشبه هذا السوء ! بسبب بُعدهم عن ربهم وتركهم لإسلامهم بعضه أو كله ، فإنهم مع حدوث الضرر يتذكّرون ربهم ويُسارعون بالعودة له ودعائه بكل تَوَسُّل وتَذَلّل ثم إذا استجاب لهم عادوا لابتعادهم عنه ولتركهم لإسلامهم بدرجةٍ من الدرجات ولفِعْلهم للشرور والمفاسد والأضرار ! بل وقد يَنْسِبُون فضل إزاحة السوء لغير الله تعالي وينسون أنَّ مَن ساعدهم مِن البَشَر ليس إلا مجرّد سبب مِن الأسباب سَخَّرَه الله لهم ليساعدهم ! فليحذر المسلمون حذرا شديدا من التشبُّه بمِثْل هؤلاء وإلا تعسوا مثل تعاساتهم في دنياهم وأخراهم .. هذا ، ومعني " .. فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ .. " أي البعض منهم كان مؤمنا ولم يكن مشركا ولم يفعل مثلهم ويعود للشرّ بعد النجاة ، بل هو مُقتصد ، أي سَالِك القَصْد ، أي سائر في الطريق المستقيم لا يَعْدِل أيْ لا ينحرف عنه لغيره ، أي بَقِيَ علي القصد السليم ، أي علي العَدْل ، أي علي العهد الذي عاهَدَ الله عليه وقت الشدّة وخَرَجَ من الحَدَث مستمرّا علي طاعة الله متمسّكا بإسلامه .. ولفظ مُقتصد – من الاقتصاد أي الادّخار – قد يعني أيضا أنه مُدَّخِر في الطاعة ، أي مُعْتَدِل فيها وليس مُتَمَيِّزَاً وسَبَّاقاً ، أي يظلّ علي حاله السابق الذي كان عليه قبل هذا الموقف خالِطاً أعمالا حَسَنَة بأخري سيئة مع أنه كان من المُفْتَرَض أن يَخرج من هذا الحَدَث الذي رآه أمامه أكثر تمسّكا بكل أخلاق الإسلام كشكرٍ لله علي نجاته ! .. ويعني أيضا أنه مُدَّخِر لإيمانه ، أي لم يُسْلِم ، بل ظل كافرا كما كان قبل الحَدَث ، ولكنه تَرَاجَعَ بعض الشيء عن كفره واقتصدَ فيه ، أي هو كافر لكن بصورة ليس فيها عِناد واستكبار وإيذاء للآخرين كما كان قبل الحَدَث ! .. " .. وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿32﴾ " أي مَن يفعل ذلك ، أي يَجْحَد ، أي يُنْكِر ، أي لا يَعترف بنعمةٍ هائلةٍ مثل هذه النعمة من الله تعالي ولا يشكرها ويَتَنَاسَاها ولا يَذْكرها بل وقد يَنسبها لغيره ، ولا يعترف بدلالات الله علي قدرته الكاملة وعلمه التامّ ، إنَّ مِثْل هذا لا شكّ وبكل تأكيدٍ هو خَتَّار ، أي غَدَّار ، أي كثير شديد الغَدْر بأقبح أنواعه ، أي خائن ولا يُوفي بوعوده ، وهو أيضا كفور ، أي كثير الكفر لِنِعَم الله وعدم الاعتراف بها بل قد يكفر بوجود الله أصلا .. فإيّاكم ثم إياكم أن تَتَشَبَّهوا بمثل هؤلاء وإلا تعستم مثل تعاساتهم تمام التعاسة في دنياكم وأخراكم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿34﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنت دائما من المُتّقين لله في كل أقوالك وأعمالك لأنه يعلم كل ما يُخفيه الإنسان وما يُعلنه ، أي كنت دائما من المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ من المُحسنين لطَلَب الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ .. " أي يا جميع البَشَر ، مسلمين وغير مسلمين ، انتبهوا وتَذَكَّروا دائما ، ربكم الذي خَلَقكم ويُرَبِّيكم ويَرزقكم ويرعاكم ويُرشدكم لكل خيرٍ وسعادة في دنياكم وأخراكم ، يريد بكم تمام الخير والسعادة ، فكونوا دوْما من المتقين له في كل قولٍ وعمل لأنه يعلم كل ما تُخفون وما تُعلنون ، أي كونوا دائما من المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدكم ولو للحظة عن حب ربكم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة وإيّاكم أن تَصِلوا أبدا لمرحلة إغضابه بل سارعوا لفِعْل كل خيرٍ يُسعدكم ومَن حولكم .. " .. وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا .. " أي خافوا يوما – وهو يوم القيامة والحساب – لا يَدْفع أيّ أحدٍ عن أيّ أحدٍ ولا ينفعه بأيّ شيء ، بل كل فردٍ سيتحَمَّل نتيجة عمله في حياته الدنيا ، حتي أقرب الناس بعضهم لبعض ، فلن ينفع والد ولده ولن يَقضي عنه ما يحتاجه ، وكذلك المولود أي الإبن مع والده ، ومِن باب أوْلَيَ مع غيرهما .. " .. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا .. " أي هو يوم صدقٍ ثابت قادم يوما ما بكل تأكيد لأنه وعْد الله الصدق الذي لا يُمكن أن يخْلف وعده ، كما أنَّ وعْده صِدْق في أنّه مَن تَمَسَّكَ بكلّ أخلاق الإسلام فسيُحْيِيه حياة دنيوية كلها تمام الخير والسعادة .. ثم تَدَبَّروا في أنه لماذا يخْلف وعده وهو القادر علي كل شيء ؟! فهو ليس كالبَشَر مِن المُمْكِن أن يخلْفوا وعودهم لعدم استطاعتهم أو لمُرَاوَغَتهم أو لما شابه هذا من أسباب .. وبما أنه وعد أكيد فاستعدوا له جيدا بأن لا تَغترُّوا أي لا تنخدعوا بالحياة الدنيا بل أحسنوا طَلَبَها والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ " أي ولا تنخدعوا أبدا بأيّ غَرُور وهو كل ما يَغُرّ الإنسان أي يَخدعه ويَستغفله سواء أكان تفكيره الشرِّيّ أم مَن حوله مِمَّن يأخذونه للشرّ فيستجيب لهم بكامل حرية اختيار إرادة عقله أم نحو هذا ، ومعني " .. بِاللَّهِ .. " أي بأنَّ الله غفور رحيم كريم لا يُعذب أحدا مثلا ! أو بأنه يُخوّفكم فقط ولن يُنَفّذ ! أو ماشابه ذلك من خداعات .. أي لا يخدعكم أيّ خداع بأنَّ الله كذلك بل كونوا حَذِرين أشدّ الحَذر وأحسنوا الاستعداد للقائه تمام الاستعداد ، بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرٍّ من خلال التمسّك بكلّ أخلاق الإسلام ، فإنّ وعْده صِدق أنه مَن يفعل ذلك فسيُحييه حياة طيّبة أي كلها خير وسعادة في دنياه ثم أخراه
ومعني " إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿34﴾ " أي هو سبحانه المُسْتَحِقّ وحده للعبادة ، وللشكر وللتوكّل عليه ، ولحُسن الاستعداد لملاقاته ولحسابه في الآخرة ، لأنه تعالي العليم بكلّ شيءٍ بتمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ آخر ، الخبير به بكل خبرة ليس بعدها أيّ خبرةٍ أكثر منها ، القادر بتمام القُدْرَة علي كل شيء ، وهو وحده الذي يعلم كل غَيْب ، فهو يعلم موعد قيام الساعة أي موعد يوم القيامة وموعد موت كل مخلوق حيث هو موعد قيام ساعته ، وهو يعلم متي وأين ينزل الغيث أي المطر ومقداره وعدد قطراته لأنه هو مُنزله ، ويعلم خَلْقه في أرحام الإناث ومقدار أجلهم وأشكالهم وتفاصيل حياتهم ، ويعلم ما الذي ستكسبه كلّ نَفْسٍ في اللحظة القادمة من خيرٍ أو شرّ ومن ربح أو خسارة ومن صحة أو مرض ومن غير ذلك ، ويعلم مكان وموعد موتها ، وما كل هذا إلا البعض مِن علمه التامّ وقدرته الكاملة سبحانه وتعالي عمَّا يقول ويفعل هؤلاء المُكذبون عُلُوَّاً كبيرا .. فأحسِنوا إذن عبادته وحده ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وأحسنوا شكره ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿31﴾ من هذه السورة ، للشرح والتفصيل عن كيفية الشكر﴾ .. وأحسنوا التوكّل عليه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل عن التوكل﴾ .. وثقوا ثقة تامّة وصَدِّقوا صدقا كاملا بما يُخبركم به من الغَيْب في قرآنه ، أي مِمَّا غاب عن إدراككم وحواسِّكم سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا تعلمونه أم من المستقبل ، فبذلك ستُحسنون الاستفادة ممّا مَضَيَ والاستعداد لما هو قادم ، وبالتالي فأحسِنوا الاستعداد للآخرة ولما بعد الموت والذي يأتي فجأة ، بفِعْل كل خيرٍ وترك كل شرّ ، وذلك بالتمسّك بكل أخلاق الإسلام ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. فإن فعلتم ذلك ، سَعِدتم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
الم ﴿1﴾
أي هذا القرآن العظيم ، الذي أَعْجَزَ البشرية كلها حيث لم يستطع أحدٌ أن يأتي بمثل ما أتَيَ به من نُظُمٍ مُتكَامِلَة تُسعِد الجميع في كل شئون حياتهم في كل لحظاتها بكل مُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة ، مُكَوَّن من هذه الحروف البسيطة ، فأتُوا بمثله لو تستطيعون !! .. فاسْعَد وافخَر واعْتَزّ وتَمَسَّك بهذا الكتاب المُعْجِز الذي يُعْلِي مِن شأن كل مَن يعمل بكل ما فيه ويُصلحه ويُكمله ويُسعده في دنياه وأخراه
تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستفَاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجِعك في كل مواقِف ولحظات حياتك ، فستجد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد الهُدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، والمَكانة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ..
هذا ، ومعني " تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ " أي هذا القرآن العظيم الذي ُأنزل إليكم هو بلا أيّ رَيْبٍ أيْ شكّ عند كلّ عاقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ هو تنزيلٌ من الله تعالي ربّ العالمين أي خالق جميع الخَلْق وُمرَبِّيهم ورازقهم وراعيهم ومُرشدهم لكل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم ، فهو إذن ليس من عند الرسول ﷺ وليس شعرا أو سحرا أو قصصا للسابقين أو ما شابه هذا من تخريفات وسَخَافات وادِّعاءات وأكاذيب يَدَّعيها المُكذبون والمُعاندون والمُستكبرون والمُرَاوِغُون والظالمون والفاسدون
ومعني " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾ " أي هل يُصَدِّقُون ويَعترفون بأنَّ هذا القرآن العظيم هو من عند الله تعالي بلا أيّ شكّ أم يقولون أنَّ الرسول ﷺ هو الذي افتراه أي اختلقه كذبا من عنده ؟! إنه استفهام للتَّعَجُّب وللنفي الشديد لِمَا يقولون ، وهم يعلمون ويعترفون تماما أنه ﷺ هو الصادق الأمين !! فيَرُدّ عليهم سبحانه مُثْبِتَاً افترائهم هم أيْ كذبهم الشديد : " .. بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ .. " أي لكنَّ هذا القرآن بلا أيّ شكّ هو الصدق من عند ربك ورب العالمين وهم يعلمون ذلك تمام العلم بداخل عقولهم وبفطرتهم بداخلها والتي هي مسلمة أصلا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ .. " لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾ " أي هو لكي تُنذر به أمثال هؤلاء القوم بأن يتركوا كل شرّ حتي لا يتعسوا في الداريْن وبأن يَتَّبِعوا كل ما فيه مِن خيرٍ فيؤمنوا بربهم ويتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم ليسعدوا بذلك تمام السعادة فيهما .. إنه قد ُأنزل عليك لكي تُنذر قوما – والمقصود جميع الأمم – بعد أن ضَلّوا وابْتَعَدُوا عن آخر إسلامٍ وَصَلَهم من ربهم في رسالة عيسي عليه السلام فكنت انت يا محمد ﷺ أول رسول ومُنْذِر يأتي الناس بعد ضلالهم هذا .. إنَّ أمرهم في أشدّ العَجَب !! فبدلا أن يكونوا مُتَعَطّشين مُتَلَهِّفِين لاستقبالك ولما معك من الإسلام بَعد كل هذا البُعْد الشديد عنه وبعد كل هذا الضلال الكبير وكل هذه التعاسة الشديدة التي هم فيها ويتمسّكوا به كله دون أيّ تفريطٍ ، وهم ما جاءهم أيّ نذيرٍ قبلك بعد ضلالهم كل هذه الفترة بعد انتهاء فترة عيسي ﷺ ، إذا هم يُكذبون بك وبه بل ويَدَّعون كذبا وزورا أنك قد افتريته !! .. " .. لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾ " أي أنزلناه لكي يَهتدوا به ، أي لكي يَسترشدوا به إلي طريق الهداية ، أي لكي يَصِلُوا به إلي طريق ربهم وإسلامهم ، إلي طريق تمام الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .. هذا ، ولفظ " لعلّ " يُفيد الاحتمالية مع الأمل في التحقّق ليكون ذلك دافعا وتشجيعا لكل البَشَر ليكونوا كلهم كذلك مُهْتَدِين مُتَذكّرين مُتَبَصِّرين دائما لما يُصلحهم ويُكملهم ويُسعدهم في الداريْن
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿4﴾ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿5﴾ ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿6﴾ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿7﴾ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿8﴾ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿9﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَدبِّرين في كل خَلْق الله تعالي وأحسنت استخدام عقلك في تأمُّل آياته ومعجزاته في كوْنه ، فهذا سيزيدك حتما يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شك بوجود خالقك وحبا له وُقرْبا منه وطلبا لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوّته ورزقه ونصره وسعادته في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿164﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿190﴾ ، ﴿191﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة آل عمران ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خير دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنت مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني العبادة﴾ .. وإذا كنتَ دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا اتَّخذتَ الله تعالي دائما وَلِيَّاً ، أي وَلِيّا لأمرك ، فهنيئا لك نِعْمَ الاختيار هذا ، فسيُوَفّر لك الرعاية كلها ، والأمن كله ، والعوْن كله ، والتوفيق والسداد كله ، والرزق كله ، والتيسير كله ، والسَّلاسَة كلها ، والقوة كلها ، والنصر كله ، والسعادة كلها .. وإذا كنت دوْما من الذين يَتَأنّون ولا يَتَعَجَّلون ويَتَثَبَّتون في كل شئون حياتهم حيث بهذا يتحقّق الصواب دائما ويَرْقَيَ الجميع ويَقوون ويسعدون في دنياهم وأخراهم
هذا ومعني " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ .. " أي أنَّ الله تعالي هو وحده الذي خلق كل ما في السموات وما في الأرض من مخلوقاتٍ مُعْجِزاتٍ ونِعَم وخيرات ، وكلها مُسَخَّرَة لنفع ولسعادة الإنسان ، في ستة أيام ، قد تكون مثل أيام البشر أو غيرها ، فهو سبحانه يقول للشيء كن فيكون كما يريد ، ولكن ليُعَلّمَ خَلْقَه التَّأنِّي وعدم التَّعَجُّل والتَّثَبُّت والاسْتِيثَاق من معلوماتهم وأقوالهم وتصرّفاتهم في كل شئون حياتهم صغرت أم كبرت حتي يحقّقوا الصواب دائما ويتطوّروا ويسعدوا في الداريْن .. " .. ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ .. " أي قد تَمَلّكَ سبحانه المُلْك كله لأنه هو خالقه وله السلطان عليه والتَّحَكُّم فيه وتدبيره بما يُصلحه علي أكمل وجْهٍ دون أيّ مَلِكٍ أو شريكٍ آخر معه .. " .. مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ .. " أي ليس لكم في دنياكم ولا في أخراكم غيره سبحانه أحسنَ وَلِيَّاً منه ، أي وَلِيّا لأموركم يُدَبُّرها لكم علي أكمل وأسعد وجه ، وليس لكم أيّ شفيع أي وسيطٍ يتوَسَّط لكم عنده ليمنع عنكم عذابا ما تستحِقّونه سواء في الدنيا أو الآخرة ، فهو إذن وحده المُسْتَحِقّ للعبادة وللشكر وللتوكّل عليه دون غيره من أيّ آلهةٍ أخري كأصنامٍ أو أحجار أو غيرها لا تنفع أو تضرّ بأيّ شيءٍ بل أنتم أقوي منها ! .. " .. أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿4﴾ " أي ألا تتذكّرون هذا الذي هو موجود في فطرتكم المسلمة أصلا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، وتتذكّرون ربكم وإسلامكم ، وتعقلون كل هذا بعقولكم وتتدَبَّرونه وتدرسونه ، وتذاكرونه كما تذاكرون دروسكم وعلومكم وتربطون بين أجزائها ومعلوماتها وتحفظونها وتراجعونها حتي لا تنسوها ، وتكونون مُنْصِفِين عادلِين عند تَدَبُّر كل ذلك لتنتفعوا وتسعدوا به تمام الانتفاع والسعادة في الداريْن ؟! .. وهو استفهام للتَّعَجُّب من ذلك ولإنكاره أي عدم قبوله وطَلَب فِعْل عكسه
ومعني " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿5﴾ " أي هو تعالي بعد أن خَلَقَ الكوْن كله بما فيه من مخلوقات ، يُسَيِّرُ كلّ أموره ، يُسَيِّرُها بكلّ دِقَّةٍ وإحكامٍ وانتظامٍ دون أيّ خَلَل ، لِنَفْع ولسعادة خَلْقه ، فأوامره سبحانه تنزل من السماء مع ملائكته ليُنفّذوها في المكان والتوقيت وبالأسلوب الذي يأمرهم به في الأرض وفي أي مكان من كوْنه ، ثم يَعْرُج إليه كلٌّ منهم أي يصعد له ، أي يعودون بعد التنفيذ ليُتابعهم سبحانه ، وهذا يتمّ في لحظة أو لحظات يسيرة علي حسب الأمر ، حيث لفظ يوم عند العرب يعني أحيانا وقتا وليس عددا مُعَيَّنَاً من الساعات ، والأحداث والأفعال التي يقومون بها والمسافات التي يقطعونها ذهابا وإيابا أثناء ذلك وما شابه هذا لو قام بها البَشَر لاحتاجوا ما يُعادِل ألف سنةٍ من سنواتهم التي يَحسبونها !! وهذا يدلّ علي عظيم مُلك الله تعالي واتِّسَاع كوْنه وعظيم علمه العالِم بكلّ شيءٍ وعظيم قدراته تعالي القادر علي كل شيء .. إنه تعالي يُخاطبنا بما تفهمه عقولنا ويُقَرِّب المعاني لأفهامنا .. كما أنَّ الآية الكريمة تعني أيضا أنه بعد انتهاء أحداث الحياة الدنيا بكل ما فعله فيها مخلوقاتها والتي يُدَبِّرها كلها سبحانه ، تَصعد إليه نتائج كلّ هذا في يومٍ هو يوم القيامة ، والذي هو طويل جدا شاقّ بما فيه علي المُكذبين به كأنه ألف سنةٍ من سنوات البَشَر ، خفيف يسير علي المُصَدِّقين به المُسْتَعِدِّين له بالتمسّك بكل أخلاق إسلامهم حيث يَمرّ عليهم كوقتِ صلاةٍ مِن الصلوات كما أخبر بذلك الرسول ﷺ ، فيُحاسِب يومها جميع البَشَر علي الخير بكل خيرٍ وسعادة وعلي الشرّ بكل شرٍ وتعاسة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿6﴾ " أي هذا الذي يَفعل ما ذُكِرَ لكم مِن إعجازاتٍ في الآيات السابقة مِن خَلْقِ الكوْن وتدبير أمره علي أكمل وأسعد وَجْهٍ هو الله تعالي عالم الغَيْب ، وفَعَلَه لأنه عالمٌ بكلّ شيءٍ بما فيه الغَيْب ، أي عالمٌ بكل ما غابَ عن إدراك الخَلْق وحَوَاسِّهم ، سواء أكان من الماضي أم من الحاضر الذي لا يعلمونه أم من المستقبل ، وبالقطع يعلم الشهادة أي ما هو مُشَاهَد مُدْرَك للحَوَاسّ ، وهو أمر مَنْطِقِيّ ولكن ذَكَرَه تعالي حتي لا يتَوَهَّمَ أحد أنه يعلم الغيب فقط ! وهو العزيز الرحيم أي هو الغالِب الذي لا يُغْلَب والذي يُعِزّ المؤمنين به المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم أهل الحقّ والخير ويُكرمهم ويَرفعهم وينصرهم ، الرحيم الذي يرحم ضعفهم وتقصيرهم ويجبره ويغفر لهم ويُعينهم ويُنزل نصره عليهم .. وهو يَغفر لكل مَن يعود إليه وإلي إسلامه ويُسعده في الداريْن .. ثم في النصر والهزيمة رحمة لكل خَلْقه ليَعْتَبِر ويأخذ الدروس والعِبَر مَن أراد الاعتبار .. إنه إذن العزيز في غَلَبَة أعدائه ، الرحيم بجميع خَلْقه – وبصورةٍ أخَصّ المؤمنين منهم – حيث وفّرَ لهم كلّ ما يَنفعهم ويُسعدهم في حياتهم ثم ما هو أعظم سعادة في آخرتهم لِمَن أسْلَمَ .. وفي هذه الآية الكريمة توجيه أنَّ الله وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة من غير أيّ شريك ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، كما أنَّ فيها توجيها للتصديق التامّ بما يُخْبِر به القرآن من الغيب من أجل إحسان الاستعداد للآخرة ، مع إحسان مراقبة الله تعالي في السرّ والعَلَن لأنه عالم الغيب والشهادة ، وذلك من خلال التمسّك بكل أخلاق الإسلام لكي تتحقّق السعادة التامّة في الداريْن
ومعني " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿7﴾ " أي وأيضا هو سبحانه الذي أتْقَنَ وأحْكَمَ بكلّ دِقّةٍ دون أيّ خَلَلٍ كل مخلوقٍ خَلَقَه ، فهو القادر علي كل شيءٍ العالِم به ، وهو الذي أعلمه بمهمّته أي أعطاه من المَوَاصَفَات والإمكانات التي تُمَكّنه مِن أداء مهامّ له في هذه الحياة هَدَاهُ وأرشده لأدائها ، لتكون كلها مُسَخَّرَة للإنسان ، والذي هو أحسن وأكرم مخلوقاته لأنه أعطاه مواصفات أهمها العقل ، وهداه وأرشده لكي يعرف خالقه تعالي بالفطرة التي وضعها فيه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، ولكي يُحسن التواصُل معه والعمل بدينه الإسلام ، فيكون بذلك ابن آدم قد اهتديَ ووَصَلَ لما أراده الله منه وخَلَقه لأجله وهو الانتفاع التامّ بالحياة الدنيا والسعادة التامّة فيها ثم الأتمّ والأعظم والأخلد في الآخرة ﴿برجاء مراجعة سبب الحياة والخِلْقَة في الآيات ﴿11﴾ حتي ﴿25﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل﴾ .. ثم ذَكَّرَه بأصله ، بأنه خُلِقَ من طين ، فأبوه آدم منه ، ثم كل نَسْله أي ما يخرج منه مِن سُلالته وذرّيته هم من ماءٍ مَهينٍ أي حقير مُسْتَقْذَر معروف هو المَنِيّ ، وذلك حتي يظلّ مُتَذكِّرا هذا دائما فلا يَتَعَالَيَ علي مخلوقات الله في كوْنه فيتعس بذلك في دنياه وأخراه بل يُحسن استخدامها ليسعد تمام السعادة فيهما ، وهذا هو معني " ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿8﴾ "
أما معني " ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿9﴾ " أي بَعْدَ أن كان نُطفة من ماءٍ مَهين ، تَرَقّيَ به سبحانه في بطن أمه بعِدَّة مراحِل حتي أخرجه إنسانا سَوِيَّاً أيْ مُتَنَاسِقاً مُتَوَازِنَاً في أعضائه وشكله لا خَلَلَ ولا اعوجاج فيه بل علي أحسن صورةٍ وأدَقّها وأتَمّها ، وأعطاه وجعل فيه رُوحا من روحه أي سِرَّاً مِن أسرار قدرته ورحمته ، فأصبح مُتَحَرِّكَاً مُنْطَلِقا في الحياة لا جامدا ساكنا لينتفع ويَسعد بها تمام الانتفاع والسعادة ، وأعطاه مُقَوِّمَات وإمكانات تامَّة تُعينه علي ذلك تمام العوْن والتي منها السمع والبصر والفؤاد أي العقل وما به من أفكار وإدراكات ومشاعر ، ونَسَبَ سبحانه الروح إلي ذاته العَلِيَّة لمزيدٍ من تكريمه ليظلّ مُتَذَكِّرا دائما أنه مُنْتَسِبٌ له تعالي فيُحسن بذلك التعامُل مع كل مخلوقات كوْنه والتي كلها مُسَخَّرَة له فيسعد بها تمام السعادة في الداريْن .. " قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿9﴾ " أي لكن رغم كل هذه النِعَم الواضحة والتي لا يُمكن حَصْرها ، فإنكم تشكرون أيها البَشَر شكرا قليلا وفي أوقات قليلة ! بل بعضكم قد يكفر هذه النِعَم أي لا يعترف بها بل وقد يَنْسِبها لغيره سبحانه ! بل والبعض قد يكفر بوجود الله أصلا !! فإيّاكم أن تكونوا كذلك ، بل كونوا دوْما شاكرين لنِعَمه تعالي ، بعقولكم باستشعارها وبألسنتكم بحمده وبأعمالكم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، وبذلك ستجدونها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع ٍكما وَعَد سبحانه ووعْده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴿10﴾ ۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿12﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ .. " أي ورغم وضوح كل هذه الأدِلَّة علي وجود الله تعالي وعلي تمام قدرته وعلمه لأيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ ، وإضافة إلي شرورهم ومَفاسدهم والتي ُذكِرَ بعضها في الآيات السابقة كادِّعائهم مثلا أنَّ الرسول ﷺ هو الذي افترَيَ علي الله أي كذب كذبا شديدا وكتب القرآن وهو ليس من عند الله ، فإنَّ المُكَذّبين بالبَعْث ، أي بقدرته سبحانه علي إحياء البَشَر بأجسادهم وأرواحهم مرة أخري يوم القيامة للحساب ، كالمشركين أي الذين يعبدون آلهة غير الله تعالي كأصنامٍ أو أحجار أو نحوها ، وكالكافرين أي الذين يُكَذّبون بوجود الله أصلا ، ومَن يُشبههم ، يقولون علي سبيل استبعاد البعث وعدم الاعتراف به : هل إذا ضِعْنا بأجسامنا وغِبْنَا وهلكنا وتَنَاثَرْنا في أماكن الأرض التي لا تُعْلَم ، هل مِن المُمكن أن نعود بأجسادنا وأرواحنا خَلْقاً جديدا مرة أخري ؟! إنه أمرٌ لا يمكن تصديقه !! .. إنَّ حالهم لعجيب !! ألم ينظروا إلي المواليد التي تُولَد كل لحظة ؟! مَن خلقها ؟! إنَّ مِمَّا يُعِين علي اليقين بالبعث تدبُّر بَدْء خَلْق الأَجِنَّة وتطوّرها ، فمَن خَلَقها أول مرةٍ سبحانه قادر وأهْوَن عليه أن يُعيدها مرة ثانية بالقطع !! فالتجربة الثانية دائما أسهل من الأولي – لأنَّ خاماتها موجودة وليست مِن عدمٍ كالأولي كما أنها أصبحت معروفة مُكَرَّرَة – كما يُثبت الواقع ذلك عندنا وفي مفهومنا نحن البَشَر ! فهو سبحانه يُخاطبنا بما تفهمه عقولنا حينما يُوَضِّح لنا ذلك بقوله : " وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ .. " ﴿الروم : 27﴾ .. " .. " .. بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴿10﴾ " أي هم لا يُكَذّبون بالبعث وفقط ! لكنَّ الأمر أكثر من ذلك ، إنهم يكفرون بلقاء الله في الآخرة ، أي يكفرون بوجودها وبحسابه سبحانه وبعقابه وبجنته وبناره ، بل وبعضهم يُكَذّب بوجوده هو ذاته !! تعالَيَ عَمَّا يقولون ويفعلون عُلُوَّاً كبيرا .. وما كلّ ذلك التكذيب والعِناد والاستكبار إلا لأنهم قد عَطّلوا عقولهم بالأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ " أي اذكر لهم وذَكِّرهم يا محمد ﷺ وذَكِّرهم يا كلّ مسلمٍ ويا كل قاريءٍ للقرآن ، أنَّ مَلَك الموت سيتوفاكم جميعا ، أي سيَقْبِض أرواحكم ، أي سيَسْتوفيها كاملة ويُعيدها لصاحبها الحقيقي وهو الله تعالي بعد أن كانت عندكم ديْن له ، كما يستوفي صاحب الديْن دَيْنه مِمَّن كان عنده حينما يأتي موعد سَدَاده ، أي ستَمُوتون بعد استيفاء وقتكم كاملا في دنياكم .. " .. الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ .. " أي سيَتوفاكم مَلَك الموت المُكَلّف من الله والذي تَكَفّل واختَصَّ بقبض أرواحكم .. " .. ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ " أي جميعكم ستعودون إليه يوم القيامة حين يَبعثكم من قبوركم أي يُحييكم ثانية أجسادا وأرواحا ، ولن يتأخَّر أو يَختَفِي أو يَفِرّ قطعا أيُّ أحد !! حيث ستُحاسَبون الحساب الختامِيّ ليَنال كلٌّ ما يستحِقّه ، فيَنال أهل الخير كلّ خيرٍ وسعادةٍ خالِدين في درجات الجنات علي حسب أعمالهم ، ويُجَازَيَ أهل الشرّ بكلّ شرٍّ وتعاسة في عذاب نار جهنم علي قَدْر شرورهم ومَفَاسدهم وأضرارهم بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. فأحْسِنوا إذن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كل شرّ
أما معني " وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿12﴾ " أي وإذا رأيتَ أيُّها الرَّائِي لحال المجرمين يوم القيامة لرأيتَ أمراً فظيعاً عظيما مُخيفا مُرْعِبا ، والمجرمون هم الذين ارتكبوا الجرائم بكل صورها سواء أكانت كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادة لغيره كأصنامٍ أو أحجار أو نحوها أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم ظلما أي اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادً ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، إنك ستراهم حين يُنَكِّسُون رؤوسَهم أي يُطَأْطِئونها ويُوَجِّهونها للأرض من الذلّ والعار والانكسار والاعتراف بالجريمة وشدّة الهَمّ والحزن ، وهم أمام ربهم خالقهم الذي كانوا يُكَذّبون بوجوده وبلقائه ، حيث يقولون معترفين له بأنهم قد أبصروا أي رأوا واقِعِيَّاً أمامهم بأبصارهم وسمعوا بآذانهم أنَّ كلّ ما كانوا يُكَذّبون به وأخبرهم به رسلهم كان حقا ، أي صدقا ، فالله تعالي حقّ ، والبعث حقّ ، والآخرة حقّ ، والحساب والعقاب والجنة والنار كل هذا حقّ .. " .. فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿12﴾ " أي لقد أيقنَّا بكل ذلك ، أي تأكّدنا بلا أيّ شكّ ، فنتوَسَّل إليك يا ربنا أن ترجعنا إلي الدنيا حتي نعمل صالحا أي لكي نُصلح من أنفسنا فنؤمن بك ونتمسّك بكل إسلامك ، وهو طَلَب لن يُجابَ له بكلّ تأكيد ، لأنه قد انتهي وقت العمل وجاء وقت الحساب عليه ، وقد حُذّرُوا كثيرا بكل أنواع التحذير قبل ذلك في حياتهم الدنيا فلم يستجيبوا ، بل كذّبوا واستكبروا وعانَدوا من أجل تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. إنه تعالي يعلم كذبهم ولو عادوا للدنيا لَعَادُوا لشَرِّهم كما أكَّدَ ذلك بقوله : " .. وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿28﴾ " ﴿الأنعام : 28﴾ .. فإيّاكم ثم إياكم أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم وإلا تعستم مثل تعاساتهم
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿13﴾ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿14﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِمَّن يَشاءون الهداية للإيمان والتمسّك بكلّ أخلاق الإسلام ، فيَشاء الله لهم ذلك ويأذن ، بأن يُوَفّقهم ويُيَسِّرَ لهم أسبابها ﴿برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان ، والحِكمة في سبب الخِلْقَة ، والحكمة في جَعْل الإيمان اختياريّاً لا إجباريّاً حيث كان سهلا قطعا علي الخالق أن يَجعل جميع مَن في الأرض مؤمنين ! وذلك في الآيات ﴿253﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل .. ثم برجاء مراجعة الآيات ﴿11﴾ حتي ﴿25﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن تجربة وقصة الحياة وسببها .. ثم برجاء مراجعة الآية ﴿99﴾ من سورة يونس " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿99﴾ " ، ثم الآية ﴿118﴾ من سورة هود " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾ " ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا .. " أي أنَّ الله تعالي قادرٌ علي كلّ شيءٍ عالمٌ به تمام العلم ولا يَحْدُث أيّ شيءٍ في كوْنه ومُلْكه إلا إذا شاءه أي أراده ، فهو سبحانه الذي أراد أن تختار كلُّ نفسٍ إنسانية طريقها في الحياة بكامل حرية إرادة اختيار عقلها ثم تُحاسَب حسابا ختاميا في الآخرة علي ما اختارته إمّا طريق الخير وإمّا طريق الشرّ ، ولو شاءَ أن يَجعل الجميع مُهتدين علي طريق الخير لَفَعَلَ بكلّ تأكيد ! فهو قطعاً أمرٌ سهل مَيْسُور عليه ! ولكنَّ هذا سيكون مُخالِفاً لنظام الحياة الدنيا والحياة الآخرة الذي أراده لإسعاد خَلْقه ﴿برجاء مراجعة ما ُكتِبَ تحت عنوان : بعض الأخلاقيَّات التي تُسْتَفاد من هذه الآية الكريمة ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿13﴾ " أي ولكنْ لم نجعل الجميع مؤمنين لأنه قد تَحَقّقَ القولُ مِنِّي أي نَفَذَ الأمرُ مِنِّي بأنْ يكون نظام الحياة الدنيا والآخرة هكذا علي هذه الصورة وأن يكون الناس مُختَارين هكذا لا مُجْبَرين ، وبالتالي فقد تَحَقّقَ وثَبَتَ وتَأَكَّدَ العذاب مِنِّي يوم القيامة علي المُكَذّبين والمُعانِدين والمُستكبرين والظالمين والفاسدين منهم ، إضافة بالقطع إلي درجةٍ ما مِن درجات العذاب في دنياهم علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم يَتَمَثّل في قَلَقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة لهم صورةٍ ما مِن صور الألم والكآبة والتعاسة .. هذا ، ولفظ " الجِنَّة " في لغة العرب يعني كلّ ما جَنَّ من المخلوقات أي خَفِيَ عن الأنظار والمقصود المخلوقات التي سيَجعلها الله تعالي وقوداً للنار ولا يَراها المُعَذّبون فيها .. ولفظ " أجْمَعِين " يُفيد الصِّنْفَيْنِ جميعاً ، أي البَشَر والمخلوقات غير المَرْئِيَّة التي ستكون وقوداً للنيران ، سَيَمْلآن جميعهما جهنّم
ومعني " فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿14﴾ " أيْ يُقالُ لهم حينما يدخلون النار علي سبيل الذّمِّ واللوْم الشديد ليكون ذلك عذابا نفسيا أليما إلي جانب العذاب الجسديّ المؤلم : استشعروا ألم أشدّ العذاب بسبب أنكم تَنَاسَيْتم وأهملتم وتركتم الاستعداد لمقابلة هذا اليوم ، يوم القيامة والحساب ، بترككم وتكذيبكم الإيمان بالله والتمسّك بالإسلام ، ولقد كانت فطرتكم تُذَكِّركم دوْما به وبربكم وبإسلامكم ولكنكم كنتم تجتهدون في إسكاتها ونسيان تَذْكِرَتها وإهمالها بل ومقاومتها ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، ولقد عَطّلتم عقولكم فلم تُحسنوا استخدامها بسبب الأغشية التي وضعتموها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. وبالتالي فالنتيجة الحَتْمِيَّة المُنْتَظَرَة هي أنكم كما نَسيتم نُسيتم في العذاب الخالد ! أي ستُتْرَكون وستُهْمَلون فيه بلا نهاية ، وليس المعني بالقطع نسيانهم من العقاب فالله تعالي لا يَنسيَ شيئا حتما سبحانه ! وإنما يُقالُ لهم ذلك ليكون الأمر أشدّ عذابا لأنه يعني عدم وجود أيّ أملٍ في تخفيفه أو تبديله أو انتهائه ! وإنما تمام الترْك والخلود في تمام العذاب .. وتكرار لفظ " وذُوقُوا " لمزيدٍ من الإيلام .. " .. بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿14﴾ " أي وكلّ ما تلاقونه هذا هو بسبب ما كنتم تعملونه من شرّ ، سواء أكان كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم ظلما أي اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ ﴿15﴾ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿16﴾ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿17﴾ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ ﴿18﴾ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿19﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿20﴾ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿21﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿22﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت مُتمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا .. " أي صفة المؤمنين ودليل إيمانهم أنهم حينما يَتَذَكَّرون آيات الله تعالي ويُوعَظون بها – وهم مُتَذَكِّرون لها دائما وعلي تواصُلٍ دائم معها – سواء في قرآنه الكريم أو في أيٍّ مِن مخلوقاته المُعْجِزَة في كوْنه ، فإنهم يُحْسِنون استخدام عقولهم ويَتَدبَّرون ويَتَعَمَّقون فيها فيَخِرُّون ساجدين أي يَخضعون لخالقها ولتوجيهاته وإرشاداته ويَستجيبون ويَستسلمون لها ويقومون بطاعتها وتطبيقها في كل شئون حياتهم بكلّ هِمَّةٍ وسرعةٍ وحماسٍ وإقبال وانشراح وسرور لأنهم يعلمون أنها أساس سعادتهم السعادة التامّة في دنياهم وأخراهم ، وهم أيضا يَخِرُّون أي يَسقطون من أعلي لأسفل يَسجدون لله علي جباههم في صلاتهم أو في خارجها تواضُعا له وحبا فيه وطَلَباً لحبه وعوْنه ورزقه وتوفيقه وسعادته في الداريْن وليَتَدَرَّبوا علي التواضُع لكلّ خَلْق الله وعدم الاستعلاء عليهم وعلي كل كوْنه ليَسعد الجميع بهذا التواصُل فيما بينهم وعدم الاستكبار والتقاطُع المُتْعِس لهم فيهما .. " .. وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. " أي وكذلك هم دائما يُسَبّحون الله أي يُبعدونه عن كل صفة لا تَليق به ، وهم دوْما يحمدونه أي يشكرونه علي نِعَمه التي لا تُحْصَيَ ، يشكرونه بعقولهم باستشعارهم لهذه النِعَم وبألسنتهم بحمده وبأعمالهم بأن يستخدموها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، وبالجملة هم يعبدون الله تعالي المُسْتَحِقّ للعبادة وحده من غير أيّ شريكٍ آخر ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿15﴾ " أي وحالهم دائما أنهم لا يَتَعَالون علي الإيمان بالله ولا علي التمسّك بكلّ أخلاق الإسلام ولا علي البَشَر ولا علي أيّ مخلوقٍ في الكوْن كله كما يَفعل المُستكبرون المُكذبون المُعاندون الظالمون الفاسدون من الكافرين أي الذين لا يُصَدِّقون بوجود الله أو المشركين الذين يعبدون غيره أو مَن يشبههم
ومعني " تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿16﴾ " أي وحالهم دائماً أيضاً – إضافةً إلي ما ُذكِرَ في الآية السابقة – أنهم في ذِكْرٍ دائمٍ لله تعالي علي كل الأحوال ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الذِكْر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ ، فهم حتي أثناء نومهم في أيّ وقتٍ حينما يَتَقَلّبون في المضاجع أي أماكن النوم ويَتَنَبَّهون قليلا يَدْعُون ربهم بما يستطيعون من أدْعِيَة ، ثم يَتجافون بجنوبهم أي يَبتعدون بأجسادهم عن فراشهم ويتركونه لكي يقوموا من نومهم لدعاءٍ أو لتسبيحٍ أو تكبيرٍ أو استغفارٍ أو لصلاةٍ ما مفروضة كفجرٍ أو مغرب أو عشاء أو لقيام ركعتين أو أكثر غير الصلوات المفروضة أثناء الليل أو ما شابه هذا من خيرٍ مُسْعِدٍ لهم في دنياهم وأخراهم .. " .. خَوْفًا وَطَمَعًا .. " أي وحالهم دائما حين يَدْعُون ربهم ويَذْكُرونه يكون مُتَوَازِنَاً بين الخوف والرجاء ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿98﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾ أي خوفا من تقصيرهم في شيءٍ ما أو من خيرٍ ما قد تركوه وكان من المُمكن أن يفعلوه أو من شرٍّ ما قد فعلوه أو نحو هذا فيخافوا حساب ربهم ، وطمعا في عفوه ومغفرته ورحمته ورضاه وحبه وأمنه وعوْنه وتوفيقه ورزقه وسعادته في الداريْن .. " .. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿16﴾ " أي وحالهم دائما أيضا أنهم يُنفقون من أموالهم وجهودهم وصحتهم ووقتهم وفكرهم وغيره ممّا أنْعَمَ خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا خيرٍ في عقولهم بما يُسعد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم
ومعني " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿17﴾ أي لا يُمكن أبداً بأيِّ حالٍ من الأحوال لأيِّ أحدٍ أن يعرف أو يُدْرِكَ أو حتي يَتَخَيَّل ما هو مُخَبَّأ مُدَّخَر مُجَهَّز لهم – أي لهؤلاء الذين ُذكِرُوا في الآيتين السابقتين – وفيه كلّ أنواع التكريم والتعظيم والتشويق حيث ما لا عين رَأَت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر بما يُحَقّق لهم أعلي درجةٍ مِن تمام قُرَّة العيون أي استقرار العقول والمشاعر والأجساد والذي يعني تمام السعادة الغامِرة والتي ليس بعدها أيّ سعادةٍ أكثر منها .. وكلّ ذلك هو جزاء أيْ عطاء وأجر في مُقابِل ما كانوا يعملون في دنياهم من كلّ خيرٍ مُسْعدٍ لهم ولمَن حولهم ، وهو ثوابٌ بكل تأكيد أعظم كثيرا من أعمالهم مهما كانت عظيمة ولا يُمكن مُقارَنَتها ومُساواتها أبدا به !! ولكنّه فضل الله العظيم الكريم الرحيم الوهَّاب .. فليجتهد إذن كلّ مَن أراد مثل هذا العطاء الهائل المُشَوِّق في اتّخاذ السبب المُؤَكَّد للوصول إليه وهو التمسّك بكلّ أخلاق الإسلام المُسْعِدَة له ولمَن حوله في الداريْن
أما معني " أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ ﴿18﴾ " أي هل يُتَصَوَّر أنَّ الله تعالي بعدله التامّ وحكمته ورحمته التامَّة مِن المُمْكِن أن يساوي بين المؤمن والفاسق في الدنيا والآخرة ؟! كلا لا يُمْكِن أبدا بكلّ تأكيدٍ أن يَتَساووا !! فالمؤمن أي المُصَدِّق بوجود الله المُتمسّك بكل أخلاق إسلامه حياته كلها خير في خيرٍ وسعادة في سعادةٍ ثم له في أخراه ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد .. بينما الفاسق ، أي الخارج عن طاعة الله ، سواء أكان كافرا أي يُكَذّب بوجود الله أصلا أم مُشركا أي يعبد غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم منافقا أي يُظهر الخير ويخفي الشرّ أم ظالما أي يعتدي علي الآخرين ولا يعدل بينهم أم فاسدا ينشر الفساد والشرّ أم ما شابه هذا ، حياته الدنيا كلها قَلَق أو توتّر أو ضيق أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة كلها ألم وكآبة وتعاسة بدرجةٍ من الدرجات وبصورةٍ من الصور ثم له حتما في آخرته ما هو أشدّ ألما وتعاسة وأتمّ وأعظم .. إنَّ المؤمن بكلّ تأكيدٍ قد اتّخَذَ أسباب هذه السعادة فيَسَّرَها الله له ، إنه قد زَرَعَ حُسْنَاً فحَصَدَ حُسنا أفضل منه ، بينما الفاسق قد اتّخذ أسباب التعاسة ، إنه قد زرع سوءا فحصد سوءا أسوأ منه ، فهذا هو القانون الإلهيّ العادل للحياة والذي نَبَّهَنا له تعالي بقوله : " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. " ﴿الإسراء : 7﴾
ومعني " أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿19﴾ " أي هذا تفصيلٌ للآية السابقة ، فالذين آمنوا أي صَدَّقوا بوجود ربهم وبكُتبه التي فيها تشريعاته وبرسله ، وعملوا الصالحات أي تمسّكوا بأخلاق إسلامهم ، لهم بكل تأكيد في أخراهم – إضافة إلي ما كان لهم من تمام السعادة في دنياهم – جنات أي بساتين وقصور وأنهار وكل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بَشَر من كل أنواع النعيم ، وهي جنات المأوي أي التي يتمّ الإيواء فيها أي يُرْجَعُ إليها ويُسْتَقَرُّ في نعيمها الخالد التامّ المُسْعِد بلا نهاية ، وحالهم فيها كحال مَن هو في نُزُلٍ ، أي في المكان الذي يَنزل فيه الضيف كالفندق حيث تمام التكريم والرعاية والعناية والضيافة والراحة والسرور .. " .. بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿19﴾ " أي كل ذلك بسبب ما كانوا يعملونه مِن كلّ خيرٍ مُسْعِدٍ لهم ولمَن حولهم في دنياهم وأخراهم .. فليجتهد إذن كل مَن أراد تحصيل هذا الثواب العظيم في إحسان اتّخاذ السبب المؤكَّد لذلك وهو التمسّك بكل أخلاق الإسلام
ومعني " وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿20﴾ " أي أمّا حال الذين فسقوا أي خرجوا عن طاعة الله ، سواء أكانوا كافرين أي يُكَذّبون بوجود الله أصلا أم مُشركين أي يعبدون غيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم منافقين أي يُظهرون الخير ويخفون الشرّ أم ظالمين أي يعتدون علي الآخرين ولا يعدلون بينهم أم فاسدين ينشرون الفساد والشرّ أم مَن يشبههم ، فهؤلاء قطعا مأواهم في أخراهم أي مَرْجعهم الذي يَأْوون إليه ويَسْتَقِرّون فيه بلا نهاية هو عذاب النار ، إضافة إلي ما كانوا فيه من بعض صور العذاب في دنياهم كقلقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة كلّ ألمٍ وكآبةٍ وتعاسة ، " .. كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿20﴾ " أي بمُجرّد محاولتهم الهروب من أماكن عذابهم وغمّهم وحزنهم وكآبتهم وألمهم وتعاستهم يُعَادون فيها ويُقالُ لهم من الله تعالي أو من ملائكته علي سبيل مزيدٍ من العذاب النفسيّ والإهانة والإذلال وقطع أيّ أملٍ لهم في الخروج منه : ذوقوا ألم وعذاب النار الذي كنتم في دنياكم تُكذبون به وتَستبعدون حُدوثه وتَسخرون منه وتَستكبرون عليه
أما معني " وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿21﴾ " أي يُقْسِم تعالي ويُؤَكِّد بنون التوكيد أنه لابُدَّ حتماً سيُذيقهم أي سيُشعرهم ألم العذاب الأدني أي الأقرب وهو عذاب الدنيا والذي هو حتماً دون العذاب الأكبر الذي ينتظرهم وهو عذاب الآخرة أي هو أقلّ منه قطعاً ولا يُقارَن به وغيره في شِدَّته ولكنه قَبْله وإضافة ٌله وإنذارٌ به ، ويشمل هذا العذاب الدنيويّ صورا مُتعدّدة ودرجات مختلفة علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ويَتَمَثّل في قَلَقٍ أو توتّر أو ضيق أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة يشمل كلّ ألمٍ وكآبة وتعاسة ، وهو رحمة منه تعالي بهم لكي يرجعوا إليه وإلي إسلامهم ليسعدوا في دنياهم وأخراهم أي يَستفيقوا ويستقيظوا ويُحسنوا استخدام عقولهم ويزيحوا الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. هذا ، ولفظ لعلّ يُفيد الاحتمالية مع الأمل في التحقّق ليكون ذلك دافعا وتشجيعا لكل البَشَر ليكونوا كذلك مُتَذكّرين مُتَبَصِّرين دائما لما يُصلحهم ويُكملهم ويُسعدهم في الداريْن مُنتفعين ممّا يُصيبهم في دنياهم بسبب أفعالهم السَّيِّئة فيكونوا مُصَوِّبين دوْما لأخطائهم
ومعني " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿22﴾ " أي لا أحدَ أشدّ ظلما لذاته ولغيره مِن الذي يُذَكِّره المُذَكِّر بآيات ربه أي الذي يُرَبِّيه ويرزقه ويرعاه ويرشده لكل خيرٍ وسعادة في دنياه وأخراه ، سواء أكانت هذه التذكرة بآيات القرآن الكريم أم بأيٍّ من مخلوقاته تعالي المُعْجِزَة في كلّ كوْنه أم بما هو موجود في الفطرة التي بداخل عقله والتي هي مسلمة أصلا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، ثم بَدَلاً أن يَتَلَقّاها بكل تشوّقٍ وحبّ ويعمل بها بكلّ هِمَّةٍ وحماسة لأنَّ فيها سعادته التامَّة في الداريْن وفيها تكريماً ورَفْعَاً لشأنه له من ربه ، إذا به يُعْرِض عنها أي يعطيها ظهره ويَلتفت ويَنصرف ويَبْتَعِد عنها ويتركها ويهملها بصورةٍ فيها تكذيبٍ وعِنادٍ واستكبار واستهزاء !! .. " .. إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿22﴾ " أي سيَنتقم المُنتقم الجبّار حتما مِن مِثْل هؤلاء المجرمين أي الذين يرتكبون الجرائم بكلّ أنواعها – ويشمل الانتقام أي العقاب بالقطع هؤلاء الظالمين المُعْرِضِين عن التذكرة – سواء أكانت كفرا أي تكذيبا بوجود الله أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجرٍ أو نجمٍ أو نحوه أم نفاقا أي إظهارا للخير وإخفاءً للشرّ أم اعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا ، والانتقام يكون بالعذاب الأدني في الدنيا قبل العذاب الأكبر في الآخرة ﴿برجاء مراجعة الآية السابقة ، للشرح والتفصيل﴾ .. فإيّاكم ثم إياكم أيها المسلمون أن تَتَشَبَّهوا بمثل هؤلاء وإلاّ أصابكم هذا الانتقام وتعستم مثلهم تمام التعاسة في دنياكم وأخراكم إنك
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿23﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿24﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿25﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا تَشَبَّهْتَ بالرسل الكرام في حُسن دعوتهم للآخرين وصبرهم علي أذاهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا تمسّكتَ بكلّ أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ .. " أي لقد أعطينا وأوحينا إلي موسي التوراة قبلك كما أوحينا إليك القرآن ، فلا تكن في مِرْيَةٍ أيْ شكٍّ والمقصود ألاّ تكونوا أيها المسلمون – وليس الرسول ﷺ بالقطع – في شكٍّ مِن لقائه ، أي من لقاء موسي وكلّ الرسل ورسولكم الكريم محمد ﷺ للتكذيب وللإيذاء مِمَّن حولهم ولقائهم أيضا للنصرٍ في نهاية الأمر ، وستُلاقون أنتم أيضاً مثل ذلك بصورةٍ مِن الصور وبدرجةٍ من الدرجات ، فاطْمَئِنّوا واسْتَبْشِروا وتَمَسَّكوا بإسلامكم واسْعَدوا به في دنياكم تمام السعادة وانتظروا مُسْتَبْشِرين ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد في أخراكم ، واصبروا علي أذيَ الذين تدعونهم واستمرّوا في دعوتهم بكلّ حكمةٍ وموعظة حسنة وانتظروا نصر ربكم وتمكينه لكم أي تكون لكم أعظم مَكَانَة في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه مناسبا مُسْعِدَاً لكم ولمَن حولكم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة .. ثم الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سينصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابد حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم .. ثم الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل عن أنَّ النصر من عند الله تعالي وحده﴾ .. كذلك من معاني الآية الكريمة أنه لا يَشكّ أيّ أحدٍ في أنّ القرآن الكريم والتوراة وكلّ الكتب التي ُأنزِلَت للناس منذ آدم هي كلها في لقاءٍ فيما بينها أي مُلتقية ومُشتركة علي أنَّ الله تعالي وحده هو المُسْتَحِقّ للعبادة وأنَّ نظام الإسلام وحده هو الذي يُصلح البشرية ويُكملها ويُسعدها في دنياها وأخراها .. " .. وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿23﴾ " أي جعلنا موسي والكتاب الذي ُأوحِيَ إليه وهو التوارة إرشادا ودليلا لبني إسرائيل – ولكلّ الذين يُسلمون مثلهم – لكلّ خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم
ومعني " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿24﴾ " أي أيضا وبسبب أنهم كانوا مُوقِنين أي مُصَدِّقين بلا أيّ شكّ بآياتنا في التوراة وبمعجزاتنا في كل مخلوقاتنا في كوْننا وبالمعجزات التي أتاهم بها موسي كانقلاب العصي ثعبانا حقيقيا عند إلقائها ، وكذلك بسبب أنهم كانوا صابرين علي التمسّك بكل أخلاق إسلامهم أيْ كانوا ثابتين مستمرّين عليها في كل شئون حياتهم ، وكانوا صابرين علي إيذاء قومهم لهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ ، فبسبب كل ذلك أصبح منهم أئمة أي قادة ورؤساء يَهدون أي يرشدون الناس حولهم لكل خيرٍ وسعادة في دنياهم وأخراهم ، وكان ذلك بأمرنا أي بتوفيقنا وتيسيرنا وبعلمنا الذي عَلّمه لهم موسي وبتوصيتنا لهم بفِعْل هذا كواجبٍ عليهم ليَسعد الجميع في الداريْن ، فنالوا بكل هذا المَكانَة العالية وسعدوا هم ومَن حولهم في دنياهم وسينالوا في أخراهم حتما أعظم الثواب .. وكذلك بالقطع سيكون حال كلّ مسلمٍ يَتَشَبَّه بهم
ومعني " إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿25﴾ " أي وحده ربّ جميع الناس أيْ خالقهم ومُرَبِّيهم وراعيهم ورازقهم ومُرشدهم لكل خيرٍ وسعادة والعالِم بكلّ أقوالهم وأفعالهم الظاهرة والخَفِيَّة والعادِل الذي لا يظلم مُطلقا هو الذي سيَفصل أي سيَحكم بينهم جميعا في يوم القيامة يوم الحساب وليس أيّ أحدٍ آخر في كلّ أنواع المُنازعات والاختلافات التي اختلفوا فيها أثناء حياتهم فيُبَيِّن لهم أين الحقّ من الباطل والصواب من الخطأ ومَن كان علي الخير وتمسَّكَ به ومَن كان علي الشرّ وعمل به ولم يستجب للخير ، ويُعطِي كلاّ ما يستَحِقّه من الجنة أو النار بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. فأحسِنوا الاستعداد لذلك بالتمسّك بكلّ أخلاق إسلامكم
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴿26﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كلّ قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يأخذون الدروس من التاريخ السابق وينتفعون بما فيه ، فما فيه من خيرٍ فعلتَ مثله بما يُناسبك وازددتَ منه وطوَّرته وسَعِدَتَ به ، وما فيه من شرٍّ تجنّبته تماما فلا تَتْعَس به مثل تعاسة السابقين ، فالتاريخ يحمل عِبَراً ودروسا وعظات وخبرات هائلة يمكنك تحصيلها والاستفادة منها في أوقات قليلة .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ .. " أي ألم يُبَيِّن لهؤلاء المُكذبين المُعاندين المُستكبرين المُستهزئين المُرَاوِغِين ويَدُلّهم علي أن يَسلكوا طريق الإسلام ويَتركوا ما يُخالِفه ، ما أحَلَّ بكلّ الأمم الكثيرة السابقة عليهم والتي أهلكناها بسبب تمام إصرارها علي عِنادها واستكبارها واستهزائها ؟! ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ .. والعجيب من أمرهم أنهم " .. يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ .. " أي هم يسيرون في بقايا وآثار مُدُنِهم وقُرَاهم بعد خرابها وهلاكها وليس الأمر بعيدا عنهم ومع هذا لا يُحَرِّكون عقولهم ويَتَّعِظون ؟! لقد عَطّلوا هذه العقول بسبب الأغشية التي وضعوها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ .. " أي إنَّ في ذلك الذي يرونه أمامهم ويَسمعون عنه ويُذْكَر لهم من تاريخهم السَّيِّء وهلاكهم لا شكّ وبكلّ تأكيدٍ آيات أي دلالات وعِبَر وعظات ودروس لكلّ صاحبِ عقلٍ مُنْصِفٍ عادل .. " .. أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴿26﴾ " أي ألَا يستمعون سماع تَعَقّل وتَعَمُّق وتَدَبُّر فينتفعون بما يسمعونه عنهم وبما يرونه من آثارهم المُدَمَّرَة فيؤمنون بربهم ويتمسّكون بإسلامهم لكي يسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ؟! وفي هذا ذمّ ولوْم شديد لهم ولأمثالهم وتحذير مِن التَّشَبُّه بهم لتَجَنُّب تعاساتهم في الداريْن
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴿27﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَدبِّرين في كل خَلْق الله تعالي وأحسنتَ استخدام عقلك في تأمُّل آياته ومعجزاته في كوْنه ، فهذا سيزيدك حتما يقينا أي تأكّدا بلا أيّ شك بوجود خالقك وحبا له وُقرْبا منه وطَلَبَاً لرعايته ورضاه وأمنه وحبه وتوفيقه وسداده وقوّته ورزقه ونصره وسعادته في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿164﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿190﴾ ، ﴿191﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة آل عمران ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دوْما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يُمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، فستجدها بذلك دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتنوُّع ٍكما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .. " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنت مع هذا التدبُّر وهذا الشكر عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافيَء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني العبادة﴾ .. وإذا كنت مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ .. " أي هل لم يُشاهدوا ويَتَدَبَّروا ويَعْقِلوا ويَعلموا أننا نُسَيِّر ونُحَرِّك ونَدْفَع ماء المطر المُعتدل المفيد ليسقط علي الأرض اليابسة التي لا نبات ولا شيء فيها فنُخْرِج بهذا الماء كل أنواع الزروع التي تُناسب أكل الأنعام أي الحيوانات وتناسب أكل البَشَر ؟! .. " .. أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴿27﴾ " أي هل عَمِيَت أبصار هؤلاء المُكذبون المُعاندون المُستكبرون المُستهزئون المُرَاوِغون ؟! إنَّ أيّ عقلٍ مُنْصِفٍ عادلٍ يَرَيَ ويَتَدَبَّر مثل هذه القُدْرات المُعْجِزات لابُدَّ أن يُدْرِكَ أنَّ لها خالقا قادرا علي كل شيءٍ بما في ذلك إحياء الموتي ليوم البعث والحساب كما أحيا هذه الأراضي بعد أن كانت مَيِّتَة !! ويُدرك حَتْمَاً أنه هو وحده المُسْتَحِقّ للعبادة وللشكر وللتوكّل عليه
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿28﴾ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿29﴾ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ﴿30﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دائما مُنْتَظِرا للنصر مُستبشرا به في كل شئون حياتك بتيسير وتوفيق الله تعالي لك ﴿برجاء مراجعة أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابد حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ، وذلك في الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران .. ثم مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل عن أنَّ النصر من عند الله تعالي وحده﴾
هذا ، ومعني " وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿28﴾ " أي يقول المُكذبون والمُعاندون والمُستكبرون والمُستهزئون للمسلمين علي سبيل التكذيب والاسْتِبْعَاد والعِناد والاستكبار والاستهزاء متي هذا الفتح ؟! والفتح هو الحُكْم الذي يَحكم به الله تعالي بين المؤمنين بأنْ يَنصرهم والكافرين بأنْ يَهزمهم ويُعَذّبهم في الدنيا والآخرة ، أي يقولون أين هو هذا النصر لكم أيها المسلمون وأين هو هذا العذاب لنا ؟! ثم أين هو يوم القيامة والحساب والثواب والعقاب هذا الذي تَدَّعُونه ؟! إنكم حتما كاذبون !! ولو كنتم صادقين لتَحَقّق ذلك !!
ومعني " قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿29﴾ " أي اذكروا لهم بأنه حين يأتي يوم النصر ويوم عذابهم الذي يُهلكهم ويَستأصلهم تماما من حياتهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿11﴾ من سورة يونس ، للشرح والتفصيل عن متي يكون العذاب بالإهلاك والاستئصال التامّ من الحياة﴾ فإنه حينها لن ينفعهم إيمانهم – لو آمنوا ! – لأنه سيكون إيمانا اضطراريّا تحت تأثير لَفْظ الأنفاس الأخيرة والذي يدلّ علي تمام إصرارهم علي تكذيبهم حتي آخر نَفَس ، ثم في الآخرة بالقطع لن ينفع أيّ إيمانٍ من هذا النوع لأنه قد انتهي وقت العمل والتوبة في الدنيا وجاء وقت الحساب والعذاب .. " .. وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿29﴾ " أي حين يَحلّ وقت العذاب الدنيويّ ثم الأخرويّ لا يُمْهَلون أي لا يُتْرَكون ولو للحظة .. وفي هذا تهديد شديد لهم ولمَن يشبههم لكي يَستفيقوا ويَعودوا لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن قبل فوات الأوَانِ ونزول العذاب
ومعني " فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ﴿30﴾ " أي اتركوهم أيها المسلمون وابتعدوا عنهم لفترة فلعلّ تَرْكهم هذا قد يَدْفعهم لمراجعة ذواتهم ، ولا تلتفتوا لهم ولا تتأثروا بتصرّفاتهم واستمرّوا في تمسّككم بإسلامكم وفي دعوتكم غيرهم لله وللإسلام بكل حكمةٍ وموعظة حسنة ، مع الاستمرار في دعوتهم هم أيضا لكن بين الحين والحين وبما يُناسب إعراضهم .. واستبشروا وانتظروا نصر ربكم وتعذيب وإهلاك أعدائكم المُكذبين المُعاندين المُؤْذِين لكم ، واتركوهم مُنْتَظِرين لحُدوث ما يَسُوؤكم فهم مُنْخَدِعين سُفهاء لأنهم ينتظرون واقعيّا انهزامهم وعذابهم وإهلاكهم وهم لا يشعرون وليس هزيمتكم أنتم !! والعذاب والانهزام لهم لابُدّ آتٍ بكلّ تأكيد ! وكل ما هو آتٍ فهو قريب حتي لو تَوَهَّم البعض أنه بعيد ! لأنه وعْد الله تعالي الذي لا يُخْلِف وعْده مُطلقا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة .. ثم مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابد حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم .. ثم مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل عن أنَّ النصر من عند الله تعالي وحده﴾
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿1﴾ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿2﴾ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ﴿3﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ دائما من المُتّقين لله في كل قولٍ وعملٍ لأنه يعلم كلّ ما يُخفيه الإنسان وما يُعلنه ، أي كنت دائما من المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حبّ ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيءٍ المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله مِن كلّ سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهُدي كله ، والتذكرة كلها ، والمَوَاعِظ كلها ، والصدق كله ، والحقّ كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحِكمة كلها ، والمَكانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ .. " أي كُن مُوَاظِبا علي تقوي الله ، أي كونوا كلكم أيها المسلمين دائما – اقتداءً بنبيّكم ﷺ – مِن المُتّقين لله في كل قولٍ وعملٍ لأنه يعلم كل ما يُخفيه الإنسان وما يُعلنه ، أي كونوا دائما مِن المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. " .. وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .. " أيْ تَعَامَلوا معهم بأخلاق الإسلام لكنْ إيّاكم أبداً أن تُطيعوهم فيما يُخالِفها وإلا تَعِسْتم مثل تعاساتهم في دنياكم وأخراكم .. والكافرون هم الذين لا يُصَدِّقون بوجود الله أصلا ومَن يُشبههم مِن المُلْحِدين وأمثالهم .. وكذلك لا تُطيعوا المُشركين أي الذين يعبدون غير الله تعالي كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو نحوها .. والمنافقون هم الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ .. " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿1﴾ " أي هو سبحانه عليم دائما بكلّ شيءٍ تمام العلم بعلمٍ ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه فهو يعلم كلّ ما يُصلح البَشَرَ ويُكملهم ويُسعدهم ويعلم كل ما يقولونه ويفعلونه في السرّ والعَلَن ولا يَخْفَيَ عليه أي خافِيَة مِن أيٍّ مِن مخلوقاته وسيُحاسبهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلمٍ علي الخير خيرا وعلي الشرّ شرا .. وهو الحكيم دائما في كلّ تدبيره وتصرّفه حيث يَضع كلّ أمرٍ في موضعه بتمام الدِّقّة دون أيّ عَبَثٍ بما يُحَقّق مصلحة خَلْقه وسعاداتهم .. ولهذا أوصاكم وأرشدكم لعدم طاعة مثل هؤلاء المُكذبين المُعاندين المُستكبرين
ومعني " وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ .. " أيْ سيروا خَلْف القرآن وتمسّكوا بكلّ ما فيه من أخلاق الإسلام في كلّ شئون ولحظات حياتكم لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، فهو مِن ربكم أيْ مُرَبِّيكم وخالقكم ورازقكم ومُرشدكم لكلّ خيرٍ وسعادة حيث هو العالِم تمام العلم بكم وبما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم .. " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿2﴾ " أي هو سبحانه دوما خبير أي عليم بتمام الخِبْرة وبكلّ دِقّة بما يعمله ويقوله البَشَر سواء في سِرِّهم أو علانيتهم وسيُحاسبهم عليه بالخير خيرا وسعادة وبالشرّ شرَّاً وتعاسة بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .. " أي كونوا دائما من المُتَوَكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كلّ أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ﴿3﴾ " أي اسْتَغنوا به تماما عن أيّ وكيلٍ آخر ، أيْ عن أيّ حافظٍ أو كفيلٍ أو مُعينٍ أو غيره ، فهو حتماً وبكلّ تأكيدٍ سيَكفيكم ، وهل يُعْقَل أن يكون هناك أيّ مخلوقٍ غير الخالِق الكريم الرحيم الرَّزّاق الوَهَّاب القادر علي كلّ شيءٍ والعالِم به أفضل منه وكيلا ؟!! إنه بالقطع سيُعينكم وسيَكفيكم وسيُغنيكم بكلّ ما تحتاجونه مِمَّا يراه لكم مُفيدا مُسْعِدَاً لا مُضِرَّاً مُتْعِسَاً ، إمَّا مباشرة بتيسير الأسباب لكم أو بصورةٍ غير مباشرة بتيسير مَن يُعينكم مِن خَلْقه في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُسعدا لكم ولغيركم
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴿4﴾ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿5﴾ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿6﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يتكافيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكلّ أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يُحسنون معامَلة أزواجهم ويحرصون علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم ، فإنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن ُأسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ .. " أيْ كما أنّه لا يُمكن أن يجتمع لأيّ إنسان قلبان ، حيث لم يَخلق الله تعالي أبدا بَشَرا هكذا ، كذلك لا يمكن مطلقا أن يجتمع الإيمان مع الكفر ! ولا أن يجتمع العمل بكل أخلاق الإسلام مع العمل بأنظمةٍ أخري مخالِفة له ! فكما أنّ للإنسان قلباً واحداً ، فهو أيضا له ربّ واحد وخالق واحد ودين واحد ، ولو كان له قلبان لفَسَدَ واخْتَلَّ وتَخَبَّطَ ومَرِضَ ومات ! وكذلك حاله تماما لو جعل مع الله إلاها آخر شريكا له يعبده كصنمٍ أو حجر أو نجم أو غيره ، أو اتَّبَعَ نظاما مُخالِفا للإسلام ، فإنه حتما سيَفسد ويَخْتَلّ ويَتَخَبَّط ويَمرض في حياته ويحياها كالأموات لأنه سيَفقد في دنياه سعادة الإيمان بربه والتواصُل معه والاستعانة به والعمل بإسلامه ثم في أخراه ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد ، وسيَتعس تمام التعاسة فيهما .. إنَّ من معاني الآية الكريمة أيضا أنه كلما تَمَسَّكَ المسلم بخُلُقٍ ما من أخلاق الإسلام كلما أعانَ هذا الخُلُق علي إزاحة خلقاً سيئا منه كان يفعله ، لأنَّ الآية تُفيد أنّه لا يُمكن لمادّتين أن تجتمعا في مكانٍ واحدٍ كما تُثبت ذلك قوانين الفيزياء بحيث لو دَخل مثلا ماءٌ في قارورة خرجَ منها الهواء حتما .. " .. وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ .. " أي كما أنّه مِن المستحيل أن يكون لأيِّ أحدٍ قلبان فكذلك مِن المستحيل أيضا أن تكون زوجاتكم مثل أمهاتكم !! أي مُحَرَّمات عليكم مثل الأمهات ! وذلك لأنَّ بعض الرجال من سوء معاملته لزوجته وظلمه لها أحيانا يُظاهِرها ، أي يقول لها أنت مُحَرَّمة عليَّ إلي الأبد كظهرِ أمّي أيْ كجسد أمي أيْ لا يُجامعها ، فتصبح كأنها مُطَلَّقة لكنه لا يُطلقها لتتزوج غيره ، وهذا الظِهَار ، أي هذا القول ، قد عالَجَه الإسلام بالتراجُع عنه والتوبة العملية منه بالاستغفار وبتحرير عبْدٍ إن كان هناك عبيد فإن لم يوجد فبصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع يُطعم ستين مسكينا ، وهي عقوبة شديدة لكي لا يعود لمثل هذا الظلم ، وذلك حفاظا من الإسلام علي تماسُك الأسرة التي هي من أسس سعادة المجتمع .. " .. وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ .. " أي وكذلك الحال بالنسبة للأبناء ، فكما أنَّ زوجة أحدكم لا يمكن أبدا أن تكونَ ُأمَّا له ، فكذلك الدَّعِيّ ﴿والجمع أدْعِياء﴾ أي الذي يُدْعَيَ ابنا لكم تَتَبَنّونه لا يمكن مُطلقا أن يكون ابنا حقيقيا لأنَّ له أبا آخر ! وهذا أيضا حفاظا من الإسلام علي تماسُك الأسر وعدم الإخلال بقواعدها وضوابطها وإلا اختلّ المجتمع كله وفسَدَ وتَعِسَ في الداريْن .. فهل يُعْقَل أو يُقْبَل مثلا أن يتبنّيَ رجلا ابنا ما هو ابن رجلٍ آخر ويَدَّعِي كذبا وزُورا أنه ابنه هو ويُسَمِّيه علي اسمه ويُوَرِّثه من ميراثه وهو يرثه إذا مات وذلك لمجرّد أنه أعجبه ويريد أن يفتخر ويَتقوَّي به أو بماله أو ما شابه هذا ، فأين العدل والمنطق إذن ؟! ألَاَ يؤدّي هذا غالبا أو دائما إلي الأحقاد والصراعات بين الناس ؟! وكيف مثلا سيَتعامَل هذا الذي تَبَنّاه مع زوجته وابنته إذا كان كبيرا أو عندما يكبر ؟! إنه لابُدّ وسيحدث في الأسرة خَلَلٌ ما مُضِرٌّ مُتْعِس ! ولذلك يُحَرِّم الإسلام التّبَنِّي .. وحتي إن كان المقصود خيرا ، كما يحدث مثلا أثناء الحروب والتهجير الجماعيّ وفقدان الآباء أو عند انتشار فاحشة الزنا وما ينتج عنها من أطفالٍ بغير آباء أو نحو هذا ، فإن أضرار التّبَنِّي – والتي سَبَقَ ذِكْر بعضها – أيضا حتي في مثل هذه الحالات علي تماسُك الأسرة وسعادتها أكثر كثيرا من منافعه ، والإسلام يعالج هذه المشكلة في تلك الظروف من خلال مؤسسات الدولة والمؤسسات الخيرية التكافلية التي يجب عليها أن تَتبنّي رعايتهم وكفالتهم نفسيا واجتماعيا وتربويا وأخلاقيا وجسديا وعلميا وغيره لينشأوا نشأة طبيعية كغيرهم فيَسعد الجميع في الداريْن ولا يتعسون بمثل هذه المشكلات .. " .. ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴿4﴾ " أي هذا الذي تَدَّعُونه وتقولونه من الظِهار والتّبَنّي ما هو إلا قول بالأفواه فقط ، أي لا يُغَيِّر شيئا علي أرض الواقع ، فلن تكون أبدا الزوجات مثل الأمهات ، ولن يكون أبدا مَن ليس ابنكم ابنا لكم !! ولكنَّ القول الحقّ ، أي الصدق الثابت الذي لا يتغيَّر المُطابِق للواقع النافع المُسْعِد في الدنيا والآخرة ، هو بالقطع قول الله تعالي الذي ذَكَرَه لكم ، فهو سبحانه يُرشد دوْما في كل شيءٍ من شئون حياتكم وليس في هذين الأمرين فقط إلي السبيل ، أي إلي الطريق المستقيم ، أي إلي طريق الله والإسلام ، طريق تمام الخير والسعادة في الداريْن .. فاتركوا إذن أقوالكم هذه وخذوا دائما بقول ربكم في كل شئونكم
ومعني " ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿5﴾ " أي انْسِبُوهم لآبائهم الحقيقيّين ونَادُوهم بذلك فهذا هو أقسط عند الله أي أعدل وأصدق وأصْوَب في شرع الله الإسلام مِن قولكم أنهم أبناؤكم وهم ليسوا كذلك .. وهذا إذا كنتم تعلمون آبائهم ، لكن أحيانا لا يُعْلَم لهم آباء فحينها تتعامَلون معهم ويتعامَل المجمتع كله بوصية الإسلام لكم بما يُسعدكم جميعا في دنياكم وأخراكم وهي أن يكونوا إخوانكم في الإسلام لهم كل حقوق الُأخُوَّة في الله مِن حُسن المُعامَلة والسؤال والرعاية والتعاون وما شابه هذا ، وتُنادوهم بقول : أخي في الإسلام أو نحوه ، ويكونوا أيضا مواليكم أي مِمَّن يُوالِي بعضكم بعضا أي يتعاون ويتحَالَف ويتعامَل معه ويَخدمه ويُدير شئونه ويُعينه ونحو ذلك مِمَّا يُفيد ويُسعد الجميع في كل شئون حياتهم المختلفة .. " .. وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ .. " أيْ ليس عليكم إثم أيْ عقاب في خطأٍ لم تَتَعَمَّدوه أي تقصدوه ما دمتم قد اجتهدتم وبذلتم ما أمكنكم في تَحَرِّي فِعْل الخير وقَصَدتموه ولكن ظَهَرَ لكم أنه لم يكن خيرا ، وإنما العقاب فيما لو فعلتم الشرّ مُتَعَمِّدين فِعْله ولم تتوبوا بعده .. " .. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿5﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال وهو الذي خلقكم وأرشدكم لكل خير وسعادة ، كان من فضله وإحسانه دائما غفورا لكم أيها الناس جميعا أي كثير المغفرة أي التغطية لذنوبكم وسترها عليكم والعفو عنكم ومُسامَحتكم فلا يُعاقبكم إذا تُبتم إليه واستغفرتموه وهو سبحانه رحيم دوْما بكم في كل أحوالكم أي كثير الرحمة أي الرفق والشَّفَقة والرأفة واللّيِن
أما معني " النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿6﴾ " أيْ اتِّباع النبي ﷺ أوْلَيَ مِن اتِّباع النفس ، أيْ تشريعُ النبيّ ﷺ ، والذي هو تشريع الله تعالي وبوَحْي ٍمنه ، والذي هو الإسلام ، والذي سيُسْعِد كلّ مَن يعمل به كله تمام السعادة في دنياه وأخراه ، هو أَوْلَيَ أيْ أحَقّ بالمؤمنين وله الأوْلَوِيَّة عندهم أن يَتَّبعوه ويُقَدِّموه علي أيّ تشريع آخر مُخالِف له لأنه سيَضُرّهم ويُتعسهم حتما في الداريْن ، أي يُقَدِّموه علي أنفسهم ، أي يجعلوه دائما مُتَقَدِّما عليهم وأمامهم يَقتدون به ، بمعني لو أرادوا قولَ أيّ قولٍ أو فِعْل أيّ فِعْلٍ أو اختيار أيّ اختيارٍ في حياتهم كان حقا وواجبا عليهم قبل قوله أو فعله أو اختياره أن يَقيسوا مَدَيَ صِحّته وصوابه وخيريته علي أخلاق الرسول ﷺ ، علي أخلاق الإسلام ، لأنه أرحم بهم من أنفسهم وما يَنصحهم إلا بتمام وبكل ما يُصلحهم ويُكملهم ويُسعدهم في دنياهم وأخراهم ، وهو ﷺ والإسلام الذي أوْصَيَ به سبب كلّ خيرٍ وسرورٍ لهذه النفوس فيهما ، بينما أنفسهم أي عقولهم والتي هي أقرب وأحبّ شيءٍ للإنسان ، قد تأمرهم أحيانا أو كثيرا بأشياء وتختارها لهم فيها ضررهم وتعاستهم فيهما إذا لم يقيسوا كل أقوالهم أو أفعالهم أو اختياراتهم علي أخلاق الرسول ﷺ .. ولذا فالخلاصة أنه ﷺ أوْلَيَ بالاتِّباع مِن اتِّباع أنفسهم .. وبالتالي فحبّ الله تعالي والرسول ﷺ وتقديس أي تعظيم كلّ ما جاء به من أقوالٍ وأفعال مُقَدَّم علي أيّ حبٍّ وأقوالٍ ونُظُمٍ أخري ومنه يَتفرّع أيّ حبٍّ آخر للنفس وللناس ويجب أن يكون في إطاره ولا يُخالِفه .. وكذلك بَذْل النفس من أجل الله والرسول ﷺ والإسلام عند الاحتياج لبذلها للدفاع عنهم أوْلَيَ وأحقّ وأجْدَر مِن حفظها لأنه بدونهم لا قيمة لوجود أيّ نَفْسٍ أصلا ! لأنها ستكون مِن شِدَّة تعاستها بفقدانهم كأنها مَيِّتَة !! .. هذا ومن معاني الآية الكريمة أيضا أنَّ المسئول المسلم عن أيّ مسئولية هو أوْلَيَ مِن غيره وعليه واجب يُسْأَل عنه مِن ربه يوم القيامة ومِمَّن هو أعلي منه في المسئولية في الدنيا عن رعاية وحبّ ونُصْح وعوْن مَن هو مسئول عنهم كما كان يفعل الرسول ﷺ وصحابته الكرام مِن بعده .. وبهذا كله يَسعد الجميع في الداريْن .. " .. وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ .. " أيْ وحُرْمَة أزواجه ﷺ كحرمة أمهاتهم ، فلا يتزوجهنّ أحدٌ مِن المؤمنين بعد وفاة الرسول ﷺ ، فهُنَّ مثل أمهاتهم ، وهُنَّ كالأمهات في الاحترام والإكرام والتوقير والتعظيم كلما جاء ذِكْرهنّ ، وذلك تكريما وتعظيما للرسول ﷺ ، وتكريما لهنَّ أيضا حتي لا يتزوجنَ بمَن هو أدني قطعا من الرسول ﷺ .. " وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ .. " أي الأقارب ذووا الأرحام ، وهم المذكورون في كتاب الله أيْ في القرآن في آيات المواريث ، أوْلَيَ أيْ أحَقّ ولهم الأوْلَوِيَّة بأن يَرِث بعضهم بعضا كما وَضَّحَ سبحانه نصيب كلٍّ منهم ، وهم أوْلَيَ مِن أن يَرِث منهم مؤمنون ليسوا بأقاربهم أو مؤمنون مهاجرون منتقلون من مكان لآخر أو غيرهم مِن عموم المسلمين بل ومن عموم الناس ، فهؤلاء غير الأقارب لا يرثون بالطبع وإلا لم يَكْفِ الإرث ووقعت المشاحنات والمنازعات بسبب أن يرث مَن لا يستحقّ الميراث ، ولكن لهم أبواب خيرٍ أخري ، لهم فِعْل كلّ معروف ، كل خيرٍ مُمكن مُتنوّع كما يُوصِي الإسلام عموما بذلك مع الجميع ، وهذا هو معني " .. إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا .. " أي الأولياء وهم كلّ مَن لكم بهم علاقات طيبة كالأقارب الذين لا يرثون وكالأنساب وكالذين يحضرون توزيع الترْكة وكالمحتاجين من عموم المؤمنين والمهاجرين من ديارهم وحتي من غير المسلمين ما دام محتاجا ، كل هؤلاء الأولياء لهم فِعْل المعروف لكن ليس لهم من الميراث ، أي لهم كل عوْن وإحسان وإكرام وتواصُل وغيره ، وهذا هو عدل الله تعالي وعدل الإسلام الذي يُسْعِد الجميع .. " .. كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿6﴾ " أي هذا هو المُسَجَّل في عِلْم الله سبحانه والذي أنزله إليكم في القرآن العظيم والذي لا يُمكن لأيّ أحدٍ تغييره ، وهو المُصْلِح المُكمل المُسْعِد لمَن يعمل به كله تمام الإصلاح والإكمال والإسعاد في الدنيا والآخرة
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿7﴾ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿8﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا تمسّكتَ بكلّ أخلاق إسلامك أشدّ التمسّك وظَللتَ علي ذلك وَفِيَّاً دون أيّ تراجُعٍ عن أيٍّ منها ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، فإن فعلتَ هذا فقد تمسّكتَ بأعظم ميثاقٍ أيْ عهدٍ وعقدٍ في الحياة ، إنه الميثاق الذي عاهَدَ عليه الله تعالي كلّ نبِيٍّ منذ آدم عليه السلام حتي رسولنا الكريم محمد ﷺ .. إنه تعالي بسبب ما أعطاهم من عظيمِ نِعْمةٍ وهي نعمة الكتاب والحكمة ونظام الإسلام الشامل الذي يُنَظّم كل شئون الحياة ليسعدها ، أخذَ منهم الميثاق أي العهد أن يتمسّك كلّ نبيّ بهذه النعمة هو والذين أسلموا معه في زمنه ثم يُسَلّمون هذه الأمانة العظيمة لمَن بعدهم ، ثم لمَن بعدهم ، وكلّ جيلٍ يُحافظ عليها بكلّ ما يستطيع ويُسَلّمها للذي بعده ، وهكذا ، ليَسعد جميع الناس تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. وستسعد كذلك إذا تَشَبَّهْتَ بالرسل الكرام في حُسن دعوتهم للآخرين وصبرهم علي أذاهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿7﴾ " أيْ واذْكُر لهم وذَكِّرْهم أيضا أيها الرسول ﷺ ويا كلّ مسلم ويا كلّ قاريءٍ للقرآن حين أخذنا مِن كلّ النَّبيِّين عندما بعثناهم للناس ، ومنك أيضا يا محمد ، ميثاقهم أي عهدهم ووَعْدهم معنا – وهو ميثاق غليظ أي عظيم الشأن هامّ بالغ الخطورة شديد قويّ مَتين مُؤَكَّد لازِم الاحترام والتنفيذ – أن يتمسّكوا بشِدّة وبكلّ قوّة بهذه الأمانة التي معهم ، أمانة دين الإسلام ، وأنْ يُدافعوا عنها بكلّ ما استطاعوا ضدّ أيّ معتدي ، وأنْ يُوَصِّلوها تامّة لمَن حوْلهم بحُسن دعوتهم لها بكلّ حكمةٍ وموعظة حَسَنة ، وأن يُوصُوهم بالقيام بتسليمها كاملة لمَن بعدهم وأخْذ العهد منهم هم أيضا بتمام التمسّك بها والمحافظة عليها والدفاع عنها ضدّ مَن يَعتدي عليها ، ثم يُسَلّمونها بتمامها للجيل الذي بَعدهم وبعدهم ، وهكذا حتي قيام الساعة ، لتظلّ هذه الأمانة باقية إلي انتهاء الحياة حتي يَسعد الناس وكلّ الخَلْق بها تمام السعادة فيها ثم في الآخرة ، لأنه بغيابها أو ضياعها أو تشويهها أو تغييرها أو تحريفها أو تركها بعضها أو كلها يَتعسون تمام التعاسة فيهما
ومعني " لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ .. " أي سيَسأل سبحانه يوم القيامة الصادقين وهم الرسل الكرام وكلّ المسلمين معهم عن صدقهم أي كلامهم الصادق الذي قالوه ودعوا إليه مَن حولهم بكلّ حكمةٍ وموعظة حسنة ، والذي هو الإسلام المُوحَيَ إليهم من ربهم ، وسيَسألهم كذلك عن صدقهم وإخلاصهم في تمسّكهم بإسلامهم ، وفي ذلك تكريم لهم باسترجاع أحوالهم الطيِّبة في دنياهم وجهودهم التي بذلوها أثناءها ، وهو تبشير منه سبحانه بعظيم الثواب الذي يَنتظرهم ، كما أنه سيَسألهم عن الذين استجابوا لهم فسعدوا مثلهم في دنياهم قبل أخراهم وعن الذين لم يستجيبوا وكذّبوا وعانَدوا واسْتكْبَروا وسَخِرُوا ، وفي هذا نوع مِن التبشير والطّمْأَنَة للمُستجيبين بكلّ خيرٍ وسعادةٍ تنتظرهم ، وفي ذات الوقت نوع مِن العذاب النفسيّ للمُكذبين قبل العذاب الجسديّ الهائل الخالِد الذي ينتظرهم في نار جهنم ، وهذا هو معني " .. وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿8﴾ " أي جَهَّزَ لهم عذابا مُوجِعَاً علي قَدْر شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿9﴾ إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿10﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿11﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12﴾ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿13﴾ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿14﴾ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ﴿15﴾ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿16﴾ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿17﴾ ۞ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿18﴾ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿19﴾ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿20﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقنا أي متأكّدا بلا أيّ شكّ أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابد حتما سينهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر من عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مِن الصابرين أي الثابتين الصامدين المُستمِرِّين بكل هِمَّة علي تمسّكهم بربهم وإسلامهم فيفعلون كل خيرٍ ويتركون كل شرّ وإن أصابتهم فتنة ما أي اختبارٌ أو ضررٌ ما صبروا عليه واستعانوا بربهم ولجأوا إليه ليخرجوا منه مستفيدين استفادات كثيرة في دنياهم وأخراهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. وإذا لم تكن من المنافقين وهم الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دائما من الشاكرين لربك علي نِعَمه والتي لا يُمكن حصرها ، بعقلك باستشعار قيمتها وبلسانك بحمده وبعملك بأن تستخدمها في كل خيرٍ دون أيّ شرّ ، وبذلك ستجدها دائما باقية بل وفي ازديادٍ وتَنَوُّع كما وعد سبحانه ووعده الصدق : " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " ﴿إبراهيم : 7﴾ .. وإذا كنتَ قويا شجاعا مِقْدامَاً مُستعدا دائما للتضحية ببذل دمك وروحك وكل ما تملك من أجل الحفاظ علي أخلاق إسلامك ونشره والدفاع عنه حتي بالقتال ، لكن فقط ضدّ مَن يعتدي بالقتال ودون أن يبدأ المسلمون به ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿190﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة البقرة لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن القتال في الإسلام ومتي يكون وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ كريما لا بخيلا أي كنتَ مُنْفِقَاً لا مُمْسِكَاً ، بتَوَسُّطٍ واعتدال ، علي ذاتك ومَن حولك وعموم الناس بل وعموم الخَلْق ، مِن كل أنواع الخير سواء أكان مالا أم جهدا أم صحة أم وقتا أم فكرا أم غيره ممّا أنعم خالقك به عليك من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما تستطيع استصحابه من نوايا خيرٍ في عقلك بما يُسعد كل لحظات حياتك أنت ومَن حولك وبما يجعل لك أعظم الأجر في آخرتك
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا .. " أي يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبقرآنه وبرسله وتمسّكوا بإسلامهم تَذَكَّروا نِعَم الله عليكم والتي لا تُحْصَيَ ، واشكروها دائما بعقولكم باستشعارها وبألسنتكم بحمده وبأعمالكم باستخدامها في كل خيرٍ دون أيّ شرٍّ ، ومنها نعمته سبحانه حين حضرت لكم جنودٌ اجتمعوا كلهم ضدّكم ، فنصَرَكم عليهم بأهْوَن الأسباب ، بأن أرسل مجرّد ريح شديد البرد والتحرّك فأزاحهم به عنكم ، وبَعَثَ جنودا مِن الملائكة وغيرها ممّا لا ترونها ولا تعلمونها فألقوا فيهم الرعب وبينهم الخلاف والنزاع والفُرْقة فضعفوا ففرّوا هاربين .. " .. وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿9﴾ " أي هو سبحانه دوْما يُبصر أي يَرَيَ كلّ أعمال خلْقه ويعلمها تمام العلم وقد رأي وعَلِمَ جهودكم التي بذلتموها واستغاثتكم به ودعاءكم له فنصركم لذلك هذا النصر العظيم .. وسيَنصر وسيُسعد حتما كل مَن يَفعل مثلكم في دنياه وأخراه
ومعني " إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ .. " أي اذكروا حين حضروا إليكم وحاصَروكم من كل مكان ، من الأماكن المرتفعة والمنخفضة .. " .. وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ .. " أي واذكروا أيضا صعوبة الموقف حين زاغت الأبصار أي مَالَت وانحرَفَت ولم تستطع الرؤية المعتادة من شدّة الاضطراب وحين تحرَّكت القلوب حركة شديدة سريعة كأنها وَصَلَت إلي الحنجرة بدلا من مكانها الطبيعي .. " .. وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿10﴾ " أي واذكروا حين ظنّ أي تَوَهَّم الجميع كل أنواع الأوهام ، فالمُوقنون بنصر الله لمّا رأوا تجمُّع كل أهل الباطل ضدّهم ظنوا بالله ظنا حَسَناً مُتَوَقّعَاً حيث أيقنوا أنه تعالي لابُدّ قد جمعهم لينصرهم والإسلام علي كل الأنظمة الأخري الضالة الفاسدة .. والبعض الآخر من شدّة ما يراه مَرَّ في خاطره ظنا مُخَالِفا أنهم قد يَنهزمون في هذه الجولة ليَزيدوا من إحسان استعدادهم ليَنتصروا في الجولة القادمة عن استحقاق .. والبعض ظنّ طول مدّة المعركة وكثرة الخسائر والإصابات .. وما شابه ذلك من ظنون مختلفة .. أمّا المنافقون الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ فقد ظنوا سوءاً بالله أنه مُخْلِف وعده وأنّ المسلمين سيَنهزمون !
ومعني " هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿11﴾ " أي عند ذلك الوقت والمكان تمّ اختبار المؤمنين اختبارا عظيما لدرجة أنهم قد اضطربوا اضطرابا شديدا لكنهم تَمَاسَكُوا وصَبَرُوا وثَبَتُوا بسبب تمام توكّلهم علي الله وتمسّكهم به وبإسلامهم ولجوئهم إليه فانتصروا .. وهذا سيكون حال كل مسلم يُخْتَبَر مثلهم باختبارٍ أو ضَرَرٍ ما فيصبر عليه فسيَخرج منه حتما مُستفيدا استفادات كثيرة في دنياه وأخراه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن فوائد الصبر وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾
أما معني " وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12﴾ " أي واذكروا أيضا حين كان يقول المنافقون وهم الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ من سورة البقرة ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ ، والذين في قلوبهم أي عقولهم مرضٌ ما كالشكّ مثلا في وجود الله أو الترَدّد بين الإيمان والكفر به سبحانه أو عدم التمسّك بأخلاق الإسلام بعضها أو كلها وتفضيل غيرها عليها ممّا يَضرّ ويُتْعِس أو كالرياء أي ليسوا مُخلِصين صادقين في قولهم أو عملهم مِن أجل الخير وإنما فقط يُحبون أن يَراهم الناس فيمدحوهم علي فِعْلهم ﴿برجاء مراجعة معاني الإخلاص في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، أو ما شابه هذا من التفكير المَرَضِيّ غير السَّوِيّ ، وبالجملة الذين لا يُحسنون استخدام عقولهم فيُعَطّلونها بسبب الأغشية التي يضعونها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12﴾ " أي هؤلاء وأشباههم يُشَكّكون في وَعْد الله تعالي ورسوله وقرآنه بالنصر والتأييد والتمكين في أعلي مَكَانَة في الأرض في تمام الخير والسعادة للمسلمين حين يتمسّكون بكل أخلاق إسلامهم ، وأنَّ هذا الوعد وغيره ما كان إلا غرورا أي خداعا ووَهْمَاً وليس حقيقيا !!
ومعني " وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿13﴾ " أي واذكروا أيضا حين قالت مجموعة منهم ، أي من هؤلاء الذين ُذكِرُوا في الآية السابقة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، يا أهل المدينة ، والتي هي فيها الرسول ﷺ ، لا مكانَ لكم تُقيمون فيه هنا في أرض المعركة فارجعوا إلي بيوتكم واتركوا محمدا ومَن أراد أن يقاتل معه وحدهم ، وهدفهم نشر روح الهزيمة والانسحاب بين المسلمين .. وكذلك مجموعة أخري منهم أرادت الهروب ولكن بتغطيته وكأنه استئذان من النبي ﷺ والسبب في طَلَب إذنهم واعتذارهم ليس هروبا ! وإنما لأنَّ بيوتهم عورة أي مكشوفة أمام العدو يَسهل وصوله إليها ولا مانع يمنعه منها ولا ساتِر لها يَسترَ ويُحَصِّنَ مَن فيها مِن نساءٍ وأطفال وممتلكات وهي غير مُحْكَمَة بها خَلَل مُنْخَفِضَة يَسهل تَسَلّقها والدخول إليها ، فبَيَّنَ الله تعالي كذبهم المفضوح الواضح " .. وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ .. " أي ليست كما يَدَّعون كذبا ولكنها مَستورة مُحَصَّنة ممنوعة عن العدو يصعب وصوله إليها ، وإنما السبب الأساس " .. إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿13﴾ " أي هو جُبْنهم وشدّة خوفهم وإرادتهم الهروب من مواجهة العدو ، بل بعضهم يريد الفرار من دين الإسلام أصلا !!
ومعني " وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿14﴾ " أي والدليل علي أنهم منافقون وفي قلوبهم مرض وأنهم كاذبون وجُبناء أنه لو ُفرِضَ ودَخَلَتْ عليهم مجموعة مِن ُغزاةٍ من كل جوانب المدينة وهم في بيوتهم ثمَّ ُطلِبَ منهم الفتنة أي قتال المسلمين لم يَتَحَجَّجُوا كما تحججوا بأنَّ بيوتهم عورة ! وإنما لآتوها أي أعطوها وقاموا بها مُسرِعين مُبادِرين – بعد أن يستسلموا للغُزاة دون أيّ قتالٍ أو دفاع عن أنفسهم أو عِرْضهم ! – وما تلبَّثوا أي ما بَقوا بهذه الفتنة من أجل إجابتها وتنفيذها لفترة طويلة لكي يَتَدَارَسُوا الأمر أو ليُرَاجِعوا أنفسهم وإنما سارَعوا لتنفيذ هذا الطَلَب منهم ولم يَبقوا إلا فترة يسيرة أي قليلة هي فترة تجهيز أنفسهم للقتال ثم نَفَّذوه !! .. هذا ولفظ " دُخِلَت " ، ولفظ " سُئِلُوا " جاء بلفظ المَبْنِي للمجهول لأنَّ الفاعل هو مجموعات الغزاة المُتَحَزِّبَة أحزاباً والتي هاجمتهم ، وهذا من قواعد اللغة العربية .. كذلك من معاني الفتنة العودة للكفر وترك الإسلام ، أي بمجرّد أن يَطلب منهم الغزاة ترك دينهم يتركوه !! وما تلبّثوا إلا يسيرا من الوقت ، أي هي مجرّد لحظات بعد السؤال ويكفرون !! لأنهم لم يكونوا قبل ذلك مؤمنين حقا بل كانوا منافقين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن النفاق﴾ .. كما أنَّ من معاني الآية الكريمة أنه بعد أنْ تمَّ فتنتهم ومحاولتهم فتنة المسلمين لن يبقوا كثيرا ولكن سيبقوا قليلا بعد ذلك بها أي ببلدهم التي هم فيها ثم يهلكهم الله تعالي وينصر المسلمين
ومعني " وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ﴿15﴾ " أي هذه هي دائما صفة من صفات المنافقين وهي إخلاف العهد والوعد وعدم الوفاء به وتنفيذه ، أي عدم التمسّك بالإسلام بعضه أو كله ، وعدم الثبات عند قتال المعتدين ، لأنهم جُبناء دائما عند القتال يُوَلّون الأدبار أي يُعطون ظهورهم ويَفِرّون ! لأنهم لا يُوقنون بالآخرة وبعظيم أجر الشهيد فيها ، فلْيَنتبه أمثال هؤلاء ، ولينتبه كل مسلم فلا يكن أبدا منافقا مُفَرِّطَاً في إسلامه بعضه أو كله ولا جبانا ، ولينتبه الجميع أنَّ عهد الله أي الوعد معه لابُدَّ وأن يكون مسئولا عنه صاحبه الذي قام به معه سبحانه ، فالكل سيُسأل يوم القيامة عما وعد ربه به ، فإن وَفّيَ بوعده فله كل خيرٍ وسعادة في أعلي درجات الجنات ، وإن لم يُوَفِّ فله كلّ شرٍّ وتعاسة في النار علي قَدْر الشرّ والضرر والفساد الذي حَدَثَ بسبب عدم وفائه بما عاهَدَ عليه الله تعالي
ومعني " قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿16﴾ " أي اذكروا أيها المسلمون لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض أنه لن ينفعهم الهروب إنْ هربوا مِن الموت أو القتل لفترة ، لأنّ كل إنسان لابُدّ له مِن نهايةٍ لحياته ، سواء أكانت هذه النهاية عن طريق الموت علي فراشه أو عن طريق المرض والقتل وغيره أوالاستشهاد في سبيل الحقّ والعدل والخير ، وما دام الأمر كذلك فليعلم الجميع إذن أنَّ الجُبْن لا يُطيل الحياة كما أنَّ الشجاعة والإقدام علي الشهادة في سبيل الله والإسلام والمسلمين لنَيْل أعلي درجات الجنات لن يُقَصِّرها !! .. " .. وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿16﴾ " أي إنْ تَوَهَّمْتم أنكم قد نَجيتم من الموت أو القتل بسبب هروبكم لأنكم جُبناء ، فلن يَستمرّ ذلك طويلا ! لن يستمرّ تمتعكم بالحياة كثيرا إذن ! وإنما هو وقت قليل وينتهي أجلكم حتما ككلّ البَشَر وتَموتون أو تُقتلون أيضا وأنتم لازِلْتم مُستمرّين علي حالكم من الجُبْن والذلّة والنفاق إذن !! فاسْتَيْقِظوا واتركوا نفاقكم وجُبْنكم وتمسّكوا بإسلامكم لتسعدوا في الداريْن .. وإيّاكم ثم إياكم أيها المسلمون أن تتشبّهوا بهم في نفاقهم وجُبنهم وأمراض عقولهم وإلا تعستم تمام التعاسة مثلهم في دنياكم وأخراكم ، ولكن كونوا أقوياء شجعان مِقْدَامِين مُستعدين دائما للتضحية ببذل الدماء والأرواح من أجل الحفاظ علي أخلاق إسلامكم والذي هو مصدر سعادتكم في الدنيا والآخرة وبدونه تتعسون فيهما ومن أجل نشره والدفاع عنه ضدّ مَن يعتدي عليه بالقتال ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿190﴾ حتي ﴿194﴾ من سورة البقرة لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن القتال في الإسلام ومتي يكون وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾
ومعني " قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿17﴾ " أي اذكروا أيها المسلمون لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض واسألوهم مَن هذا الذي يُمكنه أن يَمنعكم ويَحميكم من الله تعالي إذا أراد أن يُنزل بكم شرَّاً ما كمرضٍ أو فقر أو خوف أو قتل أو غيره ، أو حين يريد أن يُنزل بكم خيرا ما ؟! إنه لا يوجد أيّ أحدٍ يمكنه أن ينفع أو يَضرّ إلا بإذن الله تعالي لأنه هو وحده حتما الذي يُيَسِّر الأسباب أو يَمنعها بما يُحقّق مصلحة خَلْقه وسعادتهم فهو وحده النافع الضارّ سبحانه ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿72﴾ حتي ﴿76﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾ .. إنهم بالقطع حين يَنزل بهم الشرّ ، أو حين ينزل بهم الخير ويريد أحدٌ سيّءٌ مثلهم منعه عنهم ، لن يجدوا لهم وقتها أيَّ أحدٍ غير الله تعالي ليكون وَلِيَّاً لهم أي يتولَّي أمرهم بالنفع في شئون حياتهم ولن يجدوا أيَّ نصيرٍ أيْ ناصرٍ كثيرِ النصر لهم ينصرهم حين يحتاجون نصره في موقفٍ ما ، ولهذا فاعبدوا الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، وتوكّلوا عليه وحده ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾
أما معني " قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿18﴾ " أي أنَّ الله تعالي العالِمَ بكلّ شيءٍ في مُلكه يعلم تمام العلم هؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض الموجودين بينكم المُعَوِّقِين الذين يُعَوِّقون أي يَمنعون الناس عن اتّباع الإسلام وعن الدفاع عنه وعن المسلمين والحقّ والعدل والخير والسعادة والذين يقولون لأصحابهم وزملائهم ومُخَالِطيهم ومَن يتعامَلون معهم هَلُمُّوا إلينا أي تعالوا إلينا وأقبلوا علينا واتركوا الإسلام والمسلمين فإنكم لو اتّبعتموهم فإنكم خاسِرون هالِكون بينما لو أتيتم إلينا وكنتم معنا أفْلَحْتم ونَجيتم وعِشتم حياتكم كما تريدون !! وهم بالقطع كاذبون لأنَّ الحياة مع الإسلام هي تمام العِزّة والسعادة والخير في الداريْن بينما الحياة مع غيره من الأنظمة المخالِفة له هي تمام الذلّة والتعاسة والشرّ فيهما .. إنَّه تعالي سيُحاسبهم حتما علي كل أقوالهم وأفعالهم هذه بما يُناسبهم مِن شرٍّ وتعاسةٍ في دنياهم ثم أخراهم .. " .. وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿18﴾ " أي ومِن صفاتهم السيئة أيضا أنهم لا يحضرون الحرب والقتال والمواقف الشديدة الصعبة ، بل يَهربون منها ولا يواجهونها ، إلا في أوقات قليلة فقط كأن يحضروا مثلا مِن أجل الرياء أي لكي يراهم الناس أو للسُّمْعَة أي ليسمعوا بهم فيمدحوهم أو لتحصيل غنيمةٍ ما أو للدفاع عن ممتلكاتهم وحدهم أو لِمَا شابه هذا ، وذلك مِن شِدَّة جُبْنهم وبُعدهم عن ربهم وإسلامهم .. فإيّاكم أن تتشبّهوا بهم أيها المسلمون وإلا تعستم مثل تعاساتهم في الداريْن
ومعني " أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿19﴾ " أي هؤلاء المنافقون ومَن يُشبههم ، إضافة إلي أنهم من صفاتهم الجُبْن والترْك للإسلام والتعويق لمَن يريد اتّباعه كما ُذكِرَ في الآية السابقة فإنهم أيضا أشِحَّاء أي بُخَلاء بُخْلاً شديدا عليكم أيها المسلمون في المواقف الصعبة كالحروب وغيرها فلا يُنفقون مِن جهودهم أو أموالهم أو فكرهم أو أوقاتهم أو غيره شيئا لكم .. إنهم حين يأتي الخوف في أيّ موقفٍ صعب شديد فالناظِر إليهم حينها يراهم ينظرون لمَن حولهم وأعينهم تلتفّ وتدور وتزوغ دون تركيزٍ مِن شدّة الرعب وحالهم وقتها كحال الذي يُحيط به الموت من كل جانب حيث نظراته تشبه ذلك .. ثم حين يَذهب ويزول الخوف ويأتي وقت الأمان " .. سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ .. " أي بَسَطُوا ألسنتهم بكثرة الكلام وآذوكم به بطريقةٍ حادَّةٍ شديدةٍ فيها كلّ سوء وأحيانا فيها فخر كاذب بأنهم قد فعلوا كذا وكذا من مواقف الشهامة والبطولة والكرم في المواقف الصعبة رغم أنهم منذ قليل كانوا في قمة الخوف !! .. " .. أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ .. " أي هم بخلاء أشدّ البخل ليس عليكم وفي المواقف الشديدة فقط كما ُذكِرَ في أول الآية ، ولكن أيضا في كل أنواع الخير وفي كل وقتٍ وعلي الجميع حتي مِن المُمْكِن علي أنفسهم ! .. " .. أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ .. " أي هؤلاء المنافقون ليسوا من النوع الذي يُخْفِي الشرّ مِن فسادٍ وضررٍ وغيره لكنهم يؤمنون بوجود الله ، ولكنْ هُم من النوع الذي يخفي أعظم شرٍّ وهو الكفر فلا يُصَدِّقون بوجود الله أصلا ولذلك أبْطَلَ الله أعمالهم ، في الداريْن ، ففي الدنيا لا قيمة لهذه الأعمال ولا نفع ولا سعادة حقيقية منها لأنها كلها أو معظمها في الشرّ ومِن أجله وحتي ما قد يفعلونه مِن خيرٍ – وهو قليل أو نادر – غالبا أو دائما يخلطونه بِشَرٍّ كَطَلَبِ سُمْعَةٍ أو جاهٍ أو رياءٍ أي ليَرَاهم الناس ليمدحوهم بكذا وكذا من المدح الكاذب المُضِرّ المُتْعِس للمادِح وللمَمْدوح ، ومع ذلك فالله تعالي من تمام عدله لو ُفرِضَ وفعلوا خيرا حقيقيا خالصا مِن الشرّ الذي سَبَقَ ذِكْره فإنه يُعطيهم خيرا مُقابِل له في دنياهم كمنصبٍ أو مال أو صحة أو غيره ، ثم في الآخرة لا أجر لهم حتما لأنهم لا يؤمنون بها أصلا ولم يعملوا لها .. " .. وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿19﴾ " أي كلّ شيءٍ عليه يَسير في مُلكه ولا يصعب عليه لأنه يقول للشيء كن فيكون كما أراد تعالي ، وخَصَّ بالذكر يُسْرَ إحباط أعمالهم رغم أنّ كلّ شيءٍ يسير عليه سبحانه للتنبيه علي أنها تستحقّ تمام الإبطال والمَحْو كأنها لم تُعمل .. كذلك الآية الكريمة تُفيد أنّ ذلك الكفر يَسِيرٌ تافِهٌ لا قيمة له عند الله وهم ليسوا شيئا يُذْكَر !! للدلالة علي تحقيرهم وذمّهم ذمّا شديدا ، لعلهم بهذا يَستفيقون ويعودون لربهم ولإسلامهم ليسعدوا في الداريْن .. فإيّاكم ثم إياكم أيها المسلمون أن تتشبّهوا بهم وإلا تعستم مثل تعاساتهم في دنياكم وأخراكم
أما معني " يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿20﴾ " أي مِن شِدَّة جُبْنهم وخوفهم ، حتي بعد ذهاب الأحزاب التي تَجَمَّعَت ضدّ المسلمين ونصَرَهم الله عليهم وانصرفوا بالفِعْل خاسرين ، يَتَوَهَّمون ويتخيّلون ويَظنون أنهم ما زالوا موجودين ! وكأنهم مصابون بمرضٍ عقليّ يُريهم أشياءً غير موجودة ! مِن عظيم رُعْبهم ! .. كذلك من معاني الآية الكريمة أنهم مِن شدّة غيظهم وكراهيتهم للإسلام والمسلمين يظنون أنّ الأحزاب لم ينصرفوا ولم ينهزموا بَعْد ، وكيف يذهبون هكذا وينهزمون وهم بكل هذا التجمُّع والعَتاد دون أن يَقضوا علي الإسلام والمسلمين ؟!! .. " .. وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ .. " أي ولو ُفرِضَ وعادَ الأحزاب وعادت الحرب والأوقات العصيبة الشديدة أيَّاً كان شكلها مرة أخري ، يَتمنّون لو أنهم كانوا بعيدين تماما عن هذه المواقف ، مِن شدّة جُبْنهم وخوفهم ، فيَتمنّون مثلا لو أنهم بَادُون ، جَمْع بادِيِ ، أي كانوا من البَدْو ، أي الذين يعيشون في البادية ، أي الأماكن المُتَّسِعَة الصحراوية بعيدا عن المدن ، يعيشون مع الأعراب الذين يقيمون بها ، أي بعيدين تمام البُعْد عن أيٍّ من مِثل هذه الأحداث ! .. " .. يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ .. " أي مجرّد يُتابعون أخباركم مِن بعيدٍ وليس هناك مِن أيِّ علاقةٍ معكم ! فقط يَسألون عن أخباركم وأحوالكم وهل انهزمتم وهَلَكْتم أنتم والإسلام أم ما زلتم باقين مستمرّين !! .. " .. وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿20﴾ " أي وذلك أفضل لكم ! لأنهم لو كانوا بينكم ما نفعوكم إلا بقليلٍ مِن المشارَكَة الشكليّة لا الفِعْلِيَّة في الحرب من أجل مثلا ألا يُعاتِبهم أحدٌ أو لتحقيق بعض المكاسب المعنويّة والماديّة لهم أو ما شابه هذا
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿21﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُتَشَبِّها بالرسول ﷺ في كلّ أقوالك وأفعالك ، أي إذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجِعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنَّ فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوء بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمكانة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء لمزيد من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿21﴾ " أي الذي يريد الله واليوم الآخر ، أي يريد حبه وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جناته في الآخرة ، والذي يَذكر الله ذكرا كثيرا في كلّ أحواله وأوقاته ﴿برجاء مراجعة معاني الذكر وصوره وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة في الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، وبالجملة الذي يريد كلّ هذا ويريد أن يَصْلُح ويَكْمُل ويَسْعَد تمام السعادة في دنياه وأخراه ، فعليه أن يتَّخِذَ الرسول ﷺ أسوة له ، أي قُدْوَة يَقتدِي بها في كل أقواله وأفعاله ، فهو القدوة الحَسَنَة التامّة في كلّ شيء ، وهذا الاقتداء هو الطريق الوحيد المضمون تمام الضمان الذي سيَضمن له بكل تأكيد تحقيق ما يرجوه من الله واليوم الآخر ، بينما الاقتداء بغيره فيما يُخالِف تصرّفاته ﷺ لن يُؤَدِّي إلا إلي كلّ شرٍّ وتعاسة في الداريْن .. إنَّ الذين سيَنتفعون بالقطع بهذه القدوة هم فقط المؤمنون بربهم الذين يجتهدون في التمسّك بكل أخلاق إسلامهم الذين يرجون الله واليوم الآخر ويذكرون الله كثيرا ، وسيَسعدون حتما بها تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، بينما غيرهم لن ينتفعوا بها بكل تأكيد ، بل قد لا يشعرون بها أصلا ! ولذا فهم مُؤَكَّداً سيكونون في تمام التعاسة فيهما ! حتي يَستفيقوا ويعودوا لربهم ولإسلامهم ولأسْوَتِهم ﷺ
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿22﴾ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿24﴾ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿25﴾ وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿26﴾ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿27﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقنا أي متأكّدا بلا أيّ شكّ أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابد حتما سينهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر من عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُسْتسلما تماما لكل أوامر الله تعالي أي مسلما متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دوْما مِن المُوفِين بالعهود والمواثيق والمعاهدات والوعود والمواعيد وما شابه هذا ، مع الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ بالوفاء معهما بالتمسّك بكل أخلاق الإسلام ، ثم مع جميع الخَلْق علي اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وعلومهم وبيئاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وتظلّ مستمرّا علي ذلك دون أيّ تبديلٍ حتي الموت أو الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ، لأنه بانتشار هذه الأنواع من الوفاء ينتشر الأمن بين الناس فيَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم ، بينما بانتشار الخيانة يفقدون أمانهم ويَتنازعون ويَتعسون فيهما .. وستَسعد كذلك إذا لم تكن من المنافقين ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن النفاق﴾
هذا ، ومعني " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ .. " أي وعندما رأى المؤمنون الصادقون جيوش الأحزاب قادمة إلي المدينة ، لم يضعفوا ولم يخافوا ، بل ثَبَتُوا على إيمانهم أي تصديقهم بربهم واستعانتهم التامّة به وتمسّكهم الكامل بإسلامهم ، " .. قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ .. " أي قالوا حينها هذا الذي نراه مِن خطرٍ وضيقٍ يُحيط بنا ويَغْلِب علينا وتَجَمُّع وحضور كل هؤلاء الأعداء ضدّنا ، هو ما وعدنا به الله ورسوله ﷺ ، وأرادوا بقولهم هذا ما ُأنْزِلَ مِن قبل في القرآن الكريم في قوله تعالى : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " ﴿البقرة : 214﴾ ، وهذا الخطر سيَتْبَعه حتما النصر ، وهذا الضيق والعُسْر سيأتي بعده بالقطع الفَرَج واليُسْر مِن فضل الله وتيسيره وتوفيقه وعوْنه .. " .. وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .. " أي وقالوا أيضا على سبيل التأكيد وقوة اليقين في كلام الله تعالي وفي وعوده والتعظيم له ولرسوله الكريم ﷺ : وصدق الله ورسوله أي وثَبَتَ صِدْق الله في قرآنه وصدق رسوله ﷺ في أقواله .. " .. وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿22﴾ " أي وما زادهم ما رأوه من جيوش الأحزاب ومِن ضيقٍ وعُسْرٍ أحاطَ بهم بسبب ذلك ، إلا إيمانا بقدرة الله تعالى علي تحقيق نصرهم حتما فهو القادر علي كل شيء ، وإلا أملا في تأييده ونصره المُؤَكَّد في هذا الموقف وفي كل شئون حياتهم ، وإلا تسليما لأوامره أي تمسُّكا بكل أخلاق إسلامه ومنها الجهاد في سبيل الله ﴿برجاء مراجعة من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عمَّن يُصيبه اختبارٌ أو ضررٌ ما فيصبر عليه فيخرج منه مستفيدا استفادات كثيرة﴾، وإلا استسلاما لقضائه الذي يَقْضِي أي يَحْكُم به وقَدَرِه فيما يُقَدِّره فكله لابُدّ خير وسعادة حتي ولو بعد حين ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عمَّن يُصيبه اختبارٌ أو ضررٌ ما فيصبر عليه فيخرج منه مستفيدا استفادات كثيرة﴾ .. وفي هذه الآية الكريمة مَدْح من الله تعالي لمَن تمسّك بكلّ أخلاق إسلامه ودافعَ عنها ضدّ مَن اعتدي عليها ، وتشجيعا له للاستمرار في ذلك ليَنالَ تمام السعادة في دنياه وأخراه
ومعني " مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ أي هذا مدح آخر إضافيّ إضافة للمدح في الآية السابقة لتشجيع ولدفع كل المؤمنين ليكونوا كلهم كذلك ليسعدوا تمام السعادة في الداريْن ، أي من المؤمنين أي المُصَدِّقين بربهم وبقرآنه وبرسله المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم ، رجالٌ كثيرون ونساءٌ كثيرات صَدَقُوا أي أوْفوا تمام الوفاء بما عاهدوا الله عليه أي بما وعدوه به سبحانه ، فمِن هؤلاء مَن قَضَيَ نَحْبَه ، والنَّحْب هو النذر وهو العهد – وهو أيضا الموت – أيْ أنْ يلتزم الإنسان الوفاء بأمرٍ قد تَعَهَّدَ به ، وقضاؤه أي الفراغ منه وتنفيذه والوفاء به على أكمل وجهٍ مُمْكِنٍ ، وأن يظلَّ وَفِيَّاً حتي موته ، أي وَفّوا أكملَ وفاءٍ بما عاهدوا الله تعالى عليه ، مِن التمسّك بكل أخلاق الإسلام ومِن التأييد لرسوله ﷺ والدعوة لدينه بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ومِن الثبات معه في كل موقفٍ بما في ذلك القتال والدفاع عن الإسلام والمسلمين والحقّ والعدل والخير ونحو هذا من كل أنواع الوفاء حتي استشهد بعضهم بالفِعْل في ساحات القتال والحروب ومَن لم يستشهد منهم مات علي ذلك .. " .. وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ .. " أي ومنهم مَن هو مستمرّ على الوفاء التامّ بالتمسّك الكامل بكل أخلاق إسلامه وينتظر موته ونهاية أجله علي هذا الحال أو الشهادة في سبيل الله تعالى في الوقت الذي يُريده سبحانه ويَختاره .. " .. وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ " أي هؤلاء الرجال والنساء صَدَقُوا صِدْقَاً تامَّاً في عهودهم مع الله تعالى حتى آخر لحظةٍ مِن لحظات حياتهم وما غَيَّروا شيئا مِمَّا عاهدوه سبحانه عليه
ومعني " لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿24﴾ " أي يُقَدِّر الله تعالي بعض التقديرات في كوْنه هي لكم ولمصلحتكم ولِكَمَالِكم ولسعادتكم أيها المسلمون ، لكي يجزي أي يعطي أعظم العطاء في الدنيا والآخرة للصادقين بسبب صِدْقهم أي بسبب تَصْدِيقهم بربهم وبقرآنهم وبرسولهم وبتمسّكهم بكلّ أخلاق إسلامهم ، أي هناك حِكَم عظيمة مِمَّا يحدث لكم أيها المسلمون الصادقون مِن أحداثٍ أو شِدَّةٍ أو اختبارٍ أو ضررٍ مَا ، وهي أن تخرجوا منها مُستفيدين استفادات كثيرة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عمَّن يُصيبه اختبارٌ أو ضررٌ ما فيَصبر عليه فيَخرج منه مُستفيدا في الداريْن﴾ ، فليس تقدير الله تعالي فيما يُقَدِّره مِن أحداثٍ إذن عشوائياً عَبَثِيَّاً ! ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿2﴾ من سورة العنكبوت " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " ، للشرح والتفصيل﴾ ، وليست وصايا الإسلام وأخلاقيَّاته التي أوْصَاكم بها بما فيها الجهاد في سبيل الله لإيذائكم أو إتعاسكم !! ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الجهاد في الإسلام وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ ، وإنما كلّ الإسلام هو لتمام سعادتكم في دنياكم وأخراكم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ .. " أي وأيضا يُقَدِّر سبحانه هذه التقديرات لكي يَنكشف لكم أمر المنافقين الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ فتتمَكّنون مِن التعامُل معهم بما يُناسبهم ولا يُمكنهم خِداعكم ، وكذلك كي لا يُجادلون هم ولا يُجادل أيُّ أحدٍ إذن في عقابهم الدنيويّ والأخرويّ حينما يشاء الله تعالي إنزاله بهم لأنهم مُستحِقّون له تمام الاستحقاق بكل عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .. " أي إذا شاء هؤلاء المنافقون اختيار النفاق والاستمرار عليه بكامل حرية إختيار إرادة عقولهم شاء الله لهم ذلك ولم يُعْنِهم علي الخروج منه لإصرارهم التامّ عليه ، وإن شاءُوا اختيار التوبة من النفاق والعودة لربهم ولإسلامهم أيضا بكامل حرية اختيار إرادة عقولهم شاء الله لهم هذا ويَسَّرَ لهم كلّ الأسباب وعاوَنهم عليها ووَفّقهم إليها وسَدَّد خُطاهم نحوها ﴿برجاء مراجعة علاقة مشيئة الله تعالي بمشيئة الإنسان في الهداية لله وللإسلام في الآية ﴿253﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿46﴾ حتي ﴿50﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿105﴾ ، ﴿268﴾ ، ﴿269﴾ من سورة المائدة ، ثم الآيات ﴿70﴾ حتي ﴿74﴾ ﴿الفقرة الأخيرة﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿24﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال ، كان من فضله وإحسانه علي كل خَلْقه غفورا أي كثير المغفرة الذي يعفو عن الذنوب ويمحوها كأن لم تكن ولا يُعَاقِب عليها لكلّ مَن تابَ توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إن كان الذنب مُتَعَلّقا بهم ، وكان رحيما أي كثير الرحمة أي الشفَقَة والرأفة والرفق الذي رحمته وَسِعَت كل شيء وهي أوسع مِن أيّ ذنبٍ ودائما تَسبق غضبه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
أما معني " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿25﴾ " أي وأعادَ الله الذين كفروا ، أي الذين لم يُصَدِّقوا بوجوده ولا برسوله ﷺ ولا بقرآنه ولا بآخرته ولا بحسابه وعقابه وجنته وناره ، أعادهم سبحانه خاسرين مُنهزمين مُمتلئين بالغضب الذي جاءوا به ويملأ عقولهم ضد الإسلام والمسلمين يريدون استئصاله واستئصالهم فرجعوا به كما جاءوا بل وبالمزيد منه بسبب هزيمتهم وذِلّتهم وانكسارهم ، ونصَرَ الله تعالي بفضله وكرمه ورحمته الإسلام والمسلمين ، ولم ينالوا أي يحصلوا علي أيّ خير ، لا في دنياهم ممّا كان يطمعون فيه من غنائم من المسلمين وانتصارٍ عليهم وإذلالٍ لهم ، ولا قطعا في آخرتهم حيث هم يكفرون بها أصلا وليس لهم فيها إلا الخلود في أعظم وأتمّ وأتعس عذابٍ في النار .. " .. وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ .. " أي لم يَحْتَجْ المؤمنون لقتال أعدائهم ولا لمتاعِب القتال بل قاتلهم الله تعالي وحده بالإنابة عنهم ونصرَهم بفضله وكرمه وإحسانه ورحمته بأهْوَن الأسباب بجنودٍ من عنده بأن أرسل مجرّد ريح شديد البرد والتحرّك فأزاحهم به عنهم ، وبَعَثَ جنودا مِن الملائكة وغيرها ممّا لا يرونها ولا يعلمونها فألقوا فيهم الرعب وبينهم الخلاف والنزاع والفُرْقة فضعفوا ففرّوا هاربين .. " .. وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿25﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال ، قويا علي فِعْل كلّ أمرٍ يريده ومنه نصر أهل الحقّ والخير حتي دون قتال ، عزيزا أي غالِبا لا يُغلَب يُعِزّ ويُكْرِم ويَنصر مَن يَلجأ إليه ويتوكّل عليه فهو القويّ المتين مالك الملك كله القادر علي كل شيء الذي يَهزِم ويَسْحَق المُكذبين المُعاندين المُستكبرين
ومعني " وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿26﴾ " أي استكمالا لنعمة الله تعالي علي المؤمنين به المتمسّكين بكلّ أخلاق إسلامهم فإنه سبحانه مع هزيمة الأعداء الأصلِيِّين المُعتدين فإنه أيضا يَهزم كلّ مَن يُعاونوهم ، فهو يُنْزِل أي يُخْرِج الذين يُظاهرونهم أي يُساعدونهم سواء أكانوا من أهل كتابٍ ُأوحِيَ إليهم مِن قبل لكنهم حَرَّفوه ولم يُسلموا لمَّا جاء الإسلام كاليهود والنصاري أم كانوا مِن غيرهم ، يُخرجهم من صَيَاصِيهم أي مِن حصونهم وقصورهم التي يَتَحَصَّنون ويَحْتَمون بها ، ويُلْقِي في عقولهم الخوف الشديد بحيث لو قاتلهم المسلمون فإنهم يَقتلون منهم البعض ويأخذون بعضا آخر كأسري ويهزمونهم بفضل الله ورحمته وتوفيقه ونصره وجنوده التي لا يعلمها إلا هو سبحانه
ومعني " وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿27﴾ " أي أعطاكم وسيُعطيكم أرضَ ومساكنَ وأموال أعدائكم الذين يعتدون عليكم بعد أن يَنصركم عليهم ويهزمهم ، وسيُمَلّككم أراضي وأماكن جديدة لم تذهبوا إليها مِن قَبْل ولم تَدُوسُوها بأقدامكم حيث سيُسَهِّل لكم بفضله وتوفيقه ورحمته ورزقه الوصول إليها والانتفاع والسعادة بها .. فاسْتَبْشِروا دائما خيرا أيها المسلمون بنصر الله لكم في كلّ شئون حياتكم ما دُمْتم دوْما مُتمسّكين بكل أخلاق إسلامكم .. " .. وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿27﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال ، علي كلّ شيءٍ قديرا أي كثير عظيم القُدْرة الذي لا يَصعب عليه أيّ شيءٍ يريد فعله وتحقيقه وإنما يقول له فقط كن فيكون كما أراد
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿28﴾ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿29﴾ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿30﴾ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴿31﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُحسنين لطَلَب الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجِعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأن فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمكانة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيد من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لِمَا فعلتَ ، وإذا كنتَ مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دائما قدوة يُقْتَدَيَ به في الخير لا في الشرّ في كلّ أقوالك وأفعالك وتدعو الآخرين دوْما لله وللإسلام بكلّ حِكمةٍ وموعظةٍ حَسَنَةٍ لأنَّ ذلك سيكون حتماً سبباً في مضاعفة أجر الله لك في دنياك وأخراك ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وبالجملة إذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معاني العبادة﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا .. " أي يأيّها النبيّ اذْكر لزوجاتك وذَكِّرهنّ ، وهذا التذكير ضِمْنِيَّاً يشمل كل المسلمين والمسلمات ، أن يُحسن الجميع طَلَبَ الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾ ، وليَحذروا جميعا تمام الحَذَر إرادة وطَلَب زينة الدنيا أي مُتعها والاستمتاع بها علي أيّ صورةٍ سواء أكانت ضارّة أم نافعة شرَّاً أم خيرا .. " .. فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿28﴾ " أي وعلي الجميع أن يَتَعَالوا ويَتَساموا ويَرْتَقوا عن الوقوع فيما هو شرّ مِن مُتع الحياة أو فيما يُنسيهم آخرتهم وحُسن الاستعداد لها ، وإلا لو فعلوا ذلك فسيَسرحون فيها بعيدا عن أخلاق إسلامهم أي ينطلقون سارحين تائهين شارِدِين مُغَيَّبِين مُنْزَلِقين في شرورها ومَفاسدها وأضرارها سَراحَاً وانزلاقا سهلا بلا قيود أو موانع ، فيتعسون بالتالي فيها حتما تمام التعاسة ثم في آخرتهم تعاسة أعظم وأتمّ وأشدّ .. هذا ، ومن معاني التسريح أيضا الطلاق ، أي قد يَصِل الأمر بأحد الزوجين أن يختار مُفَارَقَة الآخر من أجل عدم التوافق بينهما إذ أحدهما يريد التمسّك بوصايا الله والرسول ﷺ أي بأخلاق الإسلام كلها وأن تكون هي مَرْجِعِيَّته في كل شئون حياته والآخر لا يريد ، ويَنصح الإسلام في هذه الحالة بأنَّ يتمّ التسريح بصورة جميلة أي حَسَنَة سهلة دون عنف أو إضرار لعل ذلك يكون سببا في العودة للخير والسعادة مرة أخري مع الله ورسوله ﷺ وإسلامه .. " وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿29﴾ " أي وفي المُقابِل ، مَن أحسنَ طَلَبَ الدنيا والآخرة معا ، فبالقطع قد أَعَدَّ وجَهَّزَ له الله تعالي الأجر العظيم ، في دنياه حيث تمام السعادة بسبب تمسّكه بكل أخلاق إسلامه ثم في أخراه ما هو أتمّ وأعظم وأخلد سعادة حيث ما لا عين رَأَت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بَشَر
ومعني " يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿30﴾ " أي اهتموا جميعا اهتماما شديدا أيها المسلمون رجالا ونساءً بأثر القدوة ، أي أن يُقْتَدَيَ بكم في كل تصرّفاتكم ، في كل خيرٍ لا في أي شرّ ، في كل شئون الحياة صغرت أم كبرت ، لأنه إنْ تمّ الاقتداء بكم في فاحشةٍ مُبَيِّنَة ، أي في أمرٍ قبيح واضح القُبْح مُبَيِّنٍ مُفْصِح للجميع عن ذاته أنه سَيّء من قولٍ تقولونه أو فِعْلٍ تفعلونه ، فالإثم عليكم سيكون حتما مُضاعَفا أي كثيرا ، إثم قولكم أو فِعْلكم إضافة لإثم كل مَن اقتديَ بكم وقال مثل قولكم أو فَعَلَ مثل فِعْلكم إلي يوم القيامة ، فاحذروا ذلك حذرا شديدا ، لأن العذاب المُضاعَف الكثير هذا سيكون في دنياكم وأخراكم ، في الدنيا حيث درجة ما مِن درجات القلق أو التوتّر أو الضيق أو الاضطراب أو الصراع مع الآخرين وبالجملة صورة ما مِن صور الألم والتعاسة علي حسب درجة فاحشتكم وفسادها وضررها ، ثم في الآخرة حيث ما هو أعظم عذابا وتعاسة وأشدّ وأتمّ .. " .. وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿30﴾ " أي كلّ شيءٍ عليه يَسير في مُلكه ولا يصعب عليه لأنه يقول للشيء كن فيكون كما أراد تعالي ، وخَصَّ بالذكر يُسْرَ مضاعفة العذاب رغم أنّ كلّ شيءٍ يسير عليه سبحانه للتنبيه علي أنَّ الأمر يستحقّ الحذر منه .. ومعني " وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴿31﴾ " أي وفي المُقابِل مَن يَقنت لله أي يستمرّ علي طاعته مُحِبّا له مُطمئنّا ساكِنا به ، أي يستمرّ متمسّكا بكل أخلاق إسلامه وكان دائما قدوة حسنة في كل شئون حياته ، فسيُؤتيه أي يُعطيه بالقطع ربه أجورا مُضاعَفة أضعافا كثيرة ، أجر قوله وفِعْله الحَسَن الخيريّ ، وأجر كلّ مَن قال مثل قوله أو فَعَلَ مثل فِعْله إلي يوم القيامة ، أجورا وأرزاقا هائلة أَعْتَدَها أي أعَدَّها وجَهَّزَها سبحانه له في دنياه وأخراه ، في الدنيا حيث تمام الخير والرزق والسعادة ، ثم في الآخرة حيث ما هو أتمّ خيرا ورزقا وسعادة وأعظم وأكرم وأخلد .. فليشكر إذن كل مسلم الله علي هذا الخير العظيم وليجتهد دائما في أن يكون قدوة حَسَنة لا سيِّئة في كل أقواله وأفعاله لينال ذلك الأجر المُضاعَف العظيم الكريم
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿32﴾ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿34﴾ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿35﴾ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿36﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكل شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجِعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأن فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله من كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بالأخلاقيّات الإسلامية عند التعامُل بين الرجال والنساء والتي منها غَضّ البَصَر أي خفضه وعدم إطلاقه للنظر بشهوة ، والجدِّيَّة في الكلام فلا مُيوعَة من النساء ولا ليونَة من الرجال من أجل اجتذاب كل منهما للآخر ويكون الكلام لسبب ، وكذلك عدم الخَلْوَة وهي أن يَخْتَلِيَ رجل بامرأةٍ من غير المُحَرَّمَات عليه في مكانٍ يمكنهما فيه ارتكاب الفواحش كالزنا وغيره ، وما شابه هذا من وصايا الإسلام التي تُسْعِد وتحفظ المجتمع وتَحميه من الشرور والمَفاسد والأضرار المُتْعِسَة للجميع في دنياهم وأخراهم .. وإذا كنتَ مِن المقيمين للصلاة ومِن المُؤْتِين للزكاة .. وإذا كنتَ مِن القانتين أي المُوَاظِبين علي طاعة الله ورسوله ﷺ ومِن الصادقين والصابرين والخاشعين والمُتَصَدِّقين والصائمين والمُمْتَنِعين عن الزنا واللواط ونحوه والذاكرين لله تعالي كثيرا لكي تَنَالَ تمام سعادتيّ الدنيا والآخرة
هذا ، ومعني " يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ .. " أي يا أيّتها النساء المسلمات اتَّخِذْنَ نساء النبي ﷺ أفضل النساء قدوةً لَكُنَّ لتَكُنَّ مثلهنَّ في الفضل والمَكَانَة والأجر في الدنيا والآخرة ، فإن أَرَدْتُنَّ التقوي والاستمرار عليها لنَيْل فضلها وأجرها في الداريْن وأرَدْتُنَّ أن تَكُنَّ من المُتّقين بحقٍّ وبجدٍّ فبالتالي لا تَخضعنَ بالقول أي لا تَتَحَدَّثْنَ بكلامٍ فيه خُضوع أي انكسار والمقصود قولا فيه طَرَاوَة وتَمَيُّع وتَكَسُّر أمام الرجال غير أزواجكنَّ من أجل اجتذابهم نحوكُنَّ وهذا ما قد يؤدي إلي احتمال طَمَع بعضهم فيكُنَّ بإيذائكُنَّ بصورةٍ ما بكلامٍ أو فِعْلٍ فاسدٍ مِمَّن في قلبه مرض أي في عقله فساد وشرّ بسبب عدم تمسّكه بأخلاق الإسلام بعضها أو كلها ، ولكنْ تَكَلَّمْنَ بكلامٍ معتدلٍ عاديّ طبيعيّ دون قصدِ التّمَيُّع وفي ذات الوقت لا تَتَكَلّفْنَ الخشونة فيه .. " .. وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿32﴾ " أي ولا يعني ذلك بالقطع الامتناع عن الكلام مطلقا ! وإنما يكون كلامكُنَّ كله معروفا أي بما هو مُتَعَارَف عليه في الإسلام وعند العقول المُنْصِفَة العادِلة الصالِحة أنه خير مُصْلِح مُسْعِد ... هذا ، وكل مسلم عليه أن يكون دائما من المتقين أي من المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم
أما معني " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ " أي كُنَّ أيّتها النساء المسلمات – مثل قُدْوَتِكُنَّ من أمهات المؤمنين أزواج الرسول ﷺ – من أهل الوَقَار أي الاتّزان والثبات والحِلْم عندما تَكُنَّ في البيوت وكذلك كُنَّ من أهل الاستقرار فيها وجَعْلِها قُرَّة عَيْنٍ لَكُنَّ ولأسرتكُنَّ أي مكان استقرارٍ وأمنٍ وسعادة من أجل الاهتمام بها وبأبنائكُنَّ لكي تُحْسِنَّ تربيتَهُنَّ ورعايتَهُنَّ وأزواجَكُنَّ والقيام بمهمتكُنَّ التي لا يُمكن لأيّ أحدٍ القيام بها والتي تسعدكُنَّ أتمَّ سعادة في الداريْن لأنها من خصائصكُنَّ التي خَلَقَكُنَّ الخالق الكريم بها ، وبذلك يُكْمِل النساء بعاطفتهنَّ وحبّهنَّ وحنانهنَّ الرجال ، ويُكْمِل الرجال النساءَ بخصائصهم التي خُلِقُوا بها والتي تُسعدهم أيضا أتمّ سعادة في الداريْن كالحماية والإنفاق والقدرة علي تحمّل أعباء الإدارة العامة للأسرة والتوجيه للخير ونحو هذا ، فتستقرّ الحياة ويطمئنّ الجميع والمجتمع كله ويَسعدون في دنياهم وأخراهم .. " .. وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ .. " أي وعند الخروج من البيوت لسببٍ مِن الأسباب لا تُظْهِرنَ زينتكُنَّ ومَحَاسِنكُنَّ للرجال عند خروجكُنَّ فيحدث الإيذاء لَكُنَّ والاعتداء عليكنَّ من الفاسدين ، كما كانت تفعل النساء في فترة الجهَالَة قبل الإسلام حيث كان الجميع جاهلين بما فيه مصلحتهم وسعادتهم في دنياهم وأخراهم ، ولكن اخرجْنَ مُحَجَّبَاتٍ مُحْتَشِمَاتٍ بثيابٍ غير مُجَسِّمَة غير شَفّافَة .. " .. وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ .. " أي وكُنَّ أيّتها النساء ، وكونوا دائما أيّها المسلمون جميعا ، مِن المُقِيمين للصلاة أي الذين يقومون بها علي أكمل وجهٍ أي يُحسنونها ويُتقنونها لأنه سبحانه ما أوْصَيَ بها إلا لتكون صِلَة بين المخلوق وخالقه مالك الملك أقوي الأقوياء يطلب منه ما يشاء علي مَدَار يومه مِن كل خيرٍ وسعادة له ولمَن حوله في الداريْن .. " .. وَآتِينَ الزَّكَاةَ .. " أي وكُنَّ أيّتها النساء ، وكونوا جميعا أيها المسلمون ، دائما مِن الذين يُنفقون من أموالهم وجهودهم وصحتهم وأوقاتهم وأفكارهم وغيرها ممَّا أنعَمَ خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا في عقولهم بما يُسْعِد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم .. هذا ، والزكاة من التزكية أي الترقية والنمُوّ والسُّمُوّ في الأفكار والأخلاقيّات والمعاملات .. " .. وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ .. " أي لا تَتَمَسَّكْنَ ولا تتمسّكوا جميعا بالصلاة والزكاة فقط بالقطع ! وإنما تَمَسَّكوا بكل أخلاق الإسلام التي أوصاكم بها الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وأطيعوا وصاياهما لتَسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ ، وقد خصَّ سبحانه في هذه الآية الكريمة الصلاة والزكاة من الإسلام للتنبيه علي أهميتهما وللدَّفْع للاهتمام بهما .. " .. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ " أي ما يريد الله تعالي بتوصيتكم بالإسلام أن تعملوا به كله أهل بيت رسول الله ﷺ أي زوجاته ، وكل المسلمين مِن بعده ﷺ ، إلا مِن أجل أن يُبْعِد عنكم ويحميكم من الوقوع في أيّ رجسٍ أيْ أمرٍ مُسْتَقْذَرٍ أيْ شرٍّ وفسادٍ وضررٍ وما يَتْبَعه مِن تعاساتٍ لكم في دنياكم وأخراكم بسببه ، ومن أجل أن يُطَهِّرَكم تطهيراً أيْ يُنَظِّفكم تماما وبالتأكيد مِن كلّ ذلك بلا أيّ مُخَاَلَطَة منه لو عملتم بكلّ أخلاق الإسلام ، وهذا من فضله سبحانه ورحمته وكرمه وحبه لخَلْقه وحرصه علي إصلاحهم وإكمالهم وإسعادهم في الداريْن
ومعني " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿34﴾ " أي كُنَّ دوْماً ذاكراتٍ مُتَدَبِّراتٍ وإن استطعتُنَّ حافظات ، وأنتم أيها المسلمون جميعا ، كونوا دائما ذاكرين مُتَدَبِّرين وإن استطعتم حافظين ، لآيات الله ، أي للقرآن الكريم ، وعامِلين وعامِلات بها كلها في كلّ شئون حياتكم ، وداعِين وداعِيات جميع الناس ما استطعتم لها بكل قدوةٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حَسَنَة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ ، واذكروا وتَذَكَّروا واعْمَلوا بالحكمة التي في هذه الآيات أي بما فيها من مَوَاعِظ ووصايا وأخلاقيّات وتشريعات وأنظمة وكذلك بالحكمة التي في سُنَّة الرسول ﷺ في كلّ أقواله وتصرّفاته والتي هي أفضل وأكمل تَرْجَمَة عمليّة في الحياة لهذه الآيات ، لأنها حتماً الحِكمة المُسْعِدَة تمام السعادة لكلّ مَن يعمل بها في دنياه وأخراه .. " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿34﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال ، كان تعالي لطيفاً أي يُوصل خيراته وأفضاله وإحساناته التي يشاؤها لأهل الخير – بل ولكلّ خَلْقه – بكلّ لُطفٍ أيْ مِن حيث لا يشعرون دون ثِقَلٍ عليهم وبأسبابٍ مُيَسَّرة كثيرة قد يُدْرِكُون بعضها أو لا يُدركون وقد يكون بعضها ظاهِره شرّ لكنّ باطنه خير كثير فهو يجعل من المِحْنَة مِنْحَة ومن الصعب سهلا ، وهو لطيف أي ليس ثقيلا وإنما يَدخل بخِفّة إلي دقائق الأمور ويَعْرفها بعلمه التامّ سبحانه ، وهو عزّ وجلّ اللطيف تمام اللّطْف أي الرقيق الرفيق تمام الرِّقّة والرفق .. إنه أيضا كان " خَبِيراً " أي عليما بكلّ خِبْرة عن كلّ شيءٍ وعن أسرار الأمور وخفايا العقول .. فانتبهوا إذن لكلّ ذلك وأحسِنوا التعامُل معه ومع دينه الإسلام ومع كل خَلْقه لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
أما معني " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿35﴾ " أي هذه هي صِفات الإسلام كله ، مِن قام بها علي أكمل وجهٍ مُمْكِنٍ مِن الرجال والنساء فقد اكتملَ إسلامه وسَعِدَ تمام السعادة في دنياه وأخراه وأسعدَ مَن حوله كذلك فيهما .. والمسلمون والمسلمات هم الذين اجتهدوا في التمسّك بكلّ أخلاق إسلامهم في كلّ شئون حياتهم .. والمؤمنون والمؤمنات هم الذين آمنوا أي صَدَّقوا بوجود الله تعالي وبقرآنه وبرسله وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره .. والقانِتون والقانتات هم الذين يُوَاظِبون علي طاعة الله تعالي في كل ما طَلَبَه منهم في وصاياه في الإسلام باختيارهم وبرضاهم وبكلّ حبٍّ لربهم ولطاعته واطمئنانٍ به وسكونٍ له .. والصادقون والصادقات هم الذين يَنطقون بما يُطابِق الواقع تماما ولا يَكذبون ولا يقولون إلا حقا وصدقا ولا يخلفون وعودهم ومواعيدهم وعهودهم ولا يَخونون الأمانات بكلّ أنواعها وهم أيضا المُخْلِصون المُحْسِنون في كل أقوالهم وأفعالهم في كل شئون حياتهم ﴿برجاء مراجعة معاني الإخلاص والإحسان في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. والصابرون والصابرات هم الذين يَثْبتُون ويَصمدون ويَستمرّون بكل هِمَّة علي تمسّكهم بربهم وإسلامهم فيفعلون كلّ خيرٍ ويتركون كل شرّ وإن أصابتهم فتنة ما أي اختبارٌ أو ضررٌ ما صبروا عليه واستعانوا بربهم ولجأوا إليه ليَخرجوا منه مُستفيدين استفادات كثيرة في دنياهم وأخراهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الداريْن﴾ .. والخاشِعون والخاشعات هم الذين يَخافون الله ويُراقبونه ويَستشعرون عظمته وهيبته ويَخضعون لوصاياه وإرشاداته التي أوصاهم بها في إسلامه وذلك في كلّ أقوالهم وأفعالهم فهُم مِن المُتّقين أي المُتَجَنِّبِين لكلّ شرٍّ يُبعدهم ولو للحظة عن حبّ ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. والمُتَصَدِّقون والمتصدقات هم الذين يُنفقون من أموالهم وجهودهم وصحتهم وأوقاتهم وأفكارهم وغيرها ممَّا أنعَمَ خالقهم به عليهم من النِعَم في أيّ وجهٍ من وجوه الخير حسبما يستطيعون استصحابه من نوايا في عقولهم بما يُسْعِد كل لحظات حياتهم هم ومَن حولهم وبما يجعل لهم أعظم الأجر في آخرتهم ، هذا ، والزكاة من التزكية أي الترقية والنمُوّ والسُّمُوّ في الأفكار والأخلاقيّات والمعاملات .. والصائمون والصائمات هم الذين يصومون شهر رمضان وغيره .. والحافظون فروجهم والحافظات أي الذين يمنعون العضو التناسليّ عن الزنا وهو الجِمَاع الجنسيّ بين رجل وغير زوجته وعن اللواط وهو جماع جنسيّ بين رجلٍ ورجلٍ وإدخال العضو في فتحة الشَّرَج وما شابه هذا ، فهم لا يُجَامِعُون إلا زوجاتهم .. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أي الذين يُدَاوِمُون علي ذِكْر الله تعالي في كلّ أحوالهم وطوال يومهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن صور الذكْر وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿35﴾ " أي جَهَّزَ الله لهم المغفرة أي مَحْو الذنوب وعدم العقاب عليها إضافة للأجر العظيم ، في دنياهم وأخراهم ، فهم يعيشون حياتهم في تمام الخير والسعادة في رحمات الله وعفوه وما يَتْبَع ذلك حتما من تيسيره وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ورزقه وقوَّته ونصره ، ثم في آخرتهم لهم بالقطع تمام الغفران والرضوان في أعلي درجات الجنات حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر
أما معني " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿36﴾ " أي لا يكون مُتَصَوَّرَاً ولا يُعْقَل ولا يَصِحّ ولا يَلِيق مِن مؤمنٍ أي مُصَدِّقٍ بوجود الله وبقرآنه وبرسوله ﷺ وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره ، أن يَقضيَ الله أي يَحْكُم بحكمٍ أو تشريع أو نظام أو خُلُقٍ أو تذكرةٍ في القرآن الكريم ، أو يقضي رسوله ﷺ في سُنَّته بشيء والتي هي تفصيل وتوضيح لأحكام ووصايا الله تعالي ، ثم يَتَرَدَّد هذا المؤمن ولو للحظة هل يختار ما اختاره الله ورسوله له أن يعمل به لكي يَصْلُح ويَكْمُل ويَسْعَد هو ومَن حوله تمام السعادة في دنياهم وأخراهم أم لا ؟!! وهو يعلم تماما أنَّ الذي خَلَقَه هو وحده العالِم به وبما يُصْلِحه ويُكْمِله ويُسْعِده في الداريْن !! أو أن يَختارَ نظاماً أو تشريعا آخر مُخالِفاً لما قضَيَ به سبحانه في نظام الإسلام مُضِرَّاً مُتْعِسَاً له فيهما !! أو إذا قَضَيَ الله عليه باختبارٍ أو ضررٍ ما ، أساء التعامُل معه ولم يَصْبِر عليه ليَخرج منه مُستفيدا استفادات كثيرة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الصبر وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿36﴾ " أي ومَن يفعل ذلك ، أي يُخالِف نظام الله ورسوله ، نظام الإسلام ، ويفعل الشرّ المُضِرّ المُتْعِس ويترك الخير المُفيد المُسْعِد ، فإنه بالتأكيد قد ضاعَ ضياعا واضحا حيث تَعِسَ تمام التعاسة في دنياه وأخراه ، لأنه قد ابتعد تماما عن طريق الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ ، طريق الإسلام ، طريق الحقّ والعدل والخير والسعادة في الدنيا والآخرة
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴿37﴾ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴿38﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ دائما مِن المُصْلِحين الذين يُحسنون تقديم النصيحة والمَشُورَة المُخلصة للمتخاصمين عموما ، وللأزواج والزوجات خصوصا إن كنتَ مُستطيعا مُؤَهَّلاً لذلك ، لأنَّ الصلحَ وحُسن توجيه مَن استشارك بكل صدقٍ أمرٌ خيرٌ مُسْعِدٌ في الداريْن يحفظ حُسن العلاقات بين كل أفراد المجتمع فيقوَيَ ويَرْقَيَ ويَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم ، بينما بالخلاف والنزاع وسوء التوجيه والإرشاد والنُّصح يَضعفون ويَتخلّفون ويَتعسون فيهما .. وإذا كنتَ من المتقين لله تعالي أي المُتَجَنِّبِين لكلّ شرٍّ يُبعدهم ولو للحظة عن حبّ ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. وإذا كنتَ دائما مِن الذين يُقَدِّمون خشية الله تعالي أي خوفه ومراقبته وتعظيم هيبته في كل قولٍ وعمل علي خشية الناس ، فإياك أن تفعل شرّاً ما لأنهم يريدونه أو هو مِن عاداتهم وتقاليدهم ونحو هذا أو تترك خيراً ما لأنهم لا يريدونه أو ليس من بيئتهم وعُرْفهم الذي عَرفوه وما شابه ذلك ، وإنما عليك التمسّك دوْما بكل أخلاق الإسلام أينما كنت مع حُسن دعوتهم له وللخير الذي فيه بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وبما يناسبهم ويناسب ظروفهم وأحوالهم وبيئاتهم وثقافاتهم وعلومهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ من المتمسّكين بكل أخلاق إسلامك والذي ليس فيه أيّ حَرَج أيْ شِدَّة وضيق بل كله سهولة ويُسْر لتسعد تمام السعادة في الداريْن ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ .. " أي واذكر يا محمد ﷺ – ويا كلّ قاريءٍ للقرآن – قصة الرجل الذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمتَ أنت عليه بحُسن المعاملة والحب وتحريره من العبودية للغير لأنه كان عبدا يُبَاع ويُشْتَرَيَ ، حين جاءك يشتكي عدم التوافق مع زوجته فكنت تقول له ناصحا بالإبقاء عليها وإصلاح ما بينهما وأن يكون من المتقين لله عند التعامل معها فيُحسن إليها ولا يُسيء فهذا ممّا يساعد علي أن يقترب كل منهما بخطوة للآخر فتَنصلح وتَسعد الحياة بينهما .. " .. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ " أي تكتم بداخل عقلك درجة ما من درجات الحرج مِن أنه لو طلّقها فقد يُقال كذا وكذا عنك ، وأنت الذي تريد الإصلاح بصدق وإخلاص ولا مصلحة لك فيه ، فقد يُقال مثلا أنك تريد الزواج منها أو ما شابه هذا ممّا قد يحدث أحيانا أثناء الصلح من ظنون سَيِّئة مِن بعض المُتابعين للأمر ، فلا يدفعك كلام بعض الناس السَّيِّئين هذا إلي ترْك ما تراه مُصْلِحَاً مُخْلِصَاً صادِقَاً لمَن يَستشيرك أيها المُصْلِح أو ترْك الإصلاح بين الناس أصلا ، وانتبه أنه قد يكون الذي يَستشيرك هذا يريد الطلاق بالفِعْل لاستحالة الحياة بينه وبين زوجته فلا تنصحه بالإمساك عليها إذن لأنّ مثلا عادات البيئة التي هو منها يَتَحَرَّجون من الطلاق رغم أنه حلال في الإسلام ما دام كان هناك سبب عادل ، وعندما يريد الله تعالي إظهار شيء مَخْفِيّ مِن أجل مصلحةٍ ما لخَلْقِه سيُظهره قطعا لإصلاحهم ولإسعادهم بتقديرِ وتيسيرِ أسبابه فهو العالِم بكلّ شيءٍ والقادر عليه ، فاسْتَمِرّ يا كلّ مُصْلِحٍ في فِعْل الخير الذي هو الإسلام إذن دائما ليسعد به الجميع ولا تهتمّ ولا تتأثّر بمِثْل هؤلاء السَّيِّئين ولا تخشاهم ولا تفعل شرَّاً لتُجَارِي الناس خشيةً مِن مُعَارَضَة عاداتهم وأعرافهم المُخَالِفة للإسلام والمُضِرَّة والمُتْعِسَة للجميع في الداريْن ، فالله تعالي هو الأحقّ بالخشية سبحانه وهو الذي سيُحَاسِبك علي كل أقوالك وأفعالك يوم القيامة فانْتَبِه لذلك وأحْسِن الاستعداد له بفِعْل كل خيرٍ وترْك كل شرّ .. " .. فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا .. " أي فلمّا أنْهَيَ زيد – وهو الصحابي الجليل زيد بن حارثة والذي كان قد تَبَنَّاه الرسول ﷺ قبل منع الإسلام للتَّبَنِّي – مِن زوجته وَطَرَه أي حاجته منها أي لم يَعُد له رغبة فيها أي يريد طلاقها ، أعطيناك الإذن بالزواج منها ، وذلك لحِكْمة هامة وتكون أنت أول مَن يُطَبِّق هذا الحُكْم في الإسلام علي نفسك ليَقتدي بك كل المسلمين مِن بعدك ولا يَتَحَرَّجون من فعله ، وهو أنهم كانوا يُحَرِّمون علي أنفسهم مُطَلَّقَة الابن المُتَبَنَّيَ رغم أنه لا شيء في الزواج منها في الإسلام فهي ليست كالإبن من الصلب والذي الزواج من مُطَلّقَته يُنافِي الفطرة وتَشْمَئِزّ منه لأنه قد يأتي مثلا للأب منها أبناء يكونون أخوة لأحفاده الذين هم منها ومن إبنه !! فلما مَنَعَ الإسلام التَّبَنِّي ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿4﴾ من هذه السورة ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عنه﴾ أراد مَنْع كل آثاره فأباح الزواج منها فلا يكون علي المسلمين أيّ حرج أي ضيق وشعور بأنهم قد ارتكبوا إثما في الزواج من مُطَلّقات أبنائهم الذين كانوا يَتَبَنُّونهم إذا أنْهوا وَطَرَهَم منهنّ أي لم يَعُد لهم رغبة فيهنّ أي يريدون طلاقهنّ .. " .. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴿37﴾ " أيْ تشريع الله وحُكْمه لابُدّ أن يكون مُتَّبَعَاً مَفْعُولاً مَعْمُولاً به عمليا في واقع حياة المسلم المتمسّك بكل أخلاق إسلامه ، كما أنَّ أيّ أمرٍ يريد الله تعالي فِعْله في كَوْنه لابُدّ أن يُيَسِّر أسبابه فيكون مَفعولا حاصِلا كما يريد تماما بكل تأكيد ولا أحد يمكنه رَدّه أو منعه أو الفرار منه بل سيكون واقعا مُحَقَّقا في التوقيت والمكان وبالأسلوب الذي يريده سبحانه دون أيّ تَغَيُّر أو تَخَلّف
أما معني " مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴿38﴾ " أي لا يَلِيق ولا يُعْقَل ولا يُتَصَوَّر أن يَفرض الله للنبي ﷺ وللمسلمين من بعده أي يُوصيهم ويُخَصِّص لهم ويُلزمهم بإسلامٍ فيه تشريعات وأنظمة ووصايا وأخلاقيات يكون فيها حرج أي شدّة وضيق وخطأ وتعاسة عليهم ! وإنما هي كلها تيسيرات وتوسيعات وسعادات لهم تُسعدهم تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، وليس عليهم إذن أيّ حرج أيْ إثم أو لوْم في فِعْلها ! بل هم مُطَالَبُون بفِعْلها لِتَتِمَّ سعادتهم في الداريْن .. " .. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ .. " أي هذه هي طريقة الله تعالي دائما مع كل الذين رَحَلوا وذهَبوا وانتهوا من الخَلْق من قبلكم ، أن يُرْسِلَ إليهم مع رسله إسلاما سهلا يُيَسِّر ويُسعد لهم الدنيا والآخرة ولا يُضَيِّق عليهم أبدا سبحانه أيّ خيرٍ مُسْعِدٍ لهم فيهما ، فليس هو إذن أمرا جديدا غير مُجَرَّبٍ يُخْشَيَ أو يُتَحَرَّج منه ومن تطبيقه عمليّا في الحياة !! .. " .. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴿38﴾ " أي كل تشريعات الله تعالي ، وكل تقديراته في كوْنه ، مُقَدَّرَة تقديرا بكل تأكيد ، أي مَوزونة اتّزانا ومُحْكَمَة إحكاما ومحسوبة حسابا دون أيّ عَبَث وبكل تمامٍ وكمال ، ولابُدّ أن تتحقّق وتَقَع في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا من أجل مصلحة خَلْقه وإسعادهم ولا يستطيع أيّ أحدٍ أن يمنعها أو يُغَيِّرها ﴿برجاء أيضا مراجعة الآية السابقة " .. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴿37﴾ " ، لتكتمل المعاني وتَثبت وتتأكّد﴾
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴿39﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحْسِنون دعوة الآخرين لله وللإسلام بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ دائما مِن الذين يُقَدِّمون خشية الله تعالي أي خوفه ومراقبته وتعظيم هيبته في كل قولٍ وعملٍ علي خشية الناس ، فإيّاك أن تفعل شرّاً ما لأنهم يريدونه أو هو مِن عاداتهم وتقاليدهم ونحو هذا أو تترك خيراً ما – ومنه الدعوة لله وللإسلام – لأنهم لا يريدونه أو ليس من بيئتهم وعُرْفهم الذي عَرفوه وما شابه ذلك ، وإنما عليك التمسّك دوْما بكل أخلاق الإسلام أينما كنت مع حُسن دعوتهم له وللخير الذي فيه بما يُناسِبهم ويُناسب ظروفهم وأحوالهم وبيئاتهم وثقافاتهم وعلومهم
هذا ، ومعني " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ .. " أي هذا مَدْح وتشجيع لكل المسلمين أن يكونوا كلهم كذلك – مثل الصالحين السابقين – مِن الذين يوصلون وصايا الله ومواعظه وتشريعاته وأنظمته وأخلاقياته في الإسلام لكل مَن يستطيعون توصيلها إليهم بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حَسَنَة حتي يَسعد الجميع بها تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ .. " أي هذا مَدْح آخر وتشجيع إضافيّ لكل مسلم أن يكون دائما مِن الذين يُقَدِّمون خشية الله تعالي أي خوفه ومراقبته وتعظيم هيبته في كل قولٍ وعملٍ علي خشية الناس .. فإيّاك أن تفعل شرّاً ما لأنهم يريدونه أو هو مِن عاداتهم وتقاليدهم ونحو هذا أو تترك خيراً ما – ومنه الدعوة لله وللإسلام – لأنهم لا يريدونه أو ليس من بيئتهم وعُرْفهم الذي عَرفوه وما شابه ذلك ، وإنما عليك التمسّك دوْما بكل أخلاق الإسلام أينما كنت مع حُسن دعوتهم له وللخير الذي فيه بما يُناسبهم ويُناسب ظروفهم وأحوالهم وبيئاتهم وثقافاتهم وعلومهم .. " .. وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴿39﴾ " أي يَكفِي مِثْل هؤلاء كفاية تامّة ويُطَمْئِنُهم اطمِئْناناً كاملا ، ولن يحتاجوا قطعا غير ذلك أو أفضل منه ، أنه سبحانه بكرمه ورحمته وفضله وإحسانه وعدله هو الذي سيكون مُحَاسِبا لهم حافظا لكل أعمالهم والتي سيُجازيهم عليها بكل تأكيد بما هو أعظم منها ، في دنياهم أولا حيث تمام السعادة والخير والكفاية التامّة بالنصر والعوْن والرعاية والرضا والحب والأمن ، ثم في أخراهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر .. وكذلك بالقطع سيُحاسِب سبحانه كلّ مَن فَعَلَ شرَّاً وسيُجازيه بما يستحِقّه مِن كل شرٍّ وتعاسةٍ بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم ، في دنياه بدرجةٍ ما من درجات القَلَق أو التوتّر أو الضيق أو الصراع أو الاقتتال مع الآخرين وبالجملة بكلّ ألمٍ وكآبة وتعاسة ، ثم في أخراه له حتما ما هو أشدّ تعاسة وأعظم وأتمّ
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿40﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكلّ شيءٍ المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هو دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، لأنّ فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله مِن كل سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمَكَانَة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ .. " أي ليس محمد ﷺ أبا لأيِّ أحدٍ منكم ُأبُوَّة حقيقية ، أي مِن صُلْبه ، لأنه حتي الأبناء الذكور الأربعة الذين كانوا مِن صلبه ﷺ ماتوا صغارا قبل أن يكونوا رجالا ، ولعلّ الحكمة من ذلك ألاّ يُقَدَّس أحدٌ بعده ﷺ ويُقَدَّس كلامُه ويُخْلَط بالإسلام فيَحدث الخَلَل والتحريف له ، كما أنه ﷺ ليس أباً بالتَّبَنِّي لأيٍّ منكم لأنّ الإسلام قد منعه لأضراره ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿4﴾ من هذه السورة ، للشرح والتفصيل﴾ ، وإن كان الجميع يتمنَّيَ بكل تأكيدٍ أن يكون الرسول ﷺ أفضل الخَلْق أباه ، وإن كان هو ﷺ بالفعل كالأب لكل الخَلْق من ناحية الرأفة والحب والرعاية وتَمَنِّي تمام الخير والسعادة لهم في دنياهم وأخراهم ، وهو يستحقّ منكم قطعا كلّ التعظيم والتقدير والإكرام كما تُكرمون آباءكم ، لكنه ﷺ هو أشرف وأعلي درجة من ذلك بكثير ، إنه رسول الله ﷺ المُتَّصِل بخالقكم ومُرَبِّيكم ورازقكم وراعيكم ويُوحَيَ إليه منه ليُرشدكم لِمَا يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم في دنياكم وأخراكم ، كما أنه لا نبيّ بعده فهو خاتم الأنبياء أي آخرهم وليس هناك إسلام سيأتي بعد ما معكم في القرآن الكريم الذي جاءكم به ﷺ والذي هو الصالِح لأنْ يُسعدكم جميعا في حياتكم بكل مُتَغَيِّراتكم ومُتَغَيِّراتها حتي يوم القيامة تمام السعادة وبالتالي فحافظوا علي قرآنكم وإسلامكم أشدّ المحافظة وتمسّكوا به كله أشدّ التمسّك لِتَتِمّ سعادتكم في الداريْن ولا تتركوه بعضه أو كله وإلا تعستم تعاسة فيهما تُعَادِل مِقدار بُعْدكم عن أخلاقه .. " .. وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿40﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي بكلّ شيءٍ عليما تمام العلم الذي ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه ولذلك أرسل إليكم هذا الرسول الكريم ﷺ وهذا القرآن العظيم وهذا الإسلام الحَنِيف أي البعيد عن أيّ باطل لأنه الأعلم بخَلْقه صَنْعَته وما يُصلحهم ويُكملهم ويُسعدهم في دنياهم وأخراهم ، فتمسّكوا بهم تمام التمسّك ليَتحَقّق لكم ذلك تماما وبكلّ تأكيد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿41﴾ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿42﴾ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿43﴾ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴿44﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن الذاكرين الله تعالي كثيرا ، بلسانك تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وشكرا واستغفارا ودعاءً وغيره ، وبعقلك بتَدَبُّر واستشعار هذه الأذكار لتُحَرِّك مشاعر الخير بداخلك فتنطلق لعمله علي أرض الواقع ، وبعملك باستحضار نوايا الخير بالعقل عند كلّ قولٍ تقوله وكلّ عملٍ تعمله ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿41﴾ من سورة آل عمران ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن الذكْر وفوائده وسعاداته في الدنيا والآخرة﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿41﴾ " أي يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود الله تعالي وبقرآنه وبرسله وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره وتمسّكوا بإسلامهم ، كونوا دائما مِن الذاكرين الله تعالي كثيرا ، بألسنتكم تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وشكرا واستغفارا ودعاءً وغيره ، وبعقولكم بتَدَبُّر واستشعار هذه الأذكار لتُحَرِّك مشاعر الخير بداخلكم فتنطلقون لعمله علي أرض الواقع ، وبأعمالكم باستحضار نوايا الخير بالعقل عند كلّ قولٍ تقولونه وكلّ عملٍ تعملونه مِن علمٍ وإنتاج وإنجاز وكسب وربح وفكر وتخطيط وابتكار وبناءٍ وإدارة وعلاقات اجتماعية جيدة وإنفاقٍ مِن مالٍ وجهدٍ وصحة وغيره علي أبناء وأزواج وأقارب وجيران وعموم الناس ، فليس عمل الخير مقصورا فقط علي إطعام المساكين وكفالة الأيتام رغم أهمية ذلك ، بل كلُّ عامِلٍ لله بطاعةٍ ، أيّ طاعة ، أيّ خيرٍ مُسْعِدٍ للذات وللآخرين ، يكون ذاكرا لله تعالي .. وبهذا تكون حياتكم كلها ذكرا لربكم ومعه ، فتَسعدون أعظم السعادة فيها ، ثم أتمّ وأخلد في آخرتكم .. وأثناء ذلك وفي مُقَابِله وبفضلٍ وكرمٍ مِن ربكم ، سيُيَسِّر لكم كلّ أمرٍ مُعَقَّدٍ ، ويفتح أمامكم كل باب مُغْلَق ، وتُحقّقون معظم أو كل ما تريدون ، وتكونون مِمَّن لو أقسمَ علي الله لَبَرَّ قَسَمَه !
ومعني " وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿42﴾ " أي سَبِّحوه تعالي ، أي نَزّهوه ، أي ابْعِدُوه عن كل صفةٍ لا تليق به ، فله كل صفات الكمال ، وبالتالي فاعبدوه فهو المُسْتَحِقّ وحده للعبادة ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿42﴾ " أي اذكروه وصَلّوا له واعبدوه وافعلوا كل خيرٍ في كل الأوقات ، في كل لحظات حياتكم ، حين المساء وحين الصباح وفي كل وقت ، لتَسعدوا تمام السعادة بذلك في دنياكم وأخراكم .. هذا ، وتخصيص الله تعالي للتسبيح رغم أنه نوعٌ مِن الذكْر وذلك للتنبيه لأهميته ، وكذلك تخصيص الصباح والمساء لأهمية الذكر في هذه الأوقات من أجل التجهيز والاستعداد لليوم صباحا بالاستعانة بالله تعالي ثم مساءً للمراجعة وللاستغفار ممَّا قد يكون حَدَثَ فيه من أخطاءٍ فيكون اليوم كله سعيدا رابحا في الداريْن ، ثم كلّ الأيام ، ثم بالتالي كلّ الحياة
أما معني " هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿43﴾ " أي هذا تشجيعٌ علي مزيدٍ مِن الذكْر ، أي هو تعالي الذي يُصَلّي عليكم ، أيها المؤمنون ، أي يَذْكُرُكم ويَرْحَمُكم ويَتَوَاصَل معكم بكلّ عوْنٍ ورعاية وبَرَكَة وحبّ ورضا وخير ، لأنَّ الصلاة أصلا ما هي إلا ذكْر ورحمة وتَوَاصُل ، وهو أيضا يأمر ملائكته بذِكْركم والدعاء والاستغفار لكم لتَستشعروا أنّ الكوْن كله معكم فتطمَئِنّوا بذلك وتَنتفعوا وتَسعدوا به ، وكلّ هذا الفضل العظيم هو بسببِ وفي مُقابِل ذِكْركم له سبحانه ، والذي أوْصاكم به في الآيتين السابقتين والذي استجبتم له وُقمْتم بفِعْله ، فاستَمِرُّوا إذن علي دوام ذِكْركم الكثير هذا طوال يومكم وحياتكم والذي به وبِسَبَبِه سيُخْرِجكم تعالي حتما مِن الظلمات إلي النور ، أي مِن التعاسات الناتِجَة عن الشرور والمَفاسد بكلّ أنواعها إلي السعادات التامّات الناتجة عن الخير بكلّ أنواعه ، أي سيُيَسِّر لكم وسيُوَفّقكم لكل خيرٍ وسيَمنعكم مِن أيّ شرّ ، وسيَجعلكم تَسْتَمِرّون علي ذلك ، ما دُمْتُم مُسْتَمِرِّين علي دوام ذِكْره .. " .. وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿43﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي بالمؤمنين به المتمسّكين بكلّ أخلاق إسلامهم الذاكرين له كثيرا ، رحيماً بهم مُحِبّاً لهم في دنياهم وأخراهم ، ففي الدنيا لهم تمام الخير والسعادة ، لأنه سيُوَفّر لهم كلّ الحب والرضا والرعاية والأمن والعوْن والتوفيق والسداد والنصر والرزق والقوة ، ثم في الآخرة سيكون لهم حتماً ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد
ومعني " تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴿44﴾ " أي عندما يُلاقِي المؤمنون الله تعالي يوم القيامة يُحَيِّيهم تحِيَّةً كلها سلام وأمن مِن كلّ سوءٍ وتَحْمِل كلّ خيرٍ ورضا وسعادة ، وهم أيضا يُحَيِّ بعضهم بعضا وتُحَيِّيهم الملائكة بالسلامة والطمأنينة والراحة ، وكذلك عند موتهم ومُلاقاة مَلَك الموت يبدأهم بالسلام أي بإعطائهم الأمن والتبشير بالخير عند قَبْض أرواحهم ، وهل بَعْد كلّ هذا أيّ تكريمٍ آخر ؟! وهذه هي فقط بداية التكريم حيث قد أعدَّ أيْ جَهَّزَ لهم خالقهم الكريم عطاءً كريماً أيْ نَفِيسَاً طيِّبا عظيم الشأن هو الأكرم علي الإطلاق يُكرَّمُون به حيث يَدخلون الجنة خالدين فيها بلا نهاية يَتَنَعَّمُون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر علي قلب بَشَر
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿47﴾ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿48﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِمَّن يُحْسِنون دعوة الآخرين لله وللإسلام بكل قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كان الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ وقرآنه العظيم وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أيّ باطل ، هم دائما مَرْجعك في كل مواقف ولحظات حياتك ، فسَتَجِد البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كلّ شيء ، وستجد الشفاء كله مِن كلّ سوءٍ في العقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، وستجد النور كله ، والهُدَي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والرحمة كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنت مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دائما من المتوكّلين علي الله تعالي – مع إحسان اتّخاذ كل الأسباب المُمْكِنَة – أي المُعتمدين عليه سبحانه ، أي ممَّن يجعلونه وكيلا لهم مُدافعا عنهم حيث سيُيَسِّر لهم كل أسباب النصر والعِزّة والأمان والنجاح والتفوّق والسعادة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا .. " أيْ بَعَثْناك قائداً مُعَلِّما مُعِينَاً مُقَوِّمَاً مُصَحِّحَاً لغيرك ، كالشاهِد في المحكمة يُعين القاضي ويُصَحِّح له رؤيته في قضيته ليَحكم فيها حُكْما صحيحا عادلا ، فكونوا كذلك جميعا أيها المسلمون ، كونوا شاهِدين مثل قدوتكم ﷺ ، أي كونوا دعاةً هُدَاةً للعالَمين ، تدعونهم لعبادة ربهم وحده ﴿برجاء مراجعة معاني العبادة في الآيات الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، وتدعونهم للتمسّك بإسلامهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، ليَسعد الجميع بذلك في دنياهم وأخراهم ، تدعونهم بكلّ حِكمةٍ وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وفوائدها وسعاداتها في الدارين﴾ .. ثم يوم القيامة ستكونون في أعلي مَكَانَة مع رسولكم الكريم ﷺ ومع كلّ الرسل ، ستكونون شاهِدين علي مَن آمنَ بربه مثلكم أي صدَّق به وبآخرته وعمل بأخلاق إسلامه فسَعِد في دنياه ثم سيَسعد أكثر وأعظم في أخراه ، وعلي مَن كَذّبَ وتَرَكَ إسلامه كله أو بعضه فتَعِس في دنياه أشدّ التعاسة ثم سيَتعس أكثر وأعظم في أخراه ، وذلك لِصِدْقكم ولمَكَانتكم عند ربكم وثقته بكم وحبّه وتكريمه لكم .. " .. وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ " أيْ تُبَشِّر – ويُبَشِّر المسلمون كلهم مِن بعدك وكلّ مسلم هو داعي إلي الله والإسلام بما يستطيع – أي تأتي بالخَبَر السَّارَّ وهو تمام الخير والسعادة في الدنيا والآخرة لكلّ مَن آمَنَ بربه وتمسّك بأخلاق إسلامه ، وتُحَذّر بكلّ شرٍّ وتعاسة فيهما ، كلّ مَن كذّبَ وعانَدَ واستكبرَ واستهزأ وتَرَكَ الإسلام كله أو بعضه ، حيث سيَذوق ما يُناسِب شروره ومَفاسده وأضراره بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ .. " أي وخلاصة ما سَبَقَ والترجمة العملية التفصيلية له هو أن تكونوا جميعا أيها المسلمون قدْر استطاعتكم دعاةً للعالَمين ليَعبدوا ربهم وحده وليتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم ليَسعدوا تمام السعادة في دنياهم وأخراهم ، حيث الشاهِد والمُبَشِّر والنذير يُوَضِّح القواعد العامة للعبادة وللإسلام والداعي يقوم بتوضيح التفاصيل وكيفية تطبيقها ﴿برجاء مراجعة الآية السابقة لتكتمل المعاني﴾ .. " .. بِإِذْنِهِ .. " أي بأمره وبتوجيهه وبإرشاده وبتوصيته لكم وبتيسير أسباب الدعوة عليكم ، وتَدْعون بما أكرمكم وأَذِنَ لكم به وهو القرآن والإسلام ولا تدعون بأمرٍ آخر مُخَالِفٍ له ، فاهتمّوا بهذا الأمر وهذا الإذن وهذا التكريم وهذه الوصيّة وهذه المهمَّة بما استطعتم ولا تعتبروه اختياريا تفعلونه أو لا تفعلونه وذلك حتي ينتشر الإسلام ليَسعد به الجميع في الداريْن .. " .. وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾ " أي وأيضا لتكون ولتكونوا جميعا كالمصباح المُضِيء الذي يُنير طريق الحياة للناس بالقرآن وبالإسلام حتي يروا بكل وضوح أين الصواب مِن الخطأ وأين الخير مِن الشرّ في كل شئونها ليسعدوا فيها تمام السعادة ثم ليكون لهم في الآخرة ما هو أسعد وأتمّ وأعظم وأخلد
ومعني " وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿47﴾ " أي أَخْبِرْهم وذَكِّرهم دائما بمَا يَسُرُّهم بما هو في القرآن الكريم ليكون تشجيعا لهم علي مزيدٍ مِن الاستمرار علي إيمانهم بربهم وتمسّكهم بإسلامهم ودعوة غيرهم له ليَسعد الجميع بذلك في الداريْن ، وهو أنَّ لهم مِن ربهم عطاءً كبيرا مُتَضَاعِفاً مُتَزَايدَاً ، في دنياهم حيث تمام الخير والسعادة ، ثم في أخراهم ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد
ومعني " وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿48﴾ " أيْ تَعَامَلوا معهم أيها المسلمون بأخلاق الإسلام لكنْ إيّاكم أبداً أن تُطيعوهم فيما يُخالِفها وإلا تَعِسْتم مثل تعاساتهم في دنياكم وأخراكم .. والكافرون هم الذين لا يُصَدِّقون بوجود الله أصلا ومَن يُشبههم مِن المُلْحِدين وأمثالهم .. وكذلك لا تُطيعوا المُشركين أي الذين يعبدون غير الله تعالي كأصنامٍ أو أحجار أو كواكب أو نحوها .. والمنافقون هم الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ .. " .. وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا ﴿48﴾ " أي واتركوا وترفعوا عن إيذائهم ومقابلتهم بالإساءة كما يفعلون معكم فإن ذلك هو خُلُق الإسلام كما أنه قد يؤثر فيهم ويستفيقون ، كذلك اتركوا جانبا ولا تهتموا ولا تتأثروا أبدا بإيذائهم واصبروا عليه واستمروا في تمسككم بإسلامكم ودعوتكم له بكل قدوة وحكمة وموعظة حسنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿143﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن فوائد الصبر وسعاداته في الدنيا والآخرة لمن يصبر علي اختبار أو ضرر ما أصابه .. ثم برجاء مراجعة الآية ﴿111﴾ من سورة آل عمران " لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى .. " ، لمزيد من الشرح والتفصيل﴾ ، فيكفيكم كفاية تامّة ولن تحتاجوا قطعا غير ذلك أو أفضل منه أنَّ الله تعالي خالقكم القوي المتين القادر علي كل شيء الودود المحب لكم الرحيم بكم هو وكيلكم ، أي الحافظ لكم المدافع عنكم ، فهل تحتاجون وكيلا آخر بعد ذلك ؟!! فكونوا دائما من المتوكلين أي المعتمدين عليه سبحانه مع إحسان اتخاذ الأسباب الممكنة ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿51﴾ ، ﴿52﴾ من سورة التوبة ، للشرح والتفصيل عن التوكل﴾ ، واطمئنوا اطمئنانا كاملا واستبشروا وانتظروا دائما كل خير ونصر وسعادة في دنياكم ثم أخراكم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿49﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿50﴾ ۞ تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴿51﴾ لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴿52﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يُحْسِنون مُعامَلة أزواجهم ويحرصون علي سعادة بيوتهم وأسَرهم وعائلاتهم وأبنائهم ، فإنَّ الأسرة والعائلة هي أساس وحَجَر مِن أسُس وأحجار بناء المجتمع ، فإذا صلحت وسعدت ، صلح وسعد الجميع ، في دنياهم وأخراهم .. والعكس صحيح قطعا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿187﴾ من سورة البقرة ، ثم الآيات ﴿226﴾ حتي ﴿237﴾ منها ، ثم الآية ﴿37﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن أسباب السعادة الزوجية وكيفية تلافِي الخلافات وحلّها إذا وقعت﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا .. " أي يأيها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبرسله وبقرآنه وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره وتمسّكوا بإسلامهم ، إذا عقدتم عقد زواج ما ثم لم يحدث توافق بينكما وحَدَثَ طلاق قبل الدخول والجماع فلا يوجد عندئذ عِدَّة للمرأة تُحْسَب ، وهي الفترة الزمنية التي يتمّ عدّها بعد الطلاق لمدة ثلاثة أشهر حتي يتبيَّن عدم وجود حمل ، وبما أنه لم يحدث جماع فلا يوجد إذن سبب لهذه العِدَّة ، ومن حقّ المُطًلَّقة في هذه الحالة أن تتزوج بمَن تشاء بمجرد الطلاق .. هذا ، ويُلاَحَظ استخدام القرآن الكريم للفظ تمسّوهُن بدلا من تُجامعوهن لمزيدٍ من الأدب لتدريب المسلمين علي حُسن انتقاء الألفاظ عند الحديث ليَسعد الجميع بذلك .. " .. فَمَتِّعُوهُنَّ .. " أي في هذه الحالة إن لم تكونوا قد حَدَّدتم لهنَّ مَهْرَاً مُعَيَّنَاً ، فأعطوهنّ المُتْعَة ، وهي مبلغ من المال أو الشيء العَيْنِيّ كتَرْضِيَة لنفسيّة المُطلّقة في مُقَابِل طلاقها ويكون علي قدْر الاستطاعة ، أمّا إن كان هناك مَهْر مُحَدَّد فيكون لها نصفه كما قال تعالي في الآية الأخري : " .. وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ﴿البقرة : 236﴾ .. " .. وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿49﴾ " أي أطلقوا سراحهنَّ ، أي لا التزامات عليهنّ نحوكم بعد طلاقهنَّ ، ويكون هذا التسريح بصورةٍ جميلة أي حَسَنَة سهلة دون أيّ إساءةٍ أو عنفٍ أو إضرارٍ مع الكلام الطيّب والمُتعة التي سَبَقَ ذِكْرها
أما معني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿50﴾ " أيْ أحِلَّ للمؤمنين الزواج مِن كلّ النساء غير المُحَرَّمات اللاتي ُذكِرْنَ في سورة النساء في الآية ﴿23﴾ ﴿برجاء مراجعة تفسيرها لتكتمل المعاني﴾ ما داموا قد أعطوهنَّ أجورهنَّ أي مهورهنَّ التي يُتَّفَق عليها بينهم وبينهنَّ ، وُأحِلَّ كذلك مِلْك اليمين وهُنَّ النساء اللاتي يُأْسَرْنَ في الحروب – مِمَّا أفاءَ الله أي أعطاه وأنعمَ به علي المسلمين بعد الانتصار علي أعدائهم – ويُرِدْنَ الزواج فتقوم الدولة بترتيب زواجهنَّ مِمَّن يريدون الزواج منهنّ ، وُأحِلَّ أيضا زواج بنات العَمّ والعمّات والخال والخالات ، ومَن لهنَّ ميزة الهجرة وهُجران وتَرْك المعاصِي وفِراق الأوطان مِمَّا هو دَلَاَلَة مِن الدَّلاَلاَت علي تمام الإيمان والتمسّك بأخلاق الإسلام ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿218﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل عن الهجرة والجهاد في سبيل الله وصورهما وفوائدهما وسعاداتهما في الدنيا والآخرة﴾ .. " .. وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .. " أي لكنَّ هذا النوع من الزواج كان خالِصَاً للنبي ﷺ أي خاصَّاً به حلالا له هو فقط وليس لعموم المسلمين مِن بعده ، وهو الزواج مِمَّن لو حَدَثَ ووَهَبَت نفسها له ، أي ليتزوجها بدون مَهْر ، وأراد الرسول ﷺ أن ينكحها أي وافق علي عَرْضها هذا بأن يتزوجها ، لكنه ﷺ لم يستخدم هذا الأمر الذي أحلّه الله له ، كما ذَكَرَ بعض العلماء ، وإنما كان مزيدا من التكريم والتعظيم له ﷺ أنَّ النساء يَتَمَنّين أنْ يَكُنَّ زوجات له لعظيم خُلُقه حتي ولو تَنَازَلْنَ عن بعض حقوقهنّ ، فلو حَدَثَ ووافق ﷺ علي أمرٍ مِثْل هذا فلا شيء عليه حينها .. وهو أمرٌ خاصٌ بالنبي ﷺ لأنه لو سَمَحَ الإسلام للمسلمين بالزواج بدون تكلفة فقد يُؤدِّي هذا إلي ضررٍ بَالغ وهو عدم شعور الرجال بالمسئولية عن الأسرة وقيمتها وكرامتها ومكانتها وحمايتها وترقيتها وإسعادها في الدنيا والآخرة وقد يُسَهِّل ذلك الطلاق أو الزواج بعقدٍ شَكْليّ لا يدوم أو سهولة الزنا أو ما شابه هذا من أضرارٍ وتعاسات .. هذا ويجوز للمرأة بالقطع التنازُل عن مَهْرها كله أو بعضه أو تأجيله كله أو بعضه .. " .. قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ .. " أي نحن بالفِعْل وبالقطع وعلي وجه التحقيق والتأكيد نعلم الذي قد فرضناه عليهم قبل ذلك في الزواج – وفيما امتلكوه من النساء اللاتي يتمّ أسْرهنَّ في الحرب ﴿برجاء مراجعة ما كُتِبَ سابقا﴾ – ليسعدوا به في الداريْن والذي منه أنه لابُدَّ مِن المَهْر ووجود شاهِديْن ووَلِيّ للزوجة لكي يُعْقَد الزواج ولو كان هناك سبب لتعدّد الزوجات فلا يَزِدْنَ عن أربع ومَن يَحِلّ لهم مِن النساء ومَن لا يَحِلّ والعلاقات الطيبة المُسْعِدَة بين الأزواج والزوجات وما شابه هذا من الفروض والوَصَايا .. " .. لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ .. " أي حتي تَخْرج من الشعور بالضيق والحَرَج والشدَّة المُتْعِسَة – ويَخْرج كلّ المسلمين مِن بعدك مِن أيّ حَرَج مِن أيّ أحد – إذ كلّ هذه الوصايا في الإسلام هي ليست مِن عندك ، ولا مِن عندهم ، وإنما مِن عند ربهم خالِقهم الذي يعلم بتمام العلم ما يُصلح جميع الناس ويُكملهم ويُسعدهم تمام السعادة في دنياهم وأخراهم .. " .. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿50﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي غفورا رحيما ، أي يغفر الذنوب ويرحم الناس بأنْ وَسَّعَ عليهم المَوَاعِظ والتشريعات في الإسلام ليَسعدوا ولم يُضَيِّقها فيَتعسوا .. إنه تعالي هو الغفور الذي يَعفو عن الذنوب ولا يُعَاقِب عليها لكلّ مَن تابَ توبة صادقة وَرَدَّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إنْ كان الذنبُ مُتَعَلّقا بهم ، الرحيم الذي رحمته وَسِعَت كلّ شيء وهي أوسع مِن أيّ ذنب ودائما تسبق غضبه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة مِن أيّ ذنب﴾
ومعني " تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴿51﴾ " أيْ لكلّ مسلمٍ أن يُرْجِي أي يُرْجِيءَ أي يَتركَ زواج مَن شاء ويُؤْوِي إليه أي يُقَرِّب ويضمّ أي يتزوج مَن شاء مِن النساء غير المُحَرَّمات اللاتي ُذكِرْن في سورة النساء في الآية ﴿23﴾ ﴿برجاء مراجعة تفسيرها لتكتمل المعاني﴾ ، بحيث لا يَجمع بين أكثر من أربعة .. " .. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ .. " أي ومَن طَلَبْتَ ورَغبْتَ فيه مِن النساء مِمَّن عَزَلْتَها أي طلّقتها وتركتَ جِمَاعها أيها المسلم أيْ أردتَ إعادتها بعد الطلاق ما دام لم يكن طلاقا باتّاً ، فلا إثم عليك في هذا .. " .. ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ .. " أي ذلك الذي شرعناه لكم في الإسلام أيها المسلمون من حيث علاقة الرجال بالنساء أقرب إلى رضا نفوس كلّ النساء ، وكل الرجال ، وأقرب إلى عدم حُزنهنّ وإلى قبولهنّ له ، لأنهنّ يعلمنَ أنه وحيٌ من الله تعالى وليس باجتهادٍ مِن أيّ أحد ، ومتى عَلِمْنَ ذلك قَرَّت أعينهنّ أي استقرَّت وسَكَنَت واطمأنت وطابَت نفوسهنّ أي عقولهنّ .. " .. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ .. " أي والله تعالى خالقكم يعلم قطعا تمام العلم ما في عقولكم والمشاعر بداخلها من حب وكُره ، ومن مَيْلٍ إلى شيء وبُعْدٍ عن شيء آخر ، ولذا كانت تشريعاته ووصاياه في الإسلام كلها مناسبة مُسْعِدَة لكم في دنياكم وأخراكم .. " .. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴿51﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي عليما أي كثير تامّ العلم بعلمٍ ليس بعده أيّ علمٍ أكثر منه بكل خَلْقه وما يُسِرّون وما يُعلنون وبما يُصلح الناس ويُكملهم ويُسعدهم تمام السعادة في الداريْن ، حليما أي كثير الحلم أي شديد طويل الصبر أي لم يُسارع بالعقوبة لأيّ أحدٍ قبل الإرشاد والتعليم ، ومِن حِلْمه ألاّ يُعاقبكم فوريا بما صَدَرَ منكم وما أصَرَّت عليه عقولكم من الشرّ بل يترككم لفتراتٍ لمراجعة ذواتكم لتعودوا إليه وإلي إسلامكم لتسعدوا في الدنيا والآخرة
ومعني " لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴿52﴾ " أي لا يحلّ لك أيها المسلم أن تتزوج مِن النساء مِن بَعْد اللاتي أحللنا لك الزواج بهنَّ وهُنَّ الأصناف التي سَبَقَ الحديث عنهنّ في الآية قبل السابقة " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ .. " ﴿برجاء مراجعة تفسيرها لتكتمل المعاني﴾ .. " .. وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ .. " أيْ ويحرم بالقطع استبدال رجل لزوجته بزوجة رجل آخر لحُسنها ولجمالها كما كان يفعل بعض أهل الجاهلية الجاهلين قبل الإسلام ، كما يُمْنَع طلاق الرجل لزوجته لاستبدالها بأخري لأنه فقط قد أعجبه حُسنها لضرر ذلك وتعاساته عليها ، وكذلك يُمْنَع طلاق زوجة مسلمة واستبدالها بزوجة أخري غير مسلمة لحُسنها .. هذا ، ومن معاني الآية الكريمة عند كثيرٍ من العلماء أنها خاصّة بالرسول ﷺ تكريما لزوجاته اللاتي اخترنَ الله ورسوله كما في الآية ﴿29﴾ ﴿برجاء مراجعة تفسيرها لتكتمل المعاني﴾ فلا يُطَلّق أيّ واحدة منهنّ مهما كان – كما يفعل البعض من تطليق زوجته ليتزوج بأخري لأنه أعجبه حسنها – لأنهنّ أمهات المؤمنين وبطلاقهنّ لن يتزوجهنّ أحدٌ فيكون ذلك إيذاءً شديداً لهنّ .. " .. إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ .. " أي لكن يُسْتَثْنَيَ مِن هذا التحريم مِلْك اليمين ﴿برجاء مراجعة تفسير الآية ﴿50﴾ من هذه السورة ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴿52﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي مُرَاقِبَاً مُطّلِعَاً على كلّ شيءٍ من أحوالكم أيها الناس حافظا له تمام الحفظ وسيُحاسبكم عليه فاحذروا أن تتجاوزوا ما شَرَعَه لكم في الإسلام من وصايا وضوابط مُسْعِدَة ، لأنّ هذا التجاوُز يؤدى إلى عدم رضاه عنكم وتعاستكم في الداريْن
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴿53﴾ إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿54﴾ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴿55﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من الذين يَستأذنون قبل الدخول إلي بيوتٍ غير بيوتهم ، لأن عدم الاستئذان يعني أنّ شَرَّاً ما قد يَحدث كإيذاءٍ مِن نوعٍ ما لِمَن بداخل البيت بما يُتعس الناس في دنياهم وأخراهم ، بينما بالاستئذان يحدث التآلف فيكون به كلّ خيرٍ وسعادة لهم فيهما ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿27﴾ ، ﴿28﴾ ، ﴿29﴾ من سورة النور ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ من الذين يتمسّكون بأخلاق الإسلام عند التعامُل بين الرجال والنساء والتي منها غضّ البصر ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿30﴾ ، ﴿31﴾ من سورة النور ، للشرح والتفصيل﴾ والكلام بجدّيَّة دون ميوعة ويكون بسبب ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿32﴾ من سورة الأحزاب ، للشرح والتفصيل﴾ وعدم الخَلْوَة وهي أن يَخْتَلِيَ رجل بامرأةٍ من غير المُحَرَّمَات عليه في مكانٍ يمكنهما فيه ارتكاب الفواحش كالزنا وغيره ، وما شابه هذا من وصايا الإسلام التي تُسْعِد وتحفظ المجتمع وتَحميه من الشرور والمَفاسد والأضرار المُتْعِسَة للجميع في دنياهم وأخراهم .. وبالجملة ستَسعد تمام السعادة إذا كنت متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ .. " أي يا أيها الذين صَدَّقوا بوجود ربهم وبرسله وبقرآنه وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره وتمسّكوا بكل أخلاق إسلامهم ، كونوا من الذين يَستأذنون قبل الدخول إلي بيوتٍ غير بيوتهم ، لأنّ عدم الاستئذان يعني أنّ شرَّاً ما قد يَحدث كإيذاءٍ مِن نوع ما لِمَن بداخل البيت بما يُتْعِس الناس في دنياهم وأخراهم ، بينما بالاستئذان يَحدث التآلف فيكون به كلّ خيرٍ وسعادة لهم فيهما ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿27﴾ ، ﴿28﴾ ، ﴿29﴾ من سورة النور ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. هذا ، والإذن من صاحب البيت لمَن يدخله يكون للضيافة للطعام أو الشراب أو التَّسَامُر في الأحاديث الطيبة النافعة أو لأداء عملٍ ما أو ماشابه هذا ممّا يُفيد ويُسْعِد في الداريْن .. " .. غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا .. " أي إذا كانت الدعوة لطعامٍ يحتاج إلي فترة لطَهْيِه فلا تذهبوا مُبَكّرا جدا بحيث تنتظروا تسويته وطَهْيه ووقت تجهيزه وإحضاره ، وإنما توازَنوا وتوَسَّطوا واعْتَدِلوا في توقيت الحضور ، فلا هو بالمُبَكّر بحيث تُعَطّلوا أهل البيت وتَطُول فترة بقائكم فتؤذونهم بحضوركم بدلا أن تُسعدوهم ، ولا هو بالمُتَأخِّر بحيث يَحدث الخَلَل والاضطراب والتعاسة .. " .. فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ .. " أي بعد إنقضاء الهدف من الدعوة واللقاء فلا تَمكثوا كثيرا – إلا إذا كان هناك سبب للبقاء لمدة وبطلب صاحب البيت ورغبته وموافقته – ولكن انتشروا أي انطلقوا ولا تَبْقوا تَتَحَدَّثوا بأحاديث الُأنْس أي السرور والارتياح والتي فيها تَسَامُر لمدة طويلة وليكن عندكم تقدير للأمور بحيث لا تُرهقوا أصحاب البيت وتَنفعوهم ولا تَضرّوهم وتُسعدوهم ولا تُتعسوهم ، وهم قد يَستحيون أي يخجلون منكم مِن كرمهم ولا يُعَبِّرون عن ضيقهم وتَعَبهم ، وهذا هو معني " .. إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ .. " .. " .. وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ .. " أي والله تعالى لا يَخْجَل مِن إظهار الحقّ ولا يَمتنع عن بيانه ولا يَترك ذلك ، بل مِن صفاته أن يقول الحقّ ولا يَسكت عنه ، في هذه الأمور وغيرها وفي كل ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم في دنياكم وأخراكم ، أي أنّ الخير والعدل وكلّ ما هو مُسْعِد لا يُمْكِن الاستحياء والخَجَل منه بل لابُدَّ أن يُعْرَف ويُنْشَر ولكن بكلّ حكمةٍ وموعظة حسنة ، والله سبحانه هو الذي يُوصيكم بكلّ خيرٍ وبكلّ وضوح وكمالٍ دون أيّ خَجَل في قرآنه وإسلامه فاعْمَلوا به كله لتسعدوا تمام السعادة في الداريْن ، وما يُخَالِفه فليس خيرا أبداً بل هو مُتْعِس تمام التعاسة فيهما .. وكما أنه سبحانه لم يَخْجَل من الحقّ فلا تَخْجَلوا منه أنتم أيضا .. " .. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .. " أي وعليكم بمراعاة أخلاق الإسلام عند تعامُل الرجال مع النساء والتي منها غضّ البصر ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿30﴾ ، ﴿31﴾ من سورة النور ، للشرح والتفصيل﴾ والكلام بجدّيَّة دون ميوعة ويكون بسبب ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿32﴾ من سورة الأحزاب ، للشرح والتفصيل﴾ وعدم الخَلْوَة وهي أن يَخْتَلِيَ رجل بامرأةٍ من غير المُحَرَّمَات عليه في مكانٍ يمكنهما فيه ارتكاب الفواحش كالزنا وغيره ، وما شابه هذا من وصايا الإسلام التي تُسْعِد وتحفظ المجتمع وتَحميه من الشرور والمَفاسد والأضرار المُتْعِسَة للجميع في دنياهم وأخراهم ، فهذا هو الأطهر للقلوب أي الأنظف والأنْقَيَ والأعَفّ والأسْلَم والأبْعَد عن التلوث بأيّ سوءٍ والأكثر راحة واطمئنانا للعقول بين الطرفين .. " .. وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ .. " أيْ لا يَحِلّ لأيّ أحدٍ ولا يَليق ولا يُعْقَل ولا يُتَصَوَّر أن يُؤْذِي أيّ أحدٍ الرسولَ الذي هو من عند الله والمُؤَيَّد منه بأيّ نوع من أنواع الإيذاء القوليّ أو الفِعْلِيّ فإنَّ إيذاءه هو بالقطع إيذاء لمن أرسله وإهانة له وهو الله تعالي ومَن أرسله لابُدَّ حتما سيَنتقم مِمَّن يُؤذيه بدرجةٍ ما مِن درجات الانتقام أي العذاب في الدنيا حيث القَلَق والتوتّر والضيق والاضطراب والصراع والاقتتال مع الآخرين وبالجملة سيكون له كلّ ألمٍ وكآبة وتعاسة ، ثم في الآخرة له بالتأكيد ما هو أشدّ عذابا وتعاسة وأعظم وأتمّ .. ثم كيف تُقَابِلون مَن يريد إرشادكم لكلّ خيرٍ وسعادة في دنياكم وأخراكم وهو الرسول ﷺ بإيذاء ؟!! وهذا هو معني " .. " .. إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴿53﴾ " .. " .. وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا .. " أي وكذلك ذنبٌ عظيم عليكم عند الله – إضافة إلي إيذائه ﷺ بأيّ قولٍ أو فِعْلٍ – الزواج مِن زوجاته مِن بعد وفاته ، لأنه لا يَحِلّ ذلك لكم ، لأنهنّ كأمّهاتكم في حُرْمَة الزواج منهنّ وفي التكريم والذِكْر الحَسَن لهنّ كلما جاء ذِكْرهنّ ، ولأنَّ أيّ أحدٍ لابُدَّ حتما هو أقلّ مرتبة من الرسول ﷺ فكأنَّ ذلك تقليل لمكانتهنّ ، فيكون عدم الزواج منهنّ تكريما لهنّ وللرسول ﷺ
ومعني " إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿54﴾ " أي إن تُظهِروا أيها الناس جميعا أيّ شيءٍ مِن أقوالكم أو أفعالكم مِن خيرٍ أو شرٍّ أو لا تُظهروه ، فإنّ الله كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي عليما أي كثير العلم أي يعلم بعلمٍ ليس بعده علم أكثر منه كلّ شيءٍ تظهرونه أو تخفونه ، وسيُحاسبكم عليه بالخير خيرا وسعادة ويَزيد ، وبالشرّ شرَّاً وتعاسة أو يعفو ، فانتبهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
أما معني " لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴿55﴾ " أيْ لمَّا نَزَلَ قوله تعالي " .. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .. " استفسرِ أقارب أمهات المؤمنين من الرجال عن وضعهم في التعامُل معهنّ ، فأكّد سبحانه أنّهنّ لا جناح عليهنّ أي لا إثم ولا حَرَجَ في ألاّ يَتَحَجَّبْنَ مِن المذكورين في هذه الآية الكريمة وهم بعض الذين ذكروا بالتفصيل في الآية ﴿31﴾ من سورة النور والتي كانت لعموم النساء ﴿برجاء مراجعة تفسيرها ، للشرح والتفصيل حيث هي الأشمل لكلّ الأصناف من الرجال ، وأمهات المؤمنين هُنَّ مثل بقية النساء المسلمات﴾ .. " .. وَاتَّقِينَ اللَّهَ .. " أي كنّ جميعا من المتقين أي الذين يتجنبون كل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جنته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كل خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴿55﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي شهيدا أي كثير الشهود أي شاهِداً علي الدوام لكلّ شيءٍ مِن أقوالكم وأفعالكم مِن خيرٍ أو شرٍّ سواء أكان ظاهرا أم خَفِيَّاً ، يراه بتمام الرؤية ويسمعه بتمام السمع ، وسيُحاسبكم عليه بالخير خيرا وسعادة ويَزيد ، وبالشرّ شرَّاً وتعاسة أو يعفو ، فانتبهوا لذلك وافعلوا كلّ خيرٍ واتركوا أيّ شرٍّ لتسعدوا تمام السعادة في دنياكم وأخراكم
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿56﴾ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿57﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خير ٍبعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُتَشَبِّها بالرسول الكريم ﷺ في كل أقواله وأفعاله ، وبالجملة إذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق الإسلام كما كان قدوتنا ﷺ ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿56﴾ " أي هو تعالي يَذْكُر الرسول ﷺ ويَرْحَمه ويكرمه ويَمدحه ويُبارك له وينصره ويَضَعه في أعلي مَكَانَة عندما كان في الدنيا ثم بعد انتهاء أجله في أعلي درجات الجنات في الآخرة ، وهو أيضا يأمر ملائكته بذِكْره والدعاء والاستغفار له ، وكلّ ذلك لحُسْن خُلُقه ، فإذا كان الله والملائكة يفعلون ذلك ، فتَشَبَّهُوا بهذا الخير وافعلوه أنتم أيضا أيها المؤمنون أي المُصَدِّقون بوجود الله وبقرآنه وبرسله وبآخرته واذكروه دائما في صلاتكم – كما في التَّشَهُّد – وخارجها بكل خيرٍ ومدح ودعاءٍ وتعظيم لأنه سبب هدايتكم للإسلام الذي يُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، وذِكْركم له هذا سيُذَكِّركم دائما بالتَّشَبُّه بأخلاقه لتنالوا مثل مَكَانته أو قريبا منها في الدنيا والآخرة ﴿برجاء مراجعة أيضا قوله تعالي : " هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " ﴿الأحزاب : 43﴾ ، لتكتمل المعاني ولمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن صلاة الله تعالي علي المؤمنين﴾ .. " .. وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .. " أي واستسلموا تمام التسليم لِمَا جاءكم به ﷺ من الإسلام واعملوا بكلّ أخلاقه لتسعدوا تمام السعادة في الداريْن .. وسَلّمُوه ﷺ أي ابعدوه عن كل صفةٍ لا تَلِيق به ، وسَلّموا عليه كذلك بأن تطلبوا له دوْما في الصلاة وغيرها تمام السلامة والسعادة والأمان والرحمة والمَكَانَة العالية العظيمة الكريمة عند الله تعالي في أعلي درجات جناته حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر
أما معني " إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿57﴾ " أي الذين يُؤذونهما بارتكاب ما لا يُرْضِيهما ، مِن كفرٍ وهو التكذيب بوجود الله أصلا ، أو شركٍ وهو عبادة غيره سبحانه كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه ، أو نفاقٍ وهو إظهار الخير وإخفاء الشرّ ، أو ظلمٍ واعتداءٍ وعدم عدل ، أو فسادٍ ونشرٍ للشرّ ، أو ما شابه هذا ممّا يُغضب الله تعالي والذي هو يُخالِف أخلاق رسوله ﷺ والإسلام .. وحيث أنه سبحانه لا يُمكن إيذاؤه ، فكلّ مَن يفعل ما يُؤذي الرسول ﷺ ويُغضبه ويُحزنه مِن قولٍ أو فعلٍ كترْكٍ لبعض الإسلام أو كله أو سَبٍّ لله أو له أو للإسلام والمسلمين أو ما شابه هذا ، فإنه يُؤذِي الله تعالي أي يُغضبه ويُعَاقِب عليه ، وذلك لمكانته ﷺ وتكريما وتعظيما له .. " .. لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿57﴾ " أيْ يَطردهم سبحانه مِن رحمته ويمنعهم من عوْنه وتوفيقه ويُبعدهم عن كلّ خيرٍ وسعادة في الدنيا والآخرة ، فهم حتما سيكون لهم في دنياهم كلّ عذابٍ يُهينهم ويحطّ مِن شأنهم ليكون مُقابِلا لإيذائهم لله ورسوله ﷺ وقرآنه وإسلامه والمسلمين الصالحين ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مُناسبا مُعَذِبا مُهينا لهم ، ثم قطعا سيكون لهم في أخراهم مٍن اللعنة والعذاب ما هو أشدّ إهانة وتعاسة وأعظم وأتمّ
ومعني " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿58﴾ " أي وكذلك كلّ من يُؤذِي المُصَدِّقين والمُصَدِّقات بوجود الله وبرسله وبقرآنه وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره المتمسّكين بكل أخلاق إسلامهم ، يُؤذيهم بقولٍ أو فِعْلٍ ما ، بغير أيّ ذنبٍ اكتسبوه أيْ فَعَلوه بحيث يستحقّون عليه العقاب وحتي لو فعلوا شرَّاً ما فإنَّ مَن يُعاقبهم هو المسئول مِن خلال القضاء وليس لأيّ أحدٍ أن يُؤذي أحدا آخر ، فإنْ حَدَثَ ذلك الإيذاء بغير حقٍّ وسببٍ فإنه يُؤذيه تعالي ويُغضبه ويُعَاقِب عليه ، أيضا لمَكَانتهم عنده بعد مكانة الرسول ﷺ لحُسن خُلُقهم وتكريما لهم ورفعا لشأنهم ونصرا وعوْنا وتوفيقا وإسعادا لهم .. وسيَتَحَمَّل حتما هؤلاء المُؤْذُون في ميزان سيئاتهم يوم القيامة إثم البُهْتان الذي فعلوه وهو أشدّ أنواع الكذب والافتراء الذي ليس له أيّ أصل ويُحَيِّر العقل لشدة غرابته وبعده عن الحقيقة وسيكون إثما مُبِينا أي واضحا لا يَخفَيَ سُوؤه علي أحد ، إضافة بالقطع إلي ما قد يَحدث لهم غالباً في دنياهم بسبب سُوئِهم هذا مِن بعضِ قلقٍ أو توتّر أو اضطراب أو صراع أو اقتتال مع الآخرين وبالجملة ما قد يَحدث لهم مِن ألمٍ وعذاب وكآبة وتعاسة ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿110﴾ ، ﴿111﴾ ، ﴿112﴾ من سورة النساء ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿59﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مِن الذين يُرَاعُون أخلاق الإسلام عند تعامُل الرجال مع النساء والتي منها غضّ البصر ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿30﴾ ، ﴿31﴾ من سورة النور ، للشرح والتفصيل﴾ والكلام بجدّيَّة دون ميوعة ويكون بسبب ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿32﴾ من سورة الأحزاب ، للشرح والتفصيل﴾ وعدم الخَلْوَة وهي أن يَخْتَلِيَ رجل بامرأةٍ من غير المُحَرَّمَات عليه في مكانٍ يمكنهما فيه ارتكاب الفواحش كالزنا وغيره ، وما شابه هذا من وصايا الإسلام التي تُسْعِد وتحفظ المجتمع وتَحميه من الشرور والمَفاسد والأضرار المُتْعِسَة للجميع في دنياهم وأخراهم ، فهذا هو الأطهر للقلوب أي الأنظف والأنْقَيَ والأعَفّ والأسْلَم والأبْعَد عن التلوث بأيّ سوءٍ والأكثر راحة واطمئنانا للعقول بين الطرفين
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ .. " أي يا كلّ مسلمٍ متمسّك بكلّ أخلاق الإسلام اقْتَدِي بقدوتك ﷺ وبأخلاقه وابدأ بنفسك في التمسّك بإسلامك واذكر لزوجاتك إنْ كنتَ متزوجا ولبناتك إن كنت رُزِقْتَ ببناتٍ مِن نَسْلِك ولعموم نساء المسلمين ، بكلّ حكمةٍ وموعظة حَسَنَة ، أن يُدْنين عليهنّ مِن جلابيبهنّ أي يُقَرِّبْنَ عليهنّ الثياب التي يَلْبَسْنَها أمام الرجال غير المحارم لهنّ ﴿برجاء الآية ﴿31﴾ من سورة النور ، للشرح والتفصيل عنهم ، ولمزيدٍ من الشرح والتفصيل عن زِيّ المرأة وزينتها﴾ بحيث تكون مَرْخِيَّة واسعة قريبة من الأرض وتَصِل إليها بحيث تَسْتُر كلّ جسدهنّ بدون أن تكون مُجَسِّمَة ولا شَفّافَة .. " .. ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .. " أي هذا السَّتْر والاحتشام له حِكْمة هامّة مُفيدة مُسْعِدَة – ككلّ أخلاق الإسلام – وهي أن يَجعلهنّ أقربَ إلي أن يُعْرَفْنَ أنهنّ عفيفات ويُمَيَّزْنَ عن غير العفيفات فلا يُؤذيهنّ أحدٌ من الذين في عقولهم مرضٌ أيْ شرٌّ وفسادٌ مَا بأيِّ قولٍ أو فِعْلٍ فاسدٍ مُضِرٍّ مُتْعِسٍ يُؤدّي إلي إيذائهنَّ نفسيا أو جسديا بصورةٍ ما من الصور .. " .. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿59﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازالَ وسيَستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كلّ صفات الكمال ، كان تعالي غفورا أي كثير واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه توبة صادقة ممّا وقع فيه من أخطاء وشرور وَرَدَّ الحقوق إلي أصحابها إنْ كان الذنب مُتَعَلّقا بحقٍّ لهم ، وكان أيضا رحيما بأنْ بَيَّنَ لكم في الإسلام كل ما يُصلحكم ويُكملكم ويُسعدكم تمام السعادة في دنياكم وأخراكم ، وهو الذي رحمته وَسِعَت كلّ شيء وهي أوسع من أيّ ذنب ودائما تَسبق غضبه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾
لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿60﴾ مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿61﴾ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿62﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا لم تكن منافقا ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متأكّدا بلا أيّ شكٍّ أنَّ أهل الحقّ والخير لابد حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ .. " أي إذا لم يَتَوَقّف المنافقون عن شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ومكائدهم التي يقومون بها في حقِّ الإسلام والمسلمين ، والمنافقون هم الذين يُظهرون الخير ويخفون الشرّ سواء أكان هذا الشرّ كفرا أي تكذيبا بوجود الله أصلا أم شركا أي عبادةً لغيره كصنمٍ أو حجر أو نجم أو نحوه أم ظلما واعتداءً وعدمَ عدلٍ أم فسادا ونشرا للشرّ أم ما شابه هذا .. " .. وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ .. " أي وكذلك إذا لم يَتَوَقّف الذين في قلوبهم أي في عقولهم مرضٌ ما كالشكّ مثلا في وجود الله أو الترَدّد بين الإيمان والكفر به سبحانه أو عدم التمسّك بأخلاق الإسلام بعضها أو كلها وتفضيل غيرها ممّا يَضرّ ويُتْعِس عليها أو كالرياء أي ليسوا مُخلِصين صادقين في قولهم أو عملهم مِن أجل الخير وإنما فقط يُحبون أن يَراهم الناس فيمدحوهم علي فِعْلهم ﴿برجاء مراجعة معاني الإخلاص في الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ ، أو ما شابه هذا من التفكير المَرَضِيّ غير السَّوِيّ ، وبالجملة الذين لا يُحسنون استخدام عقولهم فيُعَطّلونها بسبب الأغشية التي يضعونها عليها وهي الحرص الشديد الدائم علي ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره .. " .. وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ .. " أي وأيضا إذا لم يَتَوَقّف الذين يشِيعُون الإشاعات الكاذبة بين المسلمين ، والتي تؤدي إلي الرَّجْفَة أي الاضطراب والزلزلة بهدف إضعافهم ، عن فعل ذلك .. إذا لم يَتَوَقّف كلّ هؤلاء ومَن يشبههم عن هذا السوء الذي يفعلونه " .. لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿60﴾ " أيْ والله وبكلّ تأكيد لئن لم ينتهوا لنَحُثّنّكَ ولنُشَجِّعَنَّك ولنَدْفَعَنّك علي مُعاقبتهم ، مِن الإغراء أي الترغيب والحَثّ والتشجيع والدفع ، أي سنجعلك مُتَسَلّطا عليهم أي لك سلطان عليهم مُتَمَكِّنًا منهم عارفا بهم تُعاقبهم علي أفعالهم بما يناسبها – قبل عقوبة الآخرة – فذلك هو العدل لأنهم يستحقّون العقوبة ولعلها تُفيقهم وتُفيدهم في أن ينتهوا ويعودوا للخير وللصواب ، لربهم ولإسلامهم ، ليسعدوا في الداريْن .. " .. ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿60﴾ " أي حين نَفعل ذلك بهم ونُمَكّنم منهم أيّها المسلمون فلن يكون لهم حينها طاقة ولا قوة بكم ولا امتناع عنكم ولن يتمكّنوا من البقاء بجواركم في بلادكم إلا وقتا قليلا بعد انكشاف أمرهم وعقابهم وسيَفِرُّون خارجها أو تنفونهم أنتم كعقابٍ لهم ، ولو بَقِيَ منهم أحدٌ فلن يَبْقَيَ إلا العدد القليل وسيكون مُخْتَفِيَاً ضعيفا لا تأثير له عليكم وسترتاحون من شرورهم وتسعدون بذلك
أما معني " مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿61﴾ " أي مَطرودين مُبْعَدِين ، فهذا هو حال مثل هؤلاء دوْما ، من رحمة الله وعوْنه وتوفيقه وإسعاده في الدنيا ، ومن السعادة بالتعامُل معكم بحسن أخلاقكم حيث هم يتجنّبونكم لجُبْنِهم بسبب سوئهم وأنتم تتجنّبونهم لشرورهم ولفسادهم ، وبالتالي لا يَحْصُل لهم أبدا أمن ولا استقرار ولا اطمئنان ويخشون دائما أن يُعاقَبوا أو يُحْبَسُوا ، ومَطرودين ومُبعدين كذلك من بلادكم إذا عُوُقِبُوا قضائيا علي سُوئِهم بالنّفْيِ منها ، ثم في الآخرة مَطرودين قطعا من رحمات الله وجناته .. وهم بَعد الذي فعلوه من جرائم ، أينما وُجِدوا ، فعَلَيَ المسئولين منكم أخذهم وإمساكهم وعقابهم من خلال القضاء والعدل بما يستحقّون ممّا يُناسب شرورهم ومَفاسدهم وأضرارهم ، ومَن قَتَلَ منهم يُقَتَّل في المُقابِل تقتيلا أي قَتْلاً مُؤَكَّداً وشاملا ودون أن يَفلت منه أحد منهم وبأشدّ أنواع القتل مثلما قَتَل بكل عدلٍ دون أيّ ظلم
ومعني " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿62﴾ " أي هذه هي طريقة الله تعالي وأسلوبه وعادته دائما في كلّ السابقين الذين مضوا وذهبوا وانتهوا قبل ذلك ، ولن تتبَدَّل أيْ تَتَغَيَّر مطلقا إلي يوم القيامة ، أنَّ أهل الحقّ لابُدَّ حتما وبلا أيّ شك سيَنصرهم الله في كلّ شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴿64﴾ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿65﴾ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿66﴾ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿67﴾ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴿68﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآيات الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ مُوقِنا أي متأكّدا تماما بلا أيّ شكّ بالبعث بعد الموت ليوم القيامة حيث الحساب الختامِيّ لما فعلتَ ، وإذا كنت مِمَّن يتذكّرون دائما الآخرة ويُوقِنون أنه لن ينفع أحدٌ أحدا ، وإذا كنت مُتذكّرا للموت بين الحين والحين وبتَوَسُّط واعتدال ، فإنَّ هذا حتما سيَدْفع كل عاقلٍ لأن يُحْسِن الاستعداد لذلك بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿7﴾ ، ﴿8﴾ من سورة يونس ، لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مؤمنا لا كافرا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا بكل أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ .. " أي كلّ الناس يَستَفْسِرون ويَسْتَخْبِرون ويسألون المسلمين وغيرهم عن ما هي الساعة وما موعد قيامها وهل هي صدق أم كذب ونحو هذا من أسئلة مختلفة ، فالمسلمون يسألون عنها لكي يُحسنوا الاستعداد لها بفِعْل كلّ خيرٍ وتَرْك كلّ شرٍّ وليَحْيُوا حياتهم مُتَعَلّقِين بها مُتَشَوِّقين لخيراتها ولسعاداتها ، والمُكذبون والمُعاندون والمُستكبرون والمُستهزؤن ومَن يشبههم يسألون عنها استبعادا لها وتكذيبا لحدوثها وسُخرية منها ، والمُتَرَدِّدون بين الإسلام وغيره من الأنظمة والأديان يسألون عنها لعلهم يَتَثَبَّتُون ويهتدون للخير وللسعادة ، وهكذا .. والساعة هي وقت انتهاء الحياة الدنيا وابتداء الحياة الآخرة حيث ساعة الحساب الختاميّ لأقوالِ وأفعال البَشَر وحيث الثواب والعقاب والجنة والنار .. " .. قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾ " أي رُدُّوا علي السائلين أيها المسلمون وقولوا لهم إنّ وقتها في علم الله تعالي وحده ، وحتي رسله الكرام لم يعلم أيّ أحدٍ منهم موعدها ، وهذا مِن رحمته سبحانه وحبّه لخَلْقه ، لكي يَتوَقّعوها في كلّ وقت فيُحسنوا الاستعداد الدائم لها بفِعْل كل خيرٍ وترْك كل شرٍّ فيسعدوا بذلك ، ومَن يَدري ويعلم فلعل موعدها أو موعد ساعة السائل قريب ، أي نهاية أجله في الحياة وموته قد اقترب ، ومَن ماتَ فقد جاءت ساعته وقامت قيامته ، حيث الموت يأتي فجأة وكل ما هو آت فهو قريب حتما حتي لو تُوُهِّمَ أنه بعيد .. ثم مِن رحمته كذلك بعدم إعلام أحدٍ بها أو بموعد موته أنه لو كان أحدٌ يعلم ما يَحدث في اللحظة المستقبلية لَفَقَدَ الإنسان هِمَّته ونشاطه ولَقَعَدَ يَنتظر ما يعلمه أنه سيَحدث له !! ولَفَقَدَ بالتالي مُتعة الحياة وتنافسها والانطلاق والسعي فيها واستكشافها والتمتُّع بخيراتها والسعادة بها هي والآخرة لمَن يؤمن بها ويعمل لها باستصحاب نوايا خيرٍ بعقله عند كل أقواله وأفعاله الدنيوية .. إنه مِن الحِكمة عدم السؤال عن توقيتها بل السؤال عن كيفية الاستعداد لها ، بالعمل بكلّ أخلاق الإسلام وبحُسن طَلَب الدنيا والآخرة معا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿145﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآية ﴿14﴾ ، ﴿15﴾ منها ، ثم الآية ﴿212﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿87﴾ ، ﴿88﴾ ﴿الفقرة الثانية﴾ من سورة المائدة ، للشرح والتفصيل﴾
أما معني " إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴿64﴾ " أي طَرَدَهم وأبْعَدَهم في دنياهم عن حبّه ورضاه ورعايته وأمنه وعوْنه وتوفيقه وسداده وسعادته لهم سعادة حقيقية لا وَهْمِيَّة مُتَعَمِّقَة لا سطحية دائمة لا مُتَقَطّعَة ، والكافرون – ومَن يشبههم – هم الذين يُكذبون ولا يَعترفون بوجود الله أصلا ولا برسله وكتبه وآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره ، فتراهم دائما بسبب كفرهم في درجةٍ ما مِن درجات القلَق أو التوتّر أو الضيق أو الاضطراب أو الصراع أو الاقتتال مع الآخرين وبالجملة هم في كلّ ألمٍ وعذاب وكآبة وتعاسة .. " .. وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴿64﴾ " أيْ ثمّ في أخراهم جَهَّزَ لهم سبحانه – إضافة إلي لعنتهم كما كانوا ملعونين في الدنيا – ما هو أشدّ تعاسة وأعظم وأتمّ وأخلد ، لقد أعدَّ لهم سعيرا أي نارا شديدة الاشتعال ، وسيكون كلّ منهم في درجةٍ تُناسب شروره ومَفاسده وأضراره بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم
ومعني " خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿65﴾ " أي ماكِثين مُستمرّين في عذاب هذه النار الشديدة بلا نهايةٍ إلي ما شاء الله ، ولا يَجدون أيَّ وَلِيٍّ أيْ مَن يَتَوَلّيَ أمرهم فيُدافع عنهم ويَمنع دخولهم فيها ولا أيَّ نصيرٍ يَنصرهم بأنْ ينقذهم منها أو يُخَفّف عنهم شيئا من عذابها
ومعني " يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿66﴾ " أي في يوم الحساب والعقاب هذا والذي لن يكون لهم فيه أيّ وَلِيّ ولا نَصير ، ستُلَفّ وتُدَار وجوههم وأجسامهم مِن وَضْع لوضع ومن مكانٍ وألمٍ لآخر ومن تعاسة لأخري وهكذا ليذوقوا كلّ أصناف العذاب والإهانة والكآبة ، حينها يقولون – مِن شدّة حَسرتهم ونَدَمهم وألمهم وذِلّتهم – مُتَمَنِّين في أقوالهم أن لو كانوا في دنياهم مثل المسلمين قد أطاعوا الله تعالي والرسول ﷺ أي تمسّكوا بأخلاق الإسلام ولم يَتكبَّروا عليها ويَستهزؤا ويُكذبوا بها ليَسعدوا مثلهم تمام السعادة في الدنيا ثم ليكون لهم في الآخرة ما هو أعظم سعادة وأتمّ وأخلد ، ولكنَّ الأقوال هذه ستكون مجرّد أمنِيَّات وَهْمِيَّة مُستحيلة قد فات وقتها حيث الوقت وقت الحساب لا العمل ، وبالتالي فلن تنفعهم إلا بمزيدٍ مِن الحسرة والندم والهمّ والذلّة والألم
ومعني " وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿67﴾ " أيْ ويومها يقولون أيضا ، وهم في ألَمِهم وهَمّهم وحَسْرتهم ونَدمهم وذِلّتهم ، وعلي سبيل التّهُرَّب والاعتذار مُتَوَهِّمِين أنَّ ذلك قد يُخَفّف عنهم بعض عذابهم ، ربنا إننّا أطعنا في الدنيا ملوكنا ورؤساءنا وزعماءنا ، ولم نَتَّبِع رُسُلَك وإسلامك ، فأضاعونا وجعلونا ننحرِف عن السبيل ، أي عن الطريق المستقيم ، طريقك وطريق رُسُلِك ، طريق الإسلام ، طريق الهُدَي والحقّ والعدل والخير وتمام السعادة في الدنيا والآخرة .. ولكن لن يَنفعهم حتما أيّ شيءٍ مِن هذا التَّهَرُّب أوالاعتذار أو الندم لأنه مِن المعلوم لهم بكل تأكيدٍ أنهم قد اختاروا هذا الطريق الذي ساروا فيه ، طريق الشرّ والفساد والضياع ، بكامل حرية اختيار إرادة عقولهم ، مِن أجل تحصيل ثمنٍ ما مِن أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
ومعني " رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴿68﴾ " أي يا ربِّ أعطهم عذابا مُضَاعَفَاً مُناسبا لهم بسبب ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم ، وهذا نوعٌ من رغبة الانتقام منهم ، ولكلٍّ عذابه قطعا علي قَدْر شروره ومَفاسده وأضراره بكلّ عدلٍ دون أيّ ذرّة ظلم .. " .. وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴿68﴾ " أي واطردهم من رحمتك وأبعدهم عن مغفرتك طَرْدَاً وإبعاداً شديدا عظيما كثيرا لأنهم هم الذين كانوا سببا مِن أسباب العذاب المُهين الذي نحن فيه .. وهذا هو حال المجرمين دائما يَضُرّ ويُتْعِس بعضهم بعضا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿69﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هذه الآية الكريمة
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا تَشبَّهْتَ بالرسل الكرام في حُسن دعوتهم للآخرين وصبرهم علي أذاهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾ .. وإذا كنتَ متأكّدا بلا أيّ شكٍّ أنَّ أهل الحقّ والخير لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كل شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ .. " أي يا أيّها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبرسله وبقرآنه وبآخرته وحسابه وعقابه وجنته وناره وتمسّكوا بإسلامهم ، إيّاكم أن تَتَشَبَّهوا بالذين يُؤذون الرسل وغيرهم من عموم الناس ، وإلا تَعِستم تمام التعاسة مثلهم في دنياهم وأخراهم مثلما يَحدث دائما للمُؤْذِين المُجرمين كعقابٍ مِن الله لهم .. لقد آذَوْا كلّ الرسل كنوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد وغيرهم عليهم جميعا الصلاة والسلام ، بكلّ صور الإيذاء من تكذيبٍ و استخفافٍ و استهزاءٍ و إعراضٍ ومنع لنشر دعوة الإسلام وجدالٍ وعِنادٍ واستكبارٍ ومُرَاوَغَة وتجريح وتشنيع ومحاولاتِ اعتداءٍ وقتلٍ وما شابه هذا .. " .. فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا .. " أي أظهر الله براءتهم مِن كلّ سوء ، أي نجَّاهم ونصرهم ، لأنَّ مِن أسماء الله الحسنى الحقّ القادر النصير ، ومعنى هذا أنه سيُظهر الحقّ وسيَنصر أهله ، فأيّ متهمٍ بريء سوف يبرِّئه الله تعالي ، وأيّة تهمةٍ كاذبةٍ سوف يكشفها سبحانه ، وأيّ تطاولٍ ظالم سوف يَضَع الله صاحبه عند حَدِّه ، وهذا هو دائما حال أهل الحقّ والخير ، لابُدَّ حتما سيَنصرهم الله في كلّ شئون دنياهم صغرت أم كبرت ما داموا أحسنوا اتّخاذ كلّ الأسباب المُمْكِنَة والمُتَاحَة والمُسْتَطَاعَة لذلك ، وأنَّ أهل الباطل والشرّ لابُدّ حتما سيَنهزمون يوما ما ، في التوقيت وبالأسلوب الذي يراه سبحانه مناسبا مُسْعِدا لأهل الخير ومَن حولهم ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿12﴾ ، ﴿13﴾ ، ﴿116﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل﴾ ، فالنصر مِن عند الله تعالي وحده ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿121﴾ حتي ﴿127﴾ من سورة آل عمران ، ثم الآيات ﴿151﴾ ، ﴿152﴾ ، ﴿160﴾ منها أيضا ، للشرح والتفصيل﴾ .. " .. وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿69﴾ " أي له عند الله تعالى جاه عظيم أي قَدْر كبير وقيمة وسلطان وسيادة ومَكَانَة سامية ومَنزلة عالية ، وله بالتالي كلّ رضا ورعاية وأمن ورزق ونصر وتوفيق وعوْن وخير وسعادة في دنياه وأخراه .. وهذا بالقطع سيكون حال كلّ مسلمٍ يَتَشَبَّه بالرسل الكرام ما استطاع في تمسّكهم بكلّ أخلاق إسلامهم وبحُسن دعوتهم له بكلّ قدوةٍ وحكمة وموعظة حسنة وصبرهم علي أذي مَن يدعونهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿272﴾ من سورة البقرة ، ثم الآية ﴿187﴾ من سورة آل عمران ، للشرح والتفصيل عن الدعوة وأساليبها ووسائلها وموانعها وفوائدها وسعاداتها في الدنيا والآخرة﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿71﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنت مُسْتَصْحِبَاً دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ من المُتَّقِين أي المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جناته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم ، وهم لذلك أيضا دَوْما مِن المُخلصين المُحسنين في كل أقوالهم وأعمالهم ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل عن معني الإخلاص والإحسان﴾ .. وإذا كنتَ متمسّكا علي الدوام بكلّ أخلاق إسلامك ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ .. " أي يا أيّها الذين صَدَّقوا بوجود الله وبرسله وبقرآنه وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره وتمسّكوا بإسلامهم ، كونوا دائما مِن المُتَّقِين لله تعالي أي المُتَجَنِّبين لكل شرّ يُبعدهم ولو للحظة عن حب ربهم وعوْنه وتوفيقه ورضاه ورعايته وأمنه ونصره وقوَّته ورزقه وسعادته في الدنيا ثم أعلي درجات جناته في الآخرة ولا يَصِلُون أبدا لمرحلة إغضابه بل يُسارعون لفِعْل كلّ خيرٍ يُسعدهم ومَن حولهم .. " .. وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70﴾ " أي قولوا دائما قولا صائبا ، أي مُصِيبَاً للهدف ، أي الذي يُحَقق دوْما الحقّ والصدق والعدل والخير والسعادة للجميع ، أي الذي هو علي الدوام من أخلاق الإسلام ، لتسعدوا تمام السعادة بهذا في دنياكم وأخراكم .. بينما القول الغير السَّديد أي الخاطِيء الباطل الضلال الضياع الكاذب الظالم الشَّرِّيّ المُخَالِف للإسلام حتما يؤدي إلي تعاسة الجميع فيهما
أما معني " يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .. " أي هذا وعْدٌ مِن الله تعالي الكريم الذي لا يُخْلِف وعْده مُطْلَقاً ، أنهم إن اتقوا الله وقالوا قولا سديدا واستمرّوا علي ذلك ، كما في الآية السابقة ﴿برجاء مراجعتها لتكتمل المعاني﴾ ، فالنتيجة الحَتْمِيَّة لذلك ستكون تيسير الله لهم الأعمال والأقوال الصالحة وتوفيقهم لها وعوْنهم عليها وزيادتها لهم وتقبّلها منهم وعطاءهم عليها أعظم العطاء في دنياهم وأخراهم ، مع مَنْعهم وحفظهم مِن الشرّ وعوْنهم علي ذلك ، فيكونوا بالتالي دائما في كلّ قولٍ وعملٍ صالح ، فحالهم إذن دوْما صلاح في صلاح وسعادة في سعادة .. " .. وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .. " أي ويَعِدُكم أيضا يا مَن تستمرّون علي التقوي والقول السديد ، بالتوفيق للتوبة ممّا سَبَقَ مِن سوءٍ وممّا قد يَحدث منكم منه مستقبلا بحيث تَحْيون حياتكم مَغْفُورِي الذنوب ، وهل بعد ذلك مِن راحةٍ وأمنٍ وسعادة ؟! ثم تُقابِلون ربكم في آخرتكم بلا ذنوب في أعلي درجات الجنات .. " .. وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿71﴾ " أي والذي يَستجيب لوصايا وتشريعات الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ في الإسلام ، بفِعْل كلّ خيرٍ وترْك كلّ شرّ ، فقد نَجَحَ وربح قطعا نجاحا ورِبْحَا هائلا مُبْهِرَاً لا يُقارَن حيث تمام السعادة في دنياه ثم ما هو أتمّ سعادة وأعظم وأخلد في أخراه فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ علي قلب بَشَر
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿73﴾
بعض الأخلاقيَّات التي تُستَفاد من هاتين الآيتين الكريمتين
إنك ستَسعد في حياتك كثيرا ، وستَسعد في آخرتك أكثر بعظيم ثواب الله وأعلي درجات جناته إذا كنتَ مُسْتَصْحِبَا دائما نوايا خيرٍ بعقلك في كل قولٍ وعمل .. وإذا كنتَ عابدا لله تعالي وحده ولا تشرك معه شيئا آخر ، فهو الإله المعبود الواحد أي الذي ليس معه شريك ، الأحد أي الذي لا يَتَكَافَيء معه شيء ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿48﴾ ، ﴿51﴾ حتي ﴿57﴾ ، ﴿116﴾ حتي ﴿122﴾ ، ﴿172﴾ حتي ﴿175﴾ وكلها من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ مُخلصا مُحسنا دائما في كل أقوالك وأعمالك ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿125﴾ ، ﴿126﴾ من سورة النساء ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا كنتَ دوْما مِن الأمَناء المُوفِين بالأمانات كلها وبالعهود والمواثيق والمعاهدات والوعود والمواعيد وما شابه هذا ، مع الله تعالي ورسوله الكريم ﷺ بالوفاء معهما بالتمسّك بكل أخلاق الإسلام ، ثم مع جميع الخَلْق علي اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وعلومهم وبيئاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وتظلّ مستمرّا علي ذلك دون أيّ تبديل ، لأنه بانتشار هذه الأنواع من الوفاء ينتشر الأمن بين الناس فيَسعد الجميع في دنياهم وأخراهم ، بينما بانتشار الخيانة يفقدون أمانهم ويَتنازعون ويَتعسون فيهما .. وإذا كان الله تعالي ، ورسوله الكريم ﷺ ، وقرآنه المُبين أي المُبَيِّن المُوَضِّح لكلّ شيء المُسْعِد في الداريْن ، وإسلامه الحنيف أي البعيد عن أي باطل ، هو دائما مَرْجعك في كلّ مواقف ولحظات حياتك ، لأنّ فيه البيان كله أي التوضيح لقواعد وأصول كل شيء ، والشفاء كله مِن كلّ سوءٍ بالعقل مع قوة الإرادة العقلية كلها ، والهدي كله ، والتذكرة كلها ، والمواعظ كلها ، والصدق كله ، والحق كله ، والعدل كله ، والخير كله ، والحكمة كلها ، والمكانة كلها ، والأمن كله في الأرض كلها ، وبالجملة ستجد السعادة كلها في دنياك وأخراك ﴿ برجاء مراجعة الآيات ﴿65﴾ حتي ﴿70﴾ من سورة النساء لمزيدٍ من الشرح والتفصيل﴾ .. وستَسعد كذلك إذا لم تكن منافقا ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿6﴾ ، ﴿7﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾ .. وإذا لم تكن كافرا ﴿برجاء مراجعة الآيات ﴿8﴾ ، ﴿9﴾ ، ﴿10﴾ من سورة البقرة ، للشرح والتفصيل﴾
هذا ، ومعني " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ " أي هذا تذكيرٌ مِن الله تعالي الخالق الكريم للبَشَر بالقيمة العظيمة للإسلام ، ليهتمّوا به تمام الاهتمام وليتمسّكوا بكلّ أخلاقه وليحافظوا عليها تمام المحافظة فهي أمانة عندهم عليهم حفظها وعدم التفريط فيها حيث هي مصدر سعادتهم التامّة في دنياهم وأخراهم .. إنه مِن عِظَم هذه الأمانة وقيمتها وفضلها وقوة تأثيرها ، أنه لو ُفرِضَ علي سبيل التشبيه والمَثَل أنْ أطْلَعَ وأعْلَمَ الله بها مخلوقاته الأخري غير البَشَر وهي الشديدة القوة لكنها لا عقل لها كالسموات والأرض والجبال وطَلَبَ منها حَمْلها فإنّها لن تتحمّلها وستَأْبَيَ أي ترفض وتطلب الإعفاء وستُشْفِق أي تخاف مِن أن تُفَرِّط فيها لأنّها لا عقل لها ، لأنَّ الذي يتحمّلها لابُدَّ أن يكون أهلاً أي مُؤَهَّلاً لحملها ، لابُدَّ أن يكون مُكَرَّمَاً بل أكرم الخَلْق ، مُكَرَّمَاً بالعقل الذي يستطيع به أن يُدْرَك أهميتها فيتعامَل معها بما هي أهْل له من التعظيم والتقدير والمحافظة التامّة عليها والتمسّك بها علي أكمل وجهٍ وعدم التفريط ولو في ذرَّة منها ، ويكون بداخل هذا العقل فطرة مفطورة أي مَخلوقة ومُصَمَّمَة علي استقبالها وحبّها والتعلّق بها وحُسن التعامُل معها ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿172﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل عن الفطرة﴾ ، إنه الإنسان ، هو الذي فيه هذه الصفات ، هو المُؤَهَّل وحده مِن خالقه العظيم الكريم لحَمْل هذه الأمانة العظيمة ، وهذا تكريم وتعظيم له منه سبحانه ، ليُشَجِّعه علي أن يكون أهلاً لحُسن حملها في الحياة الدنيا ثم السؤال عنها بعد انتهائها يوم القيامة ، فليُقابِل إذن الإنسان هذا التكريم الكبير بأن يكون أهلاً له وليُحسن إذن حمل هذه الأمانة ، هذا الإسلام ، وليتمسّك بكلّ أخلاقه دون أيّ تفريطٍ في أيٍّ منها ، فإنْ فَعَلَ ذلك فسيكون في تمام السعادة في دنياه وأخراه ، لكنْ لو فَرَّط في أيِّ خُلُقٍ ولو يسير ، واختار بكامل حرية إرادة عقله الشرّ علي الخير حيث جعل الله له حرية الاختيار تكريماً وتشريفا له ، لَكَانَ حين تَفْريطه " .. ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ " أي كثير الظلم لنفسه ولمَن حوله حيث أتعسها وأتعسهم في الداريْن ، تعاسة علي قَدْر تفريطه ، ولن تعود إليه سعادته التامّة إلا إذا عاد إلي هذا الخُلُق الذي فَرَّطَ فيه فتَمَسَّكَ به .. وكان أيضا حين تفريطه جَهولاً أي كثير الجهل لأنه لم يُدرك نتائج وتعاسات هذا التفريط في الدنيا والآخرة ، وسيكون وقتها كالجَهَلَة الذين لا يعلمون أيّ علمٍ نافع مُفيد ، وهذا بسبب تعطيله لعقله وعدم إحسان استخدامه بسبب الأغشية التي وضعها عليه وهي الحرص الشديد الدائم علي تحصيل ثمنٍ ما من أثمان الدنيا رخيصٍ دنيءٍ زائلٍ يوما ما كمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره
أما معني " لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿73﴾ " أي لِيُعَذبهم بسبب خيانتهم للأمانة ، أي لِيَظْهَر نِفاق الْمُنَافِقِ وشِرْك الْمُشْرِك فَيُعَذِّبهما الله حيث جعلَ سبحانه نظام الحياة هكذا مُنَظَّمَاً بهذه الأمانة وهي الإسلام ﴿برجاء مراجعة الآية السابقة﴾ وجعلَ الإنسان له تمام حرية الاختيار بين الخير والشرّ بعقله ﴿برجاء مراجعة قصة الحياة وسبب الخِلْقَة في الآيات ﴿11﴾ حتي ﴿25﴾ من سورة الأعراف ، للشرح والتفصيل﴾ ، فمَن اختار الشرّ سواء أكان ذكرا أم أنثي ، أي اختار النفاق وهو إظهار الخير وإخفاء الشرّ ، أو اختار الشرك وهو عبادة غير الله تعالي كصنمٍ أو حجر أو نجم أو غيره ، أو اختار الكفر وهو التكذيب بوجود الله أصلا وبرسله وبقرآنه وبآخرته وبحسابه وعقابه وجنته وناره ، أو اختار الاعتداء والظلم والفساد وما شابه هذا ، فالنتيجة الحَتْمِيَّة أنه قد عَرَّضَ ذاته إذن لعذاب الله له في دنياه حيث يُعَذّبه بكلّ شرّ وتعاسة علي قَدْر شروره وأضراره ومَفاسده ، ثم لعذابه في أخراه بما هو أشدّ تعاسة وأعظم وأتمّ .. بينما مَن اختار الخير وتمسّك بأخلاق الإسلام ، بهذه الأمانة ، مِن ذَكَرٍ أو أنثي ، فله مِن الله بالقطع كلّ خيرٍ وسعادة في الدنيا والآخرة ، ويتوب علي ما يَصدر منه مِن بعض أخطاءٍ أحيانا حين يَستغفره لأنه سبحانه يعلم كَوْنه " ظَلُومًا جَهُولًا " كما ذكر في الآية السابقة أي مُعَرَّضَاً لأن يكون ظالما ويتصرّف تصرّفات الجهلة في بعض الأوقات إذا تَرَكَ بعضاً مِن أخلاق إسلامه ، وهذا هو معني " .. وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .. " .. " .. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿73﴾ " أي كان قبل خَلْق الخَلْق ولازال وسيستمرّ قطعا سبحانه لأنَّ له كل صفات الكمال ، كان من فضله وإحسانه علي كل خَلْقه غفورا أي كثير المغفرة الذي يعفو عن الذنوب ويَمحوها كأن لم تكن ولا يُعَاقِب عليها لكلّ مَن تابَ توبة صادقة وَرَدّ لأصحاب الحقّ حقوقهم إن كان الذنب مُتَعَلّقا بهم ، وكان رحيما أي كثير الرحمة أي الشفَقَة والرأفة والرفق الذي رحمته وَسِعَت كلّ شيءٍ وهي أوسع مِن أيّ ذنبٍ ودائما تَسبق غضبه ﴿برجاء مراجعة الآية ﴿119﴾ من سورة النحل ، للشرح والتفصيل عن كيف يَسعد المسلم كثيرا إذا كان دائم التوبة من أيّ ذنب﴾